تم نشره في الخميس 24 آب / أغسطس 2017. 12:00 صباحاً
– شهاب المكاحلة – نيويورك
بعد أن عادت الموصل إلى الدولة العراقية ومع اقتراب الحرب ضد “داعش” والإرهاب من نهايتها، ومع تأييد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي للرئيس حسن روحاني في رفض التهديدات الأميركية لطهران بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران وذلك بالتخلي عن الاتفاق النووي الموقع بينها وبين الدول العظمى، تبدو الأمور متأزمة إقليمياً وتتجه نحو مزيد من التأزيم الدولي.
فقد قال روحاني في كلمته في جلسة منح الثقة للتشكيلة الوزارية الجديدة بمجلس الشورى الإسلامي أن إيران يمكن أن تتخلى عن اتفاقها النووي مع القوى العظمى “خلال ساعات” إذا استمرت الولايات المتحدة في فرض عقوبات جديدة. ولم يكن بإمكان المرشد الأعلى ولا الرئيس الإيراني التهديد إلا بعد أن باتا متأكدين بأن الولايات المتحدة ستنسحب من العراق حال التخلص من “داعش” وبهذا تخلو الساحة لطهران مثلما خلت لهم من قبل. فالنفوذ الإيراني يتوسع في جميع أنحاء العراق ولا يبدو أن إيران يمكنها الخروج منه في المستقبل المنظور.
إن الكثير من العراقيين؛ سنة وشيعة، لا يؤيدون بقاء القوات الطائفية في بلادهم وحتى أنهم لا يرغبون بأي وجود أجنبي بما في ذلك الأميركي بعد تحرير البلاد من التنظيمات الإرهابية. فما عادت المسألة طائفية لأن العراقيين سُنة وشيعة باتوا يشعرون بالإرهاق من تدخل الدول الأخرى في شؤونهم. واليوم، يبدو أن الكل يسارع إلى التدخل بشكل كبير للقضاء على “داعش” من أجل الحصول على كعكعة في الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة المقرر انعقادها في أبريل 2018. فلا طهران ولا
واشنطن تسعيان للانسحاب من العراق قبيل تلك الانتخابات وربما سيخلق ذلك توتراً كبيراً بينهما يؤزم الوضع السياسي العام في منطقة الشرق الأوسط.
فالكتل الرئيسية السياسية في العراق ممثلة بعمار الحكيم، أحد كبار السياسيين العراقيين الشيعة، أعلن في أواخر الشهر الماضي أنه سيغادر المجلس العراقي الإسلامي الأعلى، مشكلاً حزباً خاصاً للاستقلال عن إيران. وبالمقابل أعلن مقتدى الصدر، زعيم الحركة الشعبية الصدرية في بغداد، وفي جنوب العراق أنه يعارض النفوذ الإيراني في بلاده.
ويبدو أن هناك تيارات عراقية متصاعدة في المعارضة ضد النفوذ الإيراني في العراق. ويعد الأمر في غاية الصعوبة على أية حركة أو حزب الحصول على أكثر من 20 % من المقاعد البرلمانية العراقية إلا بمشاركة أحزاب أخرى من خلال تحالف استراتيجي يقود البلاد نحو الاستقلال بعيدا عن النفوذ الإيراني.
وهو ما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” في تقريرها عن الوجود الإيراني في العراق. كما يلقي التقرير الضوء على الدور السلبي الذي لعبته واشنطن في بغداد بانسحابها من العراق وترك الميدان للإيرانيين والحرس الثوري الإيراني الذي استباح حرمة البلاد والعباد. فأين كانت الرؤية الأميركية عندما أعلنت انسحابها دون سابق إنذار في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما؟
نحن اليوم بتنا أمام سيناريوهات عديدة للعراق. أول تلك السيناريوهات يكمن في المضي قدماً بسياسة “الوجود الأميركي الذكي الفاعل” من أجل إعادة رسم المسارات السياسية لتوائم التحديات الحالية وفق متغيرات عصرية للنهوض بالعراق ليصبح العراق شريكاً ولاعباً استراتيجياً مهما في التوازات الاقليمية والدولية ومساعدة بغداد للخروج من عباءة المحاور الطائفية والاقليمية. أما السيناريو الثاني فيتمثل في الاستمرار في تحويل العراق إلى دولة ثيوقراطية لا مدنية تحاكي النظام السياسي في إيران. أما السيناريو الثالث فهو المبني على المساعدة الأميركية لإعادة العراق الى الحضن العربي لأن واشنطن ساهمت إلى حد كبير في خروجه من الصف العربي. ويكون ذلك بتسهيل زيارات المندوبين العراقيين للكتل السياسية الى الدول العربية وزيارة المسؤولين العرب والدوليين للعراق ولقاء زعماء تلك الكتل لبناء مجتمع عراقي مدني يساعده في ذلك تموضع العراق على خط أنقرة-طهران ما يتيح له دوراً محورياً إقليمياً يتناسب مع حجم العراق وإمكانياته. أما السيناريو الرابع فيتمثل في أن يقوم أبناء الرافدين برفض الوصاية والحماية الخارجية أياً كانت والنهوض بمشروع داخلي لا طائفية فيه ولا نعرات تمهد الطريق إلى عراق جديد برؤية جديدة تقود العراق والمنطقة إلى التعايش ونبذ الخلاف.
يبدو أن القرار الذي أصدره الكونجرس الأميركي منذ أيام قد فاجأ الحكومة الإيرانية بفرض عدد من العقوبات الاقتصادية على إيران مع إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب على موقفه بإعادة صياغة الاتفاق الموقع بين طهران ومجموعة (5+1) كونه يخدم إيران أكثر مما يخدم غيرها من الدول. ويبدو أن الدول الخليجية هي الأكثر تضرراً من بنوده لأنه يعطي فرصة لإيران بامتلاك سلاح نووي ولو بعد حين ناهيك باطلاق العنان للقوات الإيرانية وميليشياتها بالتدخل والتوسع في العراق من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه.
يبدو أن الكثير من الدول تنتظر اليوم ما ستسفر عنه الحرب ضد “داعش” في العراق للعودة إلى ذلك البلد عبر بوابة الحكومة العراقية التي تمثل الشعب العراقي لا ما تريده دول أقليمية بعينها من اجل النشاط الاقتصادي والاستثماري في العراق الذي عانى منذ العام 1991 من الكثير من العقبات والحروب.
المصدر: Alghad.com