إن المتتبع للخلافات الإيرانية السعودية يرى أنها ليست وليدة اللحظة بل إنها تعود إلى عقود خلت ولكنها تفاقمت عقب الثورة الإسلامية في إيران ما دفع كلا الدولتين إلى اللعب على جبهات عديدة خارج حدودهما وكأنهما يقولان لبعضهما “إياك أعني وإسمعي يا جارة”. واليوم مع تواصل الصراع بين إيران والسعودية على الأرض العربية يدفع الشعب العربي حياته ثمناً لها وسط سياسة الاستقطاب التي تمارسها كلا الدولتين تكرست بعقد اجتماع في الرياض في 26 من نوفمبر 2017 لوزراء الدفاع في العالم الإسلامي ضمن مظلة تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب لم تشارك فيه كل من العراق وسوريا وايران.
لقد تفاقمت حدة الخلاف السعودي الإيراني بعد الإطاحة بشاه إيران في العام 1979 وبات العراق فوهة في وجه المدفع الإيراني عبر حرب مع إيران استمرت 8 سنوات خلفت ملايين القتلى من الجانبين. وكان العراق ولا يزال يدفع ثمناً باهضاً لتلك الخلافات السعودية الإيرانية لمنعه تصدير المد الإيراني إلى الدول العربيةعامةودول الخليج خاصة. وتفاقمت الأمور بين الرياض وطهران في العام 2003 لأن العراق عقب التدخل الأميركي للإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين بات تحت تأثير إيراني كبير مع انتشار ظاهرة الإرهاب التي امتدت الى سوريا مع تنافس سعودي إيراني في كل من العراق وسوريا.
لعل الصراع بين الرياض وطهران ما عاد حروباً بالوكالة فقط بل بات مباشراً بالتصريحات والتصريحات المضادة مع اتهام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأوصاف فيها من التأويلات ما فيها. ففي تصعيد جديد بين المملكة العربية السعودية وإيران، وصف ولي العهد السعودي المرشد الأعلى في إيران “علي خامنئي” بأنه “هتلر الشرق الأوسط الجديد”، وذلك في مقابلة مع صحيفة (نيويورك تايمز)، ما ينقل الحرب الكلامية بين البلدين إلى مرحلة جديدة من التصعيد ما ينقل الحرب بين البلدين إلى مراحل أخرى.
واليوم تتحول الحرب بين الطرفين إلى حرب مباشرة مع تشدد كل من الدولتين على مواقفها وتحالفاتهما الدولية في ظل تغير في اللهجة الأميركية تجاه إيران حتى أصبحت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته تصب في مصلحة الرياض مهددة بحرب إقليمية يحشد لها في سوريا والعراق واليمن. فما هي مواقف الدول التي عانت من ظاهرة الإرهاب لعدة سنوات ومنها العراق وسوريا ولبنان واليمن من ـية تطورات إقليمية بين السعودية وإيران؟
لعل ما تسعى إليه الرياض هو كسر الاحتكار الإيراني للعراق وذلك بإحداث تغيير في الخارجية السياسية العراقية في الانتخابات البرلمانية القادمة في ربيع عام 2018 وهذا ما يفسر إلى حد ما عودة الدفء للعلاقات السعودية العراقية بعد فترة توتر وجفوة بين الطرفين بقيام العديد من المسؤولين السعوديين والعراقيين باللقاء في كل من بغداد والرياض للتباحث في شكل العلاقات بينهما. هنا نرى أن سياسة السعودية الحديثة بعد ما أحدث الأمير محمد بن سلمان زلزالاً سياسياً في المملكة أشبه ما يكون بـ”ربيع السعودية” ببصمة سلمانية وذلك لاستمالة حلفاء إيران أو على الأقل تحييدهم في الصراع الدائر بين المملكة وإيران.
وهذا ما يفسر دعوة الدول السنية فقط ممثلة بوزراء دفاعها للتحالف العسكري لمحاربة الإرهاب وتأمين ما يلزم من قدرات عسكرية تضمن إضعاف التنظيمات الإرهابية وتفكيكها وفق “إمكانيات ورغبة” كل دولة.فبعد تقارب وزيارات متبادلة بين المسؤولين السعوديين والعراقيين في الأشهر الماضية واستمرار نهج التقارب السعودي العراقي، إلا أن الموقف العراقي من الصراع السعودي – الإيراني في المنطقة العربية وخصوصاً في العراق وسوريا واليمن ليس واضح المعالم لأن الرئاسة العراقية تعتبر أن أي صراع في منطقة الخليج العربي لا يصب في مصلحة أي بلد.
ويبقى السؤال: هل ستنجح الأطراف التي تسعى لدفع التوتر السعودي – الإيراني إلى إشعال الحرب الفعلية بين البلدين مع كل الكوارث المتوقعة من جرائها؟ أم ستلعب الأطراف الدولية والإقليمية دورها في نزع فتيل الأزمة؟ كل ذلك يتوقف على آلية انتقال الحكم في المملكة العربية السعودية وسياستها الخارجية مع كل من العراق وسوريا فيما بعد عقب انتهاء ظاهرة الإرهاب في كل منهما لأن ظاهرة الإرهاب ليست داخلية بل هي خارجية لأنها ممولة ومدعومة بالسلاح من دول إقليمية ودولية تسعى دوماً لإشعال الحروب خارج أراضيها للمصلحة الاقتصادية التي يترتب عليها ذلك ولمصالح عسكرية من خلال بيع السلاح ولمصالح سياسية في تحييد الانتباه على العيوب الداخلية في الدول الإقلمية التي تكون في حلف مع دول غربية وتسعى بذلك إلى إشعال نار الحروب في الدول اللإقليمية الأخرى.