قل ما يمكن وصف التصعيد التركي تجاه العراق؛ أنه توتر جديد لصراع قديم، وإمتداد تاريخي مبني على نتهج الهيمنة؛ بدءً من أواخر العهد العباسي؛ الى ظهور السلاجقة، ثم عهد السيطرة العثمانية 400 عام من 1516 الى 1918م؛ إلاّ أن التصرف التركي هذه المرة متشعب الأهداف لنتائج سياسة متخبطة؛ تظهر شيءً لتخفيف كوارث.
رغم قِدَم العلاقات التركية العربية؛ إلا أن خطواتها غير ثابتة، ولا تُعد كعلاقة قوميتين مسلمتين او جوار أقليمي او ضمن منظومة عالمية تحتم الإحترام المتبادل.
تصاعدت المواقف العراقية التركية في الآونة الأخيرة، سيما بعد تصريحات كبار قادة الأتراك وفي مقدمتهم الرئيس اردوغان، وإنبرى ساسيون وإعلاميون أتراك لوصف الواقع بمواقف شتى، ومن دخول القوات التركية الى العراق الى اليوم؛ تخبط الخطاب وتناقضت الأفعال؛ الى أن تحدث رئيسهم عن مستقبل العراق والموصل؛ وكأنه وصي على الشعب العراقي، ويحدد من يسكن المدينة وكيف تكون خرائطها؟!
قال رئيس الوزراء التركي: أنه لا يفهم لماذا التصعيد العراقي تجاه تواجد القوات التركية، ولكن نعيد عليه نفس السؤال لنقول: لا نفهم ما سبب تواجد القوات التركية في العراق، والشعب العراق يرفضها ويعتبرها محتلة، ثم لماذا يمدد البرلمان التركي بقاءهم عام آخر والكل يعرف أن داعش لن تبقى أكثر من أشهر في العراق، وهل
يستطيعون حماية هذه القوات في مناطق وعرة في مساحة 1 كم يشغلوها؟!
حقيقة السياسة العراقية نيتها بناء علاقات أقليمية وعالمية متوازنة، والحرص على علاقات حسن جوار، ولكن السيل بلغ الزُبى، وكان رد الحكومة والبرلمان العراقي مناسباً؛ بعد إستنفاذ كل السبل الدبلوماسية، ومن تقديم الشكوى الى مجلس الأمن الدولي؛ يكون العراق قد أبلغ العالم انه يحافظ على المنظومة الدولية، ولا نية للعراقيين سوى الحفاظ على سيادة بلدهم.
إن التحرك التصعيدي التركي؛ لا يفهم منه العراقيون سوى أنه تجاوز على السيادة؛ وعدة نوايا تتركز على: منافسة الدول الكبرى كأمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والضغط على كورد العراق كونه أكثر علاقة من الأتراك مع أمريكا، وإيقافهم عند حد من التفكير بالدولة الكوردية، ومنع عناصر PKK من بناء علاقات مع كورد العراق، والضغط على الحكومة العراقية للحصول على منافع ونفوذ بعد تحرير الموصل، والأهم في الوجود التركي؛ تهريب ما تبقى من أهم قيادات داعش في الموصل؛ لمنع كشف التعاملات وتهريب الدواعش والسلاح والنفط والآثار.
خرج التعامل التركي عن سياق حسن الجوار وإحترام سيادة الدول؛ من خلال تدخلها في شأن العراق؛ سواء بالإستيلاء على الأرض دون أذن، او تفصيل وجود مكونات الموصل.
يعتقد قادة تركيا؛ أن إفتعالهم المشاكل؛ سيغطي على حجم مشكلات يعانوها، ولكن سكوت أمريكا وروسيا لفترة من الزمن؛ لن يُنسي العالم التورط بدعم داعش بشكل مباشر، وقد يعتقدون أن العراق اضعفته الحروب، ولكن المحن كانت سبب لتوحده؛ ولولاه لإجتاح الإرهاب أرجاء المعمورة، ولكن صلابتهم وصفهم الواحد؛ كان حاجز ومصد نيابة عن العالم، وبهذه القوة لن تعصيهم تركيا؛ إلاّ أن صبرهم الكبير بدأ ينفذ، ولن يسمحوا لأحلام الإمبروطوريات أن تُعاد على رقاب الأبرياء، وحتما سينتظر تركيا حساب؛ عندما تضع الحرب أوزارها وتعاد الإتفاقيات وستُحاسب الحكومات الداعمة للإرهاب، واحدة تلو الأخرى.
واثق الجابري
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.