الرئيسية / أخبار / روسيا واليابان.. خلاف الجزر يرسم المستقبل

روسيا واليابان.. خلاف الجزر يرسم المستقبل

Print Friendly, PDF & Email

د. سماء سليمان

اجتمع كلا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء اليابان شينزو آبي يوم 22 يناير 2019 بشأن إبرام معاهدة سلام بين البلدين والتي لم يتم الاتفاق بشأنها بينهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب نزاعهما على ملكية جزر الكوريل، وذلك بعد اتفاقهما في شهر نوفمبر 2018 على تسريع مفاوضاتهما في هذا الصدد وفقا للإعلان السوفيتي الياباني عام 1956 والذي أنهى الأعمال العدائية بين الدولتين، ولذا يمكن طرح عدد من الاسئلة منها: هل من الممكن توقيع كلا البلدين معاهدة سلام؟ وما هو مستقبل العلاقات بينهما؟

بداية، الجزر المتنازع عليها هي 14 جزيرة تقع بين اليابان وجزيرة ساخالين الروسية. وتبلغ مساحتها 15.5 ألف كيلومتر مربع، ويسكنها أكثر من 20 ألف نسمة، وتقسم إلى جزر سلسلة الكوريل الكبيرة، وضمنها جزيرة إيتوروب التي تبلغ مساحتها 3 آلاف كيلومتر مربع، وجزيرة كوناشير التي تبلغ مساحتها 1.5 ألف كيلومتر مربع، وسلسلة جزر الكوريل الصغيرة، وضمنها جزيرة شيكوتان البالغة مساحتها 182 كيلو متر مربع، وكذلك 5 جزر تابعة لارخبيل هابوماي ومجموعات من الجزر الصغيرة التي هي عبارة عن صخور بارزة من البحر، وهي جزر “اوسكولكي و” وديومين” و”سكالني” التي تبلغ مساحتها العامة 118 كيلومتر مربع.

أهمية هذه الجزر:

بالرغم من الصغر الجغرافي للجزر إلا أن جزر الكوريل الجنوبية لها وزن اقتصادي وعسكري استراتيجي، حيث تحتوي على ثروات كبيرة من النفط والغاز والمعادن (منها معادن نادرة كمعدن الريني الذي يوجد منجمه الوحيد في العالم في جزيرة إيتوروب التي تبلغ مساحتها 3 آلاف كلم مربع)، ناهيك عن وجود الموارد المعدنية المستكشفة، بما فيها التيتانيوم والمغنيسيوم والكوبلت والنحاس والرصاص والزنك والبلاتين والذهب والكبريت. كما يوجد في جزيرة ايتوروب حقل وحيد في العالم من معدن الريني النادر، ومخزون هائل من الثروات البحرية (يقدر ما يتم اصطياده سنوياً من المياه المحيطة بجزر الكوريل بنحو 1.6 مليون طن من الأسماك)، مما يشكل ثلث كمية السمك المصطاد في بحار الشرق الأقصى. وتتمتع بموقع استراتيجي وعسكري مهم، لذا فليس من المستغرب أن يدور حولها صراع متوارث ومتجدد عبر الأزمنة.

أسباب تنازع الطرفين على الجزر:

ترجع أسباب تنازع الطرفين على الجزر يأتي من أهمية الجزر للدولتين، فبالنسبة لروسيا، ترجع أهميتها من احتوائها على الموارد التي تحتاجها لتنمية اقتصادها في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، كما تكتسب جزر الكوريل، بما فيها الجنوبية منها، أهمية استراتيجية لروسيا، إذ انها عبارة عن خط وحيد من جهة المحيط الهادئ يسمح بالدخول في بحر أوخوتسك ومنطقة الشرق الأقصى الروسية المطلة على المحيط الهادئ. كما أنها تزيد إلى حد كبير من منطقة الدفاع القاري وتضمن أمن طرق المواصلات المؤدية إلى القواعد العسكرية الواقعة في شبه جزيرة كامتشاتكا كراي والرقابة على مياه بحر أوخوتسك والاجواء فوقها.

كما تستضيف الجزر عدة قواعد عسكرية روسية، وتعد هذه الجزر إحدى القواعد الاستراتيجية العسكرية للغواصات والاسطول الروسي، كما استثمرت موسكو في البنية التحتية العسكرية بالجزر، وكان أبرزها نشر أنظمة الصواريخ الباليستية، ومن ناحية أخرى، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو في فبراير 2017 أن روسيا ستُعزز قوتها العسكرية في الجزر من خلال نشر فرقة جديدة للجيش. ومن ثم فإن تقديم هذه الأراضي إلى اليابان، قد يعني تقويض الأمن الوطني الروسي. ولذا نجد أنه من غير المحتمل أن تتخلى روسيا عن الجزر، كما نستطيع أن نستنتج من هذا أسباب تنازع الطرفين على المنطقة.

موقف الدولتين من النزاع على الجزر:

1-الموقف الياباني: طوكيو تطالب موسكو بتسليمها أربع جزر تصفها اليابان بـ”أراضيها الشمالية المحتلة” قبل التوقيع على معاهدة السلام.مستندة إلى المعاهدة الثنائية للتجارة والحدود المبرمة مع موسكو عام 1855، وبعد أحد عشر عامًا، وقعت روسيا واليابان اتفاقية، قضت بتقاسم الجزر الجنوبية الأربعة من جزر كوريل لتحصل كلٌ منهما على جزيرتين، بيد أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلًا بعد توقيع اليابان اتفاقًا أمنيًا مع الولايات المتحدة، إبان اشتعال الحرب الباردة، مما جعل موسكو تتخلى عن التزاماتها بشأن هذا الاتفاق.

وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، اتفق الجانبان عام 1993 على الالتزام بالاتفاقية الموقعة عام 1956، لكن اليابان هذه المرة غيرت رأيها وأصرت على تملك الجزر الأربع، ولم يطرأ أي جديدٍ منذ ذلك العام.

وتطالب اليابان في حديثها عن إبرام معاهدة سلام بين البلدين، بجزر كوريل الجنوبية (كوناشير، وشيكوتان، وإيتوروب، وهابوماي)، في الوقت الذي تتحدث فيه روسيا عن أن جزر كوريل الجنوبية انضمت إلى الاتحاد السوفياتي بنتيجة الحرب العالمية الثانية وسيادة روسيا عليها، ولها صياغة قانونية دولية، وليست موضع شك.

وفق بيان موسكو عام 56 نظرت موسكو إلى إحتمال إعادة جزيرتين من جزر كوريل إلى اليابان، لكن اليابان طالبت بالجزر الأربع  كلها.

2- الموقف الروسي: تؤكد موسكو سيادتها على هذه الجزر بعد ضمها إلى اراضي الاتحاد السوفياتي نتيجة الحرب العالمية الثانية. وتصر على اعتراف طوكيو بكامل نتائج الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك سيادة روسيا على الجزر الأربع التي استعادتها من اليابان بعد الانتصاء في الحرب.

ومن ثم تشكل مسألة السيادة على جزر الكوريل العائق الرئيسي الذي يحول دون توقيع معاهدة السلام بين روسيا واليابان.

ملاحظات على الخلاف حول الجزر:

1-تخضع  تبعية الجزر والسيطرة عليها لقوة كل دولة من الدولتين حسب الفترة الزمنية التي امتلكت فيها الجزر:

أ-بالنسبة لليابان: جاء اليابانيون للجزر مع عملية التوسع اليابانية في عام 1798 في القرن الثامن عشر ليزيلوا الشواخص الروسية وينصبوا أعمدة لهم تنص على ان هذه الأرض تعد ملكية لليابان الكبرى. وقد أنشئت في جزيرة هوكايدو اليابانية في بداية القرن التاسع عشر في عام 1802 الهيئة الخاصة باستيطان جزر الكوريل. ولذا تقدم المبعوث الروسي نيقولاي ريازانوف الذي وصل إلى طوكيو عام 1805 باحتجاج للحكومة اليابانية بسبب ان كل الاراضي الواقعة شمالي ماتسماي أو هوكايدو تعد ملكية للامبراطور الروسي. كما سعت اليابان للسيطرة على جزيرة ساخالين.

أثناء خوض روسيا حرب القرم في عام 1855، أمام تحالف من فرنسا والامبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى وسردينية للسيطرة على البحر الأسود والبلقان والقوقاز، وقعت روسيا على اتفاقية “سيمود” التي تنازلت بموجبها لصالح اليابان عن جزر الكوريل الجنوبية ” هابوماي وشيكوتان وكوناشير وايتوروب مقابل احلال السلام والصداقة. وفي عام 1875 تم عقد اتفاقية بطرسبورغ التي تنازلت روسيا بموجبها عن سلسلة جزر الكوريل كلها مقابل اعتراف اليابان بحق الملكية الروسية على جزيرة ساخالين.

في القرن العشرين، اجبرت اليابان الجيش الروسي في فبراير عام 1905 على الانسحاب بعد انهزامه في معركة موكدن وتدمير الأسطول الروسي الذي تم نقله إلى الشرق الاقصى من بحر البلطيق خلال معركة تسوسيما في 14-15 مايو عام 1905. وجعل كل ذلك بالإضافة إلى قيام ثورة عام 1905 في روسيا جعل نيقولاي الثاني يوافق على البدء في مباحثات السلام مع اليابان.

انتهت الحرب بعقد معاهدة السلام في مدينة بورسموث 23 أغسطس عام 1905، وبموجب شروط السلام تنازلت روسيا عن حقوقها بالقسم الجنوبي من جزيرة ساخالين وحقها باستئجار شبه جزيرة لياو تونج والسكة الحديدة في منشوريا الجنوبية.

ب-بالنسبة لروسيا: سيطرت على هذه الجزر في النصف الأول من القرن الثامن عشر وكانت الخرائط الروسية والأوروبية الغربية حينذاك تصف سلسلة جزر الكوريل كلها بانها جزء من لا يتجزأ من الامبراطورية الروسية.

وفي القرن التاسع عشر وخاصة في عام 1895، توجهت كل من روسيا وألمانيا وفرنسا كل على حدة إلى الحكومة اليابانية بطلب التخلى عن ضم شبه جزيرة لياو تونج التي تعود حاليا إلى الاراضي الصينية. كما نالت روسيا في عام 1898 الحق باستئجار شبه الجزيرة، الامر الذي زاد من النزعة المضادة للروس لدى اليابانيين وتفاقم التوتر في العلاقات بين البلدين بشكل تدريجي.

وفي القرن العشرين، خاصة عام 1925، أصر الوفد السوفيتي على ادراج بند في نص البيان المشترك مفاده ان الاعتراف بمعاهدة بورسموت لا يعني ان الحكومة السوفيتية تشارك الحكومة القيصرية في مسؤوليتها عن عقد تلك المعاهدة.

تمكن الاتحاد السوفيتي في أثناء الحرب العالمية الثانية من إقناع حليفتيه بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الائتلاف المضاد لهتلر بالموافقة على اعادة الاتحاد السوفيتي لاراضيه التي احتلتها اليابان. وفي فبراير عام 1945 عقد في مدينة يالتا المؤتمر الذي توصل إلى اتفاق حول موعد دخول الاتحاد السوفيتي الحرب مع اليابان، وذلك مع شرط ان يعاد إلى موسكو بعد انتهاء الحرب القسم الجنوبي من جزيرة ساخالين وجزر الكوريل. وبدأ الاتحاد السوفيتي عملياته الحربية ضد اليابان في شهر أغسطس عام 1945. وتم انزال القوات السوفيتية على جزر الكوريل. فاستسلمت اليابان في 2 سبتمبر عام 1945 واعلن الاتحاد السوفيتي عن ضمها إلى اراضيه.

وعقد مؤتمر السلام في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في عام 1951 بهدف عقد معاهدة للسلام مع اليابان. ورفض الوفد السوفيتي توقيع المعاهدة التي طرحت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا مشروعا لها، فاقترحت موسكو تعديلاتها للمعاهدة، ولكن لم يتم اخذها بالحسبان.

توجهت اليابان بطلب انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة في عام1956. فتم توقيع البيان المشترك بين البلدين حول تطبيع العلاقات بينهما. وتشير بعض التقييمات إلى ان هذه الوثيقة كان من شأنها أن تضعف مواقف الاتحاد السوفيتي فيما يتعلق بمسألة حدودها. وكانت المادة التاسعة للبيان تنص على ان الاتحاد السوفيتي يوافق على “أن تسلم إلى اليابان جزيرتا هابوماي وشيكوتان مع شرط أن لا يتم ذلك إلا بعد توقيع معاهدة السلام بين الاتحاد السوفيتي واليابان”.

2-تأثير العامل الخارجي على توقيع اتفاقية سلام بين البلدين:

خلال الحرب الباردة أيدت الولايات المتحدة موقف اليابان في النزاع حول جزر الكوريل الجنوبية وبذلت ما في وسعها للحيلولة دون تخفيف الموقف وقد اعادت اليابان النظر في موقفها من بيان عام 1956. وصارت تطالب باعادة جميع الاراضي المتنازع عليها. واشترط الاتحاد السوفيتي لتوقيع معاهدة الامن اليابانية الأمريكية الجديدة إعادة جزيرتي هابوماي وشيكوتان إلى اليابان وانسحاب جميع القوات الاجنبية من اراضيها. وردا على ذلك تقدمت اليابان باعتراض مفاده انه لا يمكن ان يغير من جانب واحد مضمون البيان المشترك بين الاتحاد السوفيتي واليابان والذي يعد معاهدة صادق عليها برلمانا كلا البلدين. فوردت بعد فترة تصريحات من الجانب السوفيتي مفادها ان مسألة الاراضي في العلاقات بين الاتحاد السوفيتي واليابان قد تم حلها في أيام الحرب العالمية الثانية. ولذلك فقد انتهت بحد ذاتها.

وقد نص البيانان المشتركان السوفيتي والياباني اللذان تم اتخاذهما في عامي 1973 و1991 على أهمية توقيع معاهدة سلام بين البلدين وحل ما تبقى من مسائل النزاع التي خلفتها الحرب العالمية الثانية.

3- دور النظام السياسي القائم في إحداث تغيير في ملف الجزر:

شهدت قضية الجزر منحى جديد في فترة الرئيس بوريس يلسين، حيث زار اليابان في شهر أكتوبر عام 1993 وتم توقيع بيان طوكيو، الذي أكد ان “الجانبين أجريا مباحثات جادة حول تبعية جزر إيتوروب وكوناشير وهابوماي. واتفق الجانبان على مواصلة المباحثات بهدف توقيع معاهدة السلام في أسرع وقت، على أساس مبدأ الشرعية والعدالة”، وقد شيع آنذاك أن موقف روسيا تقترب من التنازل عن جزء من هذه الأراضي إلى اليابان، وهذا ما نفته السلطات الروسية التي رأت أن يلتسين في عهده كان يرتجل كثيرا وينطق بكلام لا يمتّ الى الحقيقة بِصلة، الا أن اليابانيين كانوا يعتبرون هذا الكلام نهجا ليبيراليا للرئيس الروسي ولذلك كان اليابانيون يعتقدون حتى عام 2000 أنهم سيحصلون على الجزيرتين.

وبعد انتهاء عهد يلتسين ومع بداية ولاية الرئيس فلاديمير بوتين عام 2000 أعلنت روسيا بشكل رسمي أنه لم تكن هناك سياسة سرية للرئيس يلتسين وان بيان عام 1956 لن يتم التطرق إلى مناقشته الا بعد توقيع معاهدة السلام وأن روسيا ليست مدينة لليابان بـأية أراض، وقد اكد بوتين هذا النهج الروسي وبقوة خلال زياراته لليابان.

وفي اليابان كان لانتصار الحزب الديمقراطي في نهاية العام 2009 وبداية العام 2010 – الذي كان معارضا خلال ثلاثين عاما- والذي اعتمد في شعاراته السياسية على فكرة استعادة الأراضي الشمالية اي جزر كوريل، وأصبح هذا المبدأ أساسا في السياسة الخارجية لهذا الحزب ورئيس الوزراء “ناوتو كان”. وقد قام الحزب الديموقراطي الحاكم –آنذاك- بتمرير مشروع  قانون الأراضي الشمالية كأول وثيقة رسمية في البرلمان تنص على أن جزر كوريل تُعد جزءا لا يتجزأ من الأراضي اليابانية، من ثم لم تهمل روسيا مشروع القانون وبالتالي كان رد الفعل الروسي يتمثل في زيارة  الرئيس الروسي دميتري مدفيديف لجزر الكوريل جاءت بعد حضوره قمة روسيا- آسيان في هانوي.

هذا فضلا عن تحدث الحزب الديموقراطي عن إعادة النظر في السياسة الخارجية اليابانية وعن توسيع استقلال اليابان، وطالب بسحب القواعد العسكرية الأمريكية، وبالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وبدأت إدانة الدول النووية بما فيها كوريا الشمالية. مما يعكس طموحات الحزب في أن تصبح اليابان دولة عظمى.

في عهد فلاديمير بوتين وكويدزوميو أعرب الرئيس بوتين في عام 2005 استعداده لحل نزاع الأراضي طبقاً لبيان عام1956، أو بالأحرى تسليم جزيرتي هابوماي وشيكوتان إلى اليابان، لكن الجانب الياباني لم يوافق على الحل الوسط.

مستقبل معاهدة السلام:

قبل التحدث عن السيناريوهات المستقبلية لمعاهدة السلام وحل قضية الجزر يمكن التطرق إلى:

عوامل محفزة للتعاون:

1-حاجة روسيا الماسة للتعاون الاقتصادي مع اليابان، فبعد تجاهل اليابان وروسيا بعضهما البعض لنحو عقد من الزمن، دخلت علاقتهما نقطة تحول عندما عقد البلدان محادثات قمة في مايو عام ٢٠١٣. ويعكس هذا التطور تركيز بوتين على آسيا –آنذاك- في الوقت الذي دخلت فيه العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأوروبا مرحلة ركود تام.

كما أن عودة زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي شينزو آبي إلى رئاسة الوزراء هو تطور ملحوظ آخر. وربما ضمنت إدارة آبي التي حظيت بموافقة شعبية تراوحت بين٦٠٪ و٧٠٪ سيطرة ثابتة ومستمرة على زمام الحكومة. فحكومة الحزب الديمقراطي بقيادة رئيس الوزراء هاتوياما يوكيو والتي خسرت الانتخابات، كانت تدعي انحيازها إلى الروس ولكنها لم تحاول أبدا الانخراط بجدية مع جارتها في نفس القارة.

ولذا عندما توجه آبي إلى موسكو في أبريل2016 في أول زيارة رسمية يقوم بها زعيم ياباني إلى روسيا في عشرة أعوام، قام بوتين باغتنام الفرصة للتودد لآبي وإقناعه بإقامة علاقات أفضل. ولعل روسيا بحاجة ماسة للتعاون الاقتصادي مع اليابان وذلك لتصدير مواردها من الطاقة واستيراد تكنولوجيا متقدمة ولتنمية أقاليمها في الشرق الأقصى. كما تهتم اليابان التي تدهورت علاقاتها مع الصين وكلتا الكوريتين الجنوبية والشمالية بإقامة علاقات اقتصادية أقوى مع روسيا، فالحصول على موارد الطاقة الروسية سيكون ذو فائدة استراتيجية لها.

وفي ديسمبر 2016، استقبل آبي الرئيس الروسي ووفد من وزراء ورجال الأعمال روسيين في اليابان، من أجل مناقشة حل النزاع إلي جانب عقد العديد من الصفقات التجارية، وتم تحقيق العديد من الانجازات الرئيسة في تلك القمة الثنائية التي عُقدت في موسكو، من أبرزها اتفاق اليابان وروسيا على زيادة التعاون الاقتصادي، وتسهيل وصول السكان السابقين إلى الجرز الأربع، وتشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في إمكانية اجراء استثمارات مشتركة بالجزر.

2- التعاون في المجال الأمني: في محاولة للوصول إلى نوع من التوافق حول القضايا الأمنية والسياسية الدولية. اتفقت روسيا واليابان على عقد محادثات “اثنين + اثنين” بين وزيري الدفاع والشؤون الخارجية في الدولتين. تعد مصلحة روسيا في التعاون مع اليابان بشأن المسائل المتصلة بالأمن تطورا حديثا والدافع وراء تعاونهما الأمني هو القلق من الصين على الرغم من عدم الاعتراف بذلك. فعندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ موسكو في مارس عام ٢٠١٣، اقترح على بوتين أن تتخذ روسيا والصين نهجا مشتركا في التعامل مع اليابان حول القضايا الإقليمية، ولكن الجانب الروسي اعترض. ولاتزال بكين وموسكو تتمتعان رسميا بعلاقات ودية، ولكن في الواقع روسيا قلقة من الصين وبالتالي تحاول تحقيق توازن أكثر فائدة من خلال مواصلة تحسين علاقاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ مع اليابان وفيتنام والولايات المتحدة.

3- نوايا بوتين الحقيقية: ففي اجتماع القمة بين آبي وبوتين في أبريل2016، أصدر الزعيمان بيانا مشتركا حول تطوير الشراكة الثنائية، ووافقا على إعادة تفعيل وتسريع المفاوضات حول معاهدة السلام بين البلدين والتي من شأنها أن تضع نهاية للحالة الرسمية من العداء المتبادل التي تركت دون حل منذ الحرب العالمية الثانية. وبهذه الطريقة أثبت بوتين موقفا إيجابيا تجاه حل قضية الجزر الشمالية حيث اضحى من المتوقع أن يزيد مكانته بين الشعب الياباني. ولكن إذا كانت نية بوتين الظاهرة في إبرام معاهدة سلام مع اليابان مجرد ذريعة لضمان علاقات اقتصادية أفضل مع اليابان، فإن الحكومة الروسية ستفقد مصداقيتها مع الشعب الياباني، وسوف تتدهور العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر.

وبصفة عامة، عند تناول آفاق حل النزاع يمكننا التحدث عن رؤيتين متعارضتين، واحدة متشائمة والأخرى متفائلة، سنعرضهما في التالي:

1-السيناريو المتشائم: ويذهب إلى عدم تحقيق أي تقدم ملحوظ في سبيل حل النزاع حول الجزر، خاصة أن الكرملين يعطي تركيزاً قليلاً في سياسته الخارجية على آسيا مقارنة بمناطق أخرى في العالم كالشرق الأوسط، فضلاً عن أن التحالف الأمني الياباني مع الولايات المتحدة، يعني أن طوكيو ليست جهة مستقلة-من وجهة النظر السوفيتية-، وهو ما يفُسر المخاوف الروسية من أن واشنطن يمكن أن تضع قوات في جزر الكوريل إذا اُعيدت لليابان، وهذا من شأنه أن يؤدي لزيادة التوترات بين روسيا والولايات المتحدة، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا قرر الناتو إرسال قوات إلى الجزر، وهو ما ينعكس سلباً على الأزمات السياسية الأخرى، التي تحدث مع روسيا في أوروبا الشرقية.

ومن ثم يتم التشكك في جدوى الجانب الاقتصادي في العلاقات، خاصة أن المستثمرين الأجانب من مختلف الجنسيات يعتبروا روسيا مكاناً غير ملائم للاستثمار؛ فحتى إذا تم رفع العقوبات الاقتصادية عليها، فستُقدم القليل من الفرص الاستثمارية الجذابة، وأن معدل نمو الاقتصاد الروسي يُمثل جزء من معدل النمو في الصين أو غيرها من الاقتصاديات الآسيوية سريعة النمو، إلى جانب الروتين الحكومة وتعقد إجراءات الاستثمار بها، وتاريخ الحكومة فيما يتعلق بمصادرة الشركات الخاصة.

2- السيناريو المتفائل: ينطلق من أن معطيات الواقع إنما توضح أن هناك شكل ما من التحسن قد يطرأ في سبيل حل ذلك النزاع، فاللقاءات بين زعيمي البلدين والذي تجاوز عدد الخمسة وعشرين لقاءً تؤكد على عمق العلاقات والتنسيق المستمر، واستحداث اليابان وزارة خاصة للتعاون الاقتصادي مع روسيا، إنما هو وجه أخر لعمق تلك العلاقات.

ويعضض من هذا السيناريو أن هناك استراتيجية لدى بوتين وشينزو آبي منذ السنوات الأولى لتوليهما زعامة البلدين، وضعا على أساسها أولوية وطنية لفتح حقبة جديدة من العلاقات الثنائية، لرغبة كل منهما ترك أثر تاريخي لبلديهما، فيرغب آبي أن يظهر كقائد قادر على إعادة جزء من الأراضي التي ضاعت خلال الحرب العالمية الثانية، ويأمل بوتين أن يظهر كشخصية سياسية قادرة على حل النزاعات الإقليمية مع معظم الدول المجاورة لروسيا، كما حدث بالفعل عندما توصل إلى حل وسط في النزاعات مع الصين والنرويج.

وختاماً، يمكن القول أنه برغم تحسن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين موسكو وطوكيو، فإن قضية التخلي عن الجزر وتسليمها أمر مشكوك فيها إلى حد كبير، كما أنه من الصعب أن تتخلى اليابان عن مطالبها الإقليمية، لكنه أيضاً غير متوقع أن ينشأ نزاع بين البلدين على الجزر، وكل ما يمكن أن يحدث هو أن تصبح الجزر منطقة استثمارات مشتركة، مع التوسع في إعطاء المواطنون اليابانيون حرية الوصول إليها.