الرئيسية / أخبار / هل يمكن استعادة المَلَكِيَّةِ في إيران

هل يمكن استعادة المَلَكِيَّةِ في إيران

يثير تصاعد الاستياء في إيران احتمال إعادة النظام الملكي الدستوري كبديل علماني وديمقراطي يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه طريق مستقر للمستقبل بعد الجمهورية الإسلامية.

وشكّل انطلاق عملية “الأسد الصاعد”، التي استهدفت قادة كبارا في الحرس الثوري وعناصر رئيسية في البنية التحتية العسكرية الإيرانية، تحولا مهما، حيث إن دقة الضربات أثارت التكهنات بأن تغيير النظام قد يكون نتيجة غير مقصودة أو مقصودة.

وتعزز هذا السيناريو أيضا من خلال الديناميات الداخلية: الغضب الشعبي الواسع والاستياء العميق من النظام الإسلامي. فقد قوضت عقود من القمع وسوء الإدارة الاقتصادية والسيطرة الأيديولوجية شرعية النظام عبر قطاعات واسعة من المجتمع.

وفي هذا السياق، ظهر رضا بهلوي (ابن آخر شاه لإيران وولي عهده) مجددا كشخصية بارزة في النقاش حول مستقبل إيران السياسي.

وخاطب بهلوي الإيرانيين “لا تخافوا من اليوم التالي لسقوط الجمهورية الإسلامية. إيران لن تغرق في حرب أهلية أو حالة من عدم الاستقرار. لدينا خطة لمستقبل إيران وازدهارها.”

ويرى الباحث في العلاقات الدولية مسعود زماني في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست أن رضا بهلوي رغم أنه امتنع دائما عن تأييد نموذج حكم محدد، فإن ميله التاريخي نحو مؤسسة الملكية والدعم الواسع الذي لا يزال يحظى به لدى الإيرانيين أعادا تركيز الأنظار على إمكانية العودة إلى ملكية دستورية.

تبقى فكرة استعادة الملكية أحد أكثر الموضوعات إثارة للجدل وأقلها مناقشة صراحة في السياسة الشرق أوسطية المعاصرة. فقد أصبحت فكرة العودة إلى الملكية قوة سياسية لا يمكن إنكارها لكن الكثيرين يفضلون تجاهلها.

ورغم أن الحركة نالت زخما كبيرا بين الإيرانيين، لاسيما في المنفى، إلا أنها غالبا ما تُرفض باعتبارها مجرد حنين إلى زمن مضى. لكن هذه التفسيرات المبسطة لا تعكس الواقع المعقد للمشهد السياسي الإيراني.

وفي السياسة، قليل من المواقف تحمل هذا القدر من المفارقة مثل العلاقة بين مرور الزمن وتوفر المعلومات. فالأحداث السياسية كثيرا ما تظهر حقيقتها فقط بأثر رجعي، وبحلول الوقت الذي تتوفر فيه أدلة كافية لتكوين حكم سليم، يكون الوقت المناسب لاتخاذ القرار الصحيح قد فات.

ووصف وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر هذه المعضلة قائلا “في عام 1936، لم يكن بمقدور أحد أن يعرف ما إذا كان هتلر وطنيا مفهوما أو مجنونا. وبحلول الوقت الذي تحقق فيه اليقين، دُفع الثمن بالملايين من الأرواح.”

وبنفس الطريقة، في عام 1979، حين بلغ الحماس الثوري ذروته، كان تحذير الإيرانيين المدفوعين أيديولوجيا من العواقب الكارثية للثورة سيُرفض تماما وربما يعرض صاحبه للخطر. ومع ذلك، كان هناك رجل واحد قادر على رؤية الثورة على حقيقتها: الشاه نفسه. فقد علق بعد مغادرته إيران قائلا “لو كان الشعب الإيراني عادلا وقارن وضعه مع دول أخرى وكيف كانت إيران قبل خمسين عاما، لكان رأى أنه كان يعيش في سلام. كانت حياته سهلة جدا إلى درجة أنه قرر القيام بثورة لتحسين حياته. لكنها لم تكن ثورة الشعب الإيراني، بل انتحارا جماعيا على المستوى الوطني في ذروة الازدهار.”

والغريب أيضا أن مشكلة التقييم تنطبق أيضا على تصور الإيرانيين للشاه. ففي فترة حكمه، لم يقدّر الكثيرون التقدم الذي حققته إيران تحت قيادته. وكشف التاريخ لاحقا أن الملكية كانت تمضي نحو تحرير سياسي، وكان الشاه ملتزما برؤيته بحزم. ومع ذلك، فإن هذا التحرر هو ما زاد من حدة الحماس الثوري بدلا من تهدئته.

دور الليبرالية الغربية

قام الإعلام الغربي والمفكرون اليساريون، مثل جان بول سارتر وميشيل فوكو، بتضخيم الدعاية الثورية، مما شجع الشباب الثوري الإيراني. وبدعم خارجي كهذا، انطلقوا في مسار مأساوي وغير مسبوق من الثورات المعاصرة. وتساءل المفكر روجر سكرتون، متأملا هذه المأساة، قائلا “من يتذكر إيران؟ من يتذكر الزحف المريع للصحافيين والمثقفين الغربيين لدعم الثورة الإيرانية؟ من يتذكر حملة الدعاية الهستيرية ضد الشاه، والتقارير الصحفية الفضائحية عن الفساد والقمع والفساد في القصر وأزمة الدستور؟ من يتذكر الآلاف من الطلاب الإيرانيين في الجامعات الغربية وهم يستهلكون بشغف هراء الماركسية الرائج الذي يقدمه المتطرفون من مكاتبهم، ليقودوا فيما بعد حملة العنف والكذب التي سبقت سقوط الشاه؟”

ولا تزال شكوى سكرتون تتردد. ففي حين أن المثقفين الغربيين تحركوا إلى قضايا أخرى، لم ينس الإيرانيون ذلك. التاريخ صار معلما قاسيا يذكرهم يوميا بالسلام والازدهار اللذين كان يمكن أن تنعم بهما بلادهم لو تبنّت التغيير التدريجي بدلا من الاضطراب الثوري.

ومن وجهة نظر أولئك الذين عاشوا “التغيير الديمقراطي” الذي قاده روح الله الخميني، أصبحت تحذيرات إدموند بورك للثوار الفرنسيين ذات صلة مؤلمة “لقد كان لديكم كل هذه المزايا في دولكم القديمة، لكنكم اخترتم التصرف كما لو أنكم لم تُشكّلوا في مجتمع مدني من قبل، وأن كل شيء يجب أن يبدأ من جديد. بدأتم بالمرض لأنكم احتقرتم كل شيء كان لكم. بدأتم تجارتكم بدون رأس مال.”