الرئيسية / أخبار / تنقيح وتعقيم سياسي … تغيير طبقة النبلاء السياسية ومراجعة حقيقية لترميم الرصيد الشعبي

تنقيح وتعقيم سياسي … تغيير طبقة النبلاء السياسية ومراجعة حقيقية لترميم الرصيد الشعبي

يُعرف عالم السياسة الأمريكي جابريل الموند (١٩١١ -٢٠٠٢)  Gabriel A. Almond أن التغيير يعطي النظام السياسي قوة جديدة قادرة على إحداث تغييرات واسعة على مستوى الهيكل السياسي المرتبط بالنظام ، بحيث ُيعاد توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة نفسها ، وإلى تحديد أدوار الجميع داخل النظام ،،، وهو تغير تكبح به مجموعات وأولغارشيات تتمتع بامتيازات كبيرة.

وفي عالم السياسة كما قال افلاطون ان هناك طحالب وطفيليات لا تطفوا على السطح إلا عندما تصل رائحة العفن الى الأنوف، والكاتب الجزائري مالك حداد يقول (إن الأصفار تدور حول نفسها).

تعالوا نتصارع أو نتحاور كيفما تُريدون، فضيق الصدر بالنقد يعكس أزمة بنيوية داخل الدولة! فلم نكن في يوم من الأيام أكثر حاجة إلى ثقافة تقوم على نقد ذاتها وسلوكيات أفرادها كما نحتاجه اليوم.

ولعلها المرة الأولى التي أكتب بها تحت تأثير الحماسة ،،،،،، فحتى الآن ومنذ سنوات طويلة لم نسمع عن مراجعات شاملة وهادئة تضع النقاط على الحروف في كل الشؤون المفصلية التي تؤرق الأردنيين على مستقبلهم،،، لتقييم مرحلة انتهت بخزائن فارغة وتعليم رديء وصحة مريضة وتفشي للفقر والبطالة بحيث صار منتهى أحلام شبابنا هو الهجرة وترك البلد،، فتحقيق تلك المراجعات يتطلب الجرأة السياسية واستخلاص العبر من سنوات سابقة.

اليوم تسود الشارع الاردني رغبة في التغيير، ويكفي أن تسأل بائع خضار على بسطة لتتلقى الإجابة على ذلك خلال ثوانٍ ومعها ابتسامة مجانية! ولا داعي أن تُثقل عليه بسيل من الاستفسارات فوقته ثمين يُصارع فيه يومه لتأمين لقمة عيش عائلته.

القناعة بأن التغيير غاية متجددة وضرورية وليس اختيارياً لإعادة ضبط السلوك السياسي للدولة، والتخلي عن سياسة تمييع الحياة العامة، وإنهاء حالة التذمر والاحتقان والإحباط التي بلغت أقصى درجاتها،،، لخلق تغيير واسع وشامل في المفاهيم والمدارك للانعتاق من واقع غير مريح لفتح ثقب يتسرب منه الهواء إلى الفضاء العام المخنوق والمُكتئب.

فاستطلاعات الرأي الشعبية تُظهر أن غالبية الأردنيين لا يثقون في المؤسسات السياسية والتشريعية، والرغبة لديهم جامحة في تغيير طبقة النبلاء السياسية المُتهالكة في بنيتها وفي خطابها وسلوكها،،، وهي بنظرهم طبقة هشة لا حول لها ولا قوة، ومتمسكة بالجهل، وعاجزة عن رؤية الصواب وإدراك الحكمة،،، وضيعت الكثير من الفرص لإعادة صياغة مركز القرار الأردني.

وما يجري من تشبث وتدوير للمناصب لا يبعث على التفاؤل مع إصرار البعض على رهانات أثبتت فشلها في الماضي القريب،،ولأن المصداقية تُبنى بالتراكم فقد الأردنيين ثقتهم بغالبية الطبقة السياسية الحالية، وبات من المزعج بقاء ذات الوجوه وذات الأسماء الذين يأكلون على كل الموائد ويشبهون قطعة الجلي في مواقفهم،،، تلك الأسماء التي لا تُجيد قراءة أي شيء ولا تُجيد قراءة الماضي، وتُعاني من أمراض السمع والبصر.

بالتأكيد نحن لا نُنكر وجود بعض من الشخصيات والرموز والكفاءات داخل السيستم، لكن عدم التدقيق في اختيار الأسماء عزز غياب الثقة،،، فالثقة السياسية بناء علائقي تزداد بالشفافية والإصلاحات،،،، ولعل الاستمرار بنهج سياسة مشروعية الواقع صار أمراً ملحوظاً وتقليد متوارث في عدم تغيير الواقع … نفس اللاعبون ُيعاود إنتاجهم من فترة لأخرى، الأمر الذي يحتّم جّدية التوقف عن فرض شخصيات وفاعلين رديئين جرّبت الفشل ونالت رفض الأردنيين لها.

والتعويل على فئة معينة لا تفعله إلا بلد قاصرة سياسياً، فلا يجوز لنا اختزال المشهد السياسي والتسليم أنه لا حل لمشاكلنا إلا من خلال مجموعة محددة من الأشخاص وكأنها منزلة من السماء، والإيحاء أنهم صفوة القوم في طول البلاد وعرضها.

كل ذلك يقودنا أن نتساءل: هل نحن قادرون على صنع التغيير؟ وهل التغيير في الأردن ممنوع؟ ومن الذي يمنعه؟ وماذا تحتاجه الأردن للنهوض من كبوتها؟ وعما تتطلب للاستيقاظ من غفوتها؟ ومن يتحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاعنا؟ وهل الساحة السياسية إقليمياً وعالمياً ما زالت كما كانت عليه من قبل؟

نعم، لكل تغيير ثمن، فكلما ارتفعت طموحات الناس كان التغيير مطلوب، فهو يُسهم في تعزيز الاستقرار السياسي واستدامته،،، وعلينا أن نجري تغييرات في صيغة السياسات، وأن نتجرد من النفعية والزبائنية وفردانية الرأي ، وأن نُصحح المشهد ونجدد الدماء للعودة من رحلة التيه لإنهاء حالة خلط الادوار، وعلاج متلازمة اللاوعي واللاعقلانية ،،، وأن نبدأ بالتخطيط للمستقبل بشكل مختلف ، ونتعمق بصيانة العلاقات مع كثير من الدول لضمان تعدد الخيارات.

إننا نعيش أسوأ حالاتنا الاقتصادية والاجتماعية و السياسية والسبب فقدان المشروع العام للدولة، فالناظر إلى حالنا اليوم يقول : ما أحوجنا إلى نشوء طاقم سياسي واستشاري يتصف بالحكمة ونكران الذات ، مختص لديه احترافية لمعايير العمل السياسي ، إضافة الى ضرورة وجود جماعة (مخزن الفكر) المعمول بها في البلدان المتقدمة ليقدموا لصاحب الشأن الاستشارة والرأي الموضوعي الحصيف في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،،،، يقابله جهاز إعلامي يتميز بفكر استراتيجي يملك رؤية … .وهوية وطنية شاملة ولديه القدرة على الإقناع والتأثير في الرأي العام.

يبدو أن السباق ما زال مزدحم بالمتسابقين والفاشلين والمظليين،،،، والسؤال الذي طرحناه ونطرحه، وسنطرحه، وسيطرحنا أرضاً هو: كيف لنا أن نُصدق أن الأوراق القديمة ستصنع لنا أردن جديد؟

فالقضية هنا ليست ردات فعل لحدث هنا وحدث هناك، بل قضية لتغيير شامل للتجارب الفاشلة في الاختيارات.

كنت اتمنى ان اجامل ولو قليلاً! ففي كل نقاش اقتصادي أتفاجأ بضحالة فهم المسؤولين! فمن يديرون هذا الملف ينتقلون من فشل لأخر،،، فلا زلت أتذكر نقاشي مع وزيرين سابقين عن الملف الاقتصادي: صُعقت حينها أن أحدهم لا يفرق بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية! ولا يفهم معنى اقتصاد الدولة!! أما الوزير الآخر وللأسف يجهل اختلاف التضخم من ارتفاع السلع والخدمات!! والمشكلة الأدهى أنهم يفهمون الاقتصاد على أنه تجارة وربح وخسارة.

واقعنا ليس وليد اللحظة، ولم يكن مجرد حدث عابر أو مصادفة، بل هو من صُنع منظومة فكرت وخططت فقط لمصالحها، وكرست جهودها للاستحواذ على النفوذ والمال من خلال العمل في السياسة التي يجهلون أبسط مبادئها وسلوكها،،،، فقد فرطنا بالكثيرين من أهل النزاهة والفكر وتخلينا عنهم! والمراحل السابقة لم تُنجب لنا سوى فرسان دون احصنة ودون سيوف! مرتبكة ومهزوزة! وإن استطاعت أن تدير اللعبة لفترات طويلة لكنها أخفقت في المد الزمني.

الاردن للجميع هكذا بدأ وهكذا سيستمر، وأردن اليوم لم يعد يحتمل أوركسترا تعزف أكثر من لحن! فتجربة الحكومات كلها تُشير إلى محدودية السلطات خارج الدولة العميقة،،، فالحكومات لم تعد تحكم! ومجلس النواب لم يعد مكاناً للتشريع، وجميع الاتفاقيات ضلت طريقها الى مجلس النواب وأُبرمت سراً ولم تمرر على مؤسسات الدولة الدستورية مثل (اتفاقية الغاز، واتفاقية جدولة ديون الاردن مع نادي باريس عام ٢٠٠٨، واتفاقية الكازينو الشهيرة عام ٢٠٠٧ التي شكلت بوقتها فضيحة مدوية لحكومة البخيت حين انتشر خبرها وعُلم أمرها، والاتفاقية الدفاعية العسكرية مع أمريكا) ،،،، فإذا كانت اتفاقية السلام التي تعد الاكثر جدلاً تم عرضها على مجلس النواب … ماذا بعد؟