يعقد وزراء خارجية جامعة الدول العربية، في القاهرة اليوم الأحد، اجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء الخارجية، لمناقشة الملف السوري، مع بقاء أقل من أسبوعين على موعد القمة العربية في مدينة جدة السعودية في 19 مايو/أيار الحالي.
ويبدو أن اجتماع اليوم سيكون حاسماً لتحديد عودة سورية لشغل مقعدها الشاغر منذ نحو 12 سنة في اجتماعات الجامعة، لا سيما على مستوى الزعماء والقادة العرب. وتزايدت في الآونة الأخيرة احتمالات عودة سورية للجامعة، في ظل حراك عربي للتواصل مع النظام في دمشق، بعد القطيعة التي خلفها قمعه للحراك المعارض لاستمرار حكم بشار الأسد.
وكانت الجامعة العربية جمدت عضوية دمشق فيها، في اجتماع طارئ دعت له على مستوى وزراء الخارجية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، بموافقة 18 دولة، في حين اعترضت ثلاث دول هي سورية ولبنان واليمن، وامتنع العراق عن التصويت.
وفرضت عليه يومها عقوبات سياسية واقتصادية، بسبب عنفه المفرط ضد المتظاهرين. واشترطت على دمشق حينها، التعهد بالتنفيذ الكامل لخطة العمل العربية المطروحة في ذلك الوقت لحل الأزمة السورية.
وأكد المتحدث باسم الأمين العام للجامعة، جمال رشدي، في اتصال مع “العربي الجديد” الدعوة للاجتماع اليوم، قائلاً إن الدعوة له جاءت من قبل الأردن والسعودية ومصر والعراق.
اجتماع لحسم قرار عودة سورية للجامعة
وحول ما إذا كان موضوع عودة سورية للجامعة لشغل مقعدها في القمة العربية المقبلة في جدة، سيكون ضمن بنود اجتماع وزراء الخارجية، قال رشدي إن “الاجتماع الوزاري (اليوم) الأحد هو ما سيحسم هذه المسألة”، مضيفاً: “لهذا يعقد الاجتماع من الأصل”. وأوضح أن الاجتماع عنوانه “بحث تطورات الأزمة السورية بما فيها مسألة العودة للجامعة”.
وحول الآلية المتبعة لعودة سورية للجامعة وفق القواعد المتبعة فيها، في حال الذهاب نحو هذا الخيار، قال رشدي إن “القضايا في الجامعة تتخذ بالتوافق، وإذا تعذر التوافق يتم اللجوء في حالات محدودة للتصويت”، لافتاً إلى أن “الأصل هو بلورة توافق، وإذا كانت هناك دولة أو دولتان غير موافقتين، تتحفظان”.
ومنذ زيارة وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إلى جدة، في إبريل/نيسان الماضي، ولقائه بنظيره السعودي فيصل بن فرحان، والذي مثل خرقاً في القطيعة بين دمشق والرياض، ومن ثم الاجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون مع وزراء كل من الأردن ومصر والعراق، في جدة أيضاً، بدت النوايا العربية أكثر وضوحاً لإعادة احتواء النظام السوري في جامعة الدول العربية.
وفي حين كان اجتماع عمان الخماسي (الأردن، السعودية، العراق، مصر، سورية)، الذي نتج عن اجتماع جدة الوزاري، الهادف إلى بلورة مبادرة عربية طرحها الأردن، وتقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، قد أكد تفعيل المبادرة وتشكيل لجان لمتابعة تنفيذها مع دمشق بحضور وزير خارجية الأسد، فمن الوارد أن تطرح تلك المبادرة في الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول الجامعة، لمحاولة نيل إجماع عربي في المضي فيها، عوضاً عن إبقائها إقليمية، بين عدد محدود من أعضاء الجامعة.
وكان الأردن أشار قبل طرح المبادرة في اجتماع جدة، واعتمادها في اجتماع عمان، إلى أنه عرضها على عواصم أوروبية وأطلع واشنطن عليها، وهذا ما سيجعل التقارب مع النظام عربياً، لا سيما في الجامعة، مضبوطاً ببعض المحاذير الغربية، لا سيما تطبيق أطر الحل السياسي وفق المرجعيات الأممية.
وفي هذا الإطار، قالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان أمس الأول، إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تحدث مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن سبل المضي قدماً في سورية. ونقلت الخارجية عن الوزير قوله: “أعدت التأكيد على دعم الولايات المتحدة لقرار مجلس الأمن رقم 2254، باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع، وأكدت موقفنا ضد التطبيع مع نظام الأسد”.
تعويم النظام لن يكون مجانياً
والواضح من خلال تصريحات بلينكن واتصاله بالصفدي، الإشارة إلى مراقبة الولايات المتحدة للتقارب العربي مع النظام، وأن أي تعويم له، حتى على المستوى الإقليمي، لن يكون مجانياً، إن لم يقترن بخطوات ملموسة من النظام، وإبقاء صيغ الحل وفقاً للمرجعيات الأممية.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط قال، في حوار تلفزيوني، الأربعاء الماضي، رداً على سؤال حول سورية وإمكانية عودتها للجامعة، إنه تلقى اتصالاً هاتفياً من الصفدي بشأن الاجتماع الوزاري الذي عقد في عمان أخيراً، وأطلعه على أهدافه ونتائجه. وأوضح أنه يحق لمجموعة دول عربية أن تجتمع لمناقشة أمر ما يشغلها، معرباً عن اعتقاده بأن شغل المقعد السوري في الجامعة العربية سيستغرق وقتاً طويلاً، وخطوات متدرجة.
وأوضح أبو الغيط أن آلية عودة سورية للجامعة العربية لها سياق قانوني محدد في ميثاق الجامعة، بأنه يحق لدولة، أو مجموعة دول، المطالبة بمناقشة موضوع عودة سورية لشغل مقعدها في الجامعة العربية، خاصة وأنه لم يتم طردها من الجامعة، لكن تم تجميد عضويتها، أو تعليقها.
اعتراض على عودة سورية للجامعة
ويعترض عدد من الدول على عودة سورية للجامعة العربية، خصوصاً قطر، معللة ذلك بعدم إزالة الأسباب التي أدت لعزلها، أو تعليق عضويتها، فيما تصر مصر على تطبيق القرار 2254 للحل مقابل فتح الطريق أمام سورية للعودة للجامعة.
وتتشابه عمّان مع القاهرة في ذات الموقف، غير أن عمّان تريد انفتاحاً أكبر على النظام لتسهيل التواصل معه، وإقرار حل سياسي ربما يكون وسطياً، فيما يرفض المغرب، لأسباب تتعلق بدعم النظام للجزائر في ما يخص ملف الصحراء. كما ترفض الحكومة الشرعية في اليمن عودة النظام، بسبب حلفه مع إيران.
وبرأي القانوني والسياسي السوري، محمد صبرا، وهو كبير المفاوضين السابق في “هيئة التفاوض السورية”، فإن مسألة تجميد عضوية سورية في الجامعة، وحتى إعادة الأسد إليها، مسألة سياسية أكثر من كونها قانونية.
وقال صبرا، في حديث لـ”العربي الجديد”: في قمة الجزائر، عام 2005، تم تعديل آلية اتخاذ القرار في ميثاق الجامعة، حيث كانت القرارات تتخذ بالتوافق، أي موافقة جميع أعضاء الجامعة، أما التعديل الذي اعتمد في تلك القمة، فهو السماح باتخاذ القرارات في ما يتعلق بالقضايا الموضوعية بأغلبية الثلثين، أي من أصل أعضاء الجامعة البالغ عدد أعضائها 22 دولة. أما بالنسبة للقضايا الإجرائية، فيكفي التصويت بالنصف زائد واحد حتى يتم اعتماد القرار.
تجميد عضوية سورية بالغالبية
وأشار صبرا إلى أن “قرار تجميد عضوية سورية، تم اتخاذه بغالبية الأعضاء (18 دولة)، وهذا يعني أن القرار اتخذ بالأغلبية وليس بالإجماع“.
وأشار إلى أنه ورغم “التعديل الذي اتخذ في قمة الجزائر، إلا أنه جرت العادة داخل الجامعة أن تتخذ القرارات بالتوافق دون الاضطرار للتصويت، وهذا جزء من عرف أو عادة سياسية اتخذتها الجامعة”.
وقال صبرا إن “الجامعة لم تعلق عضوية النظام بسبب ارتكابه جرائم، أو لجوئه للعنف المفرط ضد السوريين فقط، وإنما اتخذ القرار بالأساس لأن بشار الأسد رفض خطة العمل العربية المشتركة لحل المسألة السورية، وبالتالي كان القرار يستند إلى أن الأسد كان يرفض تطبيق قرارات الجامعة، وبالتالي ميثاقها الذي ينص على حماية السلم الأهلي في الدول الأعضاء”.
وأضاف: “هنا، علينا كسوريين أن نسأل هل الجامعة تراجعت عن قراراتها، أم هل بشار الأسد وافق على الخطة العربية المشتركة لحل الأزمة السورية. نحن لدينا قرار واضح من الجامعة العربية يتعلق بطرح مبادرة سميت بخطة العمل العربية لحل الأزمة السورية، رفضها بشار الأسد، وبالتالي لا تزال أسباب التعليق قائمة. فحتى لو اتخذ قرار إعادة النظام للجامعة اليوم بالإجماع، إلا أن أسباب التعليق لا تزال موجودة”.
وحيال طرح عودة النظام اليوم إلى الجامعة، اعتبر صبرا أنه “منذ غزو العراق للكويت في العام 1990، وعجز الجامعة عن إيقاف الغزو، باتت الجامعة بحكم الميت سريرياً”.
وقال: “اليوم في حال اتخذ قرار إعادة الأسد ونظامه للجامعة، فذلك سيكون بمثابة وفاة نهائية لهذا الميت، لأن عدم احترام الميثاق والقرارات الصادرة عن هذه الجامعة، ورفض تطبيق القرارات من قبل دولة عضو فيها، ثم إعادة قبول هذا العضو المارق على كيان الجامعة ومؤسساتها، يعني أن الجامعة فقدت مصداقيتها، ووجودها القانوني والواقعي، ما يعني أنها فقدت وجودها بالكامل”.
وتابع: اتخاذ قرار إعادة سورية للجامعة لن يعني لنا كسوريين أي شي، فأسباب فقدان شرعية النظام حدثت ولا تزال قائمة، ونحن علينا أن ننسى (في حال اتخذ القرار) كياناً ننتمي إليه اسمه الجامعة العربية، ونبحث عن فضاء إقليمي ودولي للانتماء إليه.
وختم قائلاً: لا يُفترض أن يكون للقرار أثر علينا كسوريين، ولا على تطلعاتنا وأهدافنا في بناء نظام وطني ديمقراطي للبلاد، وبناء الدولة السورية القائمة على المواطنة والتداول السلمي للسلطة، وفق إرادة الشعب السوري، وليس وفق أي إرادة إقليمية أو دولية.