يمكن لصفقة التطبيع المحتمل للعلاقات بين السعودية وإسرائيل، وهما من أكبر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أن تعيد تشكيل المنطقة بشكل كبير، لكن ليس من المتوقع أن يحدث ذلك في وقت قريب، بحسب ناتاشا توراك في مقال بموقع قناة “سي إن بي سي” الأمريكية (cnbc) ترجمه “الخليج الجديد“.
ولا ترتبط الرياض وتل أبيب بعلاقات رسمية معلنة، وترهن السعودية الأمر بقبول إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ حرب 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين.
وقالت ناتاشا إنه “بعد عقود من التوتر، شهدت السنوات الأخيرة تعاونا منفصلا ولكنه متزايد بين السعودية وإسرائيل”، معتبرة أن “تصور التهديد المشترك لإيران، الخصم المشترك للسعودية وإسرائيل منذ فترة طويلة، جعل البلدين أقرب من حيث التنسيق وتبادل المعلومات الاستخبارية، وفقا لتقارير واعترافات مسؤولين إسرائيليين”.
وتعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها، بينما استأنفت السعودية وإيران علاقتهما الدبلوماسية، بموجب اتفاق بوساطة الصين في مارس/ آذار الماضي، ما أنهى قطيعة استمرت 7 سنوات بين بلدين يقول مراقبون إن تنافسهما على النفوذ أجج صراعات عديدة في أنحاء المنطقة.
“كما سمحت السعودية لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق فوق أراضيها في السنوات الأخيرة، وأفاد مسؤولون إسرائيليون بأن المملكة تلقت مساعدة من شركات الأمن السيبراني الإسرائيلية لدرء هجمات سيبرانية، كما أن التهديد الملحوظ الذي يشكله الإسلاميون السياسيون، خاصة في أعقاب الربيع العربي، قاد إلى شعور بمصالح مشتركة بين دول الخليج وإسرائيل”، وفقا لناتاشا.
والثلاثاء الماضي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن الرياض تعرض استئناف تمويلها للسلطة الفلسطينية مقابل الحصول على دعم رئيسها محمود عباس لإقامة علاقات مفتوحة بين السعودية وسرائيل.
عوائق كبيرة
و”يمكن للصفقة بين إسرائيل والسعودية أن تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط بشكل كبير، لكن لا تزال هناك عوائق كبيرة في طريق التطبيع الرسمي، وهو هدف رئيسي للسياسة الخارجية لإدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن ويحاول فريقه تحقيقه خلال ولاية الرئيس الحالية”، كما تابعت ناتاشا.
وأضافت أن “التنازلات بشأن فلسطين ستكون مهمة أيضا لمحمد بن سلمان (ولي العهد السعودي)، الذي لا تعتمد قيادته على التحول في السعودية فحسب، بل على التمتع بنفوذ إقليمي ودولي أوسع”.
ورأت أن “التحدي الكبير الآخر هو ما تطلبه السعودية من واشنطن، إذ تريد الرياض ضمانة أمنية من الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات أو الهجمات المحتملة، كما تريد المزيد من الوصول إلى الأسلحة الأمريكية المتقدمة وكذلك المساعدة في برنامج نووي مدني”.
و”من المرجح أن تواجه مثل هذه المطالب مقاومة من العديد من أعضاء الكونجرس، وخاصة الديمقراطيين اليساريين التقدميين والجمهوريين اليمينيين المتشددين الذين يريدون مشاركة أمريكية أقل في الشؤون الخارجية”، بحسب ناتاشا.
واستدركت: “ولكن حتى لو تم استيفاء الضمانات الأمنية ومطالب الحصول على أسلحة أكثر تقدما، فمن المرجح أن يكون دعم الولايات المتحدة للبرنامج النووي السعودي أكثر صعوبة”.
وأردفت: “لا يريد السعوديون الالتزام باتفاقية وفقا للمادة 123 الأمريكية، وقد أبرمت واشنطن بالفعل مثل هذه الاتفاقية مع الإمارات التي أطلقت أول برنامج للطاقة النووية في العالم العربي في 2020. وتمنع الاتفاقية رقم 123 الدول من تطوير تكنولوجيا ذات استخدام مزدوج (مدني وعسكري) عبر حظر تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود”.
ناتاشا استطردت: “لقد أوضح السعوديون أن هذه ليست الاتفاقية التي يريدونها، ما يثير قلق العديد من المشرعين وخبراء منع الانتشار النووي، خاصة بالنظر إلى دور السعودية في حرب اليمن (جار المملكة)، التي دخلت الآن عامها الثامن. إن أي صفقة في هذا الشأن معقدة أيضا بسبب حقيقة أن المملكة لديها احتياطياتها الطبيعية من اليورانيوم وتنوي استخراجها بنفسها”.
الانتخابات الأمريكية
وقال ريان بول، محلل لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنه “إذا تراجعت الرياض عن تلك المطالب، فأعتقد أن التطبيع سيصبح أكثر احتمالا بشكل كبير”.
لكن “الأهم من ذلك، أن الوقت ينفد للتوصل إلى اتفاق قبل أن تنشغل إدارة بايدن بحملة إعادة انتخابها (في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024)”، بحسب ناتاشا.
ورأت أنه “قد يكون للرياض مصلحة في تأخير الأمور؛ لأن ذلك قد يضغط على إدارة بايدن لتقديم المزيد من التنازلات قبل الانتخابات”.
بوهل رجح أنه “في حالة خسارة بايدن، فإنه سيضع إطارا تفاوضيا محتملا للإدارة المقبلة.. والتطبيع مع إسرائيل سيسمح للسعودية بإحراز تقدم استراتيجي مع قوة عسكرية وتكنولوجية إقليمية (يقصد إسرائيل) ستكون أساسية لأمنها مع استمرار الولايات المتحدة في انسحابها من المنطقة”.
ويقول خبراء إن الشرق الأوسط تراجع في قائمة أولويات واشنطن لصالح مواجهة ما تعتبره نفوذا صينيا متصاعدا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والتصدي لحرب تشنها روسيا في جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022 وتبررها بأن خطط الأخيرة للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، تهدد الأمن القومي الروسي.
وأعربت ناتاشا عن اعتقادها بأن “السعودية وإسرائيل ستواصلان محاولة إيجاد طريق نحو التطبيع، ولكن يبقى أن نرى متى يتمكن أي من الجانبين من ترويض حواجزهما السياسية الداخلية التي تجعل تحقيق اختراق واسع النطاق ممكنا”.
وفي أكثر من مناسبة، قال مسؤولون أمريكيون إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل يخدم المصالح الأمريكية، لاسيما في مواجهة تصاعد نفود كل من إيران والصين وروسيا في الشرق الأوسط، وهو منطقة استراتيجية للعالم في مجال الطاقة ومسرح تاريخي لنفوذ الولايات المتحدة.