الرئيسية / أخبار / بعد لقاء وزيري الخارجية في بكين.. متى يزور رئيسي الرياض؟

بعد لقاء وزيري الخارجية في بكين.. متى يزور رئيسي الرياض؟

التقى وزيرا الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بكين صباح الخميس 6 أبريل/نيسان 2023، في لقاء هو الأول الذي يجمع – على طاولة واحدة – مسؤولين بهذا الحجم في البلدين منذ أكثر من 7 سنوات، حيث التقطت الكاميرات صورًا لهما وهما يتبادلان التحية قبل الجلوس إلى جوار بعضهما البعض حسبما بثت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا).

يأتي هذا اللقاء الذي وصفته وسائل إعلام بـ”النادر” تنفيذًا للاتفاق الدبلوماسي الذي رعته الصين الشهر الماضي لإنهاء الخلاف بين البلدين وإعادة فتح السفارات بينهما وطي صفحة الخصومة والعداء التي استمرت لسنوات طويلة، كما أشار إلى عقد وزيري الخارجية في البلدين اجتماعًا لتفعيل الاتفاق وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما خلال الشهر الحاليّ.

وفي 10 مارس/آذار 2023 أعلنت كل من السعودية وإيران والصين عن اتفاق لعودة العلاقات بين الرياض وطهران، وذلك بعد استضافة بكين جولة من المباحثات بين البلدين برئاسة مساعد بن محمد العيبان مستشار الأمن الوطني في المملكة، وعلي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، خلال الفترة من 6 – 10 مارس/آذار الماضي، وتعد تلك الجولة هي التاسعة في مسار التقارب بين الدولتين، فقد خاضتا خمس جولات من المفاوضات غير العلنية بوساطة عراقية خلال أبريل/نيسان – مايو/آيار 2022، ثم ثلاث جولات أخرى برعاية سلطنة عمان.

وتضمن الاتفاق المعلن الذي رعته الصين بحسب البيان المشترك قائمة من البنود أبرزها “استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهرين، وتأكيد احترامهما سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقّعة في 17 أبريل/نيسان 2001 والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في 27 مايو/أيار 1998” .

المؤشرات الأولية تذهب إلى أن هناك إصرارًا ورغبةً من الطرفين في تعزيز الاتفاق وترجمته إلى إجراءات عملية، وهو ما يتعارض مع ما يردده البعض من أن ما حدث لن يتجاوز الإعلان عن بنود فضفاضة يتم الترويج لها إعلاميًا دون تنفيذها عمليًا في ظل الملفات الساخنة التي تعرقل تلك النقلة المفاجئة من أقصى محطات الخصومة إلى أبعد نقطة في التقارب الدبلوماسي، ليبقى السؤال: ما الدوافع الملحة التي قادت طهران على وجه التحديد للتخلي عن سياستها العدائية المعروفة إزاء جيرانها ومحيطها الإقليمي؟ الأمر كذلك لدى المملكة التي ظل العداء لإيران مرتكزها القومي الأول طيلة السنوات الماضية الذي ساهم في تشكيل معظم خريطة تحالفاتها وتحركاتها في المنطقة؟

طهران.. الانفتاح على الخليج

البيان الصادر عن الوزيرين عقب اللقاء تضمن الاتفاق على إعادة فتح الممثليات خلال المدة المتفق عليها، والمضي قدمًا في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وقنصليتيهما العامتين في جدة ومشهد، بجانب “بحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما فی ذلك تأشیرة العمرة”.

وتتخذ طهران منذ وصول إبراهيم رئيسي للحكم في أغسطس/آب 2021 إستراتيجية مغايرة تمامًا لما كانت عليه إبان فترة حسن روحاني، حيث الانفتاح على دول الخليج خاصة السعودية والسعي لتخفيف حدة التوتر معها ومحاولة بناء علاقات قوية مع هذا التكتل النفطي الاقتصادي المؤثر في خريطة الاقتصاد العالمي.

وعزز من هذا التوجه تشديد الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على الإيرانيين وتضييق الخناق عليهم (بعض التقديرات تذهب إلى أن خسائر إيران من تلك العقوبات تجاوزت 150 مليار دولار) هذا بخلاف عرقلة الاتفاق النووي والانسحاب منه ووضع المزيد من التحديات والعقبات أمام مسار إنهائه، كذلك تقليم أظافر الحرس الثوري الإيراني – ذراع النفوذ الإيراني الخارجية – بتصنيفه كمنظمة إرهابية وتجفيف منابع تمويله التي تمثل العائدات النفطية عصبها الأساسي، فكل ذلك ساهم في اتساع الفجوة أكثر بين طهران وواشنطن على وجه التحديد، فضلًا عن توتير الأجواء مع أوروبا بصفة عامة التي تسير في ركب الأمريكان في التعاطي مع الملف الإيراني.

وأمام تلك الوضعية التي تهدد الاقتصاد الإيراني الذي ازداد تأزمًا بسبب جائحة كورونا (كوفيد 19)، لم يجد رئيسي ونظامه من سبيل لتعويض ذلك إلا بتبريد الأجواء مع الخليج، الذي يأمل الإيرانيون أن يكون البديل الجاهز لتعويضهم عن العقوبات الغربية، كما أن النفوذ الذي تتمتع به بلدان هذا التكتل الغني اقتصاديًا ربما يكون له تأثيره في إحياء الاتفاق النووي مرة أخرى، كخطوة أولى نحو رفع العقوبات.

ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فبراير/شباط 2022، وما أحدثته من تموضعات جيوسياسية في المنطقة، ولجوء طهران إلى التخندق رسميًا مع المعسكر الروسي، ازداد الوضع تأزمًا، وتحولت طهران إلى هدف رئيسي في مرمى الأمريكان والغرب وعقوباتهما القاسية، ومعهما الحليف الإسرائيلي الذي بدأ يناوش ببعض الهجمات على أهداف إيرانية داخل سوريا وداخل العمق الإيراني ذاته، إضافة إلى الهرولة لتدشين ناتو عربي شرق أوسطي في مواجهة طهران، وهو ما أضعف الموقف الإيراني الباحث عن قشة إنقاذ.

الاحتقان الشعبي الذي يعاني منه النظام الإيراني جراء الوضع الاقتصادي المتردي – والحقوقي والسياسي كذلك – الذي أسفر عن سقوط عشرات الضحايا جراء الصدام مع السلطة، والمطالبة لأول مرة بسقوط ولاية الفقيه وحكم المرشد، كان هو الآخر عامل ضغط قوي على حكومة رئيسي التي وجدت نفسها مضطرة للبحث عن انتصارات دبلوماسية يكون لها تداعياتها الاقتصادية الإيجابية بما يمتص الغليان الداخلي، وليس هناك أسرع من التطبيع مع الخليج لتحقيق تلك الأهداف.

ومن هنا بدأت الدفة الإيرانية تميل نحو التهدئة مع خصومها التقليديين، ففتحت قنوات اتصال مع المملكة عبر وسطاء عراقيين وعمانيين ومؤخرًا صينيين، كما طوت صفحة الخصومة الدبلوماسية مع الإمارات من خلال تعيين سفير لدى الإمارات (رضا عامري) للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بجانب تقارب محتمل مع البحرين خلال الأيام المقبلة، كذلك مع القاهرة.

السعودية وسياسة تصفير الأزمات

المقاربات التي قادت طهران لتطبيع العلاقات مع الرياض هي ذاتها التي قادت الدولة الخليجية للتخلي عن مرتكزها الأقدم والأعمق في توجهاتها الخارجية، فالصدمة التي تلقتها المملكة من الحليف الأمريكي الذي تراجع عن غطائه الأمني الذي كان يوفره للخليجيين طيلة السنوات الماضية، وانسحابه التدريجي من المنطقة، هذا بخلاف التصريحات السلبية الصادرة عن إدارتي دونالد ترامب وجو بايدن بشأن إعادة تقييم العلاقات مع السعودية والتعامل معها كـ”برميل نفط وخزانة اقتصادية” فقط، كل هذا كان دافعًا قويًا للسعوديين لإعادة النظر في بوصلة التوجهات والمواقف الخارجية.

تخلي الغرب عن دعم المملكة في حرب اليمن والتلويح بين الحين والآخر بوقف صفقات التسليح المقدمة للسعوديين، والتلاعب على أكثر من مسار معاكس للأمن القومي الخليجي، بعث برسالة قوية لحكومات المنطقة بأن الاعتماد على الأمريكان دون غيرهم مقامرة ربما تعرض أمن واستقرار بل واستمرار أنظمة الحكم الحاليّة للخطر، وليس هناك أدل على هذا الأمر من ذلك التصريح الصادر عن ترامب للعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز في 2018، حين قال له “لن تبقى بالسلطة أسبوعين دون دعمنا”.

الكلفة الاقتصادية الباهظة الذي دفعتها السعودية جراء صراعها مع إيران على أكثر من ملف (تقديرات تذهب إلى أكثر من 100 مليار دولار تكبدتها المملكة في اليمن فقط خلال السنوات الأخيرة) كانت عاملًا مهمًا في مسألة إعادة النظر وتقييم الأمور مرة أخرى، خاصة مع تفاقم تداعيات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم دون استثناء خلال الأعوام الثلاث الأخيرة.

ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية التي فرضت معادلة جديدة لصالح دول الخليج النفطية التي اتسع نفوذها بسبب مخزون الطاقة الذي تمتلكه وتتلاعب به مع الغرب الذي يعاني من عجز ونقص فادح في الوقود ومصادر الطاقة جراء تلك الحرب، ليُمنح الخليجيون فرصة على طبق من ذهب لرد الصاع للأمريكان مرتين، الأولى برفض ضغوط ومناشدات زيادة الإنتاج والالتزام بسياسة التخفيض التي أقرتها “أوبك +” والثانية التقارب مع المعسكر الشرقي لإحداث التوازن في العلاقات الخارجية لدول الخليج.

وأمام هذا الموقف وبلغة برغماتية بحتة ارتأت الرياض أن التهدئة مع الجميع هي السياسة الأفضل لها في الوقت الحاليّ، وأن سد معظم الثغرات التي تؤرق مضاجع وأمن السعوديين هو الحل المثالي – ولو كان مؤقتًا -، وعليه تبنت إستراتيجية تصفير الأزمات، التي بدأتها بالدوحة ثم أنقرة وصولًا إلى طهران.

بين التكتيك والتحول السياسي

ثمة تحديات تجعل من تلك الهرولة في سياسات طهران والرياض إزاء بعضهما البعض مثار جدل وتساؤل وترقب، وربما تشكيك من البعض، خاصة فيما يتعلق بمنطقية هذا التحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومدى صموده في مواجهة العراقيل والعقبات الموجودة بينهما في أكثر من ملف.

قد تكون الدوافع قوية، والتوجه البرغماتي غالب بعض الشيء، وربما كانت المحفزات أكثر تحريكًا للمياه الراكدة في مستنقع العلاقات المتوترة منذ عقود، لكن بالنظر إلى الخلفية الإيديولوجية لطهران على وجه التحديد يلاحظ أنها في المقام الأول قائمة على التفوق الإقليمي والبحث عن الريادة وسحب البساط من تحت أقدام عاصمة المسلمين السنية لصالح الأخرى الشيعية، وهو المعتقد الذي يسري بعروق ولاية الفقيه من المرشد إلى أصغر تابع.

وعليه جاء هذا التحول ليطرح الكثير من التساؤلات عما إذا كان تغيرًا جذريًا في توجهات طهران وسياستها حتى إن كان بشكل برغماتي، أم مجرد تحول تكتيكي لكسب المزيد من الوقت وكسر موجة الاستهداف الغربي وتوظيف الخليج كجسر قوي لتمرير الاتفاق النووي وإزالة شوكة العقوبات من ظهر الدولة الإسلامية، حتى إن كان المقابل بعض التراجع عن المواقف الثابتة كنوع من المغازلة وخطب ود السعوديين وإبداء حسن النوايا، كفرض تهدئة في اليمن وتغير نبرة الخطاب الإعلامي والسياسي وتبادل الزيارات وفتح قنوات اتصال بشأن بحث الموقف في الداخل السوري.

لا ثوابت في السياسة، وتندر الانقلابات المفاجئة في المواقف، فالأمر يحتاج إلى مسار طويل من إبداء حسن النوايا واختبار التوجهات والسلوكيات، قبل الحكم على هذا التحول، خاصة إن كان في الأيديولوجيات وليس مجرد السياسات العامة، وعليه فمن السابق لأوانه تقييم الاتفاق بين البلدين حتى إبداء كل طرف ما يطمئن به الآخر.

وفي سياق مساعي الطمأنة وترجمة بنود الاتفاق، يتوقع أن يزور الرئيس الإيراني السعودية خلال الأيام القادمة تلبية لدعوة العاهل السعودي بحسب نائب الرئيس الإيراني محمد مخبر الذي أوضح “إستراتيجية رئيسي منذ اليوم الأول لانتخابه رئيسًا للبلاد هي تلطيف ونمو العلاقات مع بلدان المنطقة” مؤكدًا أن التطورات التي شهدتها علاقات بلاده مع المملكة “ليست محض صدفة، بل خطط لها من قبل ويجب أن تصل إلى هذه المرحلة، إيجاد علاقات جيدة مع الدول المجاورة سياسة أساسية بالنسبة إلى الحكومة الإيرانية وهي تسير على هذا المسار”.

حتى كتابة تلك السطور، فإن المؤشرات الأولية تذهب باتجاه ترجمة الاتفاق إلى إجراءات عملية، وربما تُسرع زيارة رئيسي للمملكة – إن تمت – من وتيرة تلك الإجراءات التي ستظل محل تقييم واختبار في مواجهة قائمة التحديات الطويلة التي تتجاوز بطبيعة الحال الملفات البينية، السياسية والأيديولوجية، إلى ما هو أبعد من ذلك، كالمواقف الخارجية وفي المقدمة منها أمريكا و”إسرائيل” اللتين من الواضح أنهما لن يتركا شهر العسل هذا دون تدخل.. فهل يصمد الاتفاق؟