لن نكون مخطئين، إذا ما أعلنّا بداية أزمة السياسة العالمية، بعد فوز دونالد ترامب -غير المتوقع- بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.
فلتُلقي نظرة على الأحداث منذ 9 سبتمبر حتى 9 نوفمبر، لتستوعب مسار الأزمة السياسية العالمية الوشيكة. فها قد رحبنا بحقبة جديدة، بعد رد الفعل الأمريكي لأحداث 11 سبتمبر المفجعة، ومرور 15 عامًا من الأزمات السياسية والاقتصادية الحادة بعدها.
فبسبب هذه الأحداث، دُمرت كثير من العلاقات السياسية، نتيجةً للتدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط، سياسيًا أو عسكريًا، بينما تشكّلت أزمة مالية فادحة في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، ليتبعه ظهور سريع لموجة من “الشعبوية”، وافتقار العالم لمبادئ السياسة السليمة.
فها قد بدأت موجة “الشعبوية” انحيازها لطبقة الأغنياء وذوي البشرة البيضاء، لتحصد نتائجها عوضًا عما أحدثته العولمة من أضرار على العالم، فقد خلقت الهزة السياسية، الناتجة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تأثيرًا مشابها لتسونامي على أمريكا.
قرعت الطبول على رأس الجميع، ولن يُستثنى أحد أبدًا.
عصر الخروج
من الممكن أن نطلق على المرحلة الجديدة، التي يمر بها العالم، اسم “عصر الخروج”، فمع كل دولة تخرج من أي اتحاد عالمي، تزداد فجوة الأزمات العالمية.. في النهاية، لا بد أن نعلم أن الاتجاه إلى الخروج من الأزمة، عوضًا عن مواجهتها، ليس حلًا استراتيجيًا سليمًا، فمع تضاعف عدد الشكوك، تُستَنزَف فرص التعاون الإقليمي والعالمي بشدة.
يُطرح هنا سؤال ملح، لا بد أن نواجهه ونهتم بإجابته، فما هو الحد الفاصل لنهاية الأزمات التي تواجهها الدول وزعماؤها، والحركات السياسية والأعمال؟
فاتخاذ قرارات بالتخلي عن التحالفات والخروج منها، لا يساعد على توفير أمن البلاد، ولا يساعد على ازدهارها، باعتبار كل بلد منفصل عن من يجاوره، فها قد وصل العالم إلى مأزق، يجعل من البقاء داخل مثل هذه التحالفات، حائط صد للتقدم، بينما الخروج منه يخلق أزمات ساخنة، وفوضى لا نهاية منها.
مثلها مثل أي موجة سياسية واقتصادية جديدة، تظهر بعد أن نصل إلى قمة ثورة الاتصالات وتقدمه، لن نعلم متى وكيف ستطرق الموجة القادمة أبوابنا.
أخطاء الشمال
وسط حالة الفوضى العارمة هذه، لا بد أن نضع في أولوياتنا، تطوير النظم السياسية المتوارثة من بعد الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى تغيير نظام الصرف الأجنبي “بريتون وودز” الاقتصادي، قبل أن يعفوا عليهم الزمن، ليتحولوا إلى أنظمة عديمة الجدوى.
وبالرغم من ذلك، لن تختفي مثل هذه الأنظمة في المستقبل، لكن لا أتوقع أن يتم أي إصلاحات تذكر في القريب العاجل، لذلك سيستمر الكساد السياسي العالمي، في التوغل والانتشار في العالم أكثر وأكثر.
يستنفذ الشمال كل الموارد، ويستفيد منها جيدًا بطريقة قد لا تكون عادلة، بالنسبة لأهل الجنوب، بسبب رأسماليته، غير مهتم بمن حوله، معتقدين اعتقادًا تامًا بأن الجنوب سيدفع الثمن كاملاً.. لا تعد هذه الأساليب مجرد مواقف سياسية، إنما اتجاه سيتسبب في زرع صراعات جديدة.
رفض أمريكا دفع ثمن احتلالها للعراق وأفغانستان؛ ومشاركتها فقط في الأرباح الناتجة عن النظام المالي العالمي، دون مشاركتها في عواقبه؛ ودعم قمع الزعماء العرب لثورات شعبهم، كسبب لمواكبة الوضع الراهن فقط، ثم التظاهر بعدم رؤية أزمة اللاجئين، التي تسببت فيها ديكتاتورية العرب؛ ومحاولات السيطرة والبقاء في منصب الدولة المتحكمة في القرارات الدولية، دون الاعتراف بمسؤولياتها في التسبب في الأزمات العالمية… يالها من قائمة طويلة بالفعل.
تكررت نفس الحلقة المفرغة من قبل في العام 2008، قبالة الأزمة العقارية، فالموقف الحالي للعالم لا يختلف كثيرًا عن الظروف وقتها، على الرغم من دراية كل فرد داخل الأزمة بمجريات أمورها، وعلمهم بالاستثمارات التي تمت بها، وتحويلها إلى سندات غير مرغوب بها، معتقدين أن مثل هذه الأفعال لن تؤدي إلى انفجار بالونهم، الذي صنعوه بأنفسهم. وبذلك، تسمم المناخ السياسي عمومًا، بسبب نفس الأساليب المتبعة في 9 نوفمبر.
عندما يتحول الخيال العلمي إلى واقع
يبدو أنه لا يوجد مفر آخر من اللجوء إلى الحيل السياسية مرة أخرى، لمواجهة الكساد القائم حاليًا.
ومن ناحية أخرى، لكي تخرج من الأزمة السياسية العالمية، لا بد أن تتجه أولا لاتخاذ خطوات لتحقيق أعلى درجات السلطة الأحادية. فمن المحتمل أن يولّد الاضطراب العالمي، حيث يعمل كل فرد على حدة، موجات من القوى الفوضوية القصوى، التي سيترتب عليها اندلاع الحروب.
فسيتحول العالم من مبدأ النفور من المخاطرة، القائم على مقولة أوباما الشهيرة “مشاركة الجنود في الحرب، عوضًا عن البقاء فيها دون أي فعل” لينتقل إلى مبدأ آخر، لعصر يعرف بعدم القدرة على التحكم في وجود أي كان.
نهاية النظام العالمي
يبدو أنه أصبح من المستحيل بقاء أي نظام أو تحالف عالمي على قيد الحياة، بسبب تأثر الحياة بظروف الحياة المعاصرة القوية والمرهقة. فالعالم أصبح مُهددًا بالخطر، وإذا ما لم يتم تدشين فترة من الإصلاحات السريعة في المؤسسات الدولية، ووضع أجندة إيجابية من أجل قيام تعاونات إقليمية، فستزيد الفوضى يومًا بعد يوم.
باختصار شديد، لا بد أن نستوعب أننا وصلنا إلى مفترق طرق، بنهاية نظام عالمي بُني على توازن أوجه الخلل العالمية، في القرن الماضي.
ومع إدراك الجنوب التام للعصر الحالي، ودفعهم للثمن غاليًا خلال القرن الماضي، بينما يتوغل الشمال في الكساد العالمي، بعد ما فضّل التوجه إلى الشعبوية، بدلا من محاولة استيعاب مشاكل الجنوب، والتفاوض معهم للوصول إلى حلول وسطية، ترضي الجميع.
بعد مرور 27 عامًا من انهيار حائط برلين, في 9 نوفمبر من العام 1989، وصل في 9 نوفمبر الحالي زعيم جديد، يدّعي أنه سيبني حائطًا جديدًا، وصفه بأنه سيكون أعظم حائط فاصل في التاريخ الحديث.. لذلك لا بد أن نستمر وفقًا للحالة المحيرة، التي أحدثها الكساد السياسي العالمي.
هل من الممكن أن ينتهي عصر التخلي عن المؤسسات العالمية؟ لا يوجد إجابة واضحة تفسر هذا الأمر. فكل ما نعلمه هو أن عدم التوازن العالمي، تم بسبب الليبرالية الجديدة، ليس بسبب عداوة الأغنياء، المنحاز لهم الشعبوية الفوضويه للسياسية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.