الرئيسية / أخبار / إسرائيل تضع مصر في موقف محرج بالسيطرة على محور فيلادلفيا

إسرائيل تضع مصر في موقف محرج بالسيطرة على محور فيلادلفيا

حصل ما كانت مصر تتخوف منه من خلال سيطرة إسرائيل على معبر رفح وتمركز قواتها في محور فيلادلفيا الذي يفترض أن السيطرة عليه تعود إلى مصر وفق اتفاقية كامب ديفيد. وتخلت القاهرة عن تحذيرات سابقة كانت أطلقتها لثني تل أبيب عن الاجتياح حيث اتسم الخطاب المصري بالتهدئة والتحذير من تداعيات الهجوم الإسرائيلي على الأوضاع الإنسانية للغزيين.

ودعت القاهرةُ الجانبَ الإسرائيلي إلى “ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى، والتي من شأنها أن تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتوصل إلى هدنة مستدامة داخل قطاع غزة”.

ولأول مرة منذ عام 2005 تتوغل آليات عسكرية إسرائيلية في الجانب الشرقي من محور فيلادلفيا الفاصل بين قطاع غزة ومصر، عقب إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري.

وقال الجيش في بيان الثلاثاء إن “قوات اللواء 401 حققت السيطرة العملياتية على معبر رفح من جهة غزة”. وأضاف “قطعت القوات معبر رفح عن محور صلاح الدين (محور فيلادلفيا)، والآن تسيطر قوات مدرعة من اللواء 401 على المعبر بشكل كامل”.

ولفت إلى أن “وحدات خاصة شنت هجوما على المنطقة الشرقية لرفح” جنوب القطاع، التي أمر سكانها بإخلائها قسرا. وأشار إلى أن “القوات تقوم الآن (الثلاثاء) بعمليات تمشيط للمناطق التي تمت السيطرة عليها”.

وسبق أن رفضت مصر السماح لإسرائيل بإرسال قوات إلى رفح واحتلال محور فيلادلفيا، وهددت بتعليق اتفاق السلام، وصدر ذلك عن الهيئة الإعلامية المصرية، وهي وكالة إعلامية تابعة لرئاسة الجمهورية.

وأكد رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان أن الفترة الأخيرة شهدت تصريحات أدلى بها مسؤولون إسرائيليون و”تحمل مزاعم وادعاءات باطلة حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها، إلى غزة من الأراضي المصرية بعدة طرق، منها أنفاق زعمت هذه التصريحات وجودها بين جانبي الحدود”.

ويميل الخطاب المصري نحو التهدئة حيث لا مصلحة للقاهرة في أن تبدو في صورة المتحدي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي تراهن على التفهم الأميركي لموقفها وسعيها للتوصل إلى تهدئة تفضي إلى إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين وتسهيل إدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع.

وقال الخبير الإستراتيجي والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا التابعة للجيش المصري اللواء عادل العمدة إن “القاهرة تتمسك بالتعاطي مع الموقف الراهن بسياسة ضبط النفس، وهذا لا يعني الضعف ولا التهاون في حقوقها، لكنها تُدرك خطورة انزلاق المنطقة برمتها إلى خطر لا تُحمد عقباه، لكنها في الوقت ذاته لن تسمح بتعدي إسرائيل على مصالحها أو تهديد أمنها القومي”.

وذكر في حديثه لـ”العرب” أن “إسرائيل لم تأخذ في الاعتبار تحذيرات القاهرة من دخول آلياتها العسكرية إلى محور فيلادلفيا، بدعوى أن مصر سبق أن أدخلت مدرعاتها إلى مناطق منزوعة السلاح في شمال سيناء للقضاء على الإرهاب، وتوهّمت أن مصر سوف تتساهل حيال الخطوة نفسها، باعتبار أن تل أبيب تحارب الإرهاب هي الأخرى، لكن مصر احترمت معاهدة السلام وملحقاتها الأمنية وحصلت مسبقا على موافقة إسرائيل على دخول الآليات العسكريةِ سيناءَ، وهو ما لم يقم به الجيش الإسرائيلي”.

ولفت إلى أن “مصر ليس من السهل أن تندفع أو تتهور، وحريصة على أن تتعامل برشد وعقلانية وحكمة”، ولكن إذا أصرت إسرائيل على تجاوز الخط الأحمر الذي سبق أن رسمه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن محددات الأمن القومي من ناحية قطاع غزة، فسيكون من حق القاهرة وقف تفعيل معاهدة السلام مع تل أبيب، وحينئذ ستكون هناك تداعيات خطيرة على إسرائيل، وهو ما تدركه الإدارة الأميركية جيدا.

ويدور الخلاف حول مدى التزام إسرائيل ببنود اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة مع مصر عام 1979، وحاجة تل أبيب إلى إدخال قوات جوية وبرية ومعدات ثقيلة.

ويمثل هذا انتهاكا لشروط الاتفاق المتعلقة بالمنطقة “د” التي تقع داخل رفح، والتي تحدد عدد الجنود الموجودين هناك ونوع الأسلحة التي يمكن نشرها. وتقع المنطقة “د” بين خط الحدود المصرية – الإسرائيلية والخط “د” الذي يمتد من شرق رفح إلى إيلات.

وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من أن بلاده مستعدة “لتعميق” عملياتها في غزة إذا فشلت محادثات الهدنة في ضمان إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في القطاع.

وقال غالانت في بيان بعد جولة قام بها في رفح إن الدولة العبرية مستعدة “لتقديم تنازلات” لاستعادة الرهائن. وأضاف “لكن إذا كان هذا الخيار غير متاح، سنمضي نحو تعميق العملية، وهذا سيحصل في كل أنحاء القطاع، في الجنوب، في الوسط، وفي الشمال”.

ويسمح ملحق معاهدة السلام لإسرائيل بوضع قوة محدودة في هذه المنطقة مكونة من أربع كتائب مشاة، غير مجهزة بالدبابات أو المدفعية، بل فقط بصواريخ أرض جو.

وأكد الباحث في الشؤون العبرية أحمد فؤاد أنور أن “دخول إسرائيل بدباباتها محور فيلادلفيا خطوة عسكرية دعائية ومناورة تلفزيونية الغرض منها تأكيد أن القطاع بات مباحا لها، وأنه لا توجد منطقة عصية على نتنياهو، كي يرضي غرور اليمين المتشدد، لأن الحشود لم تقتحم مدينة رفح بكثافة كما هو متوقع، والأعداد التي دخلت تظل رمزية، والهدف منها تحقيق لقطة توحي بالانتصار، تمهيدا لقبول صفقة تحتاج إلى تعديلات طفيفة لحفظ ماء وجه نتنياهو”.

وأضاف لـ”العرب” أن “المخاوف المصرية تصاحبها فرصة سياسية تريد القاهرة أن تستثمرها، وتتمثل في وجود وفد إسرائيلي لاستكمال التفاوض على الصفقة، ولدى القاهرة معلومات تفيد بأن نتنياهو يغازل اليمين ولن يستطيع تحمل تبعات الاجتياح الكامل وخرْق اتفاقية السلام مع مصر التي تمنع تواجد قوات عسكرية إسرائيلية في محور فيلادلفيا، وتعي أن نتنياهو يدرك هذه الحقيقة، ولن يجازف بارتكاب حماقة تؤدي إلى صدام أمني مع القاهرة التي أعلمت من قبل بشكل صارم أنها ترفض الاجتياح ولن تسمح بتهديد الأمن القومي”.

وأوضح فؤاد أنور أن “هذه اللحظات الحاسمة تتعامل معها مصر بحزم مع إبداء قدر من المرونة لعدم منح نتنياهو ذرائع لتخريب صفقة قاب قوسين أو أدنى من أن يتم تمريرها، لكن إذا فشلت تحت وقع التصرفات العسكرية وتشدد الجانب الإسرائيلي فسيكون لمصر موقف آخر، وهي تدرك أن قوات الاحتلال لن تتحمل الدخول في خلاف أمني مع القاهرة، ولن يتحمل نتنياهو التبعات العسكرية التي يمكن أن تتمخض عن ذلك، فقد يبدو كمن دخل نفقا عميقا يحتاج الخروج منه قوة إنقاذ سياسية كبيرة”.