اعتبر الكاتب والأكاديمي بن برجيس، أن الولايات المتحدة الأمريكية تتجرع ثمار مرة في كل من أوكرانيا وغزة بسبب افتقادها إدارة البيت الأبيض للواقعية السياسية، وتجاهلها لتحذيرات المحللين المنتمين لتلك المدرسة في العلاقات الدولية.
جاء ذلك، في تحليل نشره برجيس في بموقع ريسبونسابل ستيتكرافت التابع لمعهد كوينسي للدراسات الإستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية.
واستشهد برجيس بالدعم غير المحدود الذي يمنحه الرئيس الأمريكي جو بايدن لكي من أوكرانيا وإسرائيل في حربهما ضد روسيا وحركة المقاومة الفلسطينية حماس في قطاع غزة.
وفي هذا الصدد، استشهد الكاتب بتوقع جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاجو أبرز المدافعين عن المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، بفشل عملية الرصاص المصبوب التي شنتها إسرائيل على غزة في 2009.
وفي ذلك الحين، قال ميرشايمر (في مقال له)، إنه في حين أن الهدف المعلن لعملية الرصاص المصبوب هو حماية إسرائيل من هجمات حماس الصاروخية، فإن الهدف الرئيس لدولة الاحتلال كان هو “جعل الفلسطينيين في غزة يقبلون مصيرهم كرعايا بائسين لإسرائيل الكبرى”.
وتوقع ميرشايمر فشل العملية الإسرائيلية في تحقيق هدفها، ليس هذا فحسب، بل أنه توقع أيضا استمرار الصراع المسلح بين الجانبين حتى يتم حل القضية الأساسية المتعلقة بوضع الأراضي الفلسطينية.
وذكر بن برجيس أنه ومن المؤسف أن هذا التحليل أثبت أنه لا يقل بصيرة عن تحذير ميرشايمر الأكثر شهرة بشأن التوترات المتصاعدة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا.
وعقب الكاتب أنه في كل من أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، نستطيع الآن أن نرى الثمار المرة التي تتجرعها أمريكا بسبب تجاهل صناع القرار السياسي في واشنطن لهذه التحذيرات.
وذكر الكاتب أن الولايات المتحدة تضخ الأسلحة والأموال في حروب محلية تهدد بالتحول إلى صراعات أكبر بكثير. وفي كلتا الحالتين (أوكرانيا وإسرائيل)، من غير المرجح أن تتحقق أهداف الحرب المعلنة لحلفاء واشنطن المحليين في أي وقت قريب – هذا إن تحققت على الإطلاق.
وأشار إلى أنه في كل من حرب الروسية الأوكرانية والحرب بين إسرائيل وغزة، دعا الخبراء المخضرمون المؤيدون لتنبي الولايات المتحدة سياسيات أكثر تحفظا، إلى وقف إطلاق النار على المدى الطويل والتحرك نحو حل دبلوماسي للصراع الأساسي.
ولفت أن كلا من هجوم طوفان الأقصى الذي شنته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس على إسرائيل والغزو الروسي لأوكرانيا كانا متوقعين على نطاق واسع.
وكانت الأصوات الحذرة في أعلى مؤسسات السياسة الخارجية الغربية تقول إن تشجيع طموحات أوكرانيا طويلة الأمد في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي قد يؤدي إلى تأجيج التوترات مع روسيا منذ نهاية الحرب الباردة.
وعلى نفس المنوال، صدرت تحذيرات عديدة مماثلة من مخاطر استراتيجية نتنياهو المتمثلة زيادة انتهاكات رئيس الوزراء الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، ومحاولته تحقيق سلام منفصل مع الدول العربية المحيطة.
وبحسب الكاتب فإن حرمان الفلسطينيين من الشيء الوحيد الذي كانت تقدمه الدول العربية للفلسطينيين وهو الدعم، فإن ذلك كان بمثابة وصفة لهذا النوع من الانفجار بالضبط.
حل دبلوماسي
في كلتا الحالتين، تسبب عدم رؤية واشنطن لتلك العلامات التحذيرية في تفاقم التداعيات التي لحقت بالسياسات الأمريكية. وفي حين أن هذه السياسة قد تتغير أخيرًا في أوكرانيا، فإن النهج الافتراضي لإدارة بايدن في التعامل مع كلا الصراعين كان كتابة شيكات على بياض.
وفي كلتا الحالتين، كانت هناك علامات من قبل الإدارة الأمريكية على الندم والتردد على طول الطريق.
على سبيل المثال لم يتم إرسال أنظمة الأسلحة إلى أوكرانيا لبضعة أشهر بسبب المخاوف من أن روسيا قد تعتبرها بمثابة خطوة تصعيدية للغاية، وبعد ذلك يتم إرسالها، في حالة إسرائيل توسل بايدن إلى نتنياهو من أجل “هدنة إنسانية” حتى مع نزوح 1.7 مليون من سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة وموت آلاف الأطفال.
في المقابل، قاوم كل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونتنياهو بشدة مثل هذه الحساسية، ونجحا في أغلب الأحيان في تحقيق ما أرادا – على الرغم من أنه في كلتا الحالتين، يبدو من غير المحتمل تمامًا أن تتحقق أهدافهما المعلنة في ساحة المعركة.
وأوضح الكاتب أنه يبدو أن سيطرة أوكرانيا على شبه جزيرة القرم وكل شبر من منطقة دونباس أمر غير مرجح إلى حد كبير حتى في ظل خمس أو عشر سنوات أخرى من الحرب.
وبالمثل، فإن الحملات التي تهدف إلى القضاء على حماس لن تحقق أهدافها، وكما تؤكد الدعاية الإسرائيلية نفسها، فإن القيادة العليا لحماس ليست في غزة، بل في قطر.
وعلاوة على ذلك، وبعد سبعة أسابيع من “الحرب الشاملة” فإنه ليس من الواضح بعد مدى عرقلة عمليات حماس في غزة.
ومن ناحية أخرى، وكما أدرك رجل الأعمال الأمريكي الشهير إيلون ماسك، فإن تهجير الملايين من الفلسطينيين من منازلهم وقتل وتشويه أعداد كبيرة من الأبرياء يشكل وصفة لتعزيز التجنيد في حماس في المستقبل.
وكما هي الحال في كثير من الأحيان في مختلف أنحاء العالم، فإن محاولة حل المشاكل الجيوسياسية الطويلة الأمد من خلال إسقاط القنابل تؤدي إلى خلق العديد من الجثث والقليل من الحلول.
وفي كلتا الحالتين في أوكرانيا وإسرائيل، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً لمسار عمل أقل يقيناً ستكون نوعاً من التسوية الإقليمية التي لا ترقى إلى مستوى العدالة الكاملة.
وذكر أن الغربيين سيقبلون بمنح الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة الجنسية في الدولة الواحدة التي كانت موجودة بحكم الأمر الواقع بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. على مدى 56 عاما الماضية، لكن ذلك لن يحدث على المدى القصير، حتى لو كان “حل الدولتين” يتضمن انسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود ما قبل عام 1967، وهذا يعني أنه سيتم إنشاء دولة فلسطين على 22% من الوطن المشترك.
على نحو مماثل، وكما أعرب الصقور في الإدارة الأمريكية لفترة طويلة عن قلقهم، بأن أي شكل من أشكال السلام عن طريق التفاوض في أوكرانيا سوف يعني احتفاظ روسيا ببعض الأراضي التي استولت عليها بشكل غير قانوني في سياق الحرب الدموية التي بدأتها. فإن هذا دواء مر يجب ابتلاعه.
وفي كلتا الحالتين فإن إطالة أمد الحروب بلا جدوى من شأنه أن يؤدي إلى معاناة هائلة للسكان المدنيين ويمكن تجنبها، بينما يمكن إنقاذ عائلات الجنود الذين سيتم التضحية بحياتهم من خلال التوسع غير المجدي للحروب.
وفي كلتا الحالتين، فإن التحرك نحو الحل الدبلوماسي يمكن أن يمنع الاحتمال المرعب المتمثل في تصاعد هذه الحروب إلى صراعات إقليمية أو حتى عالمية أكبر.