تجنبت الحكومة التونسية خلال الأشهر الأخيرة الإشارة إلى زيادة تدفق اللاجئين من الحدود الجزائرية في الوقت الذي كان فيه التونسيون يعتقدون أن بلادهم، التي تعيش وضعا اقتصاديا وماليا صعبا، ستجد دعما كافيا من جارتها الغربية، وهو ما قد يفسّر عدم إثارة الملف الخلافي في تصريحات رسمية أو على وسائل الإعلام الحكومية.
لكن الأمر بدأ يتغير الآن إثر التصريح الذي أدلى به المتحدث باسم الحرس الوطني العميد حسام الدين الجبابلي قطع فيه مع الصمت التونسي حيال زيادة أعداد المهاجرين الذين يأتون من حدود الجزائر، وهم أغلبية قياسا بمن يدخلون من حدود ليبيا.
وقال الجبابلي إن تونس سجلت خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2024 تسلل أكثر من 19 ألف مجتاز لحدودها البرية من قبل مهاجرين غير نظاميين ودخل أكثر من 70 في المئة منهم عبر الحدود الغربية للبلاد.
ويكشف التصريح عن قلق رسمي تونسي من زيادة التسلل عبر الحدود الغربية، وأنه يتماشى مع شهادات وأشرطة فيديو ينشرها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن زيادة ملحوظة في أعداد الأفارقة الذين يدخلون من جهة الجزائر، وحديث عن تغاض جزائري، وأصوات تدعو الجهات التونسية إلى إحكام التنسيق مع الجزائر وزيادة الرقابة على الحدود لوقف التدفقات.
ويرى مراقبون أن التقارب السياسي بين البلدين وتكثيف اللقاءات على المستوى الرسمي لا يمكن أن يجعلا الحكومة التونسية تتغاضى عن مسألة مهمة لأمنها، وكان يفترض أن تتم مناقشتها بصراحة تامة مع المسؤولين الجزائريين وبين الرئيسين قيس سعيد وعبدالمجيد تبون خلال اللقاء الثلاثي الذي عقد في تونس.
واعتبر المحلل السياسي المنذر ثابت أن “للجزائر ما يكفي من الإمكانيات المالية والموارد لتأمين حدودها، لكن تبدو كأنها تستهين بظاهرة الهجرة غير النظامية، أو أنها توخّت إستراتيجية ‘دعه يمر’، تفاديا للإقامة المكلفة للمهاجرين، وبالتالي كأنها تريد أن تسهّل وصول هؤلاء إلى سواحل أوروبا”.
وقال في تصريح لـ”العرب” إنه “حسب ما يظهر الآن، يبدو أن تونس لديها إشكال مع الجزائر، وعلينا أن نفهم حقيقة موقف الجزائر في التعامل مع الهجرة، وإذا كانت الجزائر حريصة على حماية حدودها فلن يكون هناك تسرب للمهاجرين بهذا الكم، لكن تبدو كأنها تريد أن تكون خارج المسؤولية في علاقة بالملف”.
وأضاف المنذر ثابت “تونس هي المعنية بالاتفاقيات وتخضع للضغط، والجزائر كأنما تريد أن تتخلص من مخاطر الهجرة على أراضيها بتسهيل ولوج المهاجرين إلى الأراضي التونسية”.
وتابع المحلل السياسي “نشر الجيش والأمن التونسيين على الحدود مع الجزائر إجراء وقائي عاجل ولا يحتمل أي ربط بملف العلاقة مع الجزائر، وعلى الجزائر أن تكون ضابطة لأمنها أو أن تتحمّل المسؤولية، لأن تونس تعاني من تداعيات هذا التساهل الجزائري في التعاطي مع ملف المهاجرين غير النظاميين”.
وتعيش تونس على وقع ضغط داخلي في ظل مطالبات بالتحرك لحل مشكلة اللاجئين خاصة مع تزايد أعدادهم والغموض الذي يكتنف التفاهمات مع أوروبا، والتساؤل عما إذا كانت هناك خطة مشتركة لمواجهة الهجرة غير النظامية، وما الفائدة التي ستعود على تونس من ذلك، وأين يبدأ دورها وأين ينتهي، وكيف تُمْكن إعادة المهاجرين إلى دولهم الأصلية، ووفق مقاربة أمنية أم سياسية أم مقاربة تقوم على تقديم الدعم التنموي لدول جنوب الصحراء.
وتظاهر السبت المئات من أهالي منطقة جبنيانة والعامرة من محافظة صفاقس جنوبي تونس، للمطالبة بترحيل المهاجرين غير النظاميين ورفضا لتوطينهم.
ورفع المحتجون خلال الوقفة الاحتجاجية شعارات أبرزها “لا لا للتوطين” و”الشعب يريد ترحيل المهاجرين”.
ويتصاعد الغضب المناهض للمهاجرين في البلدات الفقيرة، مثل جبنيانة والعامرة، على طول السواحل التونسية التي أصبحت بمثابة نقطة انطلاق الآلاف من الأشخاص الذين يأملون في الوصول إلى أوروبا عن طريق القوارب.
وطالب المتظاهرون الحكومة بالتحرك لمساعدة التجمعات الزراعية التي تتعامل مع الآلاف من المهاجرين الذين يعيشون في مخيمات من القماش المشمع بين بساتين الزيتون الخاصة بهم.
ووسعت قوات إنفاذ القانون وجودها في المنطقتين الزراعيتين، حيث يعيش حوالي 83 ألف تونسي وسط عدد متزايد من المهاجرين من جميع أنحاء أفريقيا.
ويقول المتظاهرون إنهم تحملوا كلفة جهود تونس لمنع المهاجرين من الوصول إلى الاتحاد الأوروبي بعد أقل من عام من توسط البلاد في اتفاق لمكافحة الهجرة من أجل تحسين مراقبة حدودها البحرية وتلقي أكثر من مليار يورو (1.1 مليار دولار) مساعدات، لم تحصل سوى على جزء بسيط منها.
واندلعت احتجاجات مناهضة للمهاجرين في مدينة صفاقس العام الماضي، بعد أشهر من دعوة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى التصدي لأعمال العنف والجريمة التي قال إنها ناجمة عن الهجرة غير النظامية.
وظهرت المخيمات وتوسعت على أطراف المنطقتين بعد أن شرعت السلطات المحلية في إزالة الخيام من صفاقس خلال العام الماضي. وقال مكتب المنظمة الدولية للهجرة في تونس إن ما يقرب من 7000 مهاجر يعيشون بالقرب من جبنيانة والعامرة، على الرغم من أن السكان يقدرون أن العدد قد يكون أعلى من ذلك بكثير.