سلط مركز “ستراتفور” الضوء على حالة التقارب الاستثنائية بين المملكة العربية السعودية والصين، مرجحا أن يظل سعي المملكة لتخصيب اليورانيوم نقطة شائكة في المحادثات الأمريكية السعودية الإسرائيلية بشأن التطبيع بين الرياض وتل أبيب، ما قد يدفع المملكة إلى تعميق علاقاتها مع الصين.
وذكر المركز، في تقدير نشره موقعه الإلكتروني وترجمه “الخليج الجديد“، أن محادثات الرياض الأخيرة مع بكين بشأن الاشتراك في محطة نووية محتملة يقدم مؤشرا على تعميق العلاقات بينهما، إذ يدرس المسؤولون السعوديون عرضاً صينياً لبناء المحطة المدنية “على أمل الضغط على البيت الأبيض لمنح تنازلات بشأن أهداف الرياض في مجال الطاقة النووية”.
وأضاف أن إبرام صفقة ضخمة مع السعودية وإسرائيل من شأنه أن يمكن الولايات المتحدة من التركيز بشكل أفضل على منافستها الاستراتيجية الصين، والتي تسعى الرياض إلى استغلالها من خلال المطالبة بتنازلات أمنية ونووية كبيرة، كجزء من اتفاقية التطبيع.
وتأمل الولايات المتحدة في استخدام الصفقة الضخمة لمنع السعودية من تعزيز علاقتها مع الصين، والتي ازدهرت في السنوات الأخيرة وسط التوافق الاستراتيجي المتنامي بين بكين والرياض (مع حاجة الأولى إلى النفط السعودي لتغذية تنميتها الاقتصادية، والأخيرة إلى شركاء أجانب جدد لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة).
وكجزء من الصفقة الضخمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، تفيد التقارير بأن واشنطن تدرس وضع شروط من شأنها أن تمنع الرياض من تسعير نفطها باليوان، وتقييد استخدام المملكة لتكنولوجيا الاتصالات الصينية (مثل معدات الجيل الخامس من شركة هواوي الصينية)، وعدم السماح بالوجود العسكري الصيني على الأراضي السعودية.
وتتعارض العديد من هذه الشروط مع المصالح الاستراتيجية للسعودية في السعي إلى علاقات أوثق مع الصين وروسيا في عالم متعدد الأقطاب، لا سيما مع استمرار الولايات المتحدة وأوروبا في إثارة المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان السعودية والسعي إلى تقليل استهلاكهما للوقود الأحفوري.
تنازلات أمريكية
ونتيجة لذلك، من المرجح أن توافق الرياض فقط على وضع حواجز على علاقتها مع الصين مقابل تنازلات أمنية ونووية كبيرة من شأنها أن تجعل من المستحيل على الولايات المتحدة انتقاد سجل حقوق الإنسان في السعودية أو فرض عقوبات على البلاد لأي سبب من الأسباب.
ووفي مواجهة التطوير النووي المستمر لإيران، من المحتمل أيضًا أن تصر السعودية على أن التزام الولايات المتحدة بأحد الالتزامات التالية:
- السماح للمملكة بالتحكم في التخصيب حتى تتمكن من تطوير أسلحة نووية
- التوقيع على اتفاقية دفاع من شأنها أن تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية في حالة نشوب صراع عسكري مع المملكة
- وضع السعودية تحت المظلة النووية الأمريكية، بحيث تتعهد الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة باستخدام أسلحتها النووية في حالة وقوع هجوم نووي إيراني عليها.
وفي سياق الضغط السعودي لتحقيق هذه المطالب، يشير “ستراتفور” إلى اقتراب انضمام المملكة إلى مجموعة بريكس، وانضمامها الفعلي كشريك حوار بمنظمة شنغهاي للتعاون، التي تقودها الصين.
وينوه المركز، في هذا الصدد، إلى أن الصين توسطت في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية في مارس/آذار الماضي، ما أظهر نفوذها المتزايد في المنطقة.
ورغم أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تراجعت عن وعودها بمراجعة علاقتها مع السعودية بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن استمرار الولايات المتحدة في الاهتمام بحقوق الإنسان وحريات الصحافة والحقوق الديمقراطية على المدى الطويل يبدو مرجحا، ما يعني أن الخلافات بين الولايات المتحدة والسعودية ستبقى قائمة.
ويعزز من التقارب السعودي والصيني أن كلا البلدين أعربا عن بعض الشكوك تجاه التحول السريع للطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري. وكلاهما تهدفان تحقيق صافي انبعاثات صِفر في عام 2060، وهو ما يتأخر بعشر سنوات عن أغلب الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، أصبحت الولايات المتحدة أقل اعتماداً على النفط السعودي، في حين تمثل صادرات السعودية إلى آسيا الآن 76% من إجمالي صادراتها النفطية، حيث تستورد الصين ما بين 1,5 إلى 2 مليون برميل يومياً كل شهر.
ولا يزال سماح الولايات المتحدة للسعودية بتخصيب اليورانيوم غير المرجح إلى حد كبير، ما يقلل من احتمالات التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة.
فمنح السعودية القدرة على تخصيب اليورانيوم يزيد من احتمال قيام المملكة بتطوير أسلحة نووية في المستقبل دون إذن الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى تفاقم ما قد يغذي سباق تسلح نووي إقليمي بين إيران والسعودية وربما مصر أو تركيا.
وفي عام 2018، قال ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، إن بلاده ستقوم “بلا شك” بتطوير أسلحة نووية إذا فعلت إيران ذلك.
وللقيام بذلك، ستحتاج السعودية إلى أن تكون قادرة على تخصيب اليورانيوم، لأن قوى التخصيب العالمية، مثل الولايات المتحدة، لن تنقل اليورانيوم المخصب إلى المملكة لأغراض تطوير الأسلحة.
كما أن السعودية لا تملك القدرة على بناء محطات الطاقة النووية بنفسها، وبموجب المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي لعام 1954، لا تستطيع الولايات المتحدة تصدير التكنولوجيا النووية إلا إلى البلدان التي وقعت على “اتفاقية 123” التي تتضمن 9 معايير لعدم انتشار الأسلحة الذرية يجب الوفاء بها، بما في ذلك حظر التخصيب أو إعادة المعالجة دون موافقة أمريكية.
وفي حين أن السعودية يمكنها توقيع مثل هذا الاتفاق، يمكن للكونجرس الأمريكي أن يلغيه إذا اعتبر أن الاتفاق لا يوفر قيودا كافية على النشاط النووي للمملكة.
وفي عام 2018، عندما ترددت شائعات عن أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، يستكشف اتفاقية نووية مع السعودية، تقدم الحزبان، الديمقراطي والجمهوري، بتشريع لزيادة الرقابة المحتملة على أي صفقة من هذا القبيل.
ومن المحتمل أن يحدث هذا السيناريو مرة أخرى إذا سعى البيت الأبيض إلى التوصل إلى اتفاقية نووية “ضعيفة” مع الرياض.
ومن دون اتفاق نووي يتضمن التخصيب، من المرجح أن تطالب السعودية بضمانات أمنية أمريكية ملموسة، لكن هناك العديد من العقبات التي قد تمنعها من التحقق.
وإذا تخلت السعودية عن السيطرة السيادية على تخصيب اليورانيوم، فإنها ستظل في حاجة إلى رادع لحماية نفسها من التهديد النووي الذي تفرضه إيران، التي لم تبد أي اهتمام بالتخلي عن حقوق التخصيب في المحادثات النووية مع الغرب.
لكن الطريقة الوحيدة أمام السعودية لإنشاء نفس المستوى من الردع ستكون من خلال التوقيع على معاهدة دفاع تضع المملكة تحت الدرع النووي الأمريكي.
ومع ذلك، فإن السعودية والولايات المتحدة لديهما أنظمة ومستويات مختلفة من “القيم”، على عكس أي دولة أخرى تشترك معها الولايات المتحدة في معاهدة دفاع.
وتتطلب صفقة الدفاع أيضًا أن تضع الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من الثقة في بن سلمان الذي سيبلغ من العمر 38 عامًا قريبًا، والذي أثبت في نظر واشنطن أنه “شريك مزعج ومتهور في بعض مهامه” بحسب تقدير “ستراتفور”.
وإضافة لذلك، سيحتاج ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى الموافقة على معاهدة دفاع مع السعودية، وهو أمر سيكون صعبًا نظرًا لأن الكونجرس كان أكثر انتقادًا للمملكة في السنوات الأخيرة من البيت الأبيض.
وإذا لم تتمكن المملكة من التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، فقد تفكر في إبرام اتفاق نووي مع الصين، لكن توقيع مثل هذه الصفقة قد يظل محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لكل من الرياض وبكين.
كما أن عدم توصل الولايات المتحدة والسعودية إلى اتفاق بشأن الاتفاقيات النووية أو الدفاعية، يعني انهيارا محتملا لاتفاق التطبيع السعودي مع إسرائيل.
الرادع النووي
ولتحقيق رغبتها في الحصول على رادع نووي، قد يؤدي ذلك إلى تحول السعودية نحو الصين، التي لن تفرض العديد من قيود الانتشار النووي كجزء من صفقة مع السعودية، مقارنة بالولايات المتحدة.
لكن مثل هذا الاتفاق يظل بعيد المنال، على الرغم من أن الرياض وبكين أتيحت لهما فرص متعددة للتوصل إلى اتفاق نووي في السنوات الأخيرة وسط تباطؤ المحادثات مع الولايات المتحدة وحلفائها، بحسب “ستراتفور”، مرجعا ذلك جزئياً إلى أن الصين لا ترغب في تفاقم سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط.
فالمنطقة تمثل مصدر معظم واردات الصين من النفط الخام، ما يعني أنه حتى لو سمحت بكين للرياض بالمشاركة في عملية تخصيب اليورانيوم، فإنها قد تسعى إلى الحصول على وعد غير رسمي من السعودية بعدم تخصيب اليورانيوم للأغراض العسكرية.
وإضافة لذلك، فإن التوصل إلى اتفاق نووي مع الصين من شأنه أن يقوض العلاقات الدفاعية الحيوية بين السعودية والولايات المتحدة.
وفي حين أن الصين شريك اقتصادي متنامٍ، فإن العلاقة الدفاعية الشاملة للسعودية مع الصين لا تزال محدودة نسبيًا وليست قريبة من المستوى الذي يمكن أن تحل فيه بشكل مناسب محل الشراكة الدفاعية القوية للمملكة مع الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى ذلك، قد تقرر الرياض أنه من الأفضل عدم إغضاب واشنطن بدلاً من توقيع اتفاق مع الصين، بحسب تقدير “ستراتفور”.
وربما تحاول السعودية التوقيع على اتفاق مع قوة تخصيب أخرى، لكن معظم المصدرين الآخرين للتكنولوجيا النووية، مثل كوريا الجنوبية، سيشترطون أيضاً فرض قيود على قدرات التخصيب لدى السعودية.
وفي حين أن شركة الطاقة النووية الروسية “روساتوم” قد تكون مستعدة للتخلي عن القيود الصارمة على التخصيب، فإن العقوبات الغربية ستجعل التعاون مع روسيا صعباً على المملكة.