أصدرت وزارة الخزانة الأميركية توجيهات لضمان تفعيل “السقف السعري” للنفط الروسي، مع التركيز على الوثائق التي يحتاجها القطاع الخاص للامتثال للتوجيهات، وقد تتسبب هذه التوجيهات الجديدة في تصعيد كبير بأزمة الطاقة في حال قررت موسكو تقييد صادرات النفط.
وفي التوجيهات المنشورة في 9 سبتمبر/أيلول، هددت وزارة الخزانة الأمريكية بمعاقبة الكيانات التي تتجاهل “السقف السعري” (الذي توافقت عليه مجموعة الدول السبع) وحظر التأمين الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على سفن تصدير النفط الروسي. وأوضحت التوجيهات الخطوات والوثائق اللازمة لإظهار الامتثال للسقف السعري.
وتأمل وزارة الخزانة الأمريكية أن تسهل هذه التوجيهات نقل النفط الروسي في نطاق السقف السعري وأن تتجنب في الوقت ذاته الوقوع في أزمة مع الشركات والمؤسسات المرتبطة بنقل النفط الروسي.
ومن خلال هذه التوجيهات، تحاول الولايات المتحدة إظهار استعدادها لاستخدام العقوبات ضد الشركات التي تستخدم خدمات التأمين الغربية ولكنها لا تلتزم بالسقف السعري.
وبالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، فإن مسألة السقف السعري بنفس أهمية ضمان ألا يؤدي حظر التأمين على سفن الشحن إلى إيقاف النفط الروسي تمامًا وسط أزمة الطاقة المتزايدة في الغرب.
ويعتبر القطاع المالي الأوروبي – والقطاع المالي في لندن على وجه الخصوص – أمرًا بالغ الأهمية لصناعة الشحن العالمية لأنه يوفر التأمين على حركة المرور البحرية.
وبالرغم أن حظر التأمين لا يغطي سوى الاتحاد الأوروبي، يخشى الكثيرون أن يعطل بشدة قدرة موسكو على شحن النفط إلى البلدان الثالثة؛ لأن منظمة التأمين اللندنية “بي أند آي كلوبس” تملك قرابة 90% من شركات التأمين المؤمنة على الملاحة البحرية، ولأن العديد من عملاء روسيا الآسيويين يعتمدون في تأمينهم على المؤسسات المالية التابعة للمنظمة.
ولذلك، إذا تم تنفيذ حظر التأمين كما هو مكتوب، فإن ذلك يهدد بتعطيل شحنات النفط الروسية بشكل كبير خارج الدول الغربية، بالنظر إلى الحجم المحدود للصناعة المالية غير الغربية ومحدودية عدد الناقلات غير الغربية.
مخاوف من قفزة لسعر النفط
وتريد مجموعة الدول السبع من قرار “السقف السعري” خفض أسعار النفط الخام عالميا، من خلال توفير نفط روسي بسعر مخفض لصالح المستهلكين، وهي مسألة ربما ليست الأهم من المسألة الثانية.
المسألة الثانية تتمثل في الضغط ماليا على موسكو، التي تتخذ من أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم، مصدر دخل رئيس، وقناة لتمويل الحرب ضد أوكرانيا. لكن رحلة إقرار السعر ما تزال طويلة، إذ يتعين على القوى السبع إقناع أكبر مستهلكي النفط الخام الروسي، وهما الصين والهند، اللتين لم تلمحا إلى أية موافقة على الخطة الغربية.
الصين هي أكبر مستورد للنفط الخام الروسي بأكثر من مليون برميل يوميا، وكذا الأمر بالنسبة للهند، وهما قبل هذه الخطة، مستفيدتان من خصومات موسكو على مشترياتهما.
روسيا بدورها، صرحت علانية أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام محاولات دول الغرب تحديد سقف لنفطها، ما قد يكون أحد الخيارات أمام الكرملين، حظر تصدير الخام الروسي لإشعال الأسواق بأسعار مرتفعة.
علاوة على ذلك، تعد الصين والهند من البلدان الكبيرة بما يكفي لجعل حكوماتها مستعدة لدعم تأمين الشحن جزئيًا، أو الضغط على شركاتها التي تشتري النفط الروسي لاستخدام شركات التأمين غير الغربية.
استوردت الصين والهند إجماليًا حوالي 1.85 مليون برميل يوميًا من النفط الروسي الخام في يوليو/تموز 2022 – أو حوالي 40% من إجمالي صادرات روسيا – ولكن قد يكون هذا الحد الأقصى لما يمكنهم تحمله وتكريره. سيؤدي ذلك إلى جعل المبيعات الروسية للدول غير الغربية الأصغر- بما في ذلك فيتنام وإندونيسيا وباكستان وتركيا – أكثر أهمية بالنسبة لموسكو بمجرد تطبيق السقف السعري.
ولا تتمتع هذه البلدان الأصغر بنفس القدرة على التدخل ودعم تغطية التأمين، وقد يؤدي ذلك إلى إذعان بعض شركاتها للسقف السعري أو محاولة استغلال هذا القرار للتفاوض على خصومات كبيرة من روسيا.
الانتقام الروسي مرجح
إذا أدى السقف السعري الذي توافقت عليه مجموعة السبع للحد من إيرادات روسيا من النفط – إما بسبب السقف السعري نفسه أو الخصومات المتفاوض عليها – فستصبح موسكو أكثر استعدادًا لتقييد صادرات النفط لرفع الإيرادات وإثارة الأزمات الاقتصادية في الغرب.
بعد ساعات قليلة من إعلان مجموعة السبع أنها ستستمر في مسألة السقف السعري، أعلنت شركة “غازبروم” المصدرة للغاز الطبيعي الروسي عن تعليق تدفق الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1” – الذي يوفر الغاز إلى أعضاء مجموعة السبع – إلى أجل غير مسمى.
ويدل ذلك على استعداد موسكو لقطع تدفقات الطاقة، كما يمنح مصداقية لتهديد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بقطع صادرات النفط إلى البلدان التي ترضخ للسقف السعري.
ومن المحتمل أن تقطع روسيا صادرات النفط إلى البلدان المستعدة لشرائه بالسقف السعري فقط، ومن المرجح أن تبيع النفط للبلدان التي تتفاوض على خصومات كبيرة أعلى من السقف، للحفاظ على تدفقات إيرادات النفط الضرورية.
ويبقى أن نرى الحجم الذي ستكون عليه هذه السوق، فمن غير الواضح ما إذا كانت الشركات في البلدان الأصغر ستجد تغطية تأمينية بديلة وناقلات كافية لنقل النفط دون تغطية غربية. وإذا كان السوق صغيرًا، فقد تعجز روسيا عن بيع جزء كبير من صادراتها من النفط الخام البالغة 4 ملايين إلى 5 ملايين برميل بسعر يفوق السقف السعري.
وإذا حدث ذلك، فربما لن تقوم روسيا بتصدير هذا النفط، مما قد يعيد الأسعار إلى أكثر من 100 دولار أو 120 دولارًا للبرميل، وربما أعلى بكثير.