بتغيير موقفه من طلب انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 5 مكاسب تخص الاقتصاد ومكافحة الإرهاب والحصول على مقاتلات “إف-16” (إف-16) وإصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأخيرا استمرار العلاقة مع روسيا، لكن العملية تبدو بمثابة “سيف ذو حدين”، إذ ظهرت أنقرة كمثير للمشاكل داخل أكبر تكتل أمني في العالم، بحسب تقرير للصحفية مينيكس توكياي في مركز “أوراسيا ريفيو” للأبحاث (Eurasia review).
وعشية قمة “الناتو”، وإثر اتصالات وتصريحات غربية مكثفة، أعلن أردوغان مساء الإثنين موافقته على إحالة طلب عضوية السويد إلى البرلمان التركي للتصويت عليه، دون تحديد إطار زمني، وذلك بعد نحو عام من الامتناع عن تلك الخطوة، على خلفية اتهام أنقرة لستوكهولم بالتساهل مع أنشطة جماعات كردية معادية لتركيا، وخاصة حزب العمال الكردستاني (بي كا كا).
مينيكس رجحت، في التقرير الذي ترجمه “الخليج الجديد“، أن “إحياء العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا سيعزز الاقتصاد التركي، ويساعده على جذب الاستثمار الأجنبي ودعم احتياطيات البنك المركزي”.
ولفتت إلى أنه قبل القرار التركي، عقد أردوغان اجتماعا مع رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل، بحثا خلاله سبل إحياء التعاون وتنشيط العلاقات بين تركيا والاتحاد.
وأضافت أن أردوغان ربط سابقا الموافقة على عضوية السويد في “الناتو” بقبول الاتحاد الأوروبي لتركيا، المرشحة لعضوية الكتلة منذ عام 1999، والتي تم تجميد محادثات انضمامها منذ 2018 إثر خلافات في ملفات عديدة، كما تؤكد أنقرة أهمية تخفيف قواعد التأشيرات وتحديث اتفاقيات الاتحاد الجمركي.
ووفقا لمحلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رايان بول، فإن “تركيا تتمتع الآن بدعم كامل من ستوكهولم لتطلعاتها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي”.
و”في حين لم يكن هناك اختراق فيما يتعلق باستئناف محادثات الاتحاد الأوروبي مع تركيا، فقد وعدت ستوكهولم بدعم الجهود التركية للقيام بذلك، كما يبدو أن أردوغان حصل على وعود لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين تركيا والسويد”، بحسب مينيكس.
لكن بول ليفين، مدير معهد الدراسات التركية في جامعة ستوكهولم، لا يعتقد أن أنقرة تستطيع الاستفادة من انضمام السويد إلى “الناتو” لإجبار الاتحاد الأوروبي على استئناف مفاوضات الانضمام أو دفع تحديث الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات، فمثلا، لم تفِ أنقرة بعدد من معايير تحرير التأشيرات، وبينها إجراء تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب.
إف- 16
وقبل لقائه مع أردوغان الثلاثاء، أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن استعداده للتعاون مع تركيا في تعزيز الدفاع والردع في المنطقة الأوروبية – الأطلسية.
وبحسب مينيكس، فإن “إحدى أولويات أنقرة الرئيسية تتمثل في تحديث أسطولها من الطائرات المقاتلة “إف-16″ (F-16)، والذي طلبه أردوغان في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عبر صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لشراء 40 طائرة، بالإضافة إلى مجموعات تحديث لـ79 طائرة حربية تركية”.
وقال بول إن “خطوة تركيا تجاه عضوية السويد ستلقى استحسانا في واشنطن وستزيد من احتمالية إرسال البيت الأبيض لمشروع قانون بيع الطائرات إلى الكونجرس، وستظل هناك عقبات لدى أعضاء في الكونجرس بسبب مخاوف من سجل حقوق الإنسان في تركيا، لكن من المرجح أن يتغلب عليها البيت الأبيض، ويمكن التوصل إلى قرار خلال الأسبوع المقبل”.
ووفق ليفين، فإنه من المتوقع أن تتم صفقة الطائرات، معتبرا أن وعد بايدن بتعميق التعاون الدفاعي مع تركيا كان الشرط المسبق لحمل أردوغان على الموافقة على انضمام السويد للحلف.
وقريبا، ستقدم تركيا بروتوكول انضمام السويد إلى البرلمان التركي للتصويت عليه، لكن لم يتم الإعلان عن جدول زمني محدد لعضوية ستوكهولم، وسيبدأ البرلمان، الذي يمتلك تحالف بقيادة حزب أردوغان أغلبية فيه، عطلة قريبا، وفقا مينيكس.
“بي كا كا”
في قضية أخرى، قالت مينيكس إنه “لطالما اتهمت تركيا السويد بالسماح لحزب العمال الكردستاني المحظور (بي كا كا) بالعمل وجمع الأموال، وانتقدت ستوكهولم بسبب المظاهرات الأخيرة المعادية للإسلام، بما في ذلك حرق نسخة من القرآن”.
واستدركت: “على الرغم من هذه التحديات، تعاون البلدان لمعالجة مخاوف تركيا الأمنية، وعدلت السويد مؤخرا دستورها وشددت قوانينها الخاصة بمكافحة الإرهاب، واستأنفت تصدير الأسلحة إلى تركيا، كما تعاونت مع مسؤولي الأمن الأتراك لتعقب الأنشطة الإرهابية”.
واعتبر إمري كاليكان، الزميل الباحث في مركز السياسة الخارجية ومقره المملكة المتحدة، أن “هذا مثال نموذجي على قيادة أردوغان، فبالنسبة له العملية دائما ما تكون أكثر أهمية من النتيجة”.
كما اتفقت تركيا والسويد على إنشاء “آلية أمنية ثنائية” تجتمع سنويا لمتابعة تنفيذ القضايا المتفق عليها، إذ قدمت ستوكهولم خارطة طريق لجهودها المستمرة لمكافحة الإرهاب.
وتلك الآلية، وفقا لفين، هي “وسيلة لأنقرة كي تشعر براحة أكبر قليلا بشأن التزام السويد المستمر بالتعاون في جهود مكافحة الإرهاب”.
صادقة روسيا
وبحسب بول فإنه “من المرجح أن تحافظ تركيا على علاقة العمل الخاصة بها مع روسيا، مما قد يضع أنقرة في موقع خارج الناتو بمواجهته مع موسكو”.
ويتمسك أردوغان بتموضعه الاستراتيجي في “الناتو”، لكن يحافظ في الوقت نفسه على صداقة مفيدة مع روسيا التي تواجه عقوبات غربية قاسية على خلفية حربها المتواصلة في أوكرانيا، تبررها بأن خطط جارتها للانضمام إلى الحلف، بقيادة الولايات المتحدة، تهدد الأمن القومي الروسي.
وبالنسبة لفين، “اكتسب أردوغان موقعا في قلب شؤون توسيع “الناتو” مع ملحمة انضمام السويد، لكنه على المدى الطويل، أضر بمكانة تركيا داخل الحلف من خلال الظهور كمثير للمشاكل، وهذ سيف ذو حدين”.
وهدف أردغان، بحسب مينيكس، هو “إظهار أن تركيا جزء لا غنى عنه من النظام الغربي، ولكنه أرسل رسالة مفادها أننا لا نستسلم لكم، وقد أجبر القادة الغربيين، الذين رفضوا مقابلته من قبل، على الاتصال به”.