الرئيسية / أخبار / “مشروع مارشال المعلوماتي”.. خطة شيمون بيريز “السرية” للشرق الأوسط
Image: Times of Isreal

“مشروع مارشال المعلوماتي”.. خطة شيمون بيريز “السرية” للشرق الأوسط

نشر الكاتب والمحلل السياسي بن كاسبيت مقاله عن خطة شيمون بيريز “السرية” للشرق الأوسط وفيما يلي نص المقال:

لو استمع شيمون بيريز لآخر مديح ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما على قبره، لأغشي عليه.. فقد قضي الرئيس الأمريكي 25 ساعةً من وقته الثمين، بما في ذلك ساعات سفره، بعد أن ألغى كل ارتباطات يوم 30 من سبتمبر لحضور جنازته.. ونعى باراك أوباما موت بيريز من أمام نعشه قائلًا “يذّكرني شيمون في أوقات عديدة بأحد عظماء القرن العشرين، إنه لفخر عظيم لي أنني قابلته، فهو من الزعماء القليلين الذين لا يتحججون بتبني موقف ما لمجرد أنه مُؤيد من العديد من الناس؛ أحد الأشخاص الذين يناقشون أي قضية بعمق واهتمام وعلم غزير، وليست مجرد تسجيلات صويتية فارغة بالنسبة له؛ هو شخص لا يهتم بالإحصائيات والتقاليع الجديدة، مؤمن بقناعات خاصة به، يتمسك بها حتى إن اضطر لمعاكسة التيار للتعبير عنها.“

 كل هذه الملاحظات، التي أدلى بها باراك أوباما، كانت موجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، الجالس بجواره في الصفوف الأمامية.. وهو ما لم يكن بيريز ليستطيع التعبير عنه بمثل هذه البراعة.

خلال السنوات الأخيرة، حتى بيريز المتفائل دائمًا، بدأ الغرق في قاع الاكتئاب.. فلقد استوعب أن فكرة تحقيق السلام، التي عكف على تحقيقها على مدار جيل كامل، أصبحت مركونة يردمها التراب، مُختفية في مذاهب التاريخ، ورسم السياسي المخضرم، الإطار الخارجي لآخر عملياته من أجل تحقيق السلام، في محادثة له مع “المونيتور” في بيته الخاص بتل أبيب، في يوم 11 سبتمبر، ولبضع دقائق قبل بدء هذه المحادثة، أجرى محادثة تليفونية مع “جون كيري” وزير الخارجية الأمريكية، متمنيًا له عيد ميلاد سعيد، حتى بعد أن ألقى الأخير خطابًا وبخ فيه إسرائيل، محذرًا إياها من نتائج سياساتها المتأصلة في الأراضي المحتلة.

وأعاد بيريز سرد بعض الجمل التي أخبره بها “جون كيري”، قائلا: “أخبرني كيري أنه عبّرفي خطابه عن نصف ما داخله فقط، فقد ضبط نفسه لأبعد الحدود.” مضيفا “لا يوجد أي حكومة فعلية في إسرائيل، فرئيس الوزراء هو الآمر الناهي في جميع الأمور”.. لكن كان من الممكن أن يتخذ قرارا وتصرفا في السبع أعوام السابقة، لكنه فضّل أن يقف مكتوف اليدين وأصبح بذلك جمهوري متأصل.. فقد استغل الجمهوريين مع الدعم السخيف للديمقراطيين، فكانت الولايات المتحدة هي من لمّعت نجم نيتنياهو في الأعوام السبعة الماضية، ما أعطاه ثقة كبيرة بنفسه. فأشادوا به وأثنوا عليه”. أما أنا…فأرى الأشياء من منظور آخر.

وصدقت تنبوءات بيريز في مجملها.. أمريكا أصبحت أكثر حكمةً الآن، فيما يتعلق بعلاقاتها مع إسرائيل، وأدركت أن نتنياهو يستدرجها بخداعه.

وأضاف بيريز “أنا لا أرى في إسرائيل امتلاكها للقوة الكافية لتحقيق السلام، وتغيير أحوال الإسرائليين ولا حتى في قوات الجانب الفلسطيني.. فلا يوجد من يحمل الشجاعة الكافية ليخطوا مثل هذه الخطوة، سواء من الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني، حتى مع استمرار محاولات محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، لمحاربة الصراعات الإرهابية، وهو أمر يعد معجزة في حد ذاته.. أما فيما يخص جون كيري، فأعتقد أن وضع الاتفاق النووي مع إيران يعد في حد ذاته نجاحا ضخما بالنسبة لكيري. على الرغم من تداول الأقاويل عن عدم ذكاء كيري، فإنني لا أعلم كيف يُقاس مقدار ذكاء أحدِهم، لكن لابد أن يعترف العالم أن التزامه الاستثنائي بالقضية، هو ما أدى إلى إبرام مثل هذا الاتفاق، الذي أجمع عليه جميع بلدان العالم إلا إسرائيل، فإسرائيل واثقة ثقة عمياء بقدرتها على تدمير إيران كلها، إن حاولت أذيتها..  يعيش نتنياهو في رعب مستمر بسبب ديماجوجيته وأكاذيبه المستمرة..  لا يوجد أي حرب في الشرق الأوسط الآن، فعادة ما يكون هناك هدف محدد تأتي من ورائه الحرب، لكن ما يحدث الآن في الشرق الأوسط هو إرهاب، لمحاولة زرع الخوف في الناس والدمار للعالم.”

أما فيما يخص الجزء الأول من خطة بيريز لتحقيق السلام، نصت على “يصل تعداد سكان الشرق الأوسط إلى 400 مليون نسمة تقريبًا، ولما يقرب إلى 1.3 مليون مسلمًا في العالم كله، بينما تصل نسبة من هم أقل من 25 عامًا إلى 60%، لذا أرى من وجهة نظري؛ أنه من الصعب أن ينجحوا في الخروج من موقفهم وأزماتهم الحالية، دون اللجوء إلى مساعدات خارجية. ووفقًا للإحصائيات الدولية يمتلك 130 مليون شابًا فقط الهواتف الذكية، بينما يصل عدد الدارسين بالجامعات إلى 9 ملايين طالب، وهو رقم ليس بالكبير أبدًا.. مع العلم أن مشكلة الوطن العربي الأساسية تكمن في أنه بمجرد تخرجهم من الجامعات، لا يجدون فرص عمل متوفرة لهم.

أضاف “لا بد أن ينبع الحل من داخل الجامعات، مثلما حدث مع إسرائيل.. لا بد أن تعمل الحكومات على توفير وسائل التكنولوجيا العالية، وتشجع على ريادة الأعمال، فالآن يوجد 13 ألف شركة ناشئة في إسرائيل أسسها الطلاب، القليل منهم كانوا في الأصل مليونيرات، فالطلاب يرتادون المدارس، ويصبحون رواد أعمال في نفس الوقت، ثم يجنون الأرباح من المستثمرين، وسداد ديونهم بمجرد نجاحهم، لذا لا بد أن ينتهج العالم العربي نفس المثال، ليتقدم عالمهم.”

نصح شيمون بيريز الإسرائيليين والعالم بقوله “قلت لهم مرارًا إبدئوا يا أصدقائي بالتفكير في الحرب على الإرهاب، كي لا يلتهمكم جميعًا.. يجب أن تقضوا على الإرهاب من جذوره، فهو لن ينتهي بقتل الإرهابيين. إضافة إلى ابتكار وسائل تكنولوجية عالية جديدة، وخلق فرص عمل أخرى. يجب أن نعمل على تسخير المجتمع العربي الإسرائيلي، بجانب رواد التكنولوجيات الحديثة في أنحاء العالم، لأجل هذا الهدف.. فقد تحدثت مع “مايكل ديل”، المدير التنفيذي لشركة ديل للحواسيب، منذ فترة وجيزة، بعد دمجه لشركته مع شركة ضخمة أخرى، فتناقشنا في خططه لإستثمار ملايين المليارات التي يحتكم عليها في ذلك الوقت. واتفقنا على أن نتقابل في دافوس. ثقوا بي، نحن لا نحتاج إلى تواجد الحكومات، فهم لا يمثلون شيئًا سوى كونهم مصدرا كبيرا موجعا للرأس، دون حتى امتلاكهم للمال الوفير، فيجب أن نستعين بالشركات الدولية، وأنا حاليًا في مناقشات لضم الكثير من الشركات المعروفة دوليًا، مثل سيسكو وفيسبوك وجوجل وغيرهم.”

أضاف فيما يخص تطوير الشرق الأوسط ” لابد أن يهتم الشرق الأوسط بأربعة جوانب مهمة: الإنترنت، وخدمات النطاق الترددي العريض”برود باند”، ومشروعات الحوسبة السحابية “كلاود”، والطب الرقمي، فلابد أن ننتهج مشروع مارشال المعلوماتي الضخم، ولا نكتفي بجمع الأموال فقط، إضافة إلى تحويل الجامعات الى مراكز لريادة الأعمال والتطور التكنولوجي، حيث يرتكب العديد من زعماء الشرط الأوسط العديد من الأخطاء الفادحة فيما يتعلق بمستقبل أوطانهم، فتجد أن عبد الفتاح السيسي يهدر مليارات الدولارات لإنشاء مشروع تطوير قناة السويس، وهو مشروع خاطئ. ولن أفاجئ إن استيقظت في يومًا ما على خبر إنهيار مصر أو السعودية. لذلك لا بد أن نسرع بعرض هذه الخطط بأسرع وقت ممكن، على كل من يود الانضمام إلينا.”

ثم يتطرق شيمون بيريز الى الشّقّ الثاني من خطته فيما يتعلق بالسياسة: “تحدثنا منذ قليل عن جون كيري واجتهاده في حل الأزمة الإيرانية دون اللجوء إلى اندلاع حرب جديدة، أو حرب باردة أخرى، أو حتى اللجوء إلى مساعدات الأمم المتحدة، حيث أثبت جون كيري تكريس حياته لهذه القضية دون ذرة من السخرية، وهو أمرٌ لو تعلمونه لكبيرٌ في عالم السياسة، حيث استطاع الوصول إلى حل سانده العالم كله، عدا إسرائيل، والآن يتحدث العالم عن تطبيق اتفاقية جديدة على إسرائيل وفلسطين، لكن لما ستفرض مثل هذه الاتفاقية؟ من المفترض أن نيتنياهو صدّق على حلٍ قائمٍ على تشكيل دولتين منفصلتين—إسرائيل وفلسطين—مع بقاء المستوطنات تحت سيطرة إسرائيل، لكن لا يمكن أن يقبل محمود عباس مبدأ هذه المستوطنات، حيث يعترف الفلسطينيون بثلاث مستوطنات فقط، بينما يضع نيتنياهو 7 أو 8 مستوطنات في تفكيره، لذا يحتاج العالم إلى عرض خطة لعمل اتفاقية بينهما، تُبنى على ما تم الاتفاق والاعتراف به سالفًا، على أن تشرف الجمعية العمومية للأمم المتحدة على تمرير هذه الاتفاقية وليس مجلس الأمن، فيجب أن يُوضَع مثل هذا الرأي على الطاولة كاقتراحٍ، وليس فرضا على أيٍ من الطرفين، ليكون الطريق مفتوحًا لمن يريد المشاركة منهما، وعلى الرغم من تجنب العديد من الشركات لإسرائيل بسبب سياساتها، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تعمل بعيدًا عن العالم المتحضر، وبالطبع لا يمكن أن يتخلّف الفلسطينيون عن الانضمام إلى مشروع المارشال الضخم، فالفكرة التي يعتمد عليها المشروع، من التعاون المشترك، ستقوم على المواقفة على التنسيق بين الأطراف المعنية، كشرط أساسي للانضمام.”

ثم سألت بيريز من سيحرك مثل هذه الخطة والمسؤول عن تنفيذها؟ فأجاب بيريز “العالم.. فمثلاً كيري لديه القدرة الكافية على إدارة مجريات هذه الخطة، فقذ ذهبت لمقابلة الرئيس الروسي “فالديمير بوتن” من فترة، وجيزة وتحدثنا عن أعمارنا، فقلت له أنني أبلغ من العمر 92 عامًا، بينما تبلغ أنت 62 عامًا، فما هي خططك المستقبلية للثلاثين عامًا المُقبلة؟ هل مثلا ستغزو أمريكا؟ فكان رده بالنفي، فسألته مرة أخرى، إذًا…هل تعتقد أن أمريكا تريد أن تغزو روسيا؟ فكانت إجابته: بالطبع لا. ثم تساءلت إن كان يواجه صعوبات في حديثه مع الرئيس باراك أوباما، وكانت إجابته بالنفي، واصفًا “أوباما بالرجل اللطيف”، وهنا أعلمته أنني سأخبر الأمريكيين المعنيين بكل ما نتحدث فيه الآن، على الرغم من أنني لا أشارك أبدًا في نقل المحادثات، فضحك بوتين معلقًا: أعلم ذلك جيدًا، لذلك أتحدث معك.

أعتقد أن هذه المحادثة، التي دارت بيني وبين بوتين، هي السبب الرئيسي وراء بدأ المحادثات الأمريكية والروسية، وأعتقد أن الروسيين والصينيين والأوروبيين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، سيوفقون على مثل هذه الاتفاقية، المبنية على الحل القائم على دولتين. وعلى الرغم من ذلك، لن يتم فرض هذه الاتفاقية على أي من الطرفين، لكنها ستكون بمثابة حل توافقي من قبل العالم كله، مثلما تمّ في اتفاق إيران النووي، فيجب تقديم الإيجابيات والتحفيز للطرفين، بدلاً من استخدام أساليب التهديد.. بالتالي سينضم كل من يوافق على هذه الاتفاقية إلى التوقيع على تطبيق البرنامج للمشاركة في مشروع المارشال للمعلومات.”

ثم سألت بيريز كيف يستطيع إقناع نتنياهو بقبول مثل هذه الفكرة؟ وكيف سيُحايد مع لوبي لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية، المؤيدة لإسرائيل ومليارات نيتنياهو؟ فأجابني: “لا يمكنك شراء كل شيء بالمال.. حتى المليونير الأمريكي “شيلدون أديلسون” لا يمكنه شراء العالم كله وحده، فهو لا يحتكم على 24 تريليون دولار، وعلى الرغم من انحياز الإنجيليين الى جانب نيتنياهو، فإنه خسر تأييد الديمقراطيين، وأنا متأكد من موافقة روسيا و أمريكا، على الرغم من أن هناك العديد من الأمريكيين يصدقون وعود نيتنياهو.

أضاف “سنعمل على حل مشكلة القدس لاحقًا على مرحلتين، بدلاً من مرحلة واحدة وسيوافق عباس على هذا الاقتراح، فقدت تناقشت معه في هذا الأمر من قبل. ففي المرحلة الأولى، ستتحمل كل ديانة مسؤولية أماكنها المُقدسة، بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعرض للعالم من قبلها كطلب دولي ممهدةً للطريق المؤدي للسلام، بالتالي يشارك العالم كله في الاتفاقية، بينما سيُنبذ من يمتنع عنها ولكني لا أعتقد أن يرفضها أحد، فكل من يرفض الانضمام سيخلف ليكون وحيدًا؛ لأن هذه الاتفاقية تمثل فرصة لجنة حقيقية على الأرض، بتوفير تريليونات الدولارات من الاستثمارات في شتى المجالات، سواء من التكنولوجية والعلم والجامعات، فهذا هو المستقبل ولن يقبل أحد أن يتمسك بالماضي وحده.”

بعد مرور تسعة أشهر من هذه المحادثة، عانى بيريز من جلطة أدت إلى وفاته في 28 سبتمبر. لكن، عبّرت آخر خططه عن إحباطه الشديد من الجانب الفلسيطيني والإسرائيلي، لكن على الرغم من كل ذلك، رفض الاستسلام آملا في حصاد حبه للعلم والتكنولوجيا والتطور، ليستفيد منه لتحقيق حبه الآخر “السلام”.. لن يستطيع أن يشاهد تحقيق رؤيته، ولا أعتقد أنه خلف من وراءه من يسير على خطاه.

المونيتور