اسيا العتروس
في الوقت الذي بدأت لغة الارقام تؤشر الى تراجع مخاطر جائحة كورونا التي جرفت حتى الان ستة ملايين من الضحايا في مختلف انحاء العالم , و في الوقت الذي بدا العالم و كأنه يتجه نحو استعادة بعض انفاسه والخروج من نفق التداعيات الخانقة للفيروس الذي ضرب مختلف القطاعات الاقتصادية التي اصابها بالافلاس وامتد ليصيب بالشلل مختلف المجالات الابداعية التربوية و الثقافية و الفكرية و الرياضية ليحكم عليها بالصمت و الجمود , وفي الوقت الذي بدأت مطارات العالم تستعيد نشاطاتها و بدأت كثير من القطاعات المعزولة عن بعضها البعض تخرج من دائرة الاجتماعات و اللقاءات عن بعد و تستانف التواصل مع بعضها البعض لا سيما بعد التوصل الى اللقاح الذي ساعد في كبح جماح الفيروس المتحور الذي فاقم الهواجس واصاب الجميع بالرعب , استفاق الجميع على وقع اخبار التهديدات المتبادلة بين روسيا واوكرانيا قبل ان يخرج الامر من دائرة الحرب الكلامية الى الحرب على ارض الواقع التي ستسجل دخول العالم زمن حروب القرن الواحد و العشرين التي ستلقي بتداعياتها على الجميع دون استثناء ..حرب بدت وشيكة منذ اكثر من شهر مع تواتر التهديدات و التهديدات المضادة و مع تعزيز الجانب الروسي انتشاره العسكري حلى الحدود مع اوكرانيا ,وقد جاء اعلان بوتين بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين ليعطي اشارة انطلاق الحرب و اسقاط اتفاقيتي مينسك 1 و مينسك 2 و دخول العالم في حالة من الترقب مع محنة جديدة توشك ان تخرج عن كل التوقعات و تتحول الى ازمة غير مسبوقة في زمن كل المخاطر بما في ذلك الاسلحة النووية وكل انواع اسلحة الدمار الشامل بكل ما يفترضه ذلك من سيناريوهات تراوح بين السيء و الاسوأ…
وها ان شعوب العالم بفقراءه و اغنياءه و بعد ان كانت تنام و تصحو على وقع حرب الاقنعة و المعقمات الى حرب اللقاحات تستفيق على وقع حرب الاسعار و المخاوف من الارتفاع غير المسبوق في اسعار النفط في ظل دخول الحرب بين روسيا و اوكرانيا اسبوعها الثالث على التوالي دون مؤشرات عن تهدئة وشيكة او مبادرات قابلة بانهاء الحرب دون امتدادها الى خارج اوركانيا , و ها ان بعض الخبراء يلوحون بان سعر البرميل الواحد قد تتجاوز ال300 دولار في الايام القليلة القادمة في حال طال امد الحرب و اصرالرئيس الروسي بوتين على مواصلة المعركة التي اطلقها ضد الجوار الاكراني على خلفية المخاوف من توسع الحلف الاطلسي شمالا و انضمام اوكرانيا الى صفوفه على عكس ما انتهت اليه الاتفاقات بعد انهيار جدار برلين و سقوط الاتحاد السوفياتي ..و يبدو ان اوكرانيا الواقعة بين مطرقة موسكو و سندان الغرب ممثلا في حلف الناتو ببروكسيل , و بعد وقوع الرئيس الاوكراني الممثل المغمور الذي خرج من دائرة التمثيل الى عالم السياسة بعد دوره في فيلم خادم الشعب و انسياقه الى المحظور بقبوله عن وعي او عن غير وعي الانسياق في حرب مدمرة لم يكن يضع في الحسبان ان يذهب الرئيس الروسي بوتين الى تنفيذ تهديداته و ربما توهم زيلنسكي ان الناتو سينزل بكل قواه للدفاع عن اوكرانيا و منع سقوطها في قبضة بوتين ..و ربما فات زلينسكي ان المعركة ابعد و اعمق مما يبدو و ان الامر انما يتعلق باعادة رسم حدود لعبة المصالح الاستراتيجية للقوتين العظميين روسيا و امريكا و معها اعادة رسم و اختبار ما يمكن ان يذهب اليه كل طرف من الاطراف في هذه الحرب و اختبار مدى تاثير الحرب الاقتصادية على روسيا و ما ستكون عليه البدائل المطروحة في حال استمرت العقوبات غير المسبوقة على روسيا ..
حتى الان ليس من الواضع متى و كيف ستتوقف الحرب و لا اين سيكون خط التماس فيها و ليس من الواضح ايضا كيف ستحصل اوروبا على بديل للنفط الروسي بعد قرار ألمانيا الشهر الماضي تعليق التصديق على مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم2 الذي يوصل إمدادات الغاز من روسيا إلى ألمانيا، و هو المشروع الذي دافعت عنه المستشارة السابقة انجيلا ميركل و يقول عديد الملاحظين ان الساحة الاوروبية تفتقد حكمة و تبصر ميركل بل ان البعض يعتبر انه لو كانت ميركل موجودة لما سمحت باندلاع هذه الحرب في قلب اوروبا , و لكن الواضح حتى الان ان اوروبا تبدو الحلقة الاضعف في هذه المعركة التي انجرفت اليها فيما تبدو واشنطن من يدير و يتحكم باللعبة بما تقتضيه مصالحها و الارجح ان اوروبا ستدفع الثمن الاثقل في هذه الحرب …لم نتوقف عند موقع العرب من هذه الحرب لسبب بسيط و هو انهم خارج دائرة التاثير و سيتعين عليهم تحمل التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب بدرجات حسب امكانيات كل دولة ..
أزمة أوكرانيا.. “حرب الغاز” تطرق الأبواب.. ألمانيا تراهن على بدائل الوقو…
في تصعيد متبادل ، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس تعليق العمل في مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 ، وهو الم…
لم تنته الحرب على كورونا و لا احد يعرف ما ستؤول اليه مستقبلا و هل سنعيش على وقع متحورات اخرى للفيروس ام سنشهد ظهور المزيد من الجوائح , تماما كما لا احد يعرف ما ستؤول اليح الحرب في اوكرانيا من تحالفات او شراكات او تقسيمات جغرافية جديدة و لكن و في كل الحالات فان المهمشين من يدفعون الثمن الاثقل في كل الاختبارات المصيرية ..
اسرائيل من جانبها تحاول الاستثمار في هذه الحرب لفرض مصالحها و خدمة امنها الاستراتيجي تماما كما كان الحال عليه خلال الجائحة التي استغلتها و استغلت انصراف انظار العالم لمتابعة تداعيات الجائحة لمواصلة سياسة التوسع و الاستيطان و القتل و الاغتيالات و مصادرة الارض و طرد الفلسطينيين و الاعتداء عليهم فهي تسعى للعب دور مصيري في هذه الحرب و بدأت تعرض نفسها كوسيط للمفاوضات بين روسيا و اوكرانيا معولة في ذلك على علاقاتها مع بوتين و علاقاتها ايضا مع زيلنسكي الرئيس الاوركراني اليهودي,و قد بدأ السفير الأوكراني في تل ابيب ، يفهين كورنيتشوك، يروج بانه يرى أن من الممكن أن تكون القدس المحتلة مركزا للمفاوضات بين بلاده وروسيا…و من يدري فقد تتحول اسرائيل التي تحتل ارض الغيرو تدوس بذلك على العدالة الدولية الى راع للمفاوضات بين موسكو و كييف …انها مؤشرات عن عالم ما بعد الحرب في اوكرانيا …
كاتبة تونسية