د. شهاب المكاحله — واشنطن
إن ما تعرضت له بعض الدول العربية من غياب للأمن السياسي وانتشار ظاهرة الارهاب فيها قد شكل تحديا كبيرا سياسيا واقتصاديا ليس فقط لتلك الدول بل لدول مجاورة لها ومنها الاردن. ولكن ما يهمنا هنا هو البعدالاقتصادي ليس للأردن فحسب بل للمنطقة العربية.
ذكرت بيانات البنك الدولي الصادرة في نهاية ديسمبر2017 أن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بالأسعار الجارية قد وصل إلى حدود 79.3 تريليون دولار أميريكي ووصل الناتج المحلي الاجمالي للدول العربية في العام 2017 حسب التقرير الاقتصادي الموحد للعام 2016 إلى 2.4 تريليون دولار أميركي. وكانت التوقعات للعام 2017 تشير إلى اقتراب الناتح المحلي الاجمالي للدول العربية من حافة 2.8 تريليون دولار. وإذا ما قسنا قيمة الناتج المحلي العربي من الناتج المحلي الاجمالي العالمي تكون النتيجة: أن مساهمة الاقتصاد العربي هي 3.5%. ولكن تلك النسبة لا تمثل الحقيقة لأن النسبة الكبيرة من السكان ليست في دول الخليج العربية: أي أن دول الخليج تشكل 80% من الناتج المحلي الاجمالي العربي علما بأن عدد سكانها يشكل فقط 40 مليونا أي 11% من السكان في العالم العربي.
إن ما يقلق في المرحلة القادمة ليست الدول التي تعاني من مديونيات كبيرة بل تلك الدول التي تعاني من عدم استقرار في المنطقة ما يؤثر على الاداء الاقتصادي وثقة المستثمرين وتداولات الاسواق المالية واسعار صرف العملات. فمنذ بدء أحداث الربيع العربي، أخذ الأداء الاقتصادي بالتراجع في دول عربية عديدة حتى تلك التي لم تشهد ربيعا ثوريا ما أثر بشكل سلبي على عائدات تلك الدول من السياحة والصناعات التحويلية والزراعة والنقل بسبب اغلاق الحدود بين الدول.
إن أهم المشكلات التي تؤكد عليها البحوث الدولية في المنطقة العربي هي المخاض العسير الذي يعيشه العالم العربي منذ 2011 في ظل اضطرابات سياسية وزعزعات أمنية ونزوح ولجوء وتهديدات ارهابية تؤثر على ماهية التخطيط التنموي للدول وخصوصا في المشرق العربي. ففي آخر تقرير له، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي إشارات إلى حجم المشاكل السياسية والأمنية التي يتعرض لها العالم العربي وخصوصا في العراق وسوريا. وأشار التقرير كذلك الى أن انخفاض أسعار النفط في الأعوام الماضية قد اضر ببعض الدول المصدرة ولكنه اليوم وقد زاد السعر عالميا فإنه أضر بالدول المستوردة ما زاد من حدة الفقروالبطالة فيها ما استدعى قيام بعض تلك الدول بهيكلة اقتصاداتها. أما البطالة فهي سمة مشتركة في العالم العربي حتى في الدول الغنية منها. فوفق التقرير فإن نسبة البطالة في العالم العربي هي 11.5% وهي من أعلى المعدلات في العالم. كما أن الازمات المالية التي تعاني منها عملات بعض الدول العربية مقارنة بالدولار الاميركي تعكس الكثير من الاضطراب الاقتصادي ما يشكل عائقا أمام النمو الاقتصادي.
اما الآفة الاكبر فهي أن البنك الدولي كان قد أشار في تقرير سابق له إلى أن “الحرب في سوريا، واليمن، والمعارك ضد داعش في العراق، والأزمة السياسية في ليبيا كان لها آثار سلبية مباشرة على الدول ذاتها وغيرمباشرة على دول الجوار ما عرقل حركة التجارة والسياحة”. كما أوضح التقرير أنه إذا ترافق التردي الاقتصادي مع تزايد حدة الارهاب فإن ذلك يعني هبوطا كبيرا في النمو الاقتصادي في المنطقة ما يهدد الفرص الوظيفية الحالية ناهيك بالقضاء على فرص وظيفية جديدة.
فإذا تحقق التراجع الاقتصادي والتنموي وغاب التخطيط نظرا للأوضاع الأمنية فإن ذلك سيقود إلى تراجع العملية التنموية بشكل كبير وتتسع دائرة الفقر والبطالة في ظل زيادة أعداد المتعلمين الذي يتخرجون من الجامعات ممن لا تساعدهم ظروفهم في إيجاد فرص وظيفية.
وتشير الدراسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتنوعة أن هناك إهمالا لمتطلبات التنمية المستدامة إذ لم توظف الإمكانات الاقتصادية حسب معايير التنمية المستدامة المتعارف عليها دوليا ما أثر على قطاع المصارف فهربت الكثير من رؤوس الاموال الى الخارج بحثا عن ملاذات آمنة.
لذلك لا بد من معالجة الاوضاع الأمنية أولا ثم السياسية ثانيا والاقتصادية ثالثا حتى تنعم الدول بالاستقرار الذي تنشده وتتتمكن من توفير فرص عمل للشباب الذين يشكلون 70% من سكان الوطن العربي.