خلقت المواجهة الراهنة بين الجيش الإسرائيلي وحركة “حماس” الفلسطينية “مأزقا كبيرا للدول العربية”؛ ما يسمح لإيران بمحاصرة هذه الدول، بحسب كامران بخاري، في تحليل بمركز “جيوبوليتيكال فيوتشرز” الأمريكي (Geopolitical Futures) ترجمه “الخليج الجديد“.
وردا على “اعتداءات إسرائيلية يومية بحق الشعب الفلسطيي ومقدساته”، أطلقت “حماس” وفصائل مقاومة أخرى من قطاع غزة عملية “طوفان الأقصى” ضد إسرائيل، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وتتواصل المواجهة بين الطرفين لليوم الخامس عشر على التوالي.
وقال بخاري إن “دول مثل مصر والأردن والسعودية، التي سعت منذ فترة طويلة إلى إقامة علاقات سلمية مع إسرائيل وتعارض حماس بشدة، اضطرت إلى تجنب انتقاد الحركة الإسلامية الفلسطينية المتطرفة واتخاذ موقف علني معارض لإسرائيل”.
وتابع أن “الهجوم (طوفان الأقصى) أدى أيضا إلى حدوث انقسامات بين الدول العربية والولايات المتحدة (أبرز حليف لإسرائيل).. وتمثل الأزمة الراهنة مكسبا كبيرا لإيران، التي سعت منذ فترة طويلة إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط لتعزيز قوتها ونفوذها”.
وتعتبر كل من طهران وتل أبيب العاصمة الأخرى العدو الأول لها، وتدعم إيران حركات مقاومة عربية، بينها “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين و”حزب الله” في لبنان، في مواجهة إسرائيل، التي تحتل أراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 1967.
مجزرة المعمداني
“في 17 أكتوبر، قُتل نحو 500 فلسطيني، فيما قال المسؤولون الفلسطينيون والعرب إنها غارة جوية إسرائيلية على مستشفى (المعمداني) في غزة، بينما تقول السلطات الأمريكية والإسرائيلية إنه انفجار ناجم عن صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي بالخطأ”، كما أضاف بخاري.
وأردف أن “الدول العربية أدانت إسرائيل بشدة لقصفها المستشفى، حيث كان يُعالج الفلسطينيون الذين أصيبوا في الحرب”.
وزاد بأنه “وسط عدد متزايد من الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل في العديد من دول المنطقة، ألغى الأردن قمة كان مقررا أن يستضيفها في 18 أكتوبر مع الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وملك الأردن عبد الله الثاني”.
و”وقع قصف المستشفى بينما كان بايدن في طريقه إلى إسرائيل (لتأكيد دعمه لها و) للمساعدة في منع الأزمة من التحول إلى صراع إقليمي، واضطر إلى إلغاء رحلته إلى العاصمة الأردنية”، كما أشار بخاري.
وأضاف أن “حقيقة اضطرار بايدن للسفر إلى الشرق الأوسط بعد أيام فقط من وجود وزيري الخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد أوستن في المنطقة، تؤكد المخاطر المتزايدة لحرب أوسع نطاقا”.
واعتبر أن “آخر شيء ترغب العديد من العواصم العربية ذات الاقتصادات الهشة بشكل مزمن في رؤيته هو احتجاج شعوبها ضد إسرائيل والولايات المتحدة؛ ما يهدد استقرار أنظمتها”.
ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم 5 دول هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب علاقات رسمية معلنة مع إسرائيل، التي ترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
إيران وفلسطين
بخاري لفت إلى أن “منظمة التحرير الفلسطينية تأسست عام 1964 في القاهرة، بدعم من الرئيس المصري جمال عبد الناصر كأداة لتعزيز طموحاته القومية العربية”.
وأردف أنه “في أعقاب هزيمة العرب (أمام إسرائيل) في حرب 1967، أثبتت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها كقوة جادة تدافع عن النضال الوطني الفلسطيني”.
وقال إن “معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 أدت إلى مزيد من الاختلاف بين مصالح القاهرة والفلسطينيين. وخلال عقد من الزمن، اعترفت منظمة التحرير أيضا بإسرائيل وسعت عبر الدبلوماسية إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، التي احتلتها إسرائيل منذ 1967”.
و”هذا هو الترتيب الذي رأت الدول العربية الرئيسية أنه في مصلحتها في أعقاب انتفاضة (الحجارة) عام 1987، التي ظهرت فيها حماس كمنافس إسلامي (…) لحركة فتح العلمانية التي يتزعمها ياسر عرفات، والتي هيمنت لفترة طويلة على منظمة التحرير”، كما زاد بخاري.
وتابع: “بحلول هذا الوقت، بدأت إيران أيضا في الظهور كقوة إقليمية تسعى إلى توسيع نفوذها في العالم العربي، وكانت قد أنشأت بالفعل حزب الله (في لبنان) ليكون وكيلها الرئيسي في أوائل الثمانينيات، وأصبحت سوريا حليفتها العربية الوحيدة”.
وقال إن “نهاية حربها (إيران) الكارثية التي دامت ثماني سنوات مع العراق في 1988 وإضعاف النظام العراقي في حرب الخليج عام 1991، مكَّنت طهران من توسيع نفوذها في العالم العربي”.
وأضاف أن “النظام الإيراني الإسلامي كان مهتما بالاستفادة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وألهم إنشاء حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، ولم يمر وقت طويل حتى انجذبت حماس، الحركة الإسلامية الفلسطينية الرئيسية، نحو الفلك الإيراني”.
و”أدى عجز إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عن التوصل إلى تسوية نهائية على مدى السنوات السبع التالية إلى اندلاع الانتفاضة الثانية (الأقصى) في 2000؛ مما عزز قوة حماس وأضعف السلطة الوطنية الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح (بزعامة الرئيس عباس)”، كما ختم بخاري.