سلط المحلل الإسرائيلي، تسيفي برئيل، الضوء على زيارة وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، إلى الشرق الأوسط، واصفا إياها بأنها محاولة “لتنظيف الفوضى التي أحدثتها إسرائيل للولايات المتحدة”.
وذكر برئيل، في تحليل نشره بصحيفة “هآرتس” العبرية وترجمه “الخليج الجديد“، أن بلينكن يصل إلى إسرائيل مساء الاثنين، بعد أن زار تركيا واليونان والأردن وقطر والإمارات والسعودية، ومن المقرر أن يقوم بزيارة الضفة الغربية ومصر، في إطار محاولة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، معالجة القضية الفلسطينية بدفع “حل الدولتين” إلى الأمام.
ولكن قبل أن يتحقق هذا “الحلم”، الذي من شأنه أن يبشر بالسلام العالمي، يتعين على بلينكن أن يجتاز مسارًا من “العوائق التي تبدو حاليًا غير قابل للاجتياز”، بحسب توصيف برئيل، ففي كل مكان وصل إليه الوزير الأمريكي حتى الآن، سمع رسالة مفادها أن على واشنطن أن تضغط على إسرائيل، ليس لإقرار هدنة إنسانية مؤقتة من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى، بل لوقف الحرب بشكل كامل في قطاع غزة، وبدء مفاوضات دبلوماسية للحل الشامل.
ومع ذلك، فإن هذا المسار، الذي يجمع عليه قادة تركيا والدول العربية، يطرح سؤالين لا يملك هؤلاء القادة إجابة عليهما، بحسب برئيل، هما: المفاوضات مع من؟ وعلى ماذا؟
ويشير المحلل الإسرائيلي، في هذا الصدد، إلى أن بلينكن أبلغ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن حماس لن يكون لها أي دور في المفاوضات الدبلوماسية أو في أي ترتيب يتم التوصل إليه بعد الحرب في غزة، لكنه اقترح أن يصبح أردوغان شريكا في دعم “كيان فلسطيني يوافق على تحمل مسؤولية إدارة غزة”.
وبحسب مصدر دبلوماسي تركي، فقد طالب بلينكن أردوغان بطرد مسؤولي حماس المقيمين في تركيا وبناء علاقات أوثق مع السلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، كما استفسر عن استعداد لأن تكون جزءا من تحالف الدول التي ستشارك في إعادة إعمار غزة بعد الحرب.
وتساءل أردوغان، بحسب المصدر التركي، عما إذا كان بلينكن قد حصل بالفعل على موافقة إسرائيل على أي كيان فلسطيني يدير غزة، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما الذي تنوي واشنطن فعله لإجبار إسرائيل على الموافقة على الإدارة الفلسطينية لغزة؟
وهذا هو ذات السؤال الذي سمعه بلينكن من نظيره الأردني، أيمن الصفدي، وبعد ذلك من الملك، عبد الله الثاني، الذي بدا، خلال الحرب، أنه الزعيم العربي الأكثر قلقاً، ولذا خصص جزءا كبيرا من محادثته مع بلينكن للوضع في الضفة الغربية ومخاوفه من سعي إسرائيل إلى تهجير السكان الفلسطينيين فيها إلى المملكة الهاشمية.
ويرجح برئيل أن يكون السؤال ذاته محورا لاجتماعات بلينكن مع قادة قطر والإمارات والسعودية ومصر، “لأن هؤلاء القادة لا يريدون المشاركة في إدارة غزة أو الاستثمار في إعادة إعمارها إلا بعد أن توافق إسرائيل على خطة لكيفية إدارة القطاع، وطالما أن واشنطن لا تستطيع ذلك، أو لا تريد أن تستعرض عضلاتها تجاه إسرائيل، فلا يوجد ما يمكن الحديث عنه.
ونظراً لعدم تعاون إسرائيل في مسألة الإدارة المستقبلية لغزة وحقيقة أن حكومة بنيامين نتنياهو تؤجل هذه المناقشة بشكل واضح، فإن واشنطن لا تستطيع سوى أن تنتهج “سياسة إطفاء الحرائق” في أفضل الأحوال، حسبما يرى برئيل.
وفي هذا الإطار، أرست الإدارة الأمريكية، من خلال أصدقائها في المنطقة، تحذيرات وتهديدات لإيران بعدم السماح للاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل بالتدهور إلى حرب شاملة، واستخدمت القوة في الرد على هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وأجبرت إسرائيل على السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، رغم أنها لا تزال أقل بكثير مما هو مطلوب لتلبية احتياجات مليوني نازح، وتطالب إسرائيل باتخاذ إجراءات صارمة ضد المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ويرى برئيل أن نتيجة هذه السياسات جعلت من القوة الأعظم في العالم وكأنها “قوة شرطة محلية” تتعامل بشكل منفصل مع كل قطاع: لبنان – غزة – البحر الأحمر، بدلاً من الاضطلاع بالمهمة الاستراتيجية التي ينبغي لها أن تنجزها.
ويشير المحلل الإسرائيلي إلى أن النهج الأمريكي الحالي أدى إلى نتيجة مباشرة وخطيرة، هي شعور إسرائيل بعدم وجود حاجة ملحة للتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، أو حتى التظاهر بالقيام بذلك، وبالتالي لم يعد عليها تحديد وقت لتحقيق أهداف الحرب فعلياً، بدلاً من شعاراتها المعلنة: مثل “تدمير حماس”، أو “إزالة التهديد الأمني” لسكان جنوب وشمال إسرائيل، أو استعادة الأسرى من قطاع غزة، وهي الأهداف التي يبدو حاليا أبعد من أي وقت مضى.
ومن وجهة نظر الدول العربية، التي يُطلب منها المساعدة في تنفيذ حل ما بعد الحرب، فإن الولايات المتحدة تمنح بذلك إسرائيل ترخيصاً لشن حرب دائمة، تشكل تهديداً متزايداً لهذه الدولة، وفرضت بالفعل ثمناً اقتصادياً باهظاً، فضلا عن مخاوف تلك الدول من حدوث انتفاضات شعبية يمكن أن تهز استقرار أنظمتها.
ومع عجز واشنطن عن صياغة أي حل، ولو تكتيكي، للحرب في غزة، فإنها في الوقت نفسه تميل بالكفة لصالح إيران، التي أصبحت دولة محور أساسية بسبب سيطرتها على تحركات حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن.
ومن شأن ذلك أن يوسع نفوذ إيران ببلدان هذه المليشيات، بينما لم تقم الولايات المتحدة بعد بإكمال تشكيل تحالف لضمان حرية الشحن في البحر الأحمر، وليس لديها أي مكانة قريبة من مكانة إيران في التعامل مع الجبهة اللبنانية، ووجودها في العراق يعتمد على حسن نية حكومة “مرتبطة بكل ذرة من كيانها بإيران”، بحسب تعبير برئيل.
وفي ظل هذا التنافس على المكانة الإقليمية، والذي يؤثر على المكانة العالمية، يزداد احتياج واشنطن إلى “صورة للنصر” من إسرائيل، ما جعلها “تعتمد” على التحركات العسكرية لجيش الدولة العبرية.
وإزاء ذلك، يرى برئيل أن بلينكن لديه الآن مهمة مركزية واحدة، هي: درء احتمال أن يؤدي هذا الاعتماد الأمريكي على إسرائيل إلى تورط عسكري مباشر في المسرح الإقليمي، “لكن حقيبته قد لا تكون فارغة من تحقيق هذا الهدف”.