الرئيسية / أخبار / 7 أكتوبر 2023: تداعيات وآفاق

7 أكتوبر 2023: تداعيات وآفاق

“طوفان الأقصى” ستتردّد أصداؤها عبر العالم، وقد “تغيّر وجه المنطقة”، ولكن في غير المعنى الذي قصده نتنياهو.

عملية طوفان الأقصى قد تقلب معادلات المنطقة، ويكون لها تداعياتٌ دولية مهمّة، وستكون نتائجها مختلفة عن أي مواجهة حصلت بين غزّة وإسرائيل.

أجندة إدارة بايدن شرق أوسطيا قد تنهار تماما، إذ تقوم على تخفيف التوتر مع إيران، وتطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل، والتفرغ لمواجهة نفوذ الصين.

من تداعيات طوفان الأقصى دوليا، أن أي تورّط أميركي جديد في المنطقة محلّ ترحيب كبير في الصين، التي قطفت ثمار عقدين من حروب أميركا في العالم الإسلامي.

احتمالات توسّع المواجهات بالشرق الأوسط ستأخذ في المرحلة المقبلة حيّزًا كبيرًا من اهتمام واشنطن على حساب حرب أوكرانيا، خاصة إذا تورطت واشنطن فيها.

التداعيات الاقتصادية لمواجهات الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي المنهك لن تكون أقلّ أهمية، إذا تطوّرت إلى حربٍ إقليميةٍ، وتعرّضت ممرّات النفط البحرية للتهديد.

مسار التطبيع الذي كانت أميركا تدفع به بين إسرائيل ودول خليجية، في مقدمتها السعودية، قد وضع على الرفّ حاليا، مع قصف إسرائيل الأعمى على غزّة وسقوط الآلاف، من المدنيين الأبرياء.

* * *

مثل محطّات أخرى فارقة في الصراع العربي- الإسرائيلي (1948، 1967، 1973، 1982) سوف يُذكر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 باعتباره نقطة تحوّل أخرى في تاريخ قضية فلسطين:

– ليس فقط لأن حركة حماس حطّمت الأسطورة الاستخباراتية والعسكرية والأمنية الإسرائيلية،

– وليس لأن إسرائيل خسرت في يوم واحد عددًا من القتلى يتجاوز ما خسرته في أي حربٍ أخرى مع العرب.

– وليس لأن قطاع غزّة سيدفع ثمنا غير مسبوقٍ نتيجة استماتة إسرائيل في استعادة “هيبتها”،

بل أيضًا لأن عملية طوفان الأقصى (الاسم الذي أطلقته حماس على عمليتها التي اقتحمت فيها مستوطنات غلاف غزّة) قد تقلب كل المعادلات في المنطقة، وقد يكون لها تداعياتٌ دولية مهمّة، وسوف تكون نتائجها بالتأكيد مختلفة عن أي مواجهة سابقة حصلت بين غزّة وإسرائيل منذ انسحاب الأخيرة من القطاع أحاديا عام 2005.

إقليميا، يبدو أكيدا أن مسار التطبيع الذي كانت تدفع به الولايات المتحدة بين إسرائيل ودول خليجية، في مقدمتها السعودية، قد وضع على الرفّ حاليا، إذ سيكون من غير الممكن أن تمضي الرياض بهذا الاتجاه في ظل القصف الإسرائيلي الأعمى على غزّة وسقوط المئات، وربما الآلاف، من المدنيين الأبرياء.

هذا يعني أن أحلام إدارة الرئيس الأميركي بايدن بانتزاع اتفاق “سلام” سعودي- إسرائيلي قبل انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل قد تبدّدت.

فوق ذلك، قد تنتهي إدارة بايدن، التي تسعى منذ وصولها إلى السلطة عام 2021، إلى التركيز على الصين، وتجنّب أي التزاماتٍ إضافيةٍ في منطقة الشرق الأوسط، إلى الدخول في حربٍ كبرى فيها.

وخاصة في ضوء التحذيرات التي وجّهتها لحزب الله بأنها ستدخل الحرب إذا أقدم الحزبُ على فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل من لبنان، وقد تضطرّ حتى، في حال توفّر دلائل على تورّط طهران في عملية طوفان الأقصى، إلى توجيه ضربة لها، أو مساعدة إسرائيل على فعل ذلك.

وكانت إسرائيل حاولت ردع حزب الله وإيران عن فتح جبهة جديدة من خلال التهديد بتوجيه ضربةٍ إلى النظام السوري قد تؤدّي إلى إسقاطه، وهذا ثمنٌ كبيرٌ لا تستطيع إيران تحمّله.

هذا يعني، بالتبعية، إغلاق كل مسارات التفاوض المفتوحة بين إيران والولايات المتحدة، والتي تسارعت بعد التوصل إلى صفقة إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في إيران في الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) مقابل ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة في كوريا الجنوبية، وهي صفقة تسبّبت بانتقادات شديدة لإدارة بايدن من خصومها الجمهوريين.

هذا يعني عمليا أن أجندة إدارة بايدن الشرق أوسطية قد انهارت تماما، والتي كانت تقوم على تخفيف التوتر مع إيران، وتطبيع العلاقات بين دول الخليج العربية وإسرائيل، والتفرغ لمواجهة نفوذ الصين أو احتوائه.

ينقلنا هذا إلى تداعيات عملية طوفان الأقصى دوليا، إذ سيكون أي تورّط أميركي جديد في المنطقة محلّ ترحيب كبير في الصين، التي قطفت ثمار عقدين من حروب أميركا في العالم الإسلامي (2001-2021).

خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت أميركا، التي هالها صعود الصين السريع، تتدارك خطأها، فأنهت تورّطها في العالم الإسلامي، ونقلت تركيزها إلى منطقة شرق آسيا، حيث أخذت تُطبق الحصار على الصين.

بالمثل، ستكون روسيا أحد أكبر المستفيدين من عملية “طوفان الأقصى”، وقد بدأت تداعياتها تظهر توًا، إذا اضطرت أميركا لتوجيه جزءٍ من العتاد المخصّص لدعم أوكرانيا إلى إسرائيل!

ويبدو أن احتمالات توسّع المواجهات في الشرق الأوسط ستأخذ في المرحلة المقبلة حيّزًا كبيرًا من اهتمام واشنطن على حساب الصراع في أوكرانيا، خاصة إذا تورطت واشنطن فيها.

التداعيات الاقتصادية لمواجهات الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي المنهك لن تكون أقلّ أهمية، إذا تطوّرت إلى حربٍ إقليميةٍ، وتعرّضت الممرّات البحرية للتهديد، ومعها إمدادات النفط، ما يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار ومعها التضخّم، وحصول موجات احتجاج كبرى قد تشمل دولا في أوروبا.

في كل الأحوال، قد يكون حقًا القول إن “طوفان الأقصى” ستتردّد أصداؤها عبر العالم، وقد “تغيّر وجه المنطقة”، ولكن في غير المعنى الذي قصده نتنياهو.

*مروان قبلان كاتب وأكاديمي سوري