الرئيسية / أخبار / هل أصبح السودان ورقة جديدة في يد إيران

هل أصبح السودان ورقة جديدة في يد إيران

تستمرّ الجهود الدولية والإقليمية لوقف الحرب في السودان، حيث شهدت جيبوتي الأربعاء 24 يوليو الماضي اجتماعات الفاعلين الدوليين والإقليميين لتعزيز تنسيق مبادرات وجهود السلام في السودان. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت الثلاثاء 23 يوليو أنها دعت الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى محادثات سلام خلال أغسطس الجاري في سويسرا بهدف إنهاء حالة النزاع القائمة.

حركة بلا بركة على ما يبدو لإنهاء النزاع الدامي في السودان بين أبناء الوطن، والذي يبدو في الظاهر أنه صراع على السلطة إلا أنّه يحمل في طياته عناوين ذات أبعاد إستراتيجية، ما سمح لبعض الدول الإقليمية الاستثمار في الصراع بين السودانيين لفرض نفوذها وبسط هيمنتها على الساحة السودانية.

وليس السودان وحده الذي يدفع ثمن الصراعات الدولية والإقليمية، بل هو حلقة من سلسلة دول تعمل فيها إيران (كما غيرها من الدول) على جعلها أوراقًا رابحة في يدها، تستخدمها للضغط أكثر في مفاوضاتها مع الدول الغربية، أو حتى كي تشكّل لديها أوراقًا داعمة لحضورها في اصطفافها إلى جانب روسيا والصين.

ويشهد السودان منذ أبريل 2023 حربًا بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقّب بـ”حميدتي”. وقد أدّى النزاع إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وتسبّب في أزمة إنسانية كبيرة، إضافة إلى موجات النزوح والهجرة، إذ أجبرت الحرب أكثر من 11 مليون شخص على النزوح داخل البلاد والهجرة إلى الخارج وفقًا للأمم المتحدة، ودمّرت البنية التحتية ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة.

التركيبة السودانية لا تسمح لطهران باستنساخ نموذج سوريا على أراضيها، لكن ما تستطيع فعله هو تقديم الدعم لأحد أطراف الصراع

وتختلط الأوراق في السودان مع اللاعبين فيها، فمن واشنطن إلى موسكو مرورًا بأنقرة واليوم طهران تثير الموانئ والجزر السودانية على البحر الأحمر، ومن بينها بورتسودان، الاهتمام لأسباب تجارية وعسكرية. هذه المنطقة الغنية بالذهب، والتي تتّسم بالتنوع البحري، ظلّت منذ عقود في قلب صراعات على النفوذ وشهدت تحالفات متغيرة في عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم السودان بلا منازع لثلاثة عقود قبل أن تطيح به ثورة شعبية في العام 2019، إلى يومنا هذا الذي يشهد نزاعًا دمويًا سمح للآخرين بالتدخّل لرسم مصالحهم على أرض السودان.

واعتبر أمن البحر الأحمر من أهم المحاور الأمنية المباشرة للأمن الوطني السوداني، ويشكّل البحر الأحمر قناة الوصل بين السودان والعالم الخارجي من خلال البحار المفتوحة في المحيطين الهندي والأطلسي عبر البحر المتوسط وقناة السويس، وهو ما يضفي أهمية خاصة على الدول العربية المطلة على البحر الأحمر.

وتمتدّ السواحل السودانية على مسافة 714 كيلومترا من مصر شمالًا حتى إريتريا جنوبًا؛ من هذه البوابة التي لها أبعاد إستراتيجية قرّرت إيران النظر جديًا في استغلال الفوضى القائمة في السودان لرسم خارطة جديدة لها في أفريقيا. ولم يعد خفيًا على أحد سياسة طهران التوسعية، ولذلك سيتيح لها تواجدها في السودان إيجاد موطئ قدمٍ في البحر الأحمر، وتحديدًا سيسمح لها بتطويق المملكة العربية السعودية، لاسيما من ناحية ميناء جدة الإسلامي الذي سيسهل استهدافه في أي حرب مرتقبة قد تقع في المنطقة.

وإريتريا ومصر مستهدفتان في الانفتاح الإيراني على السودان بعد قطيعة دبلوماسية استمرّت منذ يوليو 2016 عندما أعلن الرئيس المعزول عمر البشير قطع العلاقات مع إيران على خلفية اقتحام سفارة السعودية في طهران. فتبادل السودان وإيران سفيريهما ليس بريئًا، وسط تساؤلات حول المصالح التي يحقّقها استئناف علاقات الدولتين، على خلفية التعاون العسكري السابق بينهما، وهو ما يثير مخاوف في المنطقة التي تخشى تحويل البلاد إلى مسرح للصراعات الإقليمية، ما يزيد من تعقيد الأزمة التي تعيشها، حسب المراقبين.

وهي خطوة يعتبر المتابع أنها تحقّق مكاسب إستراتيجية لتوسيع دائرة النفوذ الإيراني، الذي يجد في مصر عقبة أساسية في مسار تمدّده. لذلك يعتقد البعض أن حركة الحوثيين رغم أنها تصبّ في صالح حركة حماس والحرب الدائرة في قطاع غزة، إلا أنّ لها ارتدادات سلبية على حركة الملاحة في البحر الأحمر، وأدّت إلى تراجع كبير لعائدات قناة السويس على مصر؛ إذ أكّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن التراجع كان بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المئة بسبب اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر على خلفية هجمات الحوثيين.

كلّ من إيران وإسرائيل تعتمدان على سياسة “تطويق العدو” حيث تتواجد إسرائيل في أكثر منطقة حدودية مع طهران على رأسها قواعد عسكرية بحرية في جزر أرخبيل دهلك الإريترية

وتعتمد كلّ من إيران وإسرائيل سياسة “تطويق العدو”؛ حيث تتواجد إسرائيل في أكثر منطقة حدودية مع طهران على رأسها قواعد عسكرية بحرية في جزر أرخبيل دهلك الإريترية، تحديدًا جزر “ديسي” و”دهوم” و”شومي” في مدينة مصوع الساحلية، إلى جانب محطة تنصّت أعلى جبل إمبا سويرا. وتعدّ هذه القاعدة ثانية كبرى قواعد إسرائيل البحرية خارج حدودها، وإحدى أكبر مراكز التجسّس المتقدمة في القرن الأفريقي ومنطقة باب المندب.

وتحتاج إيران إلى إبعاد خطر جدي من التواجد الإسرائيلي في مناطق تعتبرها تهدّد أمنها الإستراتيجي، لاسيما تلك المتواجدة في جزر أرخبيل والتي تطال مراكز للتجسّس ومراكز عسكرية. فالحرب في المنطقة اليوم قابلة للانزلاق نحو حرب إقليمية كبرى قد تكون إسرائيل وإيران عنوانها، لهذا تسارع إيران اليوم إلى توسيع دائرة استهداف المصالح الإسرائيلية المتواجدة داخل الكيان وخارجه.

ولن يصبح السودان ورقة رابحة في يد طهران، فالتركيبة السودانية لا تسمح لطهران باستنساخ نموذج سوريا على أراضيها، لكن ما تستطيع فعله هو تقديم الدعم لأحد أطراف الصراع بهدف تمرير التسويات التي ستسمح لها بالتواجد في البلاد لتحقيق مكاسب إستراتيجية على البحر الأحمر ومحاصرة إسرائيل ومصر على حدّ السواء.