الرئيسية / أخبار / المجلس التشريعي السوري.. بين تمثيل الشعب وإرادة السلطة

المجلس التشريعي السوري.. بين تمثيل الشعب وإرادة السلطة

في اجتماع وصف بالتاريخي لقادة الفصائل العسكرية من مختلف المحافظات السورية، أعلن حسن عبد الغني، الناطق باسم إدارة العمليات العسكرية السورية، تولي أحمد الشرع رئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية، إضافة إلى تفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت مصغر يملأ الفراغ في المرحلة الانتقالية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ.

الاجتماع في قصر الشعب أفضى أيضاً إلى إعلان إدارة العمليات العسكرية تعطيل العمل بدستور عام 2012، وحلّ مجلس الشعب وحزب البعث وأحزاب للجبهة الوطنية التقدمية مع حظر إعادة تشكيل اسمها تحت اسم آخر على أن تعود جميع أصولها للدولة السورية.

بالإضافة الى حل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية ودمجها في مؤسسات الدولة.

تساؤلات وارتياب

المستوى الحوكمي وامتلاك الصلاحيات كانا أبرز ما كان يقلق شريحة مجتمعية واسعة سابقًا، ولا سيما في ظل المطالبات الحثيثة بالانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، وسدّ الفراغ الدستوري الحاصل بعد سقوط النظام. فإنهاء حالة الغموض عبر تحديد شكل السلطة الانتقالية هو ما بات يقونن قيام رئيس الجمهورية بمهام رأس السلطة التنفيذية بشكل مشروع.

مسار الأحداث| قراءة لمؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية

ومع وصول الرئيس الشرع إلى رأس السلطة الانتقالية، بدأت تلوح في الأفق تساؤلات عديدة وهي تحديد مدة المرحلة الانتقالية، وكيف ستشكل حكومتها وممن، والأهم من ذلك التساؤلات عن المجلس التشريعي المصغر الذي سيعوض الفراغ التشريعي بعد حلّ مجلس الشعب، وكيفية تشكيل هذا المجلس وموعده ومهامه.

من المعلوم أن المجلس التشريعي يتمتع بالسلطة التشريعية، أي أنه يمكنه وضع القوانين وإقرارها، ويراقب عمل الحكومة ويستجوبها بمعنى الإشراف على السلطة التنفيذية التي يمثلها رئيس البلاد ومجلس الوزراء والإدارة المحلية، إضافة إلى الموافقة على الميزانية العامة للدولة وإقرار خطط التنمية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وحجب الثقة عن الوزارة أو أحد الوزراء وتشكيل هيئة عليا ومستقلة تسنّ قانون انتخابات، تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مستقبلاً.

ورغم أننا لم نرَ إلى الآن إعلانًا دستوريًّا، الذي يُعتبر وحدة قياس لمشروعية ودستورية القرارات المتَّخذة، وإطارًا لصلاحيات السلطة الحالية في المرحلة الانتقالية، ولم نرَ أيضًا الاختصاصات الموزعة بين الشرع والحكومة والمجلس التشريعي، إلا أن هناك الكثير من المخاوف بحصر الصلاحيات بيد الرئيس، باعتبار توليه مهمة تشكيل المجلس الذي من الممكن أن يكون من لون واحد موالٍ له، بمعنى أنه قد لا يحظى بتوافق سوري عام، أو يُعطَّل عن مزاولة مهامه بشفافية ومناقشة أي قانون صادر عن السلطة التنفيذية.

وسبق أن اعتمد الرئيس الشرع على لون واحد في تشكيل حكومته، إذ وضع شخصيات تتبع لها في مفاصل الدولة والمناصب الحساسة حتى لو لم تكن من ذوي الكفاءات العالية، ما يعني أننا أمام احتمالية تحول المجلس التشريعي لمجلس ترقيع وتصفيق، كمجلس الشعب المنحل في عهد النظام البائد.

حسب الباحث السوري أحمد أبازيد، فإن “اللجنة التحضيرية لاختيار مجلس تشريعي أفضل من صيغة تعيين المجلس، ولكن لا يوجد ملمح لطبيعة هذا المجلس التشريعي المصغر ومن سيمثل”.

وأضاف في منشور له على فيسبوك، “تم فصل الإعلان الدستوري عن المجلس التشريعي المصغر وعن مؤتمر الحوار الوطني، والرابط الوحيد أنه سيصدر بعد إتمام هذه الخطوات، وهذه أهم نقطة، فمن سيصدر الإعلان الدستوري؟ هل هو الرئيس وحده من دون وجود أجسام تمثيلية؟.

وأشار إلى أنه في ليبيا كان المجلس الانتقالي الليبي هو الذي أصدر الإعلان الدستوري بعد سقوط القذافي، ولذلك تمكن من تحقيق توافق ومظهر قبول وطني ومشاركة من الأطراف التي يمكن أن تعترض عليه، بينما الإعلانات الدستورية التي أصدرها مرسي كرئيس “منتخب” كانت أبرز حجج الهجوم عليه واتهامه بالتفرد، في بلد مهشم لم تتحقق فيه الدولة ولا السيطرة الكاملة ومليء بالانقسامات مثل سوريا ولم تحصل فيه انتخابات، فإن صدور الإعلان من جسم تمثيلي هو أسلم من صدوره عن رئيس المرحلة الانتقالية لوحده.

من جهته أشار الكاتب السوري، عمار ديوب على صفحته في فيسبوك، إلى أن “الشرع” بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، أشار إلى إعلانه عن تشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية وسيتم اختيارها عبر لجنة تحضيرية، وهنا نرى ألا تكون اللجنة من خاصته، من الإدارة القديمة فقط، من الذين أتوا معه من إدلب، ويُفضل أن تكون لجنة وطنية بامتياز، كما صفات الحكومة الانتقالية، وهذا سيعزّز مناخات الثقة به وبخطواته، وكما اللجنة التحضيرية، كذلك يجب أن يتشكل المجلس التشريعي المؤقت، من كافة السوريين، ومن كافة التيارات الفكرية ومختلف الفعاليات الاقتصادية والثقافية.

دعوات حقوقية للتعاون

وفي ظل التساؤلات والحديث عن إنشاء المجلس التشريعي المصغر، أصدرت الهيئة الوطنية السورية (تأسست عام 2013 من مجموعة من القضاة والمحامين والضباط ورجال الأعمال في الداخل السوري ودول اللجوء)، بياناً أعلنت فيه استعدادها للتعاون مع إدارة الشرع في تشكيل المجلس التشريعي.

وحدد الهيئة ضوابط تشكيل المجلس وهي أن يكون عدد أعضاء هذا المجلس مئة عضو على الأقل موزعين على المحافظات بواقع واحد عن كل مئتين وخمسين ألف نسمة، مع مراعاة مبادئ عدة أولها:

–  التشاركية: من تمثيل المرأة والشباب، وتمثيل الديموغرافية والجغرافية.

المعيارية: أي توصيف المهمة (تشريعية- سياسية) وتحديد شروط شاغليها من ذوي الكفاءة العالية في (القانون- السياسة- الاقتصاد- الشرعية) على أن تكون نسبة هذه الشريحة في المجلس لا تقل عن خمسين بالمئة.

–  التوافقية: كمعالجة القضايا الجوهرية بطريقة الحوار للوصول الى حالة توافقية ما أمكن ذلك .

الانتقائية: أي تمثيل القوى الوطنية الوازنة والشخصيات الوطنية التي لها تأثير في وسطها.

الانتقالية: عبر تحديد مدة سنة لهذا المجلس غير قابلة للتمديد.

ودعت الهيئة الرئيس الشرع إلى تشكيل لجنة تحضيرية مركزية برئاسته مؤلفة من خمسة أعضاء على الأقل مهمتها تشكيل لجان فرعية على مستوى المحافظات، والتنسيق مع اللجان الفرعية في تسمية أعضاء المجلس التشريعي المزمع تشكيله.

بيان الهيئة أشار أيضاً إلى أن مهام المجلس التشريعي هي، انتخاب رئيس الجمهورية، ومنح الثقة للحكومة المشكلة ومراقبة أدائها ومتابعته، وحجب الثقة عنها كلاً أو بعضاً، وإلغاء وتعديل القوانين السورية الخاطئة وإصدار بديل عنها، إضافة إلى إصدار العفو العام، والتصديق على المعاهدات أو إلغائها او تعديلها، وإقرار الموازنة العامة بعد مناقشتها بنداً بنداً، وتحديد الأماكن الأكثر ضرراً وتحديد أولويات إعادة الإعمار فيها.

حزمة قرارات حاسمة من أحمد الشرع بعد توليه رئاسة سوريا

“الشرع” رئيس السلطات الثلاث

في حديثه لـ”نون بوست”، قال المحامي عارف الشعال، إن “طبيعة عمل المجلس التشريعي الذي سيقود الحياة التشريعية في الدولة هي إصدار القوانين في ظل المرحلة الانتقالية التي نحن فيها، إذ نعاني من فراغ دستوري أو أي وثيقة دستورية وفراغ تشريعي فلا يوجد أي سلطة تشريعية تسنّ القوانين”.

وبناء على ذلك فالمجلس التشريعي الذي سيشكله الشرع هو الذي سيصدر القوانين أو تعديل وإلغاء القوانين السابقة وهي أدواره وماهيته ومهامه، ومن الممكن أن يكون له دور بسط المراقبة على الحكومة وهي مهمة أصيلة وممكن أن لا يكون له هذا الدور”.

ويرى الشعال أن الشرع في بيان النصر الذي أصدرته إدارة العمليات العسكرية هو المفوض بتشكيل المجلس بدون أي ضوابط أو معايير أو قيود، لذلك من المتوقع أنه سينتقي لجنة تشريعية لن تخرج من تحت جناحه، وهنا تكمن المخاوف من عدم مراعاة المكونات السورية كلها السياسية أو الطائفية أو لا يكون فيه نسب تمثيل لمختلف الشرائح متوازنة.

إلى جانب اختيار مجلس تشريعي مصغّر، كان الرئيس الشرع قد تعهّد في اجتماعه مع قادة الفصائل بإصدار “لجنة تحضيرية” لمؤتمر الحوار الوطني، و”إعلان دستوري” للمرحلة الانتقالية، فيما ارتفعت الأصوات المنادية بعدم جواز بناء المجلس التشريعي عن طريق التعيين من قبل فرد واحد، بل يجب أن يكون حصيلة مؤتمر وطني سوري جامع.

والظاهر أنه من الأفضل أن يصدر الشرع إعلانًا دستوريًّا على مسؤوليته، دون اللجوء إلى مؤتمر الحوار الوطني والذي لا يعتبر انعقاده شرطاً لإصدار الدستور، لأن المؤتمر يحتاج إلى أشهر لمناقشته وتعديل مواده في ظل الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد، “إلا أن السؤال الجوهري يبقى معلقاً فيما إن كان الرئيس الشرع سيصدر الإعلان الدستوري، أم سيتركه للمجلس التشريعي المنتظر”؟، حسب الشعال.

ولابد من الوقوف على مبدأ فصل السلطات الذي يعتبر من الأسس الرئيسة للحكم الرشيد وإدارة الدولة ديمقراطياُ، لضمان التوازن والعدالة والرقابة والشفافية والرقابة بينها، ولمنع تركيز السلطة بيد شخص واحد أو جهة واحدة، وهذا داخل في الدستور السوري، إذ يعتبر التمتع بجميع السلطات انتهاكاً للمبدأ ومقدمة للحكم الاستبدادي.

لكن الظروف المحيطة بالبلاد والمرحلة الحساسة التي لا يمكن السماح فيها لفراغ السلطة أو إجراء انتخابات برلمانية فضلاً عن توجه الجهود لاستتباب الأمن وضبط السلاح تحت مظلة واحدة، وإعادة باقي الأراضي الخارجة عن سيطرة الدولة، ربما يراها البعض استثناءً فيما لو أراد الشرع مبدئياً الاستحواذ والتحكم بتلك السلطات الثلاث.

حوارات دمشق | سوريا .. قرارات جديدة ومرحلة انتقالية برئاسة أحمد الشرع

على أمل تهيئة المناخ فيما بعد من أجل حوار وطني ينتج جمعية تأسيسية قد تضع مسودة الدستور يعرض على الاستفتاء، أو ينتخب الشعب هذه الجمعية التأسيسية ليدخل الدستور حيز التنفيذ بمجرد الانتهاء من وضعه ومن ثم الدعوة لانتخابات وفق ما ينص عليه الدستور.

“ويبدو أن الوضع الدستوري حالياً بالنسبة لرئيس الجمهورية الشرع في ضوء بيان انتصار الثورة، ومع عدم وجود أية وثيقة دستورية تنظم أو تحدد سلطاته، يجعل الأجسام التمثيلية كلها بيد الشرع لأنه الحاكم الفعلي”، وفقا للشعال.

وعلل الشعال السبب بأن رئيس السلطة التنفيذية يتمتع بكامل الصلاحيات لممارسة وظيفته هذه عملاً بقاعدة: (المطلق يجري على إطلاقه)، ورئيساً للسلطة التشريعية لأن له تفويضًا مطلقًا بتعيين مجلس تشريعي بدون التقيد بعدد أعضاء أو مواصفات أو نسب التمثيل، أو غيره، وهذا المجلس يتولى مهمة إصدار القوانين أو إلغائها أو تعديلها، دون إصدار المراسيم التشريعية، إضافة إلى رئاسته للسلطة القضائية، فعملاً بأحكام المادة 65 من قانون السلطة القضائية، يعتبر رئيساً لمجلس القضاء الأعلى ينوب عنه وزير العدل.