يعدّ تهديد الطائرات الإيرانية غير المأهولة، حتى وقت أخير مضى، عنصراً مهماً وإن لم يكن حاسماً في بناء قوة طهران؛ لكن المفهوم تغير في الأشهر الأخيرة على نحو وجد تعبيره في المواد الاستخبارية، بل وفي خطابات مسؤولين إسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الدفاع بني غانتس.
في أيلول الماضي، كرس بينيت للمسألة جزءاً من خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وقال للعالم كله: “هذه السنة بدأت إيران في تفعيل وحدات إرهاب فتاكة جديدة – أسراب من المسيرات الفتاكة المسلحة بسلاح يهاجم في كل مكان وزمان”. وأضاف بأن إيران سبق أن نفذت هجمات بطائرات غير مأهولة في الشرق الأوسط، وأشار إلى أن الإيرانيين “يخططون لتغطية سماء الدولة بهذه القوة الفتاكة”. أما غانتس من جهته، فكشف النقاب مؤخراً عن محاولة إيران نقل مواد متفجرة من سوريا إلى محافل إرهاب في الضفة بواسطة طائرات غير مأهولة.
القول بأن الإيرانيين يطورون مسيرات يستخدمونها ويزودون فروعهم في الشرق الأوسط بها، ليس بجديد. فقبل حرب لبنان الثانية، تسللت طائرات غير مأهولة إلى الأراضي الإسرائيلية. وفي تموز 2006، أطلق “حزب الله” في ذروة الحرب عدة مُسيرات مسلحة برؤوس متفجرة نحو مركز البلاد. لكن يخيل أن اللحظة الأساسية التي وضعت الطائرات المُسيرة الإيرانية على الخريطة وقعت في أيلول 2019: فقد استخدم الإيرانيون في حينه مُسيرات وصواريخ جوالة أطلقت إلى مسافة نحو ألف كيلومتر لغرض الهجوم على مواقع نفط سعودية، وألحقوا ضرراً جماً في منشأة شركة “أرامكو” على نحو شوش قدرة إنتاج النفط في المملكة أشهراً عديدة. وصلت أسراب المُسيرات الإيرانية إلى مقاصدها بمفاجأة تامة، دون أن تكتشفها منظمات الدفاع الجوي السعودية التي تحمي منشآت النفط، ودون أن تجرى أي محاولة لاعتراضها.
ومنذئذ، علم بعدة أحداث أخرى لاستخدام إيراني للمُسيرات؛ المركزي منها ذلك الهجوم على سفينة “ميرسر ستريت” التي كانت تبحر من ميناء دار السلام في تنزانيا نحو ميناء الإمارات. تعرضت السفينة للهجوم مرتين على الأقل، فقتل قبطان السفينة البريطاني ومواطن روماني كان في فريق الحراسة. ومع أن العدد الذي شارك في ضرب “ميرسر ستريت” كان أقل مما في الهجوم على منشآت النفط السعودية، لكن العملية لم تكن أقل إبهاراً من ناحية عملياتية وفنية، إذ شهدت على قدرات هجومية إيرانية بعيدة المدى.
نشر مؤخراً أن الجمهورية الإسلامية استخدمت المُسيرات في حالات أخرى، وعلم ضمن أمور أخرى، أن تلك المُسيرات استُخدمت أيضاً في هجوم على القاعدة الأمريكية في التنف شرقي سوريا. لم تسجل إصابات في ذاك الهجوم، لأن إسرائيل – حسب منشورات أجنبية- حذرت الولايات المتحدة مسبقاً من الهجوم.
قدرات لم تنكشف بعد
تحت تصرف إيران عدة أنواع من الطائرات المسيرة. بعضها كبير الحجم وذو مدى يصل إلى آلاف الكيلومترات للمراقبة والهجوم؛ وأخرى مُسيرات “انتحارية” أصغر وأبسط. وتحتدم المشكلة في ضوء أن إيران لا تستخدم تلك الطائرات بنفسها فقط، بل وتزود فروعها بها في أرجاء الشرق الأوسط، في اليمن والعراق وسوريا. وينبع الاستخدام الإيراني المتزايد للمُسيرات من نجاعتها، ويسر استخدامها وإنتاجها وزهادة كلفتها. هي دقيقة من ناحية عملياتية، وصعبة جداً على الاكتشاف بسبب طيرانها المنخفض تحت الرادارات، وليس سهلاً اعتراضها: من ناحية استراتيجية، قد تطلق إيران طائرات من غير أراضيها، تسمح لها بطمس مشاركتها في العمليات، فلا تجر رد فعل عسكري. أما نقيصة المُسيرات الكبرى فتكمُن بأنها ذات قدرة متواضعة على حمل الصواريخ والمقذوفات الصاروخية.
في الكلمة التي ألقاها في جامعة رايخمن مؤخراً، كشف غانتس النقاب عن أن إيران “تطور قدرات أخرى بواسطة المُسيرات التي لم تنكشف بعد”. ومع أن غانتس تناول في حديثه الطائرات غير المأهولة التي تسللت إلى إسرائيل في شباط 2018، بهدف نقل مواد TNT لمنظمات الإرهاب في الضفة، يجب إعطاء الرأي في اعتراض آخر للمُسيرات وقع فوق سهل الينابيع في 18 أيار، في أثناء حملة “حارس الأسوار”. لم يطرح الجيش آخر الأخبار عن طبيعة تلك المُسيرات، من أين أطلقت في إسرائيل وكيف اعترضت، ولكن بشكل شاذ جداً ذكره رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، ورئيس الأركان افيف كوخافي، في خطابيهما بعد الحملة.
الولايات المتحدة قلقة أيضاً
مسألة المُسيرات الإيرانية تقلق الولايات المتحدة أيضاً. ومع أن إدارة بايدن تقل في فرض عقوبات على إيران، فقد فرضت وزارة المالية الأمريكية في تشرين الأول الأخير عقوبات على شركات وشخصيات ترتبط بمنظومة المسيرات لدى طهران، وذلك في أعقاب معلومات استخبارية نقلتها إسرائيل. ويمكن الافتراض بأن بين إسرائيل والولايات المتحدة تعاوناً عملياتياً في المجال، إذ إن للولايات المتحدة رادارات تنتشر في الشرق الأوسط، ويمكنها أن توفر لإسرائيل إخطاراً مسبقاً عن إطلاق مسيرات نحو أراضيها.
مهما يكن من أمر، لا ينبغي أن نرى في المُسيرات الإيرانية وسيلة قتالية ثانوية في أهميتها، بل ينبغي التعاطي معها كأمر من شأنه ان يكون مساوياً في قيمته للصواريخ والمقذوفات الصاروخية الدقيقة التي لدى طهران، ووسيلة من شأنها أن تشكل “نحطم التعادل”، أو على الأقل يمكنها أن تخلق للإيرانيين صورة نصر. تشهد الخطابات أن جهاز الأمن الإسرائيلي يدرك هذا. وحتى هذا الوقت، يتضمن الجواب الإسرائيلي على المسيرات اعتراضها بوسائل “رقيقة” كالقتال الإلكتروني، وبواسطة الطائرات الحربية، وبواسطة منظومة القبة الحديدية التي تكيفت مع ذلك في الأشهر الأخيرة، بل واعترضت عدة مُسيرات أطلقت من غزة.
بقلم: ليلاخ شوفال
إسرائيل اليوم 19/12/2021