التسابق بين الجيش السوري الحر، المدعوم من القوات التركية، في إطار عملية “درع الفرات”، والمستشارين الأمريكيين، لدخول مدينة “دابق”، الواقعة تحت سيطرة “تنظيم الدولة”، وما تحمله المدينة من دلالات للمعركة الفاصلة، بين تنظيم الدولة وأعدائها -الدول الكافرة-، ومعركة تحرير الموصل، التي يحشد لها الجيش العراقي وميلشيا الحشد الشيعي، وما أثير بشأن وجود قوات تركية في مخيم بعشيقة، قرب الموصل، يكشف أبعاد المعركة التي تدور تحت المظلة الأمريكية، والتحالف الدولي المكون من 63 دولة، لهزيمة تنظيم الدولة في سوريا والعراق، وصولا الى سرت في ليبيا.
تركيا تريد أن تدخل “دابق”، ومن بعدها تتجه الى “الرقة” عاصمة دولة الخلافة، التي أعلنها التنظيم، ودعم الجيش السوري الحر، ليكون طرفا في المعادلة على الأرض في سوريا، قبل دخول القوات العراقية وميلشيا الحشد الموصل، وتحريرها من “تنظيم الدولة”، ليسدل الستار على قواعد تنظيم الدولة في سوريا والعراق، لتبدأ مرحلة جديدة، لما بعد “تنظيم الدولة”، وإعادة رسم خريطة القوى السياسية والطائفية، والتمركز الجغرافي في العراق وسوريا، والعودة إلى الحدود الجغرافية بين البلدين، التي أزالها داعش في ظل دولة الخلافة.
الفرز الطائفي
الوضع في سوريا بعد نهاية “تنظيم الدولة”، لن يختلف كثيرا عما كان في ظل قوة التنظيم وسيطرته على 40% من الأراضي السورية، والاستخبارات الأمريكية تتحدث عن خرائط تقسيم سوريا، ما ظهر جليا في تصريحات وزير الخارجية، جون كيري، عن “سوريا الموحدة”، التي باتت أمرا مستحيلا.. الأمر نفسه في العراق، التي تطغى عليه الطائفية، والتهجير على أساس مذهبي، والفرز الطائفي في الكثير من المناطق، وهو ما حدث في المناطق التي تم تحريرها من “داعش”، من قبل ميلشيا الحشد الشيعي، ما ينذر بخطر شديد، حذرت منه تركيا، من تكرار نموذج الفرز الطائفي في الموصل، كما حدث في تكريت والفلوجة، وما حدث في العاصمة العراقية “بغداد” من منع دخول السنة، إلا بحضور “كفيل”.
معسكر “بعشيقة”
الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، دافع عن وجود قوات تركية في معسكر “بعشيقة” بمدينة الموصل العراقية، وقال إنه يمثل لبلاده “نقطة تضمن التصدي لأي هجمات إرهابية محتملة”، وأضاف “لا يتكلم أحد عن قاعدتنا في بعشيقة (ناحية تابعة للموصل بمحافظة نينوي شمال العراق)، فهي ستبقى هناك، لأن بعشيقة بمثابة ضمان لتركيا ضد أي هجمات إرهابية محتملة”.
ورد “إردوغان” من جديد على تصريحات لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وقال للأخير “حين أتيت إلى زيارتي (في أنقرة) لم تكن تتحدث هكذا، وأنت من طلب منا بناء قاعدة عسكرية هناك (في بعشيقة)، وبعدها توجه وزير دفاعك إلى هناك (بعشيقة)، فالآن ماذا حدث كي تغيّر (موقفك)؟ من أين تلقيت التعليمات التي كانت سببا في تغيرك؟”، داعيا العبادي إلى “عدم التبجح وتحدي تركيا”.
وأكد الرئيس التركي أن بلاده لن تسمح بتسليم مدينة الموصل إلى تنظيم “داعش” الإرهابي أو منظمة إرهابية أخرى، وسبق أن أدلى رئيس الوزراء العراقي بتصريحات عبّر فيها عن رفضه للوجود التركي على أراضي بلاده، وهي ما رفضها إردوغان في أكثر من مناسبة.
تدريب متطوعين
تركيا بدأت في تدريب متطوعين من سكان الموصل، في معسكر بعشيقة، الذي يبعد 12 كلم شمال المدينة، بطلب من السلطات العراقية نهاية 2014، وتلقى الآلاف من الأهالي تدريبات عسكرية على يد 600 عسكري تركي حتى الآن، ومنذ مايو/ أيار الماضي، تدفع الحكومة العراقية بحشود عسكرية قرب الموصل، التي يسيطر عليها “داعش” منذ يونيو/ حزيران 2014، ضمن خطط لاستعادة السيطرة عليها من التنظيم الإرهابي، وتقول الحكومة إنها ستستعيد المدينة قبل حلول نهاية العام الحالي.
“إردوغان”، قال إن قوات بلاده، التي تساند قوات المعارضة السورية المعتدلة في إطار عملية “درع الفرات”، التي انطلقت أغسطس/آب الماضي، تتقدم إلى قرية “دابق” بريف محافظة حلب، وأضاف “من هناك (دابق) سنعلن منطقة آمنة خالية من الإرهاب بمساحة 5 آلاف كيلومتر”.
“درع الفرات”
الجيش السوري الحر، بدأ هجوما على قرية “دابق”، وأطلقت وحدات من القوات الخاصة في الجيش التركي، بالتنسيق مع القوات الجوية للتحالف الدولي، فجر 24 أغسطس/آب الماضي، حملة عسكرية في مدينة جرابلس (شمال سوريا)، تحت اسم “درع الفرات”، تهدف إلى تطهير المدينة والمنطقة الحدودية من المنظمات الإرهابية، خصوصًا تنظيم “داعش”.
ووفقًا للمعلومات -طبقا لـ”الأناضول” نقلا عن القادة الميدانيين في الجيش الحر- فإن العملية انطلقت من جهة شرق القرية بهدف زيادة الضغط على عناصر التنظيم، وتساند القوات التركية الجيش الحر عبر القصف المدفعي، فيما التحالف الدولي عبر الجو.
أهمية دينية
“دابق” تمثل أهمية دينية بالنسبة لـ”داعش”، كونها وردت في أحاديث نبوية عدة، إلا أنه يحشد حاليًا قواته في مدينتي صوران والباب كبديل عن دابق.
ونقلت مجلة “دابق” التابعة للتنظيم، عبر موقعها على الإنترنت، تصريحات لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي جاء فيها “ليست هذه معركة دابق الكبرى التي ننتظرها”، في إشارة إلى بعض الأحاديث النبوية التي تحدثت عن معركة ستقع في آخر الزمان بين المسلمين والصليبيين على أرضها.
وكان التنظيم يستند الى حدث أبو هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق -أو بدابِقَ- فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بينا وبين الذين سُبُوا مِنَّا نقاتلْهم، فيقول المسلمون: لا والله، كيف نُخَلِّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثُلُث ولا يتوب الله عليهم أبدا، ويُقتَل ثلثُهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يُفتَنون أبدا، فيفتَتحِون قسطنطينية (في إشارة إلى المدينة التي تحمل اليوم اسم إسطنبول في تركيا).
ويضيف الحديث: “فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد عَلَّقوا سُيوفَهُهْم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إنَّ المسيحَ الدَّجَّالَ فد خَلَفَكم في أهاليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبيناهم يُعِدِّون القتال، يُسَوُّون صفوفَهم، إذا أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم، فأمَّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب في الماء فلو تركه لا نزاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده -يعني المسيح- فيريهم دَمه في حربته“، أخرجه مسلم.
رسالة جديدة
وفي رسالة جديدة لتنظيم الدولة، أعلن فيها أن معركة قرية “دابق”، المتوقعة لن تختلف من ناحية أهميتها عن غيرها من معارك التنظيم، وهو ما يتناقض مع رسائل وبيانات التنظيم السابقة، التي كان يركز فيها على أهمية “دابق”، وأن المعركة القادمة فيها ستكون هي التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، قال إن “المعركة القريبة هي معركة دابق الصغرى وليست الكبرى”.
الصغرى والكبرى
وقال التنظيم في رسالة نشرتها “مجلة النبأ”، أن “عُبّاد الصليب وأولياءهم (الأتراك والصحوات) حشدوا في ريف حلب الشمالي معلنين دابق هدفهم الأكبر، زاعمين أن تدنيسها بأقدامهم النجسة وراياتهم الرجسة سيكون انتصارا معنويا عظيما على الدولة الإسلامية”، وتابعت المجلة: “يظنون أن جنود الدولة الإسلامية لا يميّزون بين (معركة دابق الصغرى) وملحمة دابق الكبرى”، وأشار التنظيم في رسالته : “إذا انحازت عن دابق – ثبت الله جنود الخلافة فيها- لم تكن حاملة راية العقاب المنتصرة في الملاحم، ليتركها جندها بعد الانحياز زمرا زمرا”.
قبل الملاحم
الرسالة أضافت : “ولم يعلم عُبّاد الصليب وأولياؤهم المرتدون -وأنىّ لهم ذلك- أن ملحمة دابق الكبرى تسبقها أحداث عظام من علامات الساعة الصغرى، يعلمها المؤمنون المرابطون في خنادقهم، وهي ما أخبر بها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة”، وقال التنظيم إن “مما يقع قبل ملحمة دابق الكبرى من الأحداث: صلح بين الموحّدين المجاهدين وبين نصارى الروم، لتتفرغ كل أمة منهما لقتال عدو آخر، وبعد نصر المجاهدين على العدو خلفهم، تنزل الطائفتان بدابق وما حولها من مروج ذي تلول، ثم يرفع رومي صليبه ويدعو بدعوى النصرانية، فيدق صليبه موحّد غار للواحد الأحد، فتغدر الروم وتجمع لملحمة، ويأتون بالآلاف”.
دابق مركزية في تنظيم الدولة
صحيفة “التايمز” البريطانية، أشارت إلى أن دابق مركزية في تنظيم الدولة، حيث ينظر إلىيها على أنها معركة كبرى في نهاية الزمان بين جيوش المسلمين والكفار، وأصبح الجيش السوري الحر، الذي بدأ تقدمه تجاه أراضي سيطرة تنظيم الدولة في آب/ أغسطس، بالقرب من دابق، حيث اجتمع مئات المقاتلين استباقا لمعركة ضارية، وقالت إن دابق تمثل محطة على الطريق ما بين بلدات مارع، وعاصمة تنظيم الدولة الفعلية، الرقة، ما يضفي عليها أهمية استراتيجية، إضافة إلى رمزيتها.
ماذا بعد سقوط عاصمة الخلافة
وتعرضت دابق لتهديدات من المسلحين الأكراد هذا العام، إلا أنهم تراجعوا بعدما حشد تنظيم الدولة 800 مقاتل إضافيين، ومنذ بدء عملية “درع الفرات” المدعومة تركيًا وأمريكيًا، في آب/ أغسطس، أرسل تنظيم الدولة المزيد من التعزيزات إلى دابق، ووضع المزيد من الألغام وأعد العربات الانتحارية للدفاع عنها، ويتوقع الجيش السوري الحر، أن تكون معركة دابق هي الأشد”.
فماذا بعد نهاية أسطورة تنظيم الدولة في “دابق”، وسقوط عاصمة الخلافة في الرقة، وهزيمة “داعش” في الموصل؟
عبداللطيف التركي