الرئيسية / أخبار / ما بين “دبر حالك” و”دبروا حالكو” “ضاعت لحانا”

ما بين “دبر حالك” و”دبروا حالكو” “ضاعت لحانا”

د.شهاب المكاحله –

باتت هذه العبارة متداولة عند الصغير والكبير في الأردن للأسف بعد أن كنا في الماضي نقول عبارات إيجابية تدفعنا إلى العمل والانتاج دون انتظار الشكر من أحد أو مسوؤل أو من دولة ما. واليوم صار الأمر محكوماً عليه عند صاحب العمل والمسؤول والوزير والسياسي ودولة ما ونائب ما  بـ”دبر حالك” أو “مشي أمورك”.

قبل أعوام بسيطة ما كانت هذه العبارة متداولة لأن المتداول عرفاً كان: “الأمور تمام، كل شي ممتاز، الأمور طيبة وعال العال” واليوم بتنا نرى عبارات نحتها الزمن معصوراً عليها أسيد الأسى والململة من واقع ينذر بمآسي كبيرة إقليمياً ومحلياً إذا ما استمرت المعطيات على ما هي عليه.

لا أقول هذا من باب الاستفراد بعبارة أو بكلمات أستثير فيها غرائز أو هواجس بل أدق من خلالها ناقوس الخطر لأنني ما عدت أرى من هو متفائل في المجتمع. فكل من تحدثت إليهم يدعونني إلى العودة إلى حيث أجد راحتي وسعادتي علماً بأنني كحال الكثير من أبناء الوطن ممن عاشوا في الاغتراب وقدمنا للوطن الكثير ولكن لم نلق بالمقابل من يقدر تضحياتنا.

يأتي المغترب إلى الوطن ويعتصره إحساس الوطنية وإحساس بالهم وعشق تراب بيت عاش في كنفه سنوات ساورته خلالها الهموم والأحزان والآلام. سار بعدها إلى غربة خلا فيها في ظلمات من بحر لجي ليداوي وجعاً ما له من دواء ليعود بعد اغتراب ليسمع عبارة من سياسي يقول: “نحن نعيش بقوة الدفع الذاتي” وآخر يقول:

“نحن نسير ببركة إلهية” وأخر يقول: “حققنا الكثير فلدينا رواتب شهر قادم مضمونه” وما إلى ذلك. فكيف هي الأمورعند الشعب حين يسمع من مسؤول هذا الكلام؟ كيف هي المشاعر حين يرى أن ملايين الدولارات تتكدس في حسابات أشخاص وملايين الدولارات هي مديونيات الكثير من الناس؟ جولة بسيطة في شوارع عمان مع لقاءات عدد من أبناء الوطن ممن يقولون: أمس أفضل من اليوم وغدا والله أعلم كيف سيكون؟

كل تلك المشاعر التي تنتاب المغترب الأردني الذي ينوي العودة إلى الوطن ليساهم في نهضته الاقتصادية والعمرانية والثقافية تصطدم بجدار اسمه: “دبر حالك”، “عندك واسطه بتمشي أمورك” ما في واسطه لا تغلب حالك”.

عندما تتحدث لمسوؤل عن انقطاع الكهرباء أو الماء ترى الرد “الإيجابي” وهو: “دبر حالك” فهي عبارة باتت تصلح لأكثر من سياق وهي للتهرب من المسؤولية بشكل دبلوماسي. لا أدري إن كان المسؤول أو السياسي أو من في حكمهما من يستيطيع العمل على نحت عبارة أخرى للمستقبل يمكن البناء عليها لعدم تكرار العبارة ذاتها من أجل البلاغة اللفظية وللحصول على الملكية الفكرية لعبارة جديدة تحكم تصريحات مسوؤلين أو سياسيين أوما إلى ذلك. لا نريد أن نصل إلى مرحلة نقول فيها “ما بين حانا ومانا ضاعت لحانا وما بين دبر حالك ودبروا حالكو ضاعت أحوالنا”.

فنحن لم نعد نحتمل عبارات ذات أبعاد “موسيقية” تودي بالبلاد والعباد إلى طريق اللاعودة. فعلى المسؤولين حذف تلك المصطلحات والعبارات من قواميسهم أو عليهم الاستقالة وفتح المجال أمام من هم كفيلون باستبدال عبارة “دبر حالك” بـ”سأعمل جاهداً لتحقيق ذلك”. فهل من مسؤول سيقدم استقالته لاستخدامه عبارة “دبر حالك” يوماً لعدم قيامه بواجبه المنوط به.

رحم الله طرفة بن العبد حين قال:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً  ويأتيك بالأخبار من لم تزود

ويأتيك بالأنباء من لم تبع له       بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد

المصدر: الأول نيوز