د. بسام الهلول
كلما حلت الذكرى يتجلى القشيب من ذكرى تشدني الى مبتدأ الصف الاول الابتدائي اذ تخرج القرية كلها لتقف على مرتفع (تل غراب)..من قريتي تلك يرقبون موكب الفلاحين بعد عودتهم من بيع محصولهم وبيع البقل من ارضهم وما حملوه من كرمة ينظرون من على البعد اوبة رجال القرية والملفت للنظر ان معلم القرية يمتطي حمارا.. اخذهم العجب بتلابيبهم في ضميمة موكبهم او يركب( عبد الفتح حمارا)..ذلك انه استقر في وعيهم لقداسة ومنزلة المعلم عندهم ان المعلم لا يركب حمارا لقدسيته هم يرقبونه وقد حمله البراق…
لعمري ان نسيت من الايام لا انسى مقدمه وقد اصطففنا وحقائبنا المهزولة تحملها اجسادنا الاكثر هزالا من الخصاصة والفقر والعوز ورغم ذلك الا ان نشيدنا بات بيعة في اعناقنا مع اخوة في الهناك( وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر)…ورغم اجسادنا التي عافها( القمّل والسّلُّ)..وعيوننا دامعة من فتك ( الرمد والتراخوما)..ورغم ذلك اننا كرامة وحرية لا تسمح لذي ( مرّة)..علينا يدا
خلق الواحد منا عيوفا وارنبة الانف منا ( شمما)..تحدق في اردية الرياضة وحقائبا المرقونة عليها( ليس للبيع او المبادلة).. is not For Sale او Not forExchangeجيل رغم ضيق اليد والهزال وفقر الدم اننا قسم مع الاخوة هناك يالها من أمانة ثقيلة ورسالة عظيمة يتيه بها الاردن على صقبه ومن هو في لزقه من اقطار العربية ليمد يد البيعة مثقفا مع اخوة الجزائر ابان معركتهم مع فرنسا تمتد ايادينا المهزولة لتصعد الى الثائر هناك اننا( اصفقنا)..معكم البيع (لانقيل ولا نستقيل)…اسمال بالية هي حولتها الامهات مما كان يأتينا معونة من القمح معبأة بأكياس من الحنطة
ولنزق امهاتنا وانوفهن وأرنباتها عزة يرفضون ان يسموا هذه المعونات( الصدقة)..او انها من الغوث عند شح السماء من القطر
فسموها( الصندقة)…رغم ان تربتي اذا زرعت كما يقول الشاعر اقبال( لست يائسا من تربتي اذا ما زرعت ستأتي بحاصل كبير)…..يا لها من فصاحة وبلاغة في هذا القلب المكاني للمصطلح. لعبت به الامهات فكان لكنة ( الصّندقة)..وشاع على السنتهن هدا اللفظ ذي المقام والبسط معادلة رياضية ونحوية رغم ان امي لم تطلع على الفية بن مالك ولا تعلم عن قانون الاعداد الكبيرة في الرياضيات الا ان اللفظة بالعفو لا بالصنعة تبوب في باب ( الاستحسان اللغوي)…عند اهل الصنعة اللغويين…وكأنها طالعت كتابا في اللسانيات الحديثة تحت ما كتب في بابه( في ما يكون بهالملفوظ نصّا).. للأزهر زناد) او ما كتبه محمد مفتاح في (..التلقي والتأويل) او دينامية النص عند( محمد مفتاح)…او ما جاء في بابه ( الخروج من التيه).. لدارسي الالسنية…
لعمري، انها مرافعة من الام في لحنها اللغة وشهادة ممن حده الكفاف تستحيل معه الحياة ضدا على من بلغ به السرف على نحو لا تصدق معه الحياة..
لعمري، انه حيز تفاضلي من ثقافة (اللوحة والجبل) الممانعة على الدوام او لعلها سمعت بما فرغ من كتابته استاذي والفيلسوف المغربي (العالم الثالث.يتهم)..محمد الحبابي زوج فاطمة المرنيسي…وحاديها ما قاله ذلك الفلاح الاردني ( نوكل شومر ولا معونتكم)…
تالله.. صياغة ام عشقت المطالعة في قاموسها ومعجمها (اللوح والجبل) هذا ما كان يصنعه الثوار في جبال الريف في المغرب او المغاربة كلهم يأخذون اولادهم يصعدون معهم الجبل يتعلمون القراءة والتلاوة من بعض من احرونيات النحو او الفقه ثم يعودون مساء. كل ذلك منها ( كي لاتخترم اجال امارتها.) …
…لقد طعمنا قمح حريتنا وكرامتنا وسنابل العز من وطننا..قمحهم مغناتهم..
عالبال بعدك يا سهل حوران
..شرشف قصب ومطرز بنيسان…
…كن قد اقسمن وعقّدن الأيمان
يحرم علي ابدلك بالغير…ذلك…
عيشة هلي. منك يا سهل الخير…
…في يوم المعلم.. نحاول لظم وطن في سمّ خياطه.. ونكت همياننا في يوم مسغبة ..نضع حصاة تحت لهاة لساننا كي لانستطيب اللعنة حيال وطن ذهب اوزاعا ووسايا يوزعها من حكم بأمره…والسواد انتظارا حائرون في عضة( الشفة)..منه شارة وعد ( الك في الخم بيضة)…وهو نهب حيال ما وعده من قدر كفاها طهوا ولما انبلج الصبح لذي عينين. وجد ( ان ليس ما في القدر الا حصىً..)…ووجد نفسه امثل بل اوجع من( اصبع مثاغرة في اعصابه العارية)…ووجد وطنا يجري تقطيره في سائله الاسود المنسكب من دلّته
وانه تعويذة ما كانت تكفي مستقبل زغب قطاه..وتتواصل العتمة من ليله مع سواد قهوته…ومع ترويدة السمار
ومفردات الاجلاب ..ومغناته بالامس القريب اذ تتشظى الخروف مما كان يلهجه امس( جلايبك يوم المبيع..انت تشتري وحنا ما نبيع)..
لعمري انها تعاليل الدهماء السذج
في غفلتهم حيال مخاتلة حذق سياسي ماهر …وحيال عرائس مروج من القش والقماش الرفو …يخاتل بها بغاث الطير …ولكننا لن نعدم فضول طائر متمرس في قراءة كتاب( الحيل).. ان يهبط في امنية راسه فيكتشف انه هيكل من القش ليضع بعدها بيوضه وهذا هو مطمح الانفس وذهاب الممض وجعا
د. الهلول كاتب ومفكر أردني