يسود قلق في صفوف الأردنيين من اللقاء المنتظر بين الملك عبدالله الثاني والرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يأتي بطلب من الأخير، وما قد يحمله من ضغوط تهدد استقرار المملكة وكيانها، في علاقة بالمشروع الذي عرضه ترامب بتهجير جزء من الغزيين إلى أراضي المملكة.
عمان – توجه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الخميس، إلى العاصمة البريطانية لندن، وذلك في إطار حراك دبلوماسي واتصالات مكثفة، قبيل زيارة للولايات المتحدة يلتقي خلالها بالرئيس دونالد ترامب الثلاثاء.
ولن يكون اللقاء المنتظر مع ترامب كغيره من اللقاءات التي دأب الملك عبدالله الثاني على عقدها مع الرؤساء الأميركيين عند توليهم مهامهم في البيت الأبيض، حيث إن اللقاء المنتظر والذي جاء بطلب من ترامب، سيكون استثنائيا وصعبا جدا لما قد يحمله من ضغوط أميركية، قد لا يستطيع العاهل الأردني التملص منها في علاقة بطرح تهجير جزء من فلسطينيي غزة إلى المملكة.
وكشف الرئيس الأميركي الثلاثاء عن مشروع يقضي بسيطرة بلاده على قطاع غزة المدمّر جراء 15 شهرا من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”. وقال إنه يريد أن يصبح القطاع “ملكية أميركية” لفترة طويلة.
وكان ترامب دعا في وقت سابق الأردن ومصر إلى استقبال سكان قطاع غزة على أرضهما، قائلا “نحن نفعل الكثير من أجلهم (الأردن ومصر) وسيفعلون ذلك.”
وتأتي زيارة العاهل الأردني إلى لندن بعد سلسلة اتصالات أجراها ملك الأردن مع عدد من الزعماء العرب، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، أكد فيها على رفض تهجير الفلسطينيين وضرورة تثبيتهم على أرضهم.
وتسود أجواء من القلق داخل الأردن حيال ما قد يحمله اللقاء مع الرئيس الأميركي الذي يذهب البعض حد وصفه بـ”المصيري” وسط مخاوف جدية من أن يصر ترامب على مشروعه القاضي بترحيل الغزيين إليهم، وربما لاحقا تهجير سكان الضفة الغربية، وهو أمر يشكل تهديدا جديا للمملكة.
ويقول مدير مركز “القدس للدراسات السياسية” في عمان عريب الرنتاوي “هذا المشروع لا يستهدف فقط القضاء على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني على أرضه وإنما أيضا يمسّ بالأمن والاستقرار والهوية والكيان في الأردن.”
ويضيف “في الأردن، نتحدث عن تهديد وجودي لا عن تهديد أمني. قد لا يبقى أردن إذا تمّ مشروع التهجير، وسينتقل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بكل زخمه ليصبح ربما صراعا أردنيا داخليا.”
ويرى الرنتاوي أن “هذه وصفة للخراب وليست وصفة للاستقرار والسلام.”
مشروع ترامب لغزة، لم يخلق صدمة فقط في الأردن بل وأيضا في صفوف المجتمع الدولي، حيث سارعت الدول العربية والغربية إلى شجبه واستنكاره لأنه يشكل تصفية للقضية الفلسطينية.
ويصف وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة فرضية خضوع الأردن ومصر لضغوط ترامب بـ”الانتحار السياسي للدولتين لأنهما ستتهمان بالتواطؤ وتصفية القضية الفلسطينية”، مضيفا “بالنسبة إلى الأردن، هذا يخلّ بالتركيبة السكانية والمعادلة السياسية ويدمّر هويتنا الوطنية.”ويؤرق هاجس أن يصبح الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين، كما ينادي بذلك بعض المتطرفين في إسرائيل، عددا كبيرا من الأردنيين.
ويتحدّر نصف سكان الأردن البالغ عددهم حوالي 11 مليونا، من أصول فلسطينية. إذ لجأ إلى الأردن عبر التاريخ ومنذ نشأة دولة إسرائيل العديد من الفلسطينيين. ووفقا للأمم المتحدة، هناك 2.2 مليون لاجئ فلسطيني مسجّلين في الأردن. وكانت مدن الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت الإدارة الأردنية قبل احتلالها من إسرائيل في العام 1967، ثم ضمّها في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
وقاتل الجيش الأردني وفصائل فلسطينية جنبا إلى جنب في ما عرف بـ”معركة الكرامة” ضد إسرائيل في العام 1968، قبل أن يشهد الأردن مواجهات بين الجيش والفصائل الفلسطينية في ما عرف فلسطينيا بـ”أيلول الأسود” عام 1970.
وجاء ذلك بعد استفزازات وتجاوزات ارتكبتها فصائل فلسطينية مثل التمركز في عمان ومدن رئيسية، ونشر حواجز تفتيش في عدد من المناطق. وانتهت المواجهات بسقوط عدد من القتلى وإخراج الفصائل المسلحة من الأردن.
ويتساءل الرنتاوي “من أعطى ترامب صلاحية أخلاقية وقانونية وسياسية كي يضع يده على غزة ويتملكّها ويستثمر فيها؟ إنه يتحدث عن غزة وكأنه مطوّر موقع عقاري وليس كرئيس دولة.” ويرى أن “المشروع خطير”، و”تداعياته لا تقدّر بأموال المساعدات التي تقدّم للأردن أو مصر.”
ويعتمد الاقتصاد في الأردن، البلد الصغير محدود الموارد، إلى حدّ كبير على مساعدات دولية النسبة الأكبر منها من الولايات المتحدة. وخلال السنوات الأخيرة، بلغت المساعدات الأميركية السنوية للأردن حوالي 750 مليون دولار لدعم الاقتصاد وحوالي 350 مليون دولار كمساعدات عسكرية.
وعن لقاء العاهل الأردني المرتقب مع ترامب، يقول الرنتاوي “لا خيار أمام الملك سوى رفض هذا المشروع بشكل مطلق. هذا ليس أمرا يمكن الحديث فيه وليس قابلا للتفاوض. الملك نفسه سبق أن قال ‘هذا خط أحمر’ وأنا أعتقد أنه خط أحمر عريض وفيه لعب بالنار.” ويضيف “يريد ترامب أن نبيع الأردن مقابل المليار ونصف مليار من المساعدات” الأميركية.
وحول احتمال وقف المساعدات الأميركية للمملكة، يقول النائب الأردني مصطفى العماوي “هذه المنح والمساعدات ليست منة وإنما هناك اتفاقية موقعة مع الولايات المتحدة تنتهي عام 2029، وإيقافها أمر مستهجن ومستغرب من دولة عظمى.” ويضيف “لكن إذا كان الموضوع موضوع مقايضة، فنحن لن نقبل هذه المساعدات.”
ويقول المعايطة “صحيح أن الأردن سيتأثر بقرار قطع المساعدات إن حصل، ولكن هذا لا يستحق أن نقايض.” ودفعت المخاوف من ممارسة ضغوط على الأردن من أجل القبول بالخطة نوابا إلى إعداد مشروع قانون سيطرح على البرلمان وينص على “عدم المساس بالوحدة الوطنية والتأكيد على سيادة الأردن (…) والرفض الكامل الرسمي والشعبي الأردني للتهجير الفلسطيني إلى الأردن كوطن بديل”.
ويقول العماوي “البرلمان يقف مع الملك ويرفض رفضا قاطعا ما صدر عن الرئيس الأميركي في ما يتعلق بتهجير الغزيين من ديارهم إلى الأردن أو مصر أو إلى أي دولة أخرى.” ويخلص الرنتاوي إلى أن “على الأردن أن يقلب الطاولة بدءا من العلاقة مع إسرائيل والقواعد الأميركية إذا أصرّ ترامب على موقفه ولم يتمّ إسقاط هذا المشروع.”