بشكلٍ عام، هناك أربع وحدات رئيسية في القضية بين الهند وباكستان، فسواء تحدثنا عن السلام أو الحرب، لا بد أن تتآلف تلك الأطراف الأربعة معًا، هذه الأطراف الأربعة هي: من الناحية الهندية، الشعب والحكومة، ومن الناحية الباكستانية، الدولة – بشقيها المدني والعسكري – والشعب، لذا لا يوجد سلام دائم ومستقر، أي حياة طبيعية، لأن تلك الأطراف الأربعة لم تتآلف أبدًا بشكل صحيح.
عندما يتحدث قادة الجانبين عن السلام نجد أن أحد الشعبين غير مقتنع، وعندما يتحد قادة وشعب أحد الجانبين نجد أن قادة وشعب الطرف الآخر غير متفقيّن، لذلك لم يحدث السلام.
لكن الجيد في الأمر ولحسن الحظ، أن الأطراف الأربعة لم يتفقوا بشكل خاطئ حتى الآن، فلم يحدث أبدًا أن اتفق الأطراف الأربعة على الحرب والقتال حتى النهاية، وهذا ما يعكس خصوصية الوضع في جنوب آسيا: فهم ليسوا أذكياءً بما فيه الكفاية لتحقيق السلام، وليسوا بهذا الحد من الجنون حتى يخوضوا حربًا شاملة.
لكن المستقبل لن يكون بالضرورة مثل الماضي، فإذا بذلنا بعض الجهد ونظرنا للأمر، سنجد أن هناك بوادر تغيير في كيفية تعامل تلك الأطراف، وهذا التغيير لا يسير في الاتجاه الصحيح.
الغريب في الأمر، وخلافًا للمقترحات المطروحة، يبدو أن الدولتين متمسكتان إلى حد كبير بنموذج الصراع الدائم: لا تقم بأي شيء مجنون ولا تحاول أن تكون البطل.
وأيًا كان ما تعتقده حول هوية من أمر بتنفيذ هجمات في مومباي وباثانكوت وأوري، فلا يمكنك الاعتقاد بأن الهدف هو إشعال فتيل الحرب، ففي أفضل الأحوال كان الهدف إثناء أي شخص عن محاولة طرح أفكار للسلام.
يبدو هذا منطقيًا، فالرغبة المؤسسية للجيش في الحفاظ على نفسه، وزيادة قوته، وحماية مصالح الشركات، تؤكد أن الجيش لا يرغب في دخول حرب مع الهند، فالحاجة إلى خلق عدو تختلف تمامَا عن قتال العدو دون حاجة لذلك.
الوضع نفسه ينطبق على الهند، فهي تريد أن تصبح قوة اقتصادية عالمية، وهذا يعني أنها لا ترغب بالدخول في حرب شاملة مع باكستان، وعلى أية حال، ما الذي تستفيده الهند من ضرب باكستان وهزيمتها، على افتراض أنها تستطيع القيام ذلك؟
لكن بينما تهتم الهند وباكستان بردود أفعال الدولتين والتعامل بينهما، إلا أنهما لا تهتمان إطلاقًا بوضع الشعب، ومن هنا يكمن الخطر، خاصة أن الدولتين لا تباليان بتسليح الشعب والرأي العام المنتشر في دولة ضد الدولة الأخرى.
شبح باكستان: “وكالة المخابرات الخارجية الهندية” (RAW)
لنبدأ مع باكستان، منذ سنوات عديدة، ربما أواخر التسعينات، كان هناك اتجاهًا سياسيًا سائدًا: تطبيع العلاقات مع الهند هو أمر أساسي لأمننا وازدهارنا.
يمكنك الطعن في الشروط التي تعمل عليها، لكن حتى لاعب الكريكت السابق ورئيس حزب حركة الإنصاف الباكستانية عمران خان، لم يكن بمنأى عن المنطق المدني في الهند، لذا فالتهديد الحالي هو التوافق الداخلي، أي أن الجاني هو الفجوة بين المدنيين والعسكريين.
لم يتم الاكتفاء بالفوز في الحرب – لم يكن لرئيس الوزراء نواز شريف أي تأثير في السياسة الخارجية والأمن الداخلي – بل كان هناك مبالغة في التسليح، لضمان أن شريف في وضع لا يمكّنه من التراجع.
ومن وجود عملاء لوكالة المخابرات الهندية في مصانع السكر المملوكة لشريف، ومؤامرات احتكار مصانع الصلب، ومحاولات الربط بين شريف ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، كل هذه الأمور وضعت شريف في موقف لا يستطيع التحدث فيه عن الهند بشكل معقول.
أما رئيس حزب الشعب الباكستاني بيلاوال بوتو فقد تراجع بكل حماقة عن العمل الجيد الذي قامت به والدته الراحلة بنظير بوتو، بينما تم تقويض حركة القومية المتحدة وحزب العوام الوطني لعلاقاتهم الهندية الأفغانية.
تأثير ذلك هو انهيار أي توافق سياسي على ضرورة السلام مع الهند، ويأتي هذا الانهيار مع تسليح جماعات كثير من الشعب مع وصول فكر الجهاد إلى ذروته.
لذا لا يمكن أن نعول على باكستان في اتخاذ المبادرة نحو وقف الحرب.
قومية وسائل الإعلام الهندية
أما في الهند، فمشاكل الشعب واضحة، ففي بلد ترتفع فيها نقاط الضعف، تحاول وسائل الإعلام إظهار قوتها، وبينما يهتم الباكستانيون بالأشياء المتعلقة بباكستان فقط، نجد أن وسائل الإعلام الهندية تصنع ضجة كبيرة من أخبار مثل القبض على أبوين هنديين في أوسلو، اعتقال دبلوماسي هندي في نيويورك، وعندما يتعلق الأمر بباكستان، فإن ردود الأفعال الهندية تكون أسوأ مئات المرات، وهذا الأمر يترك قادة الهند مع خيارات أقل في نهاية المطاف.
لذلك، نعم لا بد أن نشعر بالقلق، ليس لأن الدول أصبحت مجنونة، لكن لأن الدول تآمرت على إطلاق العنان لشعوبها، وعندها تصبح إمكانية التآلف بين الأأطراف الأربعة بطريقة جيدة، أمرًا بعيد المنال.
كارل ألميدا