في خضم التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة وإيران، بدأت تتضح أبعاد الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه واشنطن، لا سيما خلال فترة إدارة ترامب. تصريحات المدير السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) تؤكد أن الإدارة السابقة لم تكن تدرك تمامًا عواقب بعض قراراتها، خصوصًا تلك التي قوضت التعاون الدولي مع إيران وأضعفت مصداقية المؤسسات العالمية كوكالة الطاقة الذرية.
ففي حين سعت واشنطن لتحقيق مكاسب تكتيكية، كزيادة الضغط الاقتصادي على إيران أو عزلها دبلوماسيًا، فإن هذه الخطوات جلبت معها خسائر استراتيجية كبرى، من أبرزها كسر الحاجز النفسي لدى طهران تجاه احتمال المواجهة العسكرية. هذا ما وصفه المدير السابق لـNSA بأنه “أكبر خطأ ارتكبه ترامب”، حيث لم تعد إيران تتصرف من منطلق الخوف، بل وفق استراتيجية الخطوات المدروسة، وهو ما يفسر قرارها الأخير بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تولسي غابارد، وهي شخصية استخباراتية بارزة في الإدارةل السابقة، أكدت في تصريحاتها أن لا دليل يثبت سعي إيران لامتلاك سلاح نووي. ورغم ذلك، فضّلت إدارة ترامب تجاهل هذه التحذيرات، مما عمّق الشكوك في نزاهة السياسة الأمريكية وولّد حالة من التململ حتى بين الحلفاء الأوروبيين الذين باتوا، حسب تعبير المدير السابق لـNSA، “يتظاهرون بالتأييد خوفًا من ترامب”.
اليوم، نجد أنفسنا أمام مشهد جديد: إيران تتحرك بثقة، الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدت جزءًا مهمًا من نفوذها الرقابي، والولايات المتحدة تواجه أزمة ثقة دولية في أدواتها الدبلوماسية والاستخباراتية.
إن هذا المسار التصادمي لم يكن فقط خطأً تكتيكيًا، بل هو زلزال استراتيجي ستكون له تبعات طويلة المدى على النظام الدولي بأسره.