بعدما نجح في تشويه مسيرة نائبه السابق مايك بنس السياسية، والقضاء على ذكرى أربع سنوات من العمل بولاء مطلق له في البيت الأبيض، وذلك بجعل أنصاره يصفونه بـ”الخائن” مع اقتحام الكونغرس في يناير/ كانون الثاني 2021، بدأ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رحلة البحث عن اسم مرشّح جديد ليكون نائبه في حملته الرئاسية.
وبينما يُنظر إلى الحزب الديمقراطي، اليوم، على أنه يفتقر إلى الأسماء القيادية، وأن نائبة الرئيس جو بايدن، كامالا هاريس، تفتقر مثل الرئيس إلى الشعبية، تبدو اللائحة أمام ترامب مُتخمةً بالأسماء المتداولة للمنصب. وإذ تبدو صفة “الولاء الأعمى” الأولى التي تراود ترامب حين يفكّر في اسم نائبه المحتمل، إلا أن ظروف العام الحالي الانتخابية تختلف جذرياً عن 2016، وباتت تحتّم عليه قراءة أكثر جدّية لدى مقاربة المسألة.
وقد تبدو أقلّ الزوايا أهمية شعبية المرشح، أو شهرته، وهو ما ليس ترامب بحاجة إليه، علماً أن أي اسم قد يكون مشروع مرشح رئاسي للحزب بعد أربعة أعوام أخرى، وهو أمر يعتمد بشكل كبير على دعم ترامب، الذي أصبح في الآونة الأخيرة بمثابة صانع سياسيين، أو حارقاً لهم. وبدأ الحديث في مقر ترامب في فلوريدا، وفي أوساط الجمهوريين، يدور حول الاسم المحتمل الذي قد يرشّحه ترامب لمنصب نائب الرئيس، وسط تقديرات أن يُعلَن رسمياً عن الاسم قبل مؤتمر الحزب الجمهوري في يوليو/تموز المقبل.
ترامب يغربل 12 اسماً
وبحسب موقع بوليتيكو، فإن مستشارة دونالد ترامب، سوزي وايلز، تقود جهود غربلة الأسماء، من بين حوالي 12 نائباً وعضواً في مجلس الشيوخ، وشخصيات جمهورية أخرى، بحسب أشخاص مطلعين على المسألة. وتعاقدت حملة ترامب مع شركة خاصة لاختيار مرشحين وإعداد تحقيقات عنهم. وبينما كان لزوجة ترامب، ميلانيا، دور في اختيار بنس قبل أكثر من ثمانية أعوام، فقد جرى اليوم تحييدها، فيما يتحدّث ابن دونالد ترامب جونيور معه باستمرار حول الأسماء الممكنة، بحسب المصادر.
من الأسماء النسائية المتداولة، تولسي غابارد وكريستي نوم
وفي المضمون، تخلف مواصفات نائب ترامب المقبل، من حيث الاعتبارات، عن التي كانت قائمة في 2016، حين اختار قطب العقارات، الوافد حديثاً حينها على عالم السياسة، حاكم ولاية إنديانا السابق، والنائب السابق في الكونغرس، مايك بنس، ليكون المرشّح لمنصب نائبه، وذلك بخطّة الحصول على دعم بنس لجذب أصوات الإنجيليين، وهي كتلة انتخابية وازنة للجمهوريين، كانت بحاجةٍ إلى وسيط فعّال لإقناعها بالتصويت لترامب للرئاسة. وجاء دعم بنس لترامب من هذه الناحية فعّالاً جداً، وأصبح الأميركيون الإنجيليون اليوم في قبضة الرئيس السابق، ويكّنون الولاء التام له.
لكن بنس الذي مكث مع الرئيس اربع سنوات في البيت الأبيض، لم ينجح في صياغة شخصية سياسية مستقلة عن هيمنة ترامب خلال تلك الفترة، كما لم يترك أثراً عميقاً لدى الناخبين. وفقد بنس التأييد الشعبي من أنصار ترامب، حين قرّر المضي في العملية الدستورية في الكونغرس، وقيادة المصادقة على فوز جو بايدن في الرئاسة عام 2020، في وقت كان يسعى ترامب إلى الانقلاب على نتائج انتخابات ذلك العام، وتوقع من نائبه دعمه في ذلك.
وكان في خلفية قرار بنس بالالتزام بالدستور والنأي بنفسه عن تمرّد ترامب، مستقبله السياسي وإمكانية ترشّحه هو نفسه للرئاسة، وهو ما فعله العام الماضي لكنه انسحب من السباق باكراً مع بقاء أرقامه متدنية في الاستطلاعات، وبقاء دونالد ترامب، المعادي له، مهيمناً على الحزب.
ومن شأن هذا الواقع أن يطغى على أي قرار قد يتّخذه أي شخص إذا ما قبل بترشيح ترامب ليكون نائباً له، حيث إن العمل مع ترامب قد يوفر النجومية الحزبية، أو عكس ذلك، وهو ما حصل مع بنس، وربما مع حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي تبنّاه ترامب بداية، ثم اشتغل على الدعاية ضده وسحب الدعم الشعبي والمالي من حملته الرئاسية لاحقاً.
تكهّنات بشأن العنصر النسائي
وفي لعبة غربلة الأسماء، تدور التكهنات على أكثر من جبهة، لمعرفة ما يريده ترامب من نائبه، ليبني عليه اختياره. فمن ناحية، يرى مراقبون أن “العنصر النسائي” يشكّل نقطة ضعف في معسكر ترامب، حيث إنه شخصياً لم يساهم في جذب الشريحة المثقفة والمتعلمة من الناخبات الأميركيات، كما أن معارضة الجمهوريين حقّ الإجهاض تبعد هذه الشريحة تلقائياً عن الحزب المحافظ. ويعتقد خبراء استراتيجيون للحزب أن اختيار ترامب سيّدة لتكون نائبته، قد تكون ضربة معلّم، وتساهم في رفع رصيده الشعبي.
كما أن اختيار نائب من الأقلّيات، من الجالية اللاتينية أو من أصول أفريقية، قد يكون مفيداً. ويُنظر من زاوية استراتيجية، إلى ضرورة اختيار مرشح يخدم ترامب انتخابياً، ويجذب إليه أصواتاً مترددة أو مستقلة. في هذا الإطار، ينظر إلى العنصر النسائي كأحد العناصر التي يفكّر فيها ترامب لدى بحثه مسألة اسم نائبه أو نائبته، فيما يستبعد مراقبون اهتمامه بمسألة العرق، نظراً إلى أنه قرّر منذ عام 2016، التموضع في خندق اليمين المتطرّف “الأبيض”، والذي لم يحد عنه أبداً منذ ذلك الحين. وتؤكد ذلك تصريحاته العنصرية الأخيرة التي أطلقها من الحدود البرّية مع المكسيك، أو خلال حملاته الانتخابية، حين اعتبر أن المهاجرين “يسمّمون دماء البلاد” (اتهم بالاقتباس عن الزعيم النازي أدولف هتلر).
أي مرشح لنيابة ترامب هو مرشّح محتمل للرئاسة في 2028
من جهة أخرى، تتردّد صفة “نائب رئيس مقاتل” في أروقة مارآلاغو، مقر إقامة ترامب، لدى مقاربة ما يستهدفه من أي مرشح محتمل لمنصب نائبه، فضلاً عن ضرورة تمتّع أي مرشح بصفة القيادة، لتبوؤ منصب الرئاسة في حال حصول أي طارئ للرئيس. ومن الأسماء المتداولة “المقاتلة”، السيناتور عن أوهايو، جي دي فانس، الذي تحدّثت مواقع إعلامية عن إعجاب ترامب به. وقال فانس لـ”بوليتيكو”، إنه “سيكون مهتمّاً بشغل المنصب، لكن ترامب لم يعرض عليه أن شيء بعد”.
وبحسب موقع أكسيوس، أخيراً، فإن فانس “يبني بروفايل على الصعيد الوطني بدأ يثير إعجاب كبار المانحين للحزب”، على الرغم من أنه لا يزال “مبتدئاً”. وكان موقع بوليتيكو قد نشر ما يشبه السيرة الذاتية لفانس، قبل أسبوعين، في تقرير تحدث فيه عما يمكن وصفه بمزايدة من هذا السيناتور، على خطّ ترامب اليميني المتطرّف، حيث إن كل حديثه يدور في فلك مهاجمة “الإعلام الليبرالي”، وحرب الديمقراطيين لتمويل حرب أوكرانيا، وسرقة وظائف الأميركيين ومنحها للصين، فضلاً عن ضرورة معرفة “من سرق انتخابات 2020”. وفانس متواجد في معظم تجمّعات ترامب الانتخابية، ونشيط في جمع التبرّعات لحملته، علماً أنه انتخب سيناتوراً للمرّة الأولى في 2022.
ولا يظهر مثلاً اسم النائبة التي تمثّل خط ترامب، مارجوري تايلور غرين، بين المتداولة أسماؤهم كثيراً ليكونوا مرشحين للمنصب، رغم استبسالها في الدفاع عن ترامب وتلبية توجهاته في مجلس النواب الأميركي. وبحسب موقع ذا كوفرزايشون، فإن تايلور غرين تحوز الكثير من الجدل والأضواء أينما حلّت، وهو ما لا يريده ترامب في نائبه أو نائبته.
في المقابل، من الأسماء المقترحة، مثلاً، النائبة السابقة عن هاواي تولسي غابارد، التي انتقلت من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري أخيراً، وأصبحت دائمة الظهور كمعلّقة في الإعلام الأميركي، حيث تواظب على مهاجمة بايدن والديمقراطيين. وبينما تركّز غابارد، التي ترشّحت للرئاسة في 2020 عن الحزب الديمقراطي، وعرف عنها سابقاً محاولتها الدفاع عن نظام بشّار الأسد في سورية، ولقاؤها رئيس النظام شخصياً في 2017 (عادت لتقول إنه مجرم حرب مع ترشّحها للرئاسة)، اليوم، على مهاجمة سياسة بايدن الأوكرانية، وتتهم بترويج البروباغندا الروسية، إلا أنها تبدي الدعم المطلق للعدوان الإسرائيلي على غزّة.
ومن بين المرشحين المتداولة أسماؤهم، أيضاً، السيناتور من أصول أفريقية تيم سكوت، الذي ترشح للرئاسة لانتخابات العام الحالي، ثم انسحب منها، وأعلن دعمه لترامب، والنائبة عن نيويورك إليز ستيفانيك. وقال “بوليتيكو”، إن ترامب تحدث أخيراً بإيجابية في مجالسه الخاصة عن غابارد وستيفانيك، بينما استبعد اسم سكوت، معتبراً أن الأخير قد لا يكون على قدر التوقعات منه إذا ما اضطر إلى تقلّد منصب الرئاسة في حال أي طارئ. كما أن من بين المطروحة أسماؤهم، حاكمة داكوتا الجنوبية، كريستي نوم، المقرّبة جداً من ترامب، والنائب عن فلوريدا (من أصول أفريقية) برايون دونالدز.
ولا ينظر ترامب إلى منصب نائب الرئيس بالأهمية التي يوليها إلى مناصب أخرى في الإدارة، بحسب المطلعين على تفكيره، لكنه بدأ يسأل زائريه حول رأيهم في المسألة، بحسب أشخاص مطلعين أضافوا لـ”بوليتيكو” أسماء أخرى متداولة، مثل السيناتورة الشابة عن ألاباما كاتي بريت، والسيناتور عن فلوريدا ماركو روبيو، وحاكم داكوتا الشمالية دوغ بورغوم، وحاكمة أركنساس، سارة هوكابي ساندرز، التي شغلت منصب المتحدثة باسم البيت الأبيض في عهد ترامب.
وأضافت وكالة رويترز، في 21 مارس/ آذار الماضي، في تقرير لها، أسماء أخرى، مثل وزير الإسكان في عهد ترامب، بن كارسون، والمرشّح الرئاسي المنسحب فيفيك راماسوامي، بل حتى المرشّحة للرئاسة، المندوبة الأميركية السابقة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، التي انسحبت من السباق متأخّرة، بعد خسارتها الانتخابات التمهيدية في “الثلاثاء الكبير”، لكنها تمكنت من إظهار أن حوالي ثلث الجمهوريين يبتعدون عن ترامب العام الحالي.