المهندس سليم البطاينه
لقد تصدرت الدول العربية مؤشرات القياس العالمية في الفساد المالي والسياسي وانعدام الشفافية وغياب الحريات! وتصدرت المراتب السفلى في مؤشرات انهيار منظومة التربية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية.
في ١٩ ايار ٢٠٢٢ صدر مؤشر البؤس العالمي لسنة ٢٠٢٢ عن جامعة Johns Hopkins في الولايات المتحدة الامريكية (جامعة خاصة بحثية) فكانت النتيجة تبوء اربع دول عربية بجدارة رأس القائمة التي تضم ١٥٧ دولة،،،، حيث لم يغادر العرب مرة واحدة هذا المؤشر واحتلوا قمته مرات عديدة! على الرغم من ان جميع الدول العربية المذكورة في مؤشر البؤس العالمي قابعون على ثروات وتتوفر لهم مقومات اقتصادية تعطيهم الامكانية لتحقيق النمو المتوازن والتنمية المستدامة.
صحيحٌ ان الشعوب ليست كيانات قائمة بذاتها لها جسد واحد وعقل واحد! لكنها تُصاب بالاكتئاب كما يصاب الافراد! وتستحوذ عليها الامراض النفسية، شأنها شأن المريض النفسي المصاب بالاكتئاب،،، وهذا ما تثبته المشاهدة والواقع في البلاد العربية، وإن كانت ترفضه نظريات ومدارس علوم الاجتماع والسياسة.
المجتمع العربي للأسف بات مجتمعاً للفرجة، يفضل الصورة على الشيء، والنسخة على الاصل! والتمثيل على الواقع.
فلَو كانت هناك مراكز استطلاع صحيحة وقادرة على الوصول الى كافة الدول العربية ، لتبين لنا مدى الشعور بالقرف والاشمئزاز لدى المواطنين العرب، وإذا نزلنا الى الشارع في كثير من العواصم والمدن العربية واستطلعنا آراء الناس حول مسألة الاحباط والاكتئاب صبّت جميعها في خانة الايجاب ، ولشاهدنا عيون شاردة تاهت نظراتها من أصحابها و وجوه مُحبطة تملأ الشوارع ، وعقول مشتتة أرتسمت على ملامحهم الكآبة.
شعوب كثيرة تعرضت خلال العقود الماضية الى شبيه بالأزمات العربية الحاصلة حالياً ،، كقضايا سوء الحكم وما فيه من استبداد وفساد وغياب للحريات العامة ، فنصف القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين هي حقبة احتقار كثير من الحكام العرب لشعوبهم ! احتقار أودى بمقدرات هذه الشعوب،،، حيث سامها الذلة والهوان بين شعوب العالم! تبعه فقر بالثقافة والمعرفة وجهل وفقر بالمنطق والمنهج والسياسة وافلاس في الفكر السياسي قاد الى افلاس اقتصادي.
المؤشرات المتاحة امامنا تُؤكّد على أن العرب على باب الخروج من التاريخ، واصبحوا غير قادرين على اختيار حاضرهم ومستقبلهم! فهم يعيشون اليوم حالة ضياع واعياء شديد ، وسقوط في حالة وهرولة نحو المجهول، والوطن العربي غَدا خارج كل انهار التاريخ والجغرافيا ، وباتت الشعوب العربية مغرمة بالعودة الدائمة إلى خانة الصفر ،، لا تلوذ إلا بالأمس ولا تختبئ إلا في الذكريات ولا تُجيد إلا البكاء على الاطلال.
ومؤكّد أن الشعوب المكتئبة هي شعوب مخذولة من قبل قادتها ومثقفيها ونخبها وقادة الرأي فيها ، وخروجها من حالة الانتظار والانكسار واليأس والاحباط وفقدان الثقة والنفور السياسي والعزوف الانتخابي رهين بمدى قدرتها على تطهير الجسم السياسي العربي مما تسرب اليه من طفيليات.
وبالعودة الى مصطلح ( عايف التنكة ) فمعناه المجازي هو الفقر واليأس ! ولعلنا نحن العرب الوحيدين الذين يستعملون التنكة كوحدة قياس ابتداءً من تنكة زيت او سمن وعدس وبرغل وانتهاء بتنكة بؤس وفقر،،،، والمثل كان يقال لمن يصل به اليأس حداً لا يطاق فيرمي (الحديدة أو التنكة) التي كان غالبية المسرّحين من الخدمة يحملونها في رقابهم كي لا تضيع ايام (الحكم العثماني ) ، والتي بدونها لا يستطيع الشاب ان يمشي خطوة واحدة لأنه سيتم تجنيده مرة اخرى ! وهي بمثابة براءة ذمة أو وثيقة أنهاء الخدمة.
لغة مؤلمة في صراحتها؛ غالبية الشعوب العربية تعيش حالة انفصال عن انظمتها، جُلّهم منشغلون في البحث عن لقمة الخبز وعن فرص العمل ولم يعد يهمهم نظام الحكم ولا الحكومات ولا مجالس النواب،،، والامل بالتغير نحو المستقبل بالنسبة لهم أصبح محفوف بغياب اليقين والمجهول،،،، فأساليب الشيطنة السياسية لم تذخر جهداً في احباطهم وافقارهم وترسيخ فقدان الامل لديهم بالتغيير.
إن سوداوية المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي العربي ماثلة امام الأعين! وسؤال: ماذا يحدث في بلاد العرب لا يحتاج الى كثير من الجهد والعناء في البحث! لان البؤس العربي يبدأ من اللحظة التي يفقد فيها البوصلة في اتجاه مؤسسة السلطة المسؤولة ثم يتمدد في كل الاتجاهات عمودياً وافقياً.
هذا التشخيص الواقعي هو ما ينبغي لنا إدراكه،،، فلماذا لا نجرب ان نكتب الواقع دون الرجوع الى التاريخ؟ ولماذا لا نحاول الامساك بلحظات جديدة نبتكرها من الصفر وكأننا ولدنا اليوم.
تلك النظرة السوداوية مع الاسف هي خلاصة واقع عربي مهزوم وبليد! شعوبه مرهقة ومستنزفة هزمتها الأنظمة وشوّهت وعيها،،،، وهزمها الفقر والجوع والظلم وغياب الحريات.