“شيء ما يحدث هنا، لكنك لا تعرفه، أليس كذلك سيد جونز؟”
بالطبع استحق بوب ديلان جائزة نوبل في الأدب. نحن جميعا السيد جونز الآن، فهذا هو أعنف موسم سياسي في تاريخ الولايات المتحدة.
ولكي يوضح نسبه، يدّعي دونالد ترامب الآن أن هيلاري كلينتون “تعقد اجتماعات سرية مع بنوك دولية، للتخطيط لتدمير سيادة الولايات المتحدة، لإثراء القوى الاقتصادية العالمية والمصالح الخاصة لأصدقائها ومانحيها”.
ماذا كان النازيون يطلقون على اليهود؟ آه، نعم، “طفيليات عديمة الجذور”، هذا هو. وكانوا بالنسبة لستالين عالميون بلا جذور.
فقط أقول
المجتمعات تنزلق نحو الديكتاتورية، أكثر مما تترنح، حيث يسقط حاجز في كل مرة. “إنه مجرد مهرج”، يقول الناس، “وسوقي”. ثم يفوت الأوان.
لقد تم تذكيري خلال الأسابيع الأخيرة بفقرة في الرواية الرائعة لفريد أولمان، “لم الشمل”، التي يوجه فيها طبيب ألماني يهودي فخور، جُرح مرتين خلال الحرب العالمية الأولى، ومقتنع بأن النازيين ليسوا إلا “علة مؤقتة”، اللوم على الصهاينة لمحاولتهم جمع أموال من أجل إقامة دولة لليهود: “هل تعتقدون حقا أن أبناء غوتة وشيلر وكانط وبيتهوفن ستنطلي عليهم هذه السخافة؟ كيف تجرؤون على إهانة ذكرى اثنى عشر ألف يهودي كانوا من أجل بلادنا؟”
واقتنع الألمان بالسخافة، واقتنع الحزب الجمهوري بالحماقة.
واليوم، يبدو أن ملايين الأمريكيين، الذين ينوون التصويت لترامب، يقرون العنف ضد جيرانهم، الذين ربما كانوا أشخاصا مختلفين عنهم، ربما مسلمون أو لاتينيون.. من السهل حقن فيروس الكراهية. فقط صوب سلاحك.
إن متاجرة ترامب بالعنف لا يمكن إنكارها، فحركته تريد أفعالا -ترحيلات واعتقالات واغتيالات وتعذيب- والشيء الأكثر إثارة للقلق، ليس إعجاب ترامب بفلاديمير بوتين، جزار حلب، لكن تقليده لفلاديمير بوتين.
بالحديث عن اللاتينيين، هذا ما حدث في ذلك اليوم مع فيرونيكا زوليتا، التي ولدت في السلفادور وأصبحت موطنة أمريكية قبل أكثر من عشر سنوات.. كانت في سوق دريجر الراقي في مينلو بارك، عندما قال لها الرجل الواقف بجوارها: “عليك الذهاب إلى متجر سيفواي. هذا المتجر للبيض فقط”.
شعرت زوليتا بالصدمة، فهي لم تواجه تعليقا كهذا على بشرتها البنية، لكن حتى المعقل الديموقراطي في وادي السيليكون، ليس محصنا ضد تأثير ترامب، فالأمور التي كان من المفترض عدم قولها أصبحت تقال الآن، وأصبحت عبارة “عودوا من حيث أتيتم” معتادة كل يوم.
خلال الثلاثة أشهر التي أعقبت التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ارتفعت نسبة الاعتداء على المثليين بنسبة 147%، مقارنة بنفس الفترة من السنة السابقة، إنه موسم مفتوح للمتعصبين.
وتزايدت الضغوط المالية والعاطفية على زوليتا، فهي تعيش في مكان يعتبره الحالمون في فيس بوك وجوجل وأمثالهم مركز العالم، وهل هناك مكان آخر يفكر فيه الناس بشكل جدي في الخلود؛ أو الحياة على المريخ؛ أو المدن العائمة فوق المحيطات؛ أو الدخل العالمي الأساسي للجميع، بمجرد حدوث المحتوم وتسبب الذكاء الاصطناعي في توقف العمالة البشرية؟
وأعلنت حاضنة المشروعات الناشئة، واي كومبينيتور، أنها ستجري تجربة للدخل الأساسي على مائة أسرة في أوكلاند، حيث ستعطيهم مبلغا يتراوح بين ألف وألفي دولار شهريا لمدة عام، فقط لترى كيف يتصرف الناس، عندما لا يكون لديهم شيئا يقومون به؟
بالعودة للحاضر، فقد ارتفعت أسعار العقارات، وتعيش زوليتا في مكان متواضع بالإيجار، فيما كان يعد الاتجاه الخاطئ للطريق، في إيست مينلو بارك، شرق الطرق 101. وبالصدفة، أصبح منزلها يقع على بعد بنايتين من مقر شركة فيسبوك، مترامي الأطراف، الذي صممه فرانك جيري، وتم افتتاحه العام الماضي. وطلبت عملا بالمطبخ، لكن دون جدوى، وهي تناضل من أجل تغطية نفقاتها.
وكما أخبرتني فإن فيسبوك “مخيف بالنسبة لأشخاص مثلي. الأمر أشبه بقول اخرج من هنا، إذا لم تكن تعلم شيئا عن التكنولوجيا”.
من جانبها، تقول شركة فيسبوك إنها تهتم وتستثمر في المجتمع المحلي – فقد تم منح 350 ألف دولار للمؤسسات غير الربحية خلال العامين الحالي والماضي، كذلك تم منح كاميرات تصوير حراري لمركز الإطفاء المحلي، وكانت عائداتها في العام 2015: 17.9 مليار دولار.
تعمل زوليتا من السادسة صباحا حتى منتصف الليل، حيث تنظّف المنازل وتوصّل الأطفال للمدارس، والأنشطة وأداء مهمات لصالح العائلات الثرية (مثل التسوق لهم من متجر دريجر)، وتنظيف المكاتب في الليل. وخلال كل هذه الأعمال تحاول الاعتناء بطفلتيها الصغيرتين، في ذلك اليوم، كانت في المطبخ عندما انهارت واستيقظت لتجد نفسها في المستشفى.
قالت لي: “قال الطبيب أنني أحتاج إلى النوم والراحة”. “لكنني لا استطيع!”
الحياة هذه الأيام بالنسبة لكثير من الأمريكيين، عنيدة ومربكة. وكامرأة لاتينية، قالت زوليتا إنها من المستحيل أن تصوت لترامب، لكنها تشعر بالارتباك.
“شيء ما يحدث هنا لكنك لا تعرفه، أليس كذلك سيد جونز؟”