المهندس سليم البطاينه
لا أعرف لمَ الخجل بتكرار النفي عن توتر العلاقات بين عمان والرياض! فبالتأكيد أنها ليست في أحسن أحوالها، فهناك نوعٌ من عدم التوافق الواضح في وجهات النظر ما أدى إلى حدوث تنافر ومناكفات في قضايا مهمة معظمها إقليمية.
فالمطبخ السياسي الأردني لا زال يحرص على عدم تطور البرود في العلاقة مع الرياض، وإن نجحت عمان والرياض بشكل رسمي في إخفاء هذا التوتر وعدم الحديث عنه، لكن الخوف يكمن في اتساع دائرة الاستعصاء وتعمقها وتعقدها بمرور الأيام وأن يصبح الزمن عنصرا أساسياً من عناصر التأزيم، وان يتحول العامل الزمني إلى وقود إضافي يغذي الأزمات.
والأزمة المُخبئة تحت الرمال أو النيران التي تحت الرماد تؤكدها إشارات عديدة منذ مدة ولم تعد صامتة بفضل ما رشح عنها من معلومات ومؤشرات تُرجم بعضٌ منها في سياق اقتصادي، وكان واضحاً أن هنالك تحولاً نوعياً في الخطاب الإعلامي والسياسي وحدوث تغير في المفردات المستعملة.
حيث تكشف الأزمة أن العلاقات بين العاصمتين باتت علاقات برغماتية بقدر أكبر من أنها استراتيجية، إذ من الصعب التكهن بمستقبل تلك العلاقات وما إذا كانت ستتصاعد إلى مستويات أكبر وتتفاقم أم أنها ستتوقف عند هذا الحد حفاظاً على الأرضية المشتركة بينهما لمواجهة حزمة من الملفات التي تجبر الطرفين على عدم توسعة الهوة بينهما خاصة في ظل التوترات العالمية الكبرى.
ويرى الضابط في جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية (Bruce Riedel ) ، والذي يعمل حالياً مع معهد بروكينجز للدراسات الاستراتيجية (Brookings Institution ) أن الرياض أرسلت منذ سنوات عدة إشارات إلى عمان تدل على توتر علاقاتها مع جارتها الشمالية منها رفض الأردن إرسال قوات للمشاركة في حرب اليمن، واعتراض الأردن على حصار قطر، وملف الإخوان المسلمين في الأردن والذي ترى عمان أنه لا يشكل أية خطورة داخل الإقليم ، والموضوع الآخر الذي كانت له أهمية قصوى هو زيارة وزير الخارجية السعودي ومعه مدير المخابرات السعودية ومدير مكتب ولي العهد السعودي للإفراج عن باسم عوض الله، ناهيك بتصريح وزير المالية السعودي في مؤتمر دافوس الأخير ( ١٨ يناير ٢٠٢٣ )، وإن لم يذكر صراحة دولة بعينها حين ألمح إلى شروط تقديم المساعدات السعودية وأسس منحها.
وأكد Bruce Riedel أن الرياض تريد سلاماً مع تل أبيب مختلفاً عن الاتفاق الابراهيمي، فهي أي السعودية لا تبحث عن سلام سريع ورخيص، وأن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل تحاولان عبر صفقة القرن تعزيز نفوذ السعودية في القدس. وهذا التنافس الإقليمي على زيادة النفوذ في المدينة المقدسة يأخذ إبعاداً متعددة منها ما هو ديني وأخر سياسي يرتبط بصورة وثيقة بحالة الاستقطاب الإقليمي الحاصلة في المنطقة بين الدول والمحاور المتعارضة، وأن هناك أحداثاً أخرى متعاقبة زادت من حدة الاختلاف حول ملفات كثيرة جديدة منها ملف باسم عوض الله، إذ ألمح الأردن إلى رغبته في ايجاد مخرج قانوني وسياسي وإنساني للإفراج عنه.
الأردن يدرك وعلى لسان جلالة الملك عبدالله الثاني والمسؤولين المعنيين ان المملكة العربية السعودية هي العمق الاستراتيجي وهي اللاعب المُهم في الإقليم، وإذا كانت السعودية بخير فالأردن بخير، والسعودية ترى أن الأردن مهم جداً بالنسبة لها كواجهة اقتصادية واستثمارية، ولطالما أعلنت الرياض أنه ليس لديها مصلحة في زعزعة استقرار الأردن حليفها الإقليمي.
الأزمة بين العاصمتين لم تصل إلى درجة القطيعة لأن ذلك من باب المحال، وقد تشهد نوعا من تصاعد التوتر أو هبوطه وفق المعطيات الإقليمية والدولية، فقد كان للبلدين مواقف متطابقة في الكثير من الأزمات التي عصفت في الإقليم خصوصاً في النصف الثاني من القرن العشرين (في الكويت عام ١٩٦١، وبعد الأزمة اليمنية عام ١٩٦٢).
والسعودية تحتضن ما يزيد عن ٤٥٠ ألف من العمالة الأردنية، وهي الدولة العربية الوحيدة التي وفت بالتزاماتها تجاه الأردن ابتداء من عام ١٩٥٧ عقب انتهاء المعاهدة البريطانية – الأردنية (توقيع اتفاقية المعونة العربية) وحتى يومنا هذا مرورا بموجة الربيع العربي.
إن تحليل التوتر الراهن للأزمة بين عمان والرياض يبين أن هناك عواملا اقتصادية وسياسية وأمنية ذات أبعاد جيوبوليتيكية، إضافة الى متغيرات شهدها هيكل النظام العالمي من حيث ترتيب الفاعلين فيه، ما أدى الى حدوث تغيرات مفاجئة في أدوار القوى الإقليمية في المنطقة.
عمليا لم تشهد علاقات عمان والرياض هذا القدر من التوتر منذُ زمن طويل على الرغم التزامها لغة الدبلوماسية خشية انزلاقها نحو أزمات عميقة، وحرص الطرفين على إبقائها ضمن مستوى معين من تفاهمات الحد الأدنى وعدم التمادي في تصعيد الخلاف.
حدنا في الأردن نعيش عالم الافتراضات! وعلينا ان نتعلم من دروس الماضي دون أن تُشكل هذه الدروس قيداً علينا. فكلما عُرضت أزمة واستعرت، ثم مضت أو استقرت وتفرعت، عاد السؤال الذي لا يمكن تجاهله: هل نحن بمستوى الحدث أم لا؟ والجواب يكمن في مستوى الحاجة الوطنية الى مسار سياسي واضح ترسم ملامحه وتوجهاته قدرة صانعي القرار السياسي على احتواء الأزمة، فنحن نستعد في أحيان كثيرة لمواجهة أزمات الماضي، ولعل الأمر الوحيد الذي نعرفه على وجه اليقين هو أن ثمة أزمات وخلافات أخرى ستقع ستختلف عن تلك التي نشهدها حالياً.
نائب أردني سابق