بيجان خاجيبور
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك، أعلنت الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي المكلفة بالشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، فيديريكا موغيريني، أن الكتلة الأوروبية ستُنشأ “كيانا لأغراض محددة” (أس بي في) للحفاظ على الاستثمار التجاري بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي. وتأتي هذه الخطوة على الرغم من إعادة فرض عقوبات أمريكية ثانوية على إيران.
في الوقت الراهن، يجري العمل على وضع التفاصيل المتعلقة بهذه الآلية، وسيتم اعتمادها كآلية دفع جديدة بين الاتحاد الأوروبي وإيران. ومن المرجح أن يرتكز عملها بالأساس على نظام المقايضة لضمان تدفق الأموال بصفة أقل بين الجانبين. ووفقا لموغيريني، تهدف هذه الآلية إلى “بعث الطمأنينة في نفوس المستثمرين الاقتصاديين ومساعدتهم لضمان استمرار الأنشطة التجارية مع إيران بطرق شرعية”. لكن لسائل أن يسأل: ما جدوى هذه الخطة وما الذي تعنيه بالنسبة للشركات الأوروبية والإيرانية على حد السواء؟
من المحتمل أن يكون هناك عدد كبير من “الكيانات لأغراض محددة”، التي سيتم اعتمادها للعمل بها مع إيران. مع ذلك، وبهدف تبسيط الأمور، يتناول هذا التحليل “كيانا لأغراض محددة” واحدا فقط لتوضيح جدوى هذه المقاربة. بالإضافة إلى ذلك، يساهم تعدد هذه الكيانات في جعل مسألة تطبيق العقوبات المفروضة أكثر صعوبة، مما يخدم الهدف الرئيسي لهذا الهيكل.
سيعمل “الكيان لأغراض محددة” كوسيط مالي وتجاري للصادرات والواردات بين الاتحاد الأوروبي وإيران، فضلا عن أنه سيكون مفتوحا أمام الدول الأخرى التي تجمعها علاقات تجارية مع إيران
خلال شهر آيار/ مايو الماضي، تمت مناقشة هذه المسألة من قبل موقع “المونيتور”. وكان جليا منذ البداية أن استمرار خطة العمل الشاملة المشتركة، التي انسحبت منها الولايات المتحدة، سيعتمد على التعاون المشترك بين الشركات الأوروبية الصغرى والمتوسطة مع إيران. ويتعلق السؤال المطروح هنا بما إذا كان من الممكن أن تعمل هذه الآلية على تسهيل هذه العملية وحماية البنوك والشركات الأوروبية من مخاطر العقوبات الأمريكية، في حين يمكن للولايات المتحدة توسيع نطاق إجراءاتها لاستهداف هذه الآلية، وبالتالي، تقويض العمليات المستقبلية للمشروع.
أولا وقبل كل شيء، تشير الدلائل إلى أن هذه الآلية ستكون كيانا قانونيا من المحتمل أن تمتلكه الحكومات الأوروبية المشاركة التي تلعب دور الوسيط بين إيران والاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية المستفيد الأكبر من المعاملات المالية، خاصة تلك التي تعتمد على الدولار، يبدو أن هذه الآلية مصممة لإيجاد هيكل يقلل من التدفقات المالية من خلال إرساء هيكل يعتمد على المقايضة الثلاثية.
من الناحية العملية، سيعمل “الكيان لأغراض محددة” كوسيط مالي وتجاري للصادرات والواردات بين الاتحاد الأوروبي وإيران، فضلا عن أنه سيكون مفتوحا أمام الدول الأخرى التي تجمعها علاقات تجارية مع إيران. وفي الواقع، يؤدي السماح للشركاء التجاريين من خارج الاتحاد الأوروبي بالاستفادة من هذه الآلية، مما يزيد من فرص التدفق الثلاثي.
لعل أبرز دليل على ذلك هو السيناريو التالي: حين تصدر إيران المواد البتروكيمياوية إلى البلد (أ)، فإن العائدات التي سيتم دفعها إلى “الكيان لأغراض محددة” ستودع في حساب الضمان. ومن ثم، تستورد إيران المعدات من مورد أوروبي وتسدد عندئذ الفاتورة عبر اعتماد هذه الآلية. وعلى هذا النحو، سيقلل استخدام الآلية من المعاملات المالية على جميع الواردات والصادرات، وستقوم تسوية الأرصدة على أساس منتظم، تماما مثل وكيل الضمان.
يتمثل التحدي الرئيسي في وسائل حماية هذا “الكيان لأغراض محددة” وجميع الشركات الأوروبية والبنوك التي ستتعامل مباشرة مع إيران عبر هذه الآلية.
في حال افترضنا أن هذه الآلية ستكون مرتبطة ببنك مركزي أوروبي واحد أو أكثر، فإنها لن تضطر لاستخدام خدمة “سويفت” التي تم توظيفها في الفترة الممتدة بين 2012 و2016 لتضييق الخناق على المعاملات بين إيران والنظام المالي العالمي. ومن المعروف أنه لن يتم اعتماد الدولار الأمريكي في أي من المعاملات المالية بين الجانبين.
تجدر الإشارة إلى أنه في حال كانت الفرضيات المذكورة آنفا صحيحة، فإن “الكيان لأغراض محددة” سيكون الكيان الأوروبي الرئيسي الذي يعتمد على تفاعل مالي مباشر مع الكيانات والبنوك الإيرانية. ومن المتوقع أن تحاول الولايات المتحدة عقب ذلك استهداف جميع الكيانات القانونية التي تتعامل مع هذه الآلية. بناء على ذلك، تعتمد جدوى هذه الخطة، في نهاية المطاف، بشكل كامل على مدى استعداد حكومات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي لمواجهة العقوبات الأمريكية المحتملة.
بعبارة أخرى، يتمثل التحدي الرئيسي في وسائل حماية هذا “الكيان لأغراض محددة” وجميع الشركات الأوروبية والبنوك التي ستتعامل مباشرة مع إيران عبر هذه الآلية. وقد يكون ذلك الأمر ممكنا من خلال اتخاذ إجراء قانوني ضد المصالح الأمريكية في الإتحاد الأوروبي أو من خلال الاعتماد على مؤسسات دولية على غرار منظمة التجارة العالمية. لكن، سيكون من المهم أن يضع الاتحاد الأوروبي خطة طوارئ شاملة لمواجهة التدابير الأمريكية المستقبلية.
أما الرهان التالي، فيتمثل في كيفية تفاعل إيران والأطراف الفاعلة الأخرى، خاصة شركاء طهران التجاريين الذين لا ينتمون إلى الاتحاد الأوروبي، مع هذه الآلية المقترحة. وقد أشاد المسؤولون الإيرانيون بالالتزام السياسي وشجاعة الاتحاد الأوروبي لقيامه بخطوة هامة من أجل الحفاظ على التجارة بين الجانبين. وعلى الرغم من أن هذا الكيان يمتلك القدرة على الحفاظ على التجارة، إلا أن القضية الرئيسية بالنسبة لإيران تتمثل في الاستثمار ونقل التكنولوجيا. نتيجة لذلك، سوف يحتاج كلا الجانبين إلى خطوات أخرى لتسهيل نقل التكنولوجيا والاستثمارات الفعلية عوضا عن التجارة التقليدية.
الشركات الأوروبية الصغرى والمتوسطة قادرة على توفير الوسائل التكنولوجية اللازمة لإيران، خاصة في مجالات كفاءة الطاقة وإدارة المياه، فضلا عن القضايا البيئية والتنمية الصناعية
وفقا لإيران، من الضروري ألا يتم فهم آلية “الكيان لأغراض محددة” على أنها برنامج يقوم على”النفط مقابل الغذاء”، والذي يعتبر مفهوما يتعارض مع كرامة الدولة الإيرانية. ومن هذا المنطلق، يجب أن تُعتبر هذه الآلية وسيلة لحماية مصالح الدولة، وبالتالي، تسهيل الأعمال التجارية بين إيران والاتحاد الأوروبي.
من المؤكد أن الشركات الأوروبية الصغرى والمتوسطة قادرة على توفير الوسائل التكنولوجية اللازمة لإيران، خاصة في مجالات كفاءة الطاقة وإدارة المياه، فضلا عن القضايا البيئية والتنمية الصناعية. ويتمثل التحدي الرئيسي في إنشاء مشاريع مشتركة ناجحة بين الشركات الصغرى والمتوسطة والقطاع الخاص في إيران.
بناء على ذلك، يمكن لهذه الآلية الجديدة أن تلعب دور العامل المساعد في إعداد الشركات الأوروبية الصغرى والمتوسطة للمشاركة في مشاريع مشتركة وفي العمليات القانونية والتكنولوجية والتشغيلية اللازمة لضمان الربح لجميع الأطراف. في الوقت ذاته، سيكون على المسؤولين الإيرانيين تحسين مناخ الأعمال من أجل إزاحة بعض العوائق أمام نشاط الشركات الأوروبية في إيران.
أما فيما يتعلق بالاستثمار في الاقتصاد الإيراني، فيتعين على الاتحاد الأوروبي وإيران النظر بجدية في إنشاء صناديق استثمار مختلفة ومشتركة من أجل تعبئة الموارد المالية للاستثمار في إيران. كما يمكن للجانب الأوروبي تخصيص بعض الموارد للقطاعات المختصة، بينما يستعد الجانب الإيراني لإصدار سندات اليورو. وتظل نتائج هذه الآلية ومدى فاعليتها في تسهيل عمليات الاستثمار، غير واضحة بعد.
بين هذه الأطراف الفاعلة، هناك مجموعة كبيرة من المستثمرين الأوروبيين الذين يرغبون في شراء النفط من إيران. وإذا افترضنا أن جميع شركات النفط الكبرى ستتجنب شراء النفط الخام الإيراني والمكثفات النفطية، فإن التساؤل المطروح يتمحور حول ما إذا كان بعض تجار النفط الأوروبيين سيعتمدون آلية “الكيان لأغراض المحددة” لشراء النفط الإيراني.
تعد آلية “الكيان لأغراض محددة” نقطة بداية لمنهج يجب تعزيزه بشكل أكبر من أجل جعل التجارة والاستثمار بين الجانبين ممكنة.
في الحقيقة، سيكون هؤلاء التجار هم الأكثر عرضة للعقوبات الأمريكية مقارنة بالشركات الصغرى والمتوسطة التي تتعرض لضغط أقل من الجانب الأمريكي. ولم تتضح بعد كيفية سد الاتحاد الأوروبي لهذه الفجوة فيما يتعلق بتلبية تطلعات إيران، التي تتمثل إحداها في مواصلة الاتحاد الأوروبي لاستيراد النفط الإيراني.
بالنسبة للشركاء التجاريين الإيرانيين الذين لا ينتمون إلى الاتحاد الأوروبي، سوف يشرعون على الأرجح في التعامل مع إيران بعملتهم المحلية، وستكون آلية “الكيان لأغراض محددة” وسيلة إضافية مرحبا بها في التجارة مع إيران. كما يمكن أن يساهم وجود كل من روسيا والصين، على سبيل المثال، في تسهيل عمليات هذا الكيان الفعلية.
عموما، تعد آلية “الكيان لأغراض محددة” نقطة بداية لمنهج يجب تعزيزه بشكل أكبر من أجل جعل التجارة والاستثمار بين الجانبين ممكنة. وتعد قدرة هذه الآلية على خلق طرق جديدة لإدارة تدفق الأموال العالمي المستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية أمرا ثانويا مقارنة باحتياجات إيران الفعلية للحفاظ على العلاقات التجارية والاستثمارية بينها وبين الاتحاد الأوروبي. وسيدفع ذلك طهران إلى الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة.
المونيتور