يشتد الحصار القضائي على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مع تتالي الاتهامات الجنائية الموجهة له، وآخرها ما يتعلق بمحاولته عكس نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في العام 2020.
ومع توجيه ثالث اتهام لترامب في غضون أشهر قليلة، والذي يعد الأخطر مقارنة بالاتهامات السابقة نظراً لاتهامه بـ”التآمر ضد الدولة الأميركية”، تزداد الشكوك في قدرته على مواصلة حملته الانتخابية لرئاسيات 2024 من جهة، وأيضاً تضاؤل الآمال في بقائه خارج السجن، في حال ثبوت أي من هذه التهم عليه، وفقاً لمحاكمات جارية وأخرى مرتقبة من جهة أخرى.
ومع تراكم المواعيد المخصصة لجلسات المحاكمة في مختلف القضايا، فإن رحلة ترامب الانتخابية، المقرر أن تبدأ في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في 15 يناير/كانون الثاني المقبل في ولاية آيوا، قد تكون محفوفة بالمخاطر.
فالتضارب والتزامن في مواعيد الجلسات والحملة الانتخابية سيؤثران على الرئيس السابق، بما يمنح خصومه، سواء داخل الحزب الجمهوري أو الرئيس جو بايدن، حظوظاً أفضل.
محاولة تغيير نتائج الانتخابات الرئاسية
وفي آخر فصول مواجهة ترامب مع القضاء الأميركي، وجّه المدعي الخاص، المنتدب من وزارة العدل جاك سميث، مساء أول من أمس الثلاثاء، الاتهام لترامب، لمساعيه من أجل تغيير نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في العام 2020، وخسرها أمام الرئيس جو بايدن. واتهم سميث ترامب بـ”التآمر ضد الدولة الأميركية” وعرقلة إجراء رسمي وانتهاك الحقوق الانتخابية.
وجاء في لائحة الاتهام أن “المتهم، وعلى الرغم من هزيمته، كان مصمماً على البقاء في السلطة. لذلك، ولمدة تزيد عن شهرين بعد انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نشر المتهم أكاذيب حول وجود عمليات تزوير غيّرت النتيجة وحول أنه فاز بالفعل”.
يمثل ترامب اليوم أمام محكمة اتحادية في واشنطن
وأضافت لائحة الاتهام أن “هذه الادعاءات كانت كاذبة، والمتهم يعلم أنها كانت كاذبة. لكن المتهم كررها ونشرها على نطاق واسع رغم كل شيء”. وأتت لائحة الاتهام على ذكر ستة أشخاص آخرين متهمين أيضاً، من دون الكشف عن أسمائهم.
وبلهجة صارمة، قال سميث في مؤتمر صحافي، مساء أول من أمس الثلاثاء، إنه سيسعى إلى “محاكمة سريعة” لترامب، ومن المقرر أن يتمّ المثول الأولي للرئيس السابق، اليوم الخميس، أمام محكمة اتحادية في العاصمة واشنطن.
وشدّد سميث على أن هجوم أنصار ترامب على مبنى “كابيتول هيل”، مقر الكونغرس، في 6 يناير/كانون الثاني 2021 بعد أسابيع من التضليل، “شكّل هجوماً غير مسبوق على مقر الديمقراطية الأميركية”.
وأضاف سميث الذي أشرف على التحقيق في هذه القضية، أن الاقتحام “شجّعته أكاذيب من المتهم تهدف إلى عرقلة وظيفة أساسية للدولة الأميركية: “العملية التي تَجمع بها الأمة نتائج الانتخابات الرئاسية وتُحصي (الأصوات) وتُصادق على نتائج الانتخابات الرئاسية”.
والاتهامات الأخيرة هي الأخطر من بين تهم عدة أخرى، تُوجّه إلى ترامب لأنها تعني أنه خالف الدستور والقانون معاً، وارتكب فعلاً يضرب أساس النظام الديمقراطي لأميركا، أي الانتخابات، هو الذي يُلاحق في قضية تعامله مع وثائق مصنفة سرّية بعد مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير 2021، وقضيّة مدفوعات مشبوهة لممثلة أفلام إباحية سابقة.
وقبل إعلان سميث، توقع ترامب أول من أمس الثلاثاء، أن يتم توجيه اتهام جنائي جديد إليه. وفي منشور على منصته “تروث سوشال”، قال ترامب: “سمعتُ أن المختل جاك سميث، وبغية التدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، سيوجه اتهاماً زائفاً جديداً إلى رئيسكم المفضّل، أنا”.
تساءل ترامب: “لمَ لم يفعلوا ذلك قبل عامين ونصف عام، لمَ انتظروا كل هذه المدة؟”. وأضاف: “لأنهم أرادوا أن يحصل الأمر في منتصف حملتي”، مندّداً بـ”سوء سلوك الادعاء”. وشدّد ترامب على أنه لم يفعل “شيئاً خاطئاً، وتم توثيق طلبي (خلال الاقتحام) من الأميركيين بالتصرف بسلام وعدم اللجوء إلى العنف”.
وسبق لترامب أن أعلن منذ نحو أسبوعين، عن تلقيه رسالة من مدّعين أشاروا فيها إلى أنه من المرجح أن يوجَّه إليه اتهام جنائي، على خلفية اقتحام الكونغرس. ووصف ذلك في حينه، بـ”التدخل الفظيع في الانتخابات”، و”القرار اليائس من قبل بايدن الذي يتراجع في استطلاعات الرأي”.
ووفقاً لوكالة “بلومبيرغ” فإنه مع لائحة الاتهام الأخيرة لوزارة العدل، يواجه ترامب الآن 78 اتهاماً جنائياً في 3 قضايا، وإذا أدين ثم حكم عليه بأقصى مدة لكل تهمة، فسيقضي نظرياً 641 عاماً في السجن.
ومع ذلك، لا احتمال جدياً بحصول لذلك، إذ نادراً ما يفرض القضاة عقوبات قصوى، وكثيراً ما يسمحون للمتهمين بقضاء عقوبات بتهم متعددة في وقت واحد.
قائمة التهم والعقوبات ضد ترامب
لكن القائمة الطويلة من التهم والعقوبات تسلط الضوء على خطورة الموقف القانوني لترامب والوضع الاستثنائي الذي يواجه الأمة. في قضية التدخل برئاسيات 2020، يواجه ترامب 4 تهم قد تودي به إلى السجن 55 عاماً، وهي: عرقلة إجراء رسمي بشكل فاسد (20 سنة)، التآمر لعرقلة إجراء رسمي (20 سنة)، التآمر لتهديد أو قمع شخص يمارس حقاً دستورياً (10 سنوات)، التآمر للاحتيال على الولايات المتحدة (5 سنوات).
وفي قضية الوثائق السرية التي اتهم فيها أيضاً، يواجه ترامب 40 اتهاماً قد تضعه خلف القضبان لـ450 عاماً، وهي: 32 تهمة مرتبطة بالاحتفاظ بمعلومات متعلقة بالدفاع الوطني (10 سنوات لكل تهمة، أي 320 سنة)، التآمر لعرقلة العدالة (20 سنة)، حجب السجلات من إجراء رسمي (20 سنة)، إخفاء السجلات من إجراء رسمي (20 سنة)، إخفاء الوثائق عن المحققين الاتحاديين (20 سنة)، التخطيط لإخفاء الوثائق (5 سنوات)، الكذب على حكومة الولايات المتحدة (5 سنوات)، تغيير أو إتلاف أو إخفاء شيء تسعى إليه الحكومة (20 سنة)، تغيير أو تدمير أو إخفاء شيء تسعى إليه الحكومة بشكل فاسد (20 سنة).
وفي تزوير السجلات التجارية، المتعلقة بقضية دفع الأموال لممثلة إباحية، يواجه ترامب 34 اتهاماً جنائياً، مدة كل حكم فيها 4 سنوات، أي أنه قد يمضي 166 سنة في السجن في المجمل في هذه القضية.
ولا تتوقف قضايا ترامب عند هذا الحد، إذ تحقق المدعية العامة لمنطقة أتلانتا في ولاية جورجيا، فاني ويليس، في ما إذا كان ترامب قد انتهك القانون في محاولاته لتغيير نتائج تصويت الولاية في رئاسيات 2020.
وتعود تفاصيل القضية إلى 2 يناير 2021، حين حث ترامب وزير خارجية ولاية جورجيا براد رافنسبرغر على “إيجاد 11780 صوتاً”، أي أكثر بصوت واحد من هامش فوز بايدن في الولاية.
وأنهت هيئة محلفين كبرى عملها بتقديم تقرير إلى ويليس، التي تقول إن قرارها بشأن توجيه اتهامات سيتم الإعلان عنه قبل 1 سبتمبر/أيلول المقبل.
ويواجه ترامب أيضاً قضية الكاتبة إي جين كارول، التي اتهمته باغتصابها في غرفة تبديل الملابس في متجر في مانهاتن ـ نيويورك، في التسعينيات. وفي جلسة في 9 مايو/أيار الماضي، دانت هيئة المحلفين ترامب، وألزمته بدفع تعويض لها قيمته خمسة ملايين دولار.
وطلب ترامب إجراء محاكمة جديدة، أو تخفيض كبير في التعويض. ومن المقرر أيضاً أن تبدأ محاكمة ترامب في دعوى رفعتها كارول، متعلقة بحملة تشهير قام بها الرئيس السابق ضدها، على أن تبدأ المحاكمة في هذه القضية في يناير 2024.
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، دانت وحدتان من شركة الرئيس السابق العائلية “منظمة ترامب”، بالانخراط في مخطط للتهرب الضريبي لمدة 13 عاماً. ووجدت هيئة محلفين في مانهاتن أن الوحدتين مذنبتان في كل التهم الـ17، بما في ذلك الاحتيال والتآمر والاحتيال الضريبي الجنائي وتزوير السجلات التجارية. غير أنه لم يتم توجيه الاتهام إلى ترامب نفسه.
مع ذلك، لا يزال الملياردير الجمهوري يحتفظ بولاء جزء كبير من حزبه، فهو يُهيمن على استطلاعات الرأي لنيل ترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية، حتى أنه يوسّع الفجوة بينه وبين منافسه حاكم فلوريدا رون ديسانتيس الذي يُراكم العثرات منذ بداية حملته الانتخابية.
ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” ومؤشر “سيينا” استطلاعاً مشتركاً في 31 يوليو/تموز الماضي، جاء فيه أن ترامب نال 54 في المائة من أصوات الجمهوريين، فيما حصل ديسانتيس على 17 في المائة. في المقابل، ذكرت الصحيفة أن ترامب وبايدن متعادلان بنسبة 43 في المائة لكل منهما، في ظل واقع أن 14 في المائة من المستفتين لم يحسموا قرارهم بعد.
ووصف جمهوريون الاتهامات الجديدة ضد ترامب، بأنها مؤامرة متقنة لصرف انتباه الجمهور عن هانتر نجل الرئيس جو بايدن. وقال رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي إن وزارة العدل وجهت التهم لترامب الثلاثاء، لأن المشرعين في الكونغرس أجروا الاثنين الماضي، مقابلة مع ديفون آرتشر، الشريك التجاري السابق لهانتر بايدن.
ورأى مكارثي في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أنه “يمكن للجميع في أميركا أن يروا ما سيحدث بعد ذلك: محاولة وزارة العدل صرف الانتباه عن الأخبار ومهاجمة المرشح الأوفر حظا لترشيح الحزب الجمهوري، الرئيس ترامب”، متعهداً أن “يواصل الجمهوريون في مجلس النواب كشف الحقيقة حول شركة بايدن”.
من جهته، قال رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، الجمهوري جيمس كومر، مساء الثلاثاء، إن لائحة الاتهام ضد ترامب، هي إما لمنعه من الفوز في الانتخابات المقبلة أو لصرف الانتباه عن تحقيق لجنته (لجنة كومر) مع هانتر بايدن. وأضاف كومر في حديثٍ لـ”فوكس نيوز: “أعتقد أن الشعب الأميركي يرى ما يحدث، سواء في محاولة وزارة العدل تحويل الانتباه بعيداً عن فساد بايدن، أو محاولة القضاء على خصمهم السياسي الأول في الانتخابات المقبلة”.
إذا حُكم على ترامب بكل القضايا فيجب أن يُسجن 641 عاماً
غير أن بعض خصوم ترامب الجمهوريين تخلوا عنه، ومنهم نائبه السابق مايك بنس، الذي اعتبر مساء الثلاثاء، أن “أيّ شخص يضع نفسه فوق الدستور يجب ألا يكون أبداً رئيساً للولايات المتحدة”.
غير أن مسار ترامب الانتخابي لن ينتهي، إذ إنه وفقاً لأستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، ريتشارد إل هيسن، فإن ترامب هو المرشح الأوفر حظاً لنيل ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة لعام 2024.
قانونية استمرار ترامب بترشحه الرئاسي
ورداً على سؤال لقناة “سي أن أن” حول قانونية استمرار ترامب بترشحه الرئاسي، ثم احتمال فوزه، في ظلّ القضايا التي يواجهها، قال هيسن: “يحتوي الدستور على متطلبات قليلة جداً للعمل كرئيس، مثل أن يكون عمرك 35 عاماً على الأقل. ولا يمنع أي شخص متهم، أو مدان، أو حتى يمضي عقوبة في السجن، من الترشح للرئاسة والفوز بها”.
كما يناقش الجمهوريون فرضية سجن ترامب، وفوز مرشح بالرئاسة من صفوفهم، ما قد يطرح مسألة العفو عن ترامب في أي قضية قد يُسجن بسببها. وفي السياق، كشف المرشح الجمهوري فيفيك راماسوامي، أنه سيعفو عن ترامب في حال انتُخب رئيساً. ويُظهر هذا الموقف ضخامة ولاء القواعد الجمهورية لترامب، وهو ما وافق عليه محللون واستراتيجيون حزبيون في أحاديث لوكالة “رويترز”.
واتفق هؤلاء على أن اتهام ترامب في محاولة تغيير نتائج رئاسيات 2020، سيغذي مسيرته نحو نيل ترشيح الحزب الجمهوري لرئاسيات 2024 على الأرجح.
ورأى المحلل ستيوارت روتنبرغ، أن ترامب “سيحشد أنصاره حول كيف أن المؤسسة والدولة العميقة ضده وضدهم، لكنه توقع أن فوز ترامب بترشيح الجمهوريين قد يؤدي به إلى فقدانه أصوات المستقلين خلال مواجهة بايدن في 5 نوفمبر 2024، ما قد يعرّض الجمهوريين للهزيمة. كما أوضح الخبير الاستراتيجي الجمهوري جون فيهيري، أن “الإعلام سيركز على ترامب وقضاياه، ما قد يشيح الأنظار عن منافسيه داخل الحزب الجمهوري، ويطيح بحظوظ ديسانتيس، الضعيفة أصلاً”.