يطلق على الفترة التاريخية في أوروبا الذي تمتد من عصر النهضة إلى الثورة الصناعية بين عامي 1600 – 1800 باصطلاح بــ حقبة الرأسمالية الماركنتيلية و تتسم هذه المرحلة بأنها مرحلة انتقالية طويلة تميزت بالعديد من الخصائص ، نذكر أهمها ، استمرارية السيطرة على نمط الانتاج القطاعي في التشكيلات الخاصة خلال تلك الفترة ، ازدهار التجارة البعيدة ” التجارة الأطلسية ” أساساً ، و قد أثر هذا الازدهار الواسع على نمط الانتاج الاقطاعي الذي بدأ يتفكك و يتشرذم ، الامر الذي ادى إلى انهيارها عند بداية الثورة الفرنسية سنة 1789 م ، و يعدّ هذا الحدث قفلة تاريخية لتلك الحقبة التأسيسية و على غرار العديد من المجتمعات فقد أثرت نتائج الثورة الفرنسية على العثمانيين و في ذات السنة تم تقليد السلطان ” سليم الثالث ” عرش الدولة و الحكم للفترة الممتدة 1789 – 1808 م ، و يعدّ صاحب أول مشروع أساسي في تحديث العثمانيين و لكن فشلت خطواته الأولى و رغم ذلك بدأت التجارب الاصلاحية العثمانية و استمرت لمدة قرناً كاملاً 1808 – 1908 م ، و خلال ذلك القرن بدأ عهد التنظيمات الذي استهل بصدور مرسوم ” خطي شريف كولخانه ” سنة 1839 م و تم قفل الاصلاحات العثمانية بالانقلاب العثماني الشهير الذي قادته ” تركيا الفتاة ” على السلطان ” عبد الحميد الثاني ” ، و تعدّ هذه المرحلة التاريخية الصعبة عصر انهيار لكافة التشكيلات الدولة الاقتصادية المحيطة أمام هيمنة الرأسمالية المركزية الأوروبية ، و بعد مرور حوالي مائتي سنة من التقدم الرأسمالي باتجاه التقنية الأوروبية التي بداـ منذ القرن التاسع عشر تعدّ كافية لتحفيز العثمانيين الذين لم يعرف اقتصادهم الريعي إلا النقد و التجارة نظراً لان الاقتصادات الريعية للدولة العثمانية لم تشتمل إلا على النقد و التجارة الأول كان بيد الدولة و الثانية اعتبرت وسيلة بيد المجتمعات الاقليمية في دواخلها و أطرافها ، أي أن الدولة تكسب الضرائب و المنتجون يربحون الفائض و تتدرج الأرباح حسب نوعية المنتوج قبل كل شيء و حسب انتقال البضائع من الأسواق المحلية إلى الأسواق الاقليمية ثم إلى الأسواق الدولية ، مع الأخذ بالعلم ليس كل تبادل يعدّ بالضرورة تجارياً لاسيما بين المنتجين الصغار في الأسواق المحلية من الفلاحين في الريف و الحرفيين في المدن كما أن الامبراطورية العثمانية اكتسبت كافة امكانياتها الاقتصادية من خلال الأقاليم الثرية بالدرجة الأول و من المناطق و البيئات التجارية و المدن الكوسموبوليتانية و الساحلية بالدرجة الثانية ، و ذلك بعد الهيمنة عليها خلال عصر التكوين الرأسمالي الأوروبي الذي حقق الاستفادة الأمثل من المنتجات ذات الفعالية التجارية للمركزية الرأسمالية و قد كانت العلاقة بين الطرفين علاقة مركزية أوروبية محيطية عثمانية أي بمعنى أن العثمانيين كانوا بمثابة وسطاء لم يستفيدوا و يفيدوا من عناصر الانتاج إلا ما ندر ، ثم غدوا لا يهتمون إلا بمسائل الترانزيت و الضرائب ، و بعض الاحتكارات التي سيطر عليها اختصاصيون كاليهود الذين تجمعوا في طوائف و بيئات خاصة بهم و في المدن التجارية المستقلة ([1]) ، و بالتالي أصبحت التشكيلات الاجتماعية العثمانية تشكيلات خدمية استهلاكية غير منتجة حيث لم ترتكز في حياتها الاقتصادية على مناطقها الزراعية التربة و لا على استخدام مواردها الطبيعية الوفيرة مما ادى إلى سوء أحوالها الاجتماعية نتيجة سوء ظروفها الطبيعية الوفيرة مما ادى إلى سوء أحوالها الاجتماعية نتيجة سوء ظروفها الاقتصادية و أصبحت أكثر عرضاً لهجمات الأوبئة و الأمراض و الطواعين الفتاكة مع ازدياد موجات الغلا و اجتياح المجاعات و النكبات .
نجد أن هناك العديد من الأنماط تحكمت في الانتاج في التشكيلات العثمانية المتباينة على امتداد الرقعة الجغرافية الواسعة للعثمانيين طيلة فترة حكم الدولة العثمانية لتي استمرت لقرون من تكوينهم التاريخي في مركز العالم القديم و قد ساهم الموقع الجغرافي بأنشاء حركة اتصالات كبرى مع جميع قسمات ذلك العالم براً و بحراً ، و قد تطورت عمليات الانتاج و التبادل المختلفة و تمكنت تركيا العثمانية من الاحتفاظ بسيطرتها من خلال ولتها الاستبدادية/الحربية القوية بكافة أنظمتها الاقتصادية المتعددة و تطور التفاعل بين التشكيلات العثمانية و المجتمعات الأوروبية ” البيزنطية و السلافية و الهنغارية ” بعد سقوط القسطنطينية سنة 1453 م مع التفاعل التاريخي الذي حدث خلال القرن السادس عشر و تبلور نظام ” التيمار ” مما أسفر عن تطور أشكال من الاقطاع العسكري في الزراعة العثمانية و التي تلازمت مع نظام ضرائبي ثابت كــ” الالتزام ” أسلوب ضرائبي ، أما في شرقي أوروبا فقد توسعت الرأسمال التجاري الأوروبي منتجاً من الوسطاء و الوكلاء المرتبطين باقتصادات المدن الكوسموبوليتانية و البحرية الأوروبية و المتوسطية ، أن حصيلة التطورات الاقتصادية أصبحت بنية ثنائية ترتكز بشكل أساسي على ركائز الاقطاع العسكري للزراعة في شرقي الامبراطورية و على الرأسمالية التجارية في غربي الامبراطورية و البيئتين انحصرت كل منهما داخل مجتمع غير متجانس و تحكمه دولة سلطانية تأسست على النمط التاريخي القديم و تمكنت من تحقيق النجاح على مدى قرون عديدة من خلال تعايش أنماط اقتصادية متعددة في الامبراطورية العثمانية و بالتالي لا يمكننا في هذا المجال الاعتماد على ما قدمته نظرية ” النمط الأسيوي للانتاج ” باعتباره حل يحسم جميع الأوضاع و المشاكل الاقتصادية في المجتمعات الأسيوية و في هذا الصدد يقول دكتور ” سيار الجميل ” أن هناك خصوصيات تاريخية للبيئات الأسيوية أو الأفروآسيوية و التكوينات الأوراسية .
العلاقات الأوروبية – التركية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر :
ازداد تغلغل الرساميل الأوروبية في الاقتصادات العثمانية مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، و يعدّ تحولاً حقيقياً في تاريخ الدولة و المجتمع و رغم التسارع التدريجي الذي تم به إلا أن عملياته ادت إلى انهيار الدولة العثمانية الذي أصبح واضحاً نظراً لمدى تأثير العوامل الداخلية و الخارجية المتعددة و انتشرت ظاهرة الرساميل الأوروبية في العديد من البلدان نظراً لمدى تأثير تراكم فوائض رأسمالية ضخمة في العالم التصنيعي الأوروبي واسع النفوذ و التطور الذي أصبحت البيئة الاقتصادية – العثمانية امامه ضعيفة هشة نظراً لعدم تأثير الاصلاحات في مستوى التحولات الجذرية نظراً لمدى احتكار الدولة للمؤسسات السياسية و الهيئات الاجتماعية و الفعاليات الاقتصادية الامر الذي سوف يؤدي إلى انهيار الدولة العثمانية نتيجة تغلغل الرأسمالية الأوروبية و تعرض الدولة العثمانية لهزات متتالية ادت إلى سقوطها في نهاية الامر ، أن المظاهر التقليدية للنظام العثماني الدارجة توضح مدى عجزه وضعفه و هشاشته و يرتكز على عاملين أساسيان ادى كلاهما إلى استنزف تفاعلاتهما الخطيرة موارد الدولة و قواها المتنوعة و هما :
- حروب الدولة الخاسرة التي استمرت لأكثر من 150 سنة و تكبدت أموال طائلة من مصادر دخلها و خسرتها أقاليم ذات أهمية من كافة النواحي من ممتلكاتها .
- المبالغ الكبيرة التي انفقتها الدولة على مشروعاتها الاصلاحية و خططها في التنظيمات و لاسيما إعادة تنظيم الجيش و تسليحه ، كلا المشكلتين يعدًان بمثابة عامل أساسي في التغلغل الرأسمالي الأوروبي .
و هناك مجموعة من العوامل تعدّ سبب أساسي في عجز البنية الاقتصادية الهشة حيث أن عامل الاستلاب الاقتصادي الخارجي الذي مارسته الضغوطات الأوروبية القوية و قد استجاب العثمانيون لها حيث قاموا بإصدار مرسوماً ذات أهمية و مشهوراً كالذي دعى بــ ” خطي شريف همايون ” سنة 1856 م الذي يتضمن وعوداً بتطوير البنوك و مؤسسات الائتمان من خلال تحقيق الاستفادة الأمثل من رؤوس الأموال و المصارف و الخبرات الأجنبية ثم صدر مرسوم جديد بعد تولى السلطان ” عبد العزيز ” العرش ” 1861 – 1876 ” واعداً بأسلوب يعدّ أكثر حسماً من خلال تأسيس البنوك و وكالات الائتمان من اجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية ثم صدر تشريع سنة 1867 يقضي بحق تمليك الجانب الأراضي في الدولة كجزء من الامتيازات التي تحفز و تشجع استثمارات الأوروبيين في الزراعة و مرافق حيوية اخرى للعثمانيين .
أن نظام الامتيازات الأجنبية Capitulations السائد عثمانيا ساهم بفعالية في احلال نقائض للعثمانيين كأداة أساسية في الاستلاب الاقتصادي من خلال آلياته و اعتباراته التي شملت الشروط الكفيلة بتصدير البضائع إلى الأسواق العثمانية و استيراد المواد الأولية حيث تدفق التجارة و أصحاب رؤوس الأموال من المستثمرين إلى أبرز المدن العثمانيين و لاسيما الأنكليز و الفرنسيين الذين ركزوا عملياتهم في ” تراقيا ” و غربي الأناضول دون مناطق شرق الامبراطورية و الأقاليم العربية أما الاستثمارات فقد مرت بثلاثة قنوات أساسية ، و هي :
اولاً : القروض المالية :
استند مقاربة تاريخية سائدة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث امتدت إلى مجالات حركة الاقتراض اقتصادياً لما وراء البحار و يعدّ ذلك أحد أبرز الدعائم المتقدمة في تراكم الرساميل الكبرى للرأسمالية العالمية و نفوذها من خلال فرض سيطرتها في اطار فرض الرقابة المالية و التجارية و الادارية على بلدان ذات أهمية من الناحية الاستراتيجية و الاقتصادية من الأمثلة الدولة العثمانية و مصر و تونس و الجزائر و ايران و الصين و الهند ، و يشكل ذلك اختراقاً أوروبياً غير ظاهر لهذه الدول ، و قد عاشت الدولة العثمانية أزمة مالية قاسية اتضحت من خلال العجز الكبير في ميزانيتها مما ادى إلى تخفيض قيمة عملتها لمرات عديدة فنشأت عن ذلك كل نسبة تضخم عالية أثرت بنسبة كثيرة في الحياة السياسية و الاجتماعية العثمانية .
ثانياً : البنوك و المؤسسات المصرفية :
معظم المؤرخين يؤكدون على أن تأخر بروز البنوك و المؤسسات المصرفية العثمانية حتى منتصف القرن التاسع عشر يرجع إلى مجموعة من الأسباب و العوامل المتعددة أهمها الدينية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، و إذا كانت الدولة و المجتمع يعتبران البنوك من المحرمات و قد اقتصرت العمليات المصرفية العثمانية المتأخرة على فعاليات الأقليات فقط خصوصاً صيارفة غلطة و اليهود حيث منحت الدولة العثمانية المؤسسات المالية الأجنبية فرص استغلال تلك العوامل التي لحقت ضرر كثيراً بالحياة الاقتصادية العثمانية رغم تحرك الأوروبيين نحو العثمانيين بهدف تأسيس المصارف خلال عقد الثلاثينيات من القرن التاسع عشر دون أية استجابة عثمانية رسمية حتى تحصلت على الموافقة مع بداية عقد الخمسينات و قد تطور هذا الجانب في نقطتين محددتين ، هما :
- تم تأسيس أول بنك في الدولة العثمانية بتاريخ 24/5/1856 م باسم ” البنك العثماني ” أي بعد ثلاثة أشهر من صدور ” خطي شريف همايون ” بتاريخ 18/2/1856 م برؤوس أموال انكليزية بلغت مليوناً باوندا استرليني قبض منها ربعها فقط و أصبح بعد سنوات عديدة ابرز مؤسسة رأسمالية أجنبية في الدولة و سميت بــ ” البنك المركزي للدولة ” ثم صدر مرسوم ” فرمان ” سلطاني بتاريخ 4/2/1863 م حيث تم بموجبه تحويله إلى بنك دولة باسم ” البنك العثماني الامبراطوري ” أي ” بنك عثماني شاهانه ” .
- تم تأسيس سنة 1868 م مؤسسة مالية في الدولة العثمانية سميت Credit General Ottaman ساهمت في عقد القروض الخارجية للدولة و اندمجت مع ” البنك الامبراطوري العثماني ” و لكن تمت تصفيتها خلال سنة 1899 م ، و هناك بنك يتميز بالقوة تم تأسيسه في الدولة كتلة يهودية في سالونيك سنة 1888 م و قد تم تأسيس بنك فرنسي باسم Gredit Lyonnais و أصبح منافساً للبنك الامبراطوري العثماني حيث ساهم بفعالية فائقة في دفع النفوذ الفرنسي عبر الشرق الأدنى ثم تأسيس البنك الألماني Deutsche Bank ، مع قيام الوحدة الألمانية سنة 1870 م فنافس البنك الامبراطوري العثماني ، و تم تقديم العديد من القروض للحكومة العثمانية ، و أسس العديد من الشركات الفرعية التابعة له من أجل مد خطوط السكك الحديدية في الأناضول ، و هناك العديد من بنوك الأجنبية الصغرى التي تمثل رؤوس أموال ايطالية و نمساوية و روسية نشطت خلال عقد السبعينات من القرن التاسع عشر .
ثالثاً : المشروعات الاستثمارية الأوروبية في مجال البنية التحتية العثمانية :
استند على مقاربة أولية حقيقية يمكن قياس أبرز المشروعات الاستثمارية الأوروبية في أهم المجالات التي توفرت إمامها في الدولة العثمانية حيث استهدفت الرساميل المتغلغلة للاستثمارات فيها تحقيق أرباح مضاعفة و مستمرة لفترة طويلة كما تم تأسيس ارتباطات قوية و استراتيجية لاقتصاداتها الرأسمالية مع الاقتصادات العثمانية محقق استفادة من الأسواق التي وفرتها أنشطة صادرات أوروبا من السلع المصنعة بواسطة الثقل النسبي الذي شغلته التجارة الأوروبية اتجاه النواتج المحلية من الخامات و المواد الأولية العثمانية و أن المرحلة الطويلة التي انفتحت أمام الأوروبيين في العديد من المدن و القسمات و أقاليم العثمانيين تمثلت بتأسيس ” مشروعات في البنية التحتية ” و من أهمها أنشاء شبكة مواصلات كبرى سواء من خلال مد خطوط سكك الحديد أو تطوير الموانئ و المرافئ انتقالاً إلى عمليات التعدين و استغلال المناجم و إقامة شركات زراعية أو تجارية و مشاريع اخرى ، جميعها منحت وظائف ذات فعالية للأوروبيين زادت من نمو استشاراتهم المكثفة بطريقة عالية و في المقابل لم تقدم للعثمانيين أية تحولات سياسية سواء على مستوى إيجاد الحلول للازمات البنيوية التي كانت تلحق باقتصاداتهم الراكدة أو على مستوى تطوير أوضاعهم المتداخلة من الناحية الجغرافية و السياسية و البيئية و الثقافية .
أن معظم الاستثمارات الأوروبية المباشرة كرست عملياتها في مجالات حيوية – اقتصادية من بناء البنية التحتية العثمانية Ottoman Infrastructure كالسكك الحديدية و تطوير الموانئ و المرافئ و شبكات النقل و الزراعات الصناعية ، أما الأنشطة الانتاجية فلم يتوفر منها إلا الجزء اليسير من الاستثمارات في مجال التعدين و حصول الدولة العثمانية على القروض الخارجية في المرحلة الثانية بعد سنة 1886 م حيث خصص قسم للأنفاق على شبكة المواصلات التي وجدت الحكومة العثمانية فيها أحد أبرز الوسائل من أجل تفعيل و تنشيط المبادلات التجارية المحلية و تتضمن إيراداتها من الضرائب و الرسوم اقتصادياً ، اضافة إلى تأمين سلطة الدولة العثمانية المركزية على أقاليمها من الناحية السياسية و الأمنية و نقل القوات العثمانية بسرعة من مكان إلى آخر عند الضرورات العسكرية ، و الجدير بالقول كان الانتاج الحرفي العثماني ” العربي و التركي ” و هو عمود الحياة الاقتصادية في الأسواق المحلية لكنه انهار فجأة من خلال تطور المبادلات التجارية مع أوروبا و انفتاح الأسواق العثمانية في المدن الصغيرة و الكبيرة امام السلع و المنتجات الأوروبية ، مما ادى إلى تدهوره نظراً لعجزه الكامل عن منافسة الانتاج الأوروبي الصناعي ، و تعدّ حقيقية تاريخية – اقتصادية ليس بالإمكان عدم تصديقها بل هي تحصيل حاصل لما سوف تصبح عليها الأوضاع الاقتصادية العثمانية أمام الصناعات الأوروبية الحديثة و تشمل العثمانيين و كل البلدان الأسيوية و الأفريقية ذات الأهمية من الناحية الجغرافية و تدهورت المنتجات الحرفية التي لم تقتصر على العثمانيين بل ادت إلى تفكك و تحلل كل البنى و العلاقات الاقتصادية القديمة التي لم تصمد امام قوة الاقتصادات الأوروبية ، و بالتالي استمرت التفاعلات في المجتمعات العربية و بعض المجتمعات الأخرى على امتداد القرن العشرين حيث لم تتمكن الأقطار العربية من الناحية الاقتصادية تحقيق الاكتفاء بمواردها أو تطوير صناعاتها و انتاجياتها بل كانت و مازالت تعتمد بصورة أساسية على المنتجات الأمريكية و اليابانية و الأوروبية و ثم منتجات دول جنوبي شرق أسيا بعد انتشارها في الأسواق العالمية .
أهم العقبات التحديث في تركيا العثمانية :
أن الدول الثلاثة ذات أنظمة تاريخية قديمة الامبراطورية البوذية و القيصرية و الأروثودكسية و السلطنة العثمانية ، أن تركيا لم تطور خطواتها من خلال تطبيق مراحل التطور في بنيوياتها الاقتصادية و هي المراحل التي يتم انتعاش القوى المنتجة و علاقات الانتاج نظراً لمدى الارتباط بالنظام الرأسمالي إذا تمكنت كل من اليابان و روسيا من الوقوف على نهايات المرحلة الماركنتيلية و التي انبثقت عنها النظام الرأسمالي بكافة تكويناته حيث نلاحظ أن التجربة التركية اختلفت نظراً لعدم تجسيدها أبرز عاملين في التكوين الرأسمالي هما :
- مدى تركز الثروة و المالية .
- التكديح الذي يعدّ عامل مساعد في استغلال الموارد و انتاج علاقات جديدة .
أن هنالك عاملاً اساساً لم تقمّ باستخدامه تركيا العثمانية خلال القرن التاسع عشر نظراً لأنها أقرب البيئات الشرقية إلى أوروبا و جزء منها كان قد اندمج فيها منذ حوالي خمسمائة سنة ، و في هذا الصدد يقول المؤرخ البريطاني ” أرنولد توينبي ” أن البيئات الجغرافية الصعبة و البكر كانت وراء انبثاق التصنيع الثقيل في اليابان و روسيا و أمريكا الشمالية نظراً للحاجة إليها ، فإنتاجها هو بديل انتقالها ([2]) و هناك مجموعة من العوامل التي تشكل عقبات إمام التحديث في تركيا العثمانية و تجديد أنماطها الاقتصادية خلال سيادة عصر التشكيلات الصناعية الجديدة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى مجيء ” مصطفى كمال أتاتورك ” ، و من أبرز هذه العوامل :
- التناقضات الهائلة في تاريخ الزراعة و التي ظلت تعاني مشاكل ملكية الأرض و كيفية احتكارها من قبل طبقة الملاك الجدد بعد صدور القوانين العثمانية/الاصلاحية و التنظيمات بعد أزمان من الممارسات الجائرة للملتزمين .
- استمرارية بقاء الوحدات الاجتماعية في مكانه دون أحداث تطور أو تململ في القوى المنتجة التقليدية و الحرفية و لم يتجاوز مستوى علاقات الانتاج القديمة التي اعتادت عليها المجتمعات الشرقية منذ مئات السنين .
و في هذا الصدد يمكننا العمل على إيجاد حلول لفشل التجارب الاصلاحية العثمانية من وجهة النظر التاريخية و لا يرجع ذلك إلى أسباب سياسية أو سلطوية بل هناك مشاكل معقدة و مزمنة تقف وراء مجموعات من الوقائع البائسة و التطبيقات غير العقلانية و الممارسات الصعبة لقوانين التي تضمنت بعض المزايا ، و هي :
- الترهل التاريخي من خلال الاعتماد على المواريث الاقتصادية القروسطية في بناء علاقات اقتصادية من نوع جديد .
- عدم التحسس بوافرة الثروات الطبيعية المكشوفة و الكامنة دون العمل على استغلالها
- عدم استغلال القدرات البشرية و بقاء الأنماط الحرفية و الآليات القديمة .
- الأفق الضيق بضرورة الحسابات الاقتصادية و الأنظمة المصرفية و الادخار و التوظيف .
- الامتيازات الأجنبية و تقليد و محاكاة تطورات أوروبا الاقتصادية مع تباين الواقع .
أما بالنسبة إلى أهم العوامل التي ساهمت في أضعاف الاقتصادات العثمانية و انهيارها خلال القرن التاسع عشر ، فهي على التوالي :
اولاً : القوة السياسية السلطوية :
أن الامبراطورية المؤتلفة من قبل عرش السلطة المركزية ” الباديشاه ” ” السلطان ” و ” الصدر الأعظم ” و تقوم تحت سيطرتهما بيروقراطية البلاط الكبرى ذات التنظيم العالي و الموجهة من قبل ” شيخ الإسلام ” ” مفتي الدولة ” ، و لكن هناك فساداً كبيراً و مغامرات مالية أحدثتها هذه الأجهزة البيروقراطية خلال الفترة الأخيرة من الامبراطورية العثمانية و هي مرحلة الإمبريالية البريطانية و الفرنسية التي حولت الامبراطورية إلى شبه مستعمرة للاقتصادات الرأسمالية التوسيعة .
ثانياً : هيمنة كبار الملاكين :
تتكون من الأعيان و السراة و الآغوات و التجار الكبار المهيمنين على المصالح الاقتصادية في الريف و الذين سوف يؤلفون مع بداية القرن العشرين طبقة الارستقراطية المدنية التقليدية في المراكز الحضرية الأساسية من خلال استحواذهم رؤوس أموال كبرى و الذين سوف يشكلون سنة 1913 نسبة 5 بالمئة من أصول ريفية/فلاحية ، و لكنهم سيملكون 65 بالمئة من الأراضي الزراعية ([3]) ، مما ساعدتهم اقطاعياتهم الواسعة و قدراتهم الاقتصادية الكبرى على احتكار القوة الثنائية المشتركة بهدف اخضاع الفلاحين و استغلال الأراضي .
ثالثاً : مدى تركز المصالح التجارية الأساسية و الثانوية في المدن التركية/الحضرية الكبرى :
من الأمثلة ازمير و استانبول حيث تركزت في كليهما تجار من اليونان و الأرمن الذين قاموا بعمليات واسعة في الاستيراد و التصدير و التسويق الاقليمي و المحلي و التي ترتبط جميعها بالاستيرادات الأوروبية ، و كونّت في الأساس فئات البرجوازية العثمانية و هذه الفئات خدمت الدولة بغرض تسيير هذه المصالح على حساب المجتمع و فئاته الاخرى و أن أوضاعها الطفيلية في الاقتصادات ادت إلى الأضرار بالمشاريع الاصلاحية العثمانية و التنمية الصناعية مما شكل عقبة إمام عمليات الانتقال إلى النمط الرأسمالي الصناعي في الانتاج و استمر عملها باعتبارها سبب في التأخر الاقتصادي و استمرارية حالة التبعية و كانت النتيجة أن ظل الاقتصاد العثماني ذات تبعية بصورة كبيرة للرأسمال الأوروبي نظراً لمدى ارتباطها بالديون اولاً و تجهيز الآلية الصناعية الأوروبية بالمواد الخام ثانياً .
رابعاً : البرجوازية الصغار :
هما الذين ساعدوا بنسبة كثيرة في تغلغل الرأسمالية التمويلية إلى تركيا العثمانية و تم اعتبار الدولة شبه مستعمرة بهدف تجهيز اقتصادات أوروبا بالمواد الخام و انغمس الرأسمال الأوروبي في بناء شبكة من سكك الحديد في جنوب و وسط الأناضول بغرض التعجيل في عمليات استغلال المواد الخام و تدفق البضائع الأوروبية على أماكن متعددة من الامبراطورية من خلال الوسطاء الذين يؤلفهم عملاء البرجوازية الصغار الذين انشغلوا على مدى أكثر من نصف قرن بالاقتصادات العثمانية .
خامساً : كيفية غياب استقلالية الاقتصادات العثمانية في تركيبها و عناصرها خلال القرن التاسع عشر :
اقترنت الاقتصادات العثمانية بالوضع التابع لاقتصاد البحر المتوسط لمدة أربعة قرون من التاريخ الحديث الامر الذي سبب عدم اتاحة المجال للصناعة المحلية بأن تتطور على المدى الواسع و تبعا لذلك لم توجد الطبقة العمالية و البرجوازية الصناعية التي كانت تتطور في المجتمعات الأوروبية الغربية عدا عمال بعض الشركات التركية العرقية التي تعارضت مصالحها و أهدافها مع أوروبا و البرجوازية الصغيرة العميلة مع بقاء تشكيلات واسعة النطاق في المدن و القصبات من الحرفيين و الصناع التقليديين الذين تعرضت مصالحهم و أهدافهم البسيطة للخراب نظراً للاستيرادات الواسعة للمصنوعات الأوروبية و قد كان هؤلاء معزولين من الناحية السياسية و الثقافية في تركيا الأناضول عن الأجزاء غير التركية .
سادساً : سكان الريف التركي :
يتكون معظمهم من صغار الفلاحين المنتشرين في العديد من دواخل الأناضول و كانوا في عمل مستمر في الزراعة و التدجين و الرعي و قد وقعوا تحت سيطرة و سطوة كبار الملاكين الذين مارسوا معهم الهيمنة العنيفة من الناحية السياسية و الاقتصادية و الثقافية نظراً لأنهم ليسوا ملاكاً حقيقيين و ادى هذا التفاوت في الملكية و الثروات وضعاً اقتصادياً متخلف تعايش بشكل لازم مع المجتمع التركي لفترة طويلة .
سابعاً : فئات برجوازية صغرى متكتلة في المدن الكبيرة :
تتكون من ” الأفندية ” من المهنيين المحليين القدماء و المحدثين كالأطباء و العلماء و الأدباء و المحامين و المدرّسين و الموظفين في الحكومة الذين يشكلون بدورهم فئات كانت حجومها تكبر مع مرور الأيام في العاصمة و مراكز الأقاليم و لاسيما بعد تبلور قواعدها التنظيمية بهدف تعزيز قوتها لغرض خدمة مصالح و أهداف طبقتها في السياسية الوطنية و كان ينقصها الربط الفعال في التنظيم و التفكير بين المناطق الحضرية و الريفية الامر الذي ادى إلى ازدياد تناقضاتها و لم يتطور تضامنها بشكل منظم في كافة أجزاء تركيا نظراً لمدى اختلاف المرجعيات التي حكمتها و ازدادت حدة مشاكلها و خلافاتها نظراً لانتماء صغار الضباط إليها و هما الذين اعتنقوا مبادئ فكرية و أيديولوجية أوروبية من اجل تنبثق على أيديهم جمعية ” تركيا الفتاة ” التي قادت حركة الانقلاب العثماني الشهير على السلطان ” عبد الحميد الثاني ” سنة 1908 م .
المحور الثاني : تركيا بعد الحرب العالمية الأولى :
هذا المحور يعدّ تكملة للمحور الأول في الدراسة الأولى بعنوان ” تركيا : دراسة تاريخية ” و هو تركيا قبل الحرب العالمية الأولى :
ينقسم المحور الثاني إلى أربعة محاور أساسية ، و هي :
- الاصلاح الاقتصادي في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى .
- العلاقات التركية – الأوروبية .
- العلاقات التركية – الشرق أوسطية .
- مقارنة بين العرب و الأتراك .
اولاً : الاصلاح الاقتصادي في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى :
حدد مؤتمر إزمير الذي عقد من اجل بحث الشؤون الاقتصادية للدور الحيوي الفعالة للدولة الكمالية المدنية الحديثة في تثبيت الأسس الجديدة لــ ” البنية الاقتصادية التركية ” و تكوين السياسة الاقتصادية التي أدت إلى التطورات الفعالة بعد الاستقلال التركي حسب المنظور الرأسمالي ، و قد شكل كبار الملاكين و الوكلاء و الأتراك القادمين من كافة أنحاء الأناضول و طبقة التجار في استانبول الذين انتظموا في ” اتحاد التجارة الوطنية التركية ” النخبة المؤثرة في أعمال المؤتمر ، و قاموا بالإعلان على توسيع القاعدة التجارية بهدف المحافظة على التنافس اتجاه الشركات الدولية ، و بدأت الدولة تمنحهم امتيازات متعددة بغرض اندماج تجار البرجوازية الصغيرة مع المجموعات الصناعية المحلية من أجل الوصول إلى تطوير البرجوازية الصناعية الوطنية المتكاملة ، و تحالف الملاكون الكبار مع الطبقات المهيمنة الممثلة للاقتصادات البرجوازية في المؤتمر إلا أنها لم تبحث شؤون الفلاحين أو مصالح العمال أو اصلاح الأراضي ، و بالتالي تدخلت الدولة لتحقيق مصالح و أهداف الرأسماليين المحليين و البرجوازية الصغيرة طيلة عقد العشرينات في اطار الانسجام و التوافق الريادة الكمالية لبناء قاعدة اقتصادية تركية من خلال تشجيع الدولة لتراكم رأس المال من قبل البرجوازية المحلية و يعدّ ذلك بمثابة تأسيس تاريخي للاقتصاد السياسي التركي الذي يرتكز على النهج الرأسمالي من خلال انساق و مجالات متعددة نذكر أهمها :
اولاً : الصناعة : منحت الدولة الاهتمام لمهام تطوير البنى الارتكازية للصناعة المحلية و إنشاء المصارف و تنظيم التجارة بغرض تتسق و اطار العمل الواسع للاقتصاد التركي الذي بدأ يصطبغ بالصبغة الوطنية و من أبرز نشاطات الدولة التي ينبغي ذكرها في مجالات الانتاج الصناعي و التمويل و الاعتماد ، مشاريع صناعية تملكتها الدولة و سيطرت عليها كالسكر و الزجاج و الجلود و الغزول الصوفية و الأنسجة الصوفية و صناعة الأسمنت و أنشاء العديد من المصارف الصناعية و التجارية الكبيرة ، و يعدّ التشريع ذات أهمية من أجل تشجيع الصناعة من خلال رأس المال الخاص بصدور ” قانون تشجيع الصناعة ” بتاريخ 28/5/1927 م ، في اطار تقسيم المشاريع إلى أربعة أصناف ، و هي المصانع الكبرى ، المناجم ، المخازن الصناعية ، مخازن الحرفيين ، و تم توجيه معظم الفوائد من الناحية العملية نحو أكبر الشركات و يمكننا تلخيص الامتيازات التي يتضمنها القانون بالنقاط التالية :
- العمل على منح قطعة أرض إلى حد مساحة عشرة هكتارات دون مقابل و تصادر إذا اقتضى الامر حكومياً بقانون خاص أو تشترى من البلديات على سبيل المثال .
- استثناء البنايات و كافة المنشآت للمشاريع من جميع الضرائب .
- استثناء المواد الضرورية من اجل تشييد المشاريع و المكائن الضرورية من رسوم الجمارك و منح تخفيضات لأجور النقل و المواصلات و الشحن .
- إمكان الحكومة إصدار اجازات لمشاريع معينة بهدف شراء منتجات من احتكارين الدولة بأسعار مخفضة .
- منح المشاريع الصناعية إعادة مالية حكومية ” تمويل استثمار ” إلى حد 10 بالمئة من القيمة السنوية للإنتاج ([4]) .
- استثناء المشاريع الصناعية من تكاليف منشآت البرقيات و التلفونات و غير ذلك .
- المواثيق و المستندات المالية للشركات مستثناة من رسوم الطابع .
- منح المقاولين الإنشائيين لصناعات جديدة امتيازات احتكار لمدة 25 سنة .
- يحق للشركات الحصول على اعانات حكومية أو تخفيضات في الأسعار للمشتريات من معامل الدولة .
رغم كل الامتيازات إلا أن البرجوازية التركية تبطأت كثيراً الامر الذي ادى إلى فشل المرحلة الأولية في عمليات التصنيع خلال عقد العشرينات و يمكننا القول أن الزيادة حصلت في عدد المشاريع التي تقوم الدولة بدعمها من 470 عام 1927 إلى 1.473 عام 1933 ([5]) ، حيث سوف تتولى الدولة القيام بدور أكبر في السيطرة الكاملة على الاقتصاد الوطني في نهاية عقد العشرينات و خلال عقد الثلاثينيات .
ثانياً : الزراعة : قامت الدولة التركية باتخاذ العديد من الخطوات ذات الأهمية في المرحلة التأسيسية على غرار مشروع التنمية الصناعية التركية و كيفية العمل على توسع فيها ، و ذلك بهدف التعجيل عمليات تراكم رأس المال في الريف التركي و بدأت العمل على تنفيذ العديد من اجراءات تحديثية أهمها : إلغاء العشور ” ضريبة العشر ” سنة 1925 ، توزيع الأراضي على الفلاحين الذين ليس لديهم أراضي من خلال القوانين التي صدرت سنة 1927 و سنة 1929 ، و قد تم توزيع 7.114.315 دونماً على أولئك الفلاحين ([6]) ، أن كافة تلك الأراضي هي أراضي مملوكة للدولة التي تقف بمواجهة الملاكين الأقوياء من خلال مصادرة أراضيهم ، و رغم بأنه لم يتم خلال تلك السنوات تحولاً شاملاً للهيكليات الزراعية التركية ، نجد أن الدولة لم تحاول زيادة الانتاج نظراً لان كان عليها تأسيس محطات تجريبية و تؤسس مدارس زراعية و تنشر مزارع للدولة ذاتها و لكن فقد تم تزويد المزارعين بالبذور المحسنة و انتشر المرشدون الزراعيون في القرى بهدف توضيح الأساليب الزراعية الحديثة و قد بدأت الدولة بتدريب الجنود على الزراعة الإلزامية خلال فترة خدمتهم العسكرية و يعدّ هذا الجانب حيوي في الاستراتيجيا الانتاجية أكثر من اعتباره جانباً يتعلق بــ ” إعادة توزيع ” ، و قد تبنّت الحكومة التركية برنامجين جديدين هما :
- تشجيع المكننة في الزراعة التركية .
- إنشاء تعاونيات للاعتمادات الزراعية و تسويق المنتوجات ..
و قد هدفت الاستراتيجية الزراعية التركية إلى العمل على زيادة الانتاج بهدف أنشاء فوائض زراعية من اجل تحسين أوضاع الصادرات التركية من خلال الاستعانة بالتفكير الكمالي الذي يتطلب العمل على ادخال الأنساق الرأسمالية في الزراعة سوف يتزايد مع مساعدة الدولة في العمل على تجهيز الاعتماد ، من أهمها طرق الانتاج و التوزيع و الكفاءة ، أن الانتاج سوف يؤدي إلى تراكم رأس المال في الأرياف المعدمة في اطار الأخذ بتنظيم و توازي مع تطورات القطاع الصناعي نظراً لأنهما تجربتين ذات خصوصية كمالية في التحديث التركي مع ضرورة الفهم الواضح لطبيعة العلاقات القائمة في الانتاج و التقاليد السائدة في المجتمع خصوصاً في الأرياف و قوى معينة من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الدينية أو الاجتماعية في الهيمنة على الفروع الحكومية المحلية لاتحادات الاعتمادات أو تعاونيات المنتجين و خلال فترة زمنية مما أدى إلى تحويل تلك المصادر المالية للتعاونيات و الاعتمادات الممنوحة من خلال المصرف الزراعي الذي تملكه الدولة إلى حسابات خاصة الامر الذي نتج عنه ازدياد عدد الملاكين المقتدرين و توسعت ثروات بعض الذين شكلوا طبقة على حساب الفلاحين و صغار المنتجين الذين لا يملكون الأرض أو المال أو السلطة ، و السيطرة على بعض تلك القوى على المكننة و التي ساهمت في نمو الانتاج لقطاعات اقتصادية في الريف التركي و أصبحت للملاكين سلطات اجتماعية و سياسية و إدارية نافذة .
ثالثاً : التجارة : استمرت التجارة في تركيا جزءاً من الاقتصاد الرأسمالي العالمي إلى نهاية عقد العشرينات من القرن العشرين نظراً لدور و استمرارية تركيا باعتبارها مصدر للمواد الخام و المنتوجات الزراعية و مستورد للبضائع المصنعة و هذا الدور حددته قوى العمل على المستوى الدولي و ليس القوى التي أخضعت تركيا لــ ” ديناميكية التنمية ” و قبل ذلك اخضعت لاستاتيكية الاصلاحات ، أن الكساد الدولي خلال مرحلة الأزمة الاقتصادية على المستوى العالمي خلال عامي 1929 – 1930 كان ذات تأثير واسع في الاقتصاد التركي ، و يتمحور هذا التأثير بنسبة كبيرة على التجارة الخارجية نتيجة حالة الكساد التي تعرضت لها تركيا من حيث مواجهة مجموعة من التحديات و المشاكل تركزت بشكل أساسي حول كيفية إيجاد أسواق خارجية لمنتوجاتها الأولية و الزراعية مما ادى إلى نقص في التبادل الأجنبي الضروري من أجل استمرار استيراداتها للمعدات الأساسية في عمليات التصنيع كما أن الهبوط الأساسي في إيرادات التصدير التركي وقيمة الاستيرادات خلال السنوات 1929 – 1933 ادى إلى ادخل التصنيع التركي في اشكالية كبيرة . أن تفرعات الاقتصاد التركي توسعت من قبل الدولة توسعاً بشكل كبيراً خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين و قد برز مقياس هذا التوسع بيّنا كثيراً و ذلك استجابة للظروف المعكوسة الناتجة عن التدهور المالي في كافة بلدان العالم كما اتخذت البيروقراطية الكمالية خطوات حاسمة من خلال اتجاه تحريك الدولة بهدف انتعاش الاقتصاد التركي و هي ذات شبه بدرجة كبيرة بدور ” المقاول ” من خلال تبنى العديد من الواجبات التي كانت تضطلع بإصدارها من اجل تقوم البرجوازية الصناعية الوطنية بإنجازها على هيئة تقليدية و خصوصاً مع بدء الدولة بتولى قيادة المواقع التي تتحكم بالاقتصاد مع بداية عقد الثلاثينيات من القرن العشرين و بدأت تركيا بدخول إلى مرحلة استثنائية في ” عالم التنمية الرأسمالية ” و التي سميت فيما بعد بــ ” ديفليسيليك ” ” أي : الدولانية – الدولية ” و تعدّ بداية فترة اندماج رأسمالية الدولة بفترة ما بعد استقلال تركيا ، و في اطار هذه المقارنة نجد أن هناك تشبه بدرجة كبيرة في الظروف التي ترافقت مع تطورات كل من تركيا الكمالية في الجنوب و الاتحاد السوفياتي اللينيني شمالاً إلا أنهما في التطبيقات السياسية و الاقتصادية ” الدولانية ” الكمالية قد ذهبت إلى أقصى اليمين بتطوير الآليات الرأسمالية من قبل البرجوازية الوطنية الوسطى و في آن واحد ذهبت الشيوعية اللينينية إلى أقصى اليسار بتطوير الآليات الاشتراكية من قبل الطبقة العمالية التحتية ، و هو تناقض يعكس تباين فلسفة كل من الطرفين اتجاه تكوين البنية الاقتصادية و لكل من الدولتين أما خلال المرحلة الانتقالية بعد انتهاء الحربين العالميتين 1932 – 1950 : فقد تطور الدور المركزي الذي تولت مسؤولية قيادتها الدولة التركية في عملية التصنيع و تراكم رؤوس الأموال ، و يعدّ هذا الدور الأكثر واضحاً في قيادة الاقتصاد الوطني التركي و تسارع وتيرته من أجل إزالة تأثير الكساد العالمي ، و يمكننا توضيح ذلك من خلال المحاور الثلاثة الأساسية ، و هي :
- التصنيع :
أن الدور عملية التصنيع الوطني في بداية عقد الثلاثينيات من القرن العشرين بعد هيمنة الدولة على جماركها من خلال اتباع سياسة جمركية بهدف حماية الانتاج الوطني و تشجيعه و بالمقابل تم اتخاذ اجراءات مباشرة من أجل حماية الاقتصاد التركي آنذاك نظراً لان القيادة التركية تسعى على المدى البعيد إلى تأسيس و إدارة المشاريع التي تملكها الدولة و التي تعدّ القاعدة للاقتصاد الصناعي الوطني و بعد إعادة البناء الأولى لهذا الاقتصاد من خلال تنظيم التجارة الخارجية و الذي كان يتطلب من خلالها تأكيد السيطرة على تدفق العملة ، بدأت القيادة الكمالية بتنفيذ سياسة تنموية للصناعة المحلية و تمكنت الدولة من تحقيق النجاح إلى حد كبير في عملية التخطيط من خلال وضع برنامج يهدف إلى الاسراع بتطوير الرأسمالية التركية و هذه العملية لحق به الفشل خلال المرحلة الأولى بعد الاستقلال خلال عقد العشرينات من القرن العشرين ، و قد تم استحدثت العديد من التطورات بالتوازي مع عملية التصنيع التركي و تم تقديم تلك التطورات انجازات بارزة في عقد الثلاثينيات و تنقسم إلى :
- تأميم الشركات الأجنبية : تعدّ محاولة رائدة لتركيا بهدف إيجاد الحلول المناسبة لأزمة ميزان المدفوعات التركية ، و تعتبر أزمة اقتصادية ناتجة من الشروط الفاسدة للتجارة بعد مرحلة الكساد العالمي لسنة 1929 م ، و هي محاولة رائدة لحملة شاملة من أجل تأميم معظم الشركات الأجنبية خلال عقد الثلاثينيات و بدأ مشروع ” التأميم ” من خلال تولي الدولة المؤسسات و الأجهزة ذات المنفعة و الخدمات العامة كالسكك و النقل و الموانئ ثم تطبيقها تأميم المناجم و المعامل الممتلكة برساميل أجنبية و استمر إلى بداية عقد الأربعينيات من القرن العشرين ، و قد استمرت سياسة التأميم خلال الفترة الممتدة بين 1931 – 1944 ضمن قوانين تمنح الدولة حقوق شراء الشركات و تحديد مبالغ للتعويضات و قد تميزت سياسة التأميم بدور فعال في تقوية الاقتصاد التركي في اطار انهاء بشكل كبير تدفق رأس المال حيث تحسن ميزان المدفوعات مع توسعات الدولة في تفرعات مختلفة للاقتصاد الصناعي الوطني و أفسح المجال إمام تخطيط الدولة بفرض زيادة الانتاج و الاسراع في عملية التصنيع الرأسمالية المستقلة و بناء على ذلك الأساس انتهجت الدولة صياغة مشروع تنموي واسع يتكون من خطتين خمسيتين خلال عقد الثلاثينيات حيث حققت تقدماً ملموساً في التصنيع الوطني .
- مشروع التنمية الصناعية : نجحت الدولة التركية باتخاذ طريقة نظامية للتصنيع و يعدّ تخطيط حكومي يشابه في اطاره و ليس في مضمونه أو محتواه الذي كان يجرى العمل به في روسيا ” الاتحاد السوفياتي ” سابقاً أن صياغة الخطة التنموية الخمسية الأولى وفقاً للأهداف الكمالية قد بدأت تأخذ شكلها الطبيعي سنة 1932 من خلال كل من الدائرة الحكومية الصناعية و مصرف الاعتماد الصناعي اللذين عملاً على صياغة و تنسيق خطة التنمية الصناعية الخمسية الأولى التي بدأت من خلال القنوات الحكومية في اطار توسيع العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي و العمل على البدء ببرنامج التصنيع الوطني و قد تم التوقيع على اتفاقية فنية و مالية – تسليفية بين الطرفين حيث منحت تركيا بموجبها قرضاً من قبل السوفيات بهدف تمويل جزأي الخطة الخمسية الأولى ، و قد تم أنشاء ” وكالة تؤركستروخ ” بغرض أدارة القروض و عملياته و تقديم طلبات المكائن و المعدات برئاسة موظفين صناعيين كبار و قد تطورت العلاقات الاقتصادية التركية – السوﭭياتية أثناء أنشاء مصانع للأنسجة و تطوير للتجارة و تشييد للمشاريع و تم ارسال عمال فنيين أتراك للتدريب في الاتحاد السوﭭياتي مع وصول خبراء سوفيات في التخطيط التنموي إلى تركيا برئاسة ” البروفسور أورلوف ” خلال شهر أغسطس لسنة 1932 م الذي قدم دراسات و استشارات متعددة للأتراك ضمن تقرير اعتمده مجلس الوزراء التركي بعد المصادقة عليه كخطة صناعية خمسية أولى بتاريخ 17/4/1934 م و أرسل إلى ” مصرف سومر ” بهدف تنفيذه ، و سوف نحاول التركيز على الخطتين الصناعتين بتفصيل :
الخطة الصناعية الخمسية الأولى :
تعدّ هذه الخطة خطوة استراتيجية ذات أهمية للأتراك في توسيع و تطوير القوى المنتجة منذ عقد الثلاثينيات ، و أهم أهدافها هي :
- مدى خصوصية التأكيد على ضرورة انتاج البضائع الاستهلاكية حتى إقامة البنى الارتكازية اللازمة من أجل تصنيع المواد الأساسية .
- العمل على التوسع الصناعي بشكل أساسي من خلال استخدام المواد الخام المحلية و نشر المراكز الصناعية في جميع المديات الجغرافية لتركيا أثناء ايصالها إلى المناطق الريفية و النائية مع ضرورة مراعاة تأسيسها في المناطق المجاورة للمواد الخام .
- العمل على التوسع بصناعة الأنسجة بهدف سد الطلب المحلي و توفر العملات الأجنبية من الصادرات .
و قد تم تشييد مصنع للفولاذ و عمل للورق و السليلوز و معمل للأسمنت و تنمية معامل كيمياوية و سبعة مصانع نسيجية و مصنع للسكر و قد تم انجاز كافة المشاريع مع نهاية فترة الخمس سنوات ضمن قرار الخطة عدا مجمع للحديد و الفولاذ و ثلاثة مشاريع أخرى .
الخطة الصناعية الخمسية الثانية :
تم تقديم هذه الخطة خلال سنة 1936 م بعد اكتمال مشاريع الخطة الأولى إلى رئاسة الوزارة من قبل وزير الاقتصاد ” جلال بايار ” آنذاك ، حيث أكد على ضرورة تشييد مئة معمل جديد مقارنة بــ 20 معملاً للخطة الخمسية الأولى و تم العمل على تطوير تسعة فروع أساسية للصناعة و المعادن و مناجم الفحم و معامل الكهرباء الاقليمية و وقود المنازل و النقل البحري و الأغذية و الآنية الفخارية و الكيمياويات و الهندسة في هذه الخطة ، و قد أكدت الخطة على ضرورة انتاج المعادن و المواد الخام و تطوير الوقود و الطاقة من أجل سد الاحتياجات الصناعية منها و قد تم اقتراح أنشاء محطتين جديدتين من أجل توليد الطاقة الكهربائية و تطوير الصناعة الهندسية و تصنيع المنتوجات في المشاريع شبه المكتملة حيث وافقت الحكومة التركية على الخطة الخمسية الثانية بتاريخ 18/9/1938 م ، و هي تتضمن في برنامجها المصادق عليه مجموعة من الأهداف ، و هي :
- استقلال المناجم و المصادر الطبيعية و المياه الساحلية .
- أنشاء صناعة ثقيلة بالاعتماد على المواد الأولية المحلية بشرط أن يترافق مع العمل على تحسين شبكة سكك الحديدية .
ج-أنشاء معمل للمعدات الزراعية في أنقرة .
د-العمل على تصنيع شرق تركيا من خلال أنشاء معمل للغزول و آخر للأسمنت
و معمل للسكر و معمل لصناعة تغليف و تعليب اللحوم مع العمل على
تحسين ميناء ” طرابزون ” .
هـ-العمل على أنشاء معامل للبحوث في الأناضول .
و-العمل على أنشاء محطة للطاقة و مصنع للزيوت الصناعية في أنقرة .
ز-أنشاء معمل لتعليب اللحوم في بورسه .
ح-العمل على أنشاء معمل لتكرير السكر .
ط-أنشاء معمل للألمنيوم .
ي-تنفيذ مشاريع للإسكان .
ك-تطوير الملاحة التجارية من خلال اضافة 28 باخرة بحمولات مختلفة .
ل-توسيع تصدير المنتوجات الزراعية .
مما سبق يتضح أن الخطة الصناعية الخمسية الأولى ركزت على انتاج ما يحتاج إليه الأتراك من استهلاكيات كبديل للاستيرادات بالمقابل ركزت الخطة الصناعية الخمسية الثانية على انتاج الأساسيات كالطاقة الكهربائية و بناء الموانئ و تأسيس المكائن و المعدات ، و قد بلغت كلفة الخطة الثانية التقديرية حوالي 112 مليون ليرة تركية ، أي حوالى أكثر بضعفين و نصف الضعف من كلفة الخطة الأولى التي قدرت بحوالي 44 مليون ليرة تركية ([7]) ، و نتيجة ضيق المصادر المالية لتركيا فقد استوجب الحصول على قروضاً أجنبية اضافية و اعتمادات بهدف انجاز البرامج المقترحة للخطة الثانية و بعد مرور أزمة الكساد الاقتصادية التي بدأت مع بداية عقد الثلاثينيات على المستوى العالمي ، أخذت تركيا تنحو تدريجيا نحو الغرب بهدف الحصول على المساعدات و الخبرات و القروض و التعليم ، و قد كان الدور الروسي كبيراً قبل الاتجاه التركي نحو الشركات البريطانية و تم عقد اتفاقيات مع بريطانيا مع نهاية عقد الثلاثينيات من القرن العشرين التي توجت بتوقيع اتفاقية لندن بتاريخ 27/5/1938 م و قد تعاقدت تركيا على قرص الماني بتاريخ 16/1/1939 م ، إلا أنه لم يتحقق نظراً لاندلاع الحرب العالمية الثانية ، و قد كان لاندلاع الحرب الأثر البالغ في دعم تنفيذ جزء كبير من المشاريع و قد تسلمت تركيا العديد من القروض الضخمة من مصادر أجنبية بغرض مساعدتها على تنفيذ برنامجها التطبيقي خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين .
- دور المصارف الحكومية في عملية التصنيع :
كانت هناك فعاليات نشيطة لمصرفين تركيين حكوميين جديدين في عقد الثلاثينيات قام كلا منهما بتقديم كافة الخدمات للعملية التصنيعية ، و هما : مصرف سومر الذي حل محل مصرف الصناعة و المعادن ، و مصرف ايتي ، نظراً لان مكانتهما كانت من الأهمية الكبيرة و الحاسمة و من أهم مسؤوليات ” مصرف سومر ” تشغيل معامل الدولة ، و التخطيط و أنشاء مشاريع جديدة و المشاركة في برامج صناعية ، و أدارة مختلف المعاملات المصرفية و فعاليات الاعتمادات ، أن الهدف من أنشاء المصرف هو تقليص اعتماد الدولة على الصناعة الأجنبية من خلال تطوير الصناعات المحلية الثقيلة و الصناعات الحرفية اليدوية مع امتلاكه ” مصرف سومر ” العشرات من المعامل و المشاريع ، أما ” مصرف ايتي ” فقد تم أنشائه في سنة 1935 م بهدف تطوير التعدين و هو ثاني مؤسسة مالية ذات أهمية في عقد الثلاثينيات ، و قد تم تحديد واجباته من خلال استخلاص و شراء و بيع المعادان ، و البحث عن النفط و دراسات في المنتوجات النفطية و اكتساب الامتيازات للمناجم و المقالع و الطاقة الكهربائية نظراً لأنه وقع على عاتقه مهمة كهربة البلد و السيطرة على كافة انتاج الفحم و النحاس و الكروم و الكبريت ، و قد أسس ” معهد البحوث و اكتشاف المعادن ” سنة 1935 م من أجل يكون عامل مساعداً لـــ ” مصرف ايتي ” في التعدين و مجال الطاقة و هناك مصرفين اضافة إلى المصرفين المذكورين و هما مصرفان قديمان منذ عقد العشرينات ، و هما : المصرف التجاري ، المصرف الزراعي ، هدفهما العمل على تطوير رأس المال التركي الخاص في القطاع الزراعي و زيادة حجم الانتاج الزراعي في الريف و يقصد بذلك أن المصرف الزراعي اختص بدرجة كبيرة بالعمل على تطوير القطاع الزراعي و رفع انتاجيته .
- الزراعة :
أن اهتمام الدولة بالزراعة أقل من اهتمامها بالصناعة خلال عقد الثلاثينيات نظراً لاحتلال قطاع الزراعة الدور الهامشي في الخطط الخمسية مقارنة بعمليات التصنيع و برامجها الواسعة حيث ساهمت الزراعة التركية بشكل أساسي في الاقتصاد الوطني من خلال نمو الانتاج المتزايد و قد تم أنشاء مؤسسة لشراء القمح من الفلاحين سنة 1932 م من قبل الدولة و قامت بتخزينها و بيعها وقد كان لتلك المؤسسة برفقة المصرف الزراعي الدور الفعال و الأساسي في نمو الاقتصادات الزراعية حيث حققت خطوة نحو الامام من خلال انتقالها إلى وزارة الاقتصاد باسم ” الدائرة المركزية لانتاج التربة ” و قد توسع عمل هذه الدائرة سنة 1939 م ليشمل شراء و تسويق الشعير و الهرطمان ثم شملت منتوجات زراعية اخرى بعد سنوات و قد وضع المصرف الزراعي تحت تصرف الدائرة المذكورة رأس المال الضروري الذي قدر بــ 17 مليون ليرة تركية عام 1938 ([8])، و شارك المصرف في أنشاء مشاريع تصنيعية زراعية كالمطاحن و معامل السكر و قد اعتمدت الحكومة التركية سياسية زراعية جديدة تؤكد على أحياء التعاونيات الاعتيادية الزراعية من خلال إصدار قوانين تقضي بضرورة تشكيل اتحادات تعاونية اعتمادية حيث اضطرت الحكومة إلى مواجهة الملاكين بشكل مباشر إلا أن الجهود الفعلية في أنماء الاقتصادات ادت إلى توسيع قاعدة حركة التعاونيات و زيادة ناتجها في الانتاجية الزراعية من خلال اعتمادات المصرف الزراعي و ما اقرته 572 تعاونية في العمل تحت إدارته و توجيهه ، أن الهدف الأساسي من التعاونيات الاعتادية كان من اجل انقاذ الفلاح من المراباة ، أن تحديث قوى الانتاج الزراعة التركية بدأ بشكل فعلي من خلال تطبيق المكننة التي ساهمت في زيادة الانتاج مبكراً و بعد مرور فترة زمنية قياسية على اثر خروج الأتراك من عالم الامبراطورية العثمانية التي استمرت لقرون عديدة التي كانت الزراعية قد تم تدميرها خلال عهودها الأخيرة و تأخرت آلياتها و أساليبها و شكلت بداية عقد الثلاثينيات موجة تحديثية حقيقية من خلال الانتقال من المحراث القديم إلى التراكتور حيث بدأ العمل يزداد به و بعد انتهاء الأزمة الاقتصادية على كافة بلدان العالم بدأت تتدفق المعدات و المكائن الزراعية إلى تركيا بعد استيرادها حيث استوردت ما قيمته 224000 ليرة تركية عام 1933 مقارنة باستيراداتها لما قيمته 389.000 ليرة تركية عام 1935 ([9]) ، و على اثر ذلك ، بدأت عملية توعية في عقد الثلاثينيات للمزارعين و تشجيعهم على تبنّى الأساليب الحديثة و الوسائل الكفوءة في الانتاج و عملت على مساعدتهم بغرض شراء المكائن و التراكتورات من خلال القروض و الاعتمادات ، و قد تم صياغة خطة لأربع سنوات من اجل تطوير الزراعة التركية لسنة 1937 م بهدف رفع الانتاج و الصادرات و قد ترافق ذلك مع الخطة الخمسية الثانية و انجازات في الري و المياه اضافة إلى خطوات اخرى من أهمها مدى التركيز القوى المنتجة على شكل اتحادات زراعية اقليمية ، انتهجت سياسية تثقيف شباب القرى ثقافة زراعية و عامة و تطوير أنظمة الري في الأناضول و تأميم الغابات و اصلاح الأراضي ، و رغم كل المجهودات التحديثية المكثفة هناك العديد من برامج المطبقة التي لم تحقق النجاح و التقدم المطلوبين و يرجع بعض الباحثين و المؤرخين الاقتصاديين ذلك إلى عاملين :
- المقاومة للملاكين المحليين لإصلاح الأراضي و المشاريع التابعة .
- اندلاع الحرب العالمية الثانية التي اجبرت الدولة على تبنى اقتصاد حربي خاص .
مع اضافة عامل أساسي ذات أهمية قد يتقدم على العالمين المذكورين ، ان التنوع و التباين بين أقاليم الأناضول و أبنائها الريفيين نظراً لظروف الجغرافية و فيزياوية و تاريخية أن أبناء الأقاليم الغربية من الأناضول يختلفون بنسبة كثيرة عن أبناء الأقاليم الشرقية ، و أن العديد من المشاريع لم يتم تنفيذها و بالمقابل تم تنفيذ مجموعة من المشاريع الأخرى و لكنها لم تغير بشكل أساسي من هيكليات الاقتصادات الريفية التركية و لم تؤدي إلى الاسراع في عملية التحديث في البنية الزراعية حيث ساعد التوسع المحدود على زيادة الانتاج الزراعي مما ادى إلى زيادة الدخل الزراعي لاسيما انتاج القطن و التبغ و القمح و الأرز و البرسيم و الكسر و البنجر و الحبوب ..الخ ، و أن المساحة الاجمالية للأراضي المزروعة بالمحاصيل في تركيا ارتفعت من 4.86 بالمئة من مساحة الأرض عام 1927 ، إلى 10.27 بالمئة عام 1934 ، إلى 12.25 بالمئة عام 1940 ([10]) ، و كانت سياسة الدولة خلال عقدي الثلاثينيات و الأربعينات اتجاه الأرض و كافة المزارعين و جماعات الملاكين تسعى بعلاقاتها البيروقراطية الزراعية من أجل الوصول إلى زراعة انتاجية رأسمالية شغلتها القوى الفوقية و لم تحدث اية تعبئة للجماهير الفلاحين كقوى زراعية ” تحتية ” .
- التجارة :
تحقق العديد من الانجازات الانتاجية التصنيعية و الزراعية ذات تأثير في التجارة التركية حيث صدرت قوانين التعريفية منذ عقد الثلاثينيات بهدف تقليص حجم الاستيرادات بغرض الوصول إلى إقامة توازن مع الصادرات لتقليل العجز التجاري السنوي و قد بدأت الاستيرادات تنخفض كالأنسجة و المواد الغذائية مع ارتفاعها للمواد الخام الضرورية لعملية التصنيع و قد قامت وزارة الاقتصاد الوطني بجهودها من أجل زيادة الصادرات و إيجاد أسواق بهدف امتصاص المنتوجات التركية و انبثقت سنة 1934 م دائرة خاصة للتجارة الخارجية ” توركوفيس ” في الوزارة المذكورة حيث أخذت على عاتقها التخطيط للاستيرادات و الصادرات مع ضرورة المساهمة السياسية الحكومية في التقييدات المضبوطة على الاستيرادات لتحسين ميزان المدفوعات مع الثبات المؤقت للعملة المحلية ، و أصبح لتركيا فائض في التجارة خلال عقد الأربعينيات عدا سنة 1938 م ، و قد ساعدها الفائض على زيادة نسبة مدخولات التبادل الخارجي حيث تحسن ميزان المدفوعات كثيراً و تبعا لذلك تطور رأس المال التركي الذي أحدثته الدولة خلال عقد الثلاثينيات حيث طرأت العديد من التحسينات بشكل كبير في أوضاع تركيا الاقتصادية الشاملة و خصوصاً في القطاع الصناعي الذي ميزها .
مرحلة التكامل التي مرت بها تركيا خلال العقود الأربعة الاخيرة من القرن العشرين
عقد الخمسينيات : يعدّ عام 1950 م تحول تاريخي – اقتصادي لتركيا مع تولي رئاسة الوزراء ” محمود جلال بايار ” الحزب الديمقراطي بتاريخ 22/5/1950 م إلى 27/5/1960 م و وصل الحزب الديمقراطي إلى السلطة بدأت تركيا تنتهج سياسة التنمية و يتباين نوعياً عن المسار الذي اتبعته خلال عهد التصعيد الرأسمالي من قبل الدولة الوطنية و يعتبر المسار الجديد التنموي من خلال قراءة فلسفة التاريخ الاقتصادي التركي أنه بمثابة إعادة لتعامل تركيا في الاقتصاد الرأسمالي العالمي ، و أما عقد الخمسينات فهو من أخطر عقود القرن العشرين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فقد انحازت تركيا بنسبة كثيرة اتجاه الغرب في اطار النظام الدولي من خلال ارتكزها على التحالف السياسي ، مع الأخذ بالعلم أن المرحلة الكمالية خلال عهد ” مصطفى كمال اتاتورك ” و ” عصمت اينونو ” تم خلالها انجازات التصعيد في التنمية الاقتصادية التركية ثم جاءت بعدها مرحلة الديمقراطيين التي كان على رأسها كل من : ” جلال بايار ” الرئيس الثالث لتركيا الذي أسس المصرف التجاري ” ايس بانكاسي ” و ” عدنان مندريس ” شريكه رئيس الوزراء و كان واحداً من كبار الملاكين في غربي تركيا و قد بدأت سياستهما عملية تفكيك للاقتصاد الوطني التركي و توافق هدفهما مع مصالح الملاكين و توصيات البنك الدولي للأعمار و التنمية و أفضل دليل على ذلك نقل مشاريع الدولة إلى القطاع الخاص حيث تم عرض العديد من المشاريع الحكومية للبيع إلى المقاولين الخاصين و بأسعار أدنى من أسعار السوق بهدف تشجيع الصناعة الوطنية و لكنهم لم يتمكنوا من استثمارها في الصناعات الثقيلة أو المعقدة تقانياً بل استمروا مركزين على صناعة الأغذية بشكل أساسي ثم الأنسجة و صناعات المنتوجات الزراعية استجابة لنظام الحزب الديمقراطي الجزئية للنمو المحدد لرأس المال المحلي الخاص في الصناعات الأساسية كما صاغ نظام الحزب الديمقراطي قانوناً للاستثمار الأجنبي حيث تم أفسح المجال إمام حركة الرساميل عبر البحار بغرض تأسيس فروعاً لها في تركيا بهدف تجريد اقتصادات تركيا من مميزاتها الوطنية ، و قد كان لصدور لاعلان قانون تشجيع رأس المال الأجنبي سنة 1954 م اتاحة المجال إمام الرساميل الأجنبية عملياً و بدون تعقيدات على مقدار الاستثمار و نوعه و الدخول في المشاريع التركية مع الشركات التركية ، و قد نص القانون على البنود التالية :
- تكون جميع المناطق الاقتصادية المفتوحة إمام المبادرات الخاصة التركية مفتوحة إمام رأس المال الأجنبي ايضا .
- ليس هناك إلزام باشتراك رأس المال الأجنبي مع رأس المال الوطني .
- يجوز للشركات الأجنبية العاملة في تركيا إذا رغبت إلى إعادة جميع أرباحها إلى مواطنيها أو اضافتها إلى استثماراتها الأساسية في شركة اخرى .
مما سبق يتضح كيفية تغلغل رؤوس الأموال الأجنبية في تركيا حيث أصبحت رؤوس الأموال الأجنبية ذات علاقات وثيقة مع الصناعات الأساسية مستهدفة التكامل التدريجي للبرجوازية الصناعية المحلية الناشئة حديثاً في عملية الانتاج على المستوى العالمي و ازدادت قدرة رأس المال الأجنبي في تركيا خلال عقد الخمسينات مقارنة بحده الأدنى في عقد الثلاثينيات الامر الذي يدل على أن وصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة ادى إلى تغيير كبير في السياسة الاقتصادية التركية نحو الاستثمار الأجنبي حيث بلغ في السنوات الأولى إلى ملايين الدولارات التي تركزت في تركيا .
و خلال عقد الخمسينات ازداد عدد الشركات الأمريكية و الألمانية و الانكليزية في المدن التركية مع توسع في رأس المال المحلي سواء أكان في الصناعة أو الزراعة أو التجارة و في اطار الاقتصاد الرأسمالي التابع حيث تمكن العملاء الأتراك للرأسمالية الأجنبية من تحقيق الاستفادة الأمثل ، و برزت العديد من المشاريع المشتركة مع بروز الاحتكارات الكبيرة و سيطرت القوى المحلية من الملاكين الأقوياء على القطاع الزراعي و قاموا بمنح جزءاً من عملية التحول الرأسمالي في الزراعة التركية من خلال الاستيلاء على الفائض من قيمة الأجور في العديد من الأقاليم ، و نتيجة ازدياد نسبة الاستيرادات طيلة عقد الخمسينات مع ضعف حجم الصادرات ادى إلى عجز في التجارة مع ازدياد نسبة الديون التي تعرضت تركيا من خلال التمويل الأجنبي لمشاريع التنمية الامر الذي اثر في ميزان المدفوعات مما اضطر إلى الاقتراض من مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و من قبل بلدان منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي و نتيجة ازدياد عبء الديون و نفقات خدماته مع المصروفات العسكرية المتزايدة ادى إلى أزمة في الميزانية و ارتفع المعدل العالي للتضخم خلال تلك الفترة مع استمرارية الأجور دون تغيير في معظم فروع الصناعة التصنيعية و ازدياد البطالة و الكثافة السكانية و سكان الاكواخ .
جميع هذه العوامل ادت إلى تدهور ظروف العمل و الحياة في النصف الثاني من عقد الخمسينات و زيادة عمليات التنظيم الجماهير في فضاء من الأزمات الاقتصادية و الاضطرابات الاجتماعية و النفقات العسكرية الضخمة و الركود العام في الاقتصاد مع مواجهة التضخم بتخفيض سعر العملة الامر الذي إلى ازدياد مبالغ الاستيرادات و الحصول على مبالغ اقل من الصادرات مما أثر على مستوى المعيشية و الحياة الاجتماعية و حدوث خلل في صفوف الجيش و الجامعات و الصحف و كان ذلك عامل أساسي في الانقلاب الناجح سنة 1960 م عندما تولي ” سليمان ديميريل ” القائد الجديد لحزب العدالة خلال سنة 1964 م ممثل اتحاد شركة موريسون الأمريكية .
عقد الستينيات : تميز هذا العقد بوجود أضرار بالتنمية الاقتصادية مما ادى إلى أزمة اقتصادية كبرى و مشاكل و عقبات عديدة من أهمها ارتفاع معدل البطالة و التضخم و عجز كبير في التجارة و ديون خارجية ، الامر الذي دفع إلى اصدر دستور تركي جديد و أجراء اصلاحات جديدة و تشريع الدستور التخطيط الحكومي بهدف إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و اصلاح الضرائب و إعادة توزيع الأراضي و غير ذلك و لكن تم الحكم على تلك الاصلاحات بالفشل نتيجة ازدياد حدة التحديات الاقتصادية و المالية و استمرت الدولة بمنح مشاريعها إلى القطاع الخاص المحلي و الأجنبي و ازداد نمو الاستثمارات الأجنبية في تركيا خلال عقد الستينيات بنسبة أكثر من عقد الخمسينيات نلاحظ مدى اختلافها اختلاف نوعياً عن الخطط التي تبنتها الدولة في عقد الثلاثينيات نظراً لان القطاع الحكومي أصبح جزءاً من الاقتصاد التابع المعتمد على رأس المال الخارجي و المحلي خلال عقد الخمسينيات و قد كان كل من التخطيط و الاستثمار في الدولة يلعب دوراً مميزاً في تنمية الاقتصاد الوطني المتنوع خلال عقد الثلاثينيات بهدف حماية و تطور الأهداف و المصالح الطويلة الأمد للبرجوازية الوطنية الصغرى علما بأن التخطيط في عقد الستينيات كان يعمل ضمن الاقتصاد التابع كما أن سياسات الدولة التي عكست مصالح رأس المال الأجنبي و الملاكين و الرأسماليين المحليين و استمر نقل مشاريع الدولة الأساسية إلى القوى أجنبية و محلية خاصة مع استمرارية الشركات الأجنبية و المحلية الخاصة محتكرة للمناجم و بعض الصناعات الأساسية كالنفط و الحديد و الفولاذ و المطاط ، و قد تم دفع العجز المستمر في ميزان المدفوعات التركي إلى طلب المساعدة و الاستدنة من الغرب و مصارفه الدولية و معظم هذه المساعدات قد وجهت الأتراك من قبل ” اتحاد المساعدة المالية لتركيا ” الذي قد تم تأسيسه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و اثنتي عشرة دولة أوروبية و تم ربط تركيا بالبنك الدولي حيث بلغ مجموع ما تم تزويد تركيا به 2.1 بليون دولار أمريكي خلال الفترة ( 1963 – 1997 ) ([11])، و وفقا لأرقام الحكومة الخاصة فقد بلغ اجمالي الدين الخارجي 12.9 بليون ليرة تركية عام 1965 و 18.4 بليون ليرة تركية عام 1969 ([12]) ، و قد وصل الاقتصاد التركي إلى مرحلة خطيرة مع نهاية عقد الستينيات إلا أن التخطيط الدولة لم يكن ذات فعالية مع عجز التجارة و ارتفاع الانفاق العسكري مما ادى إلى أزمة في ميزان المدفوعات مع ارتفاع حدة التضخم و البطالة و كافة هذه المشاكل و العقبات الاقتصادية ادت إلى اشكالية في البنية الاقتصادية و المالية اثرت سلباً في الحياة الاجتماعية ، أما بالنسبة لقطاع التصنيع في عقد الستينات فقد حقق معدلات عالية من النمو في الاقتصاد التابع حيث نما الانتاج الصناعي من 13 بليون ليرة تركية عام 1962 إلى 31.2 بليون ليرة تركية عام 1971 ، أي بزيادة قدرها 140 بالمئة خلال عشرة أعوام ( عقد زمني كامل ) ([13]) ، و ارتكزت الصناعات التركية في عقد الستينيات على رأس المال الأجنبي مستخدمة التقانة المتقدمة و المستوردة من الخارج و لكنها لم تستطع التصدي لتدفق الهجرة المتزايدة للسكان الريفيين من المزارعين إلى المدن و ناتج عن ذلك ازدياد نسبة الانتاجية و الأرباح لفئات معينة على حساب آلاف العمال الزراعيين الذين دفعتهم البطالة حيث بلغ العدد الاجمالي للعاطلين عن العمل إلى 1.440.000 ، أي 11 بالمئة من قوة العمل ([14]) ، و عاشوا في حالة قريبة من المجاعة في اكواخ من الطين و لكنهم تمكنوا من التجمع في النقابات العمالية و المنظمات الحزبية و خروج في التظاهرات و عبروا سياسياً من خلال الاضطرابات التي قاموا بها الامر الذي اسفر إلى انقلاب سنة 1971م .
عقد السبعينات 1971 – 1979 م : بعد عقدين من الزمن من الأزمات الاقتصادية و المالية التي تعرضت لها تركيا ادت إلى التدخل العسكري سنة 1971 م و هيمنة العسكريين على كافة أجهزة الدولة بهدف المحافظة على السلطة السياسية من خلال المحافظة على العلاقة مع الغرب و اقتصادياً من خلال المحافظة على السلطة بين صفوة من كبار رجال المصالح سواء مع البنك الدولي أو شركة النفط التركية أو من أصحاب المصارف و غيرهم و بعد تشكيل الحكومة تم الاعلان عن الأحكام العرفية بتاريخ 26/4/1971 م في أحد عشر اقليمياً استراتيجياً من بينهم الأقاليم الشمالية التي تعدّ أكثر تصنيعاً حيث ازداد نمو نقابات العمال الثورية مع انتشر أعداد كبيرة من السكان الأكراد في أقاليم العينية – زراعية ، و قد عاشت تركيا فترة من عدم الاستقرار اثناء الفترة الممتدة 1973- 1979 م نظراً لازدياد حدة المخاطر خلال فترات حكومات الائتلاف التي سقطت واحدة تلو الاخرى نتيجة تعاقب كل من حزب العدالة و حزب الشعب الجمهوري و الحزب الاشتراكي الوطني و مع بداية سنة 1974 م شكل حزب الشعب الجمهوري بقيادة ” بولند اجاويد ” حكومة ائتلافية الاخرى التي تسمى بــ ” الجبهة الوطنية ” التي تتكون من أربعة أحزاب يمينية : و هي : حزب العدالة ، حزب الخلاص الوطني ، حزب الثقة الجمهوري ، حزب الحركة الوطنية بقيادة ” سليمان ديميريل ” ، و استمر ذلك الائتلاف في السلطة حتى انتخابات سنة 1977 م ثم شكل ” أجاويد ” بإسناد من المستقلين حكومة جديدة بقيادة حزب الشعب الجمهوري و ازدادت الأوضاع الاقتصادية سواء بين عامي 1978 – 1979 م نظراً لفشل الحكومات الائتلافية التي تشكلت في الفترة الممتدة بين 1973 – 1979 م و بلغ عددها ثلاثة عشر حكومة حيث لم تتمكن أية واحدة منها من إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل الاقتصادية المتزايدة الامر الذي يفسر وصول تركيا إلى مرحلة الكساد الاقتصادي ، و عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية في عقد السبعينات نظراً لحدوث الأزمة الاقتصادية ، إلا أن خلال عقد السبعينيات حققت تركيا العديد من الأهداف الصناعية و التجارية نظراً لمدى ارتباطها بالاستثمارات الغربية و لاسيما صناعة السيارات التركية التي تقوم بتركيب الشاحنات و تراكتورات ” هارفيستر ” العالمية و صناعة تعليب الأغذية و صناعة الأسمنت و الشركة التركية التابعة لشركة العالمية و صناعة تعليب الأغذية و صناعة الأسمنت و الشركة التركية التابعة لشركة ” رينو ” و مصنع ” بيتكيم ” للبتروكيمياويات و مصنع اطارات ” كوديير ” و غيرها ، أن القوة العسكرية التركية مع البرجوازية التركية المحتكرة تتمتع بنصيبها الأساسي بالمحافظة على الثبات الاقتصادي و الاجتماعي ، و قد استمرت تركيا خلال عقد السبعينيات بتسجيل العجز في تجارتها الخارجية نظراً لازدياد نسبة استيراداتها و بالمقابل تراجع نسبة الصادرات و كان لذلك التأثير النهائي نظراً لعدم التوازن الذي أصاب ميزان التجارة التركية بنسبة كثيرة مع تزايد نسبة الديون الأجنبية في تركيا الامر الذي ادى إلى ارتهن اقتصادها للمصارف الغربية حيث بلغ اجمالي الدين الخارجي لتركيا 2.2 بليون دولار أمريكي عام 1970 ، ثم ارتفع إلى 3.5 بليون دولار أمريكي عام 1975 ، ثم وصل إلى 12.5 بليون دولار أمريكي عام 1978 ، ثم وصل إلى أكثر من 15 بليون دولار أمريكي عام 1979 ([15]) ، و بلغت وكالات التمويل الدولية إلى اكثر من 250 مصرفاً غريباً خاص واجهت أزمة الديون الخارجية التركية من خلال عملية استرداد للديون سنة 1979 م ، و تم فرض مجموعة من الشروط على تركيا من قبل صندوق النقد الدولي نذكر أهمها : اعلان النمو الاقتصادي ، تجميد الأجور ، تخفيض سعر الليرة التركية بنسبة 20 – 30 بالمئة ( و التي سبق أن خفض سعرها في 15 مناسبة للفترة ( 1972 – 1977 ) ([16]) ، اعلان زيادة اخرى في أسعار المواد الاستهلاكية ، تخصيصات كبيرة للقطاع الخاص من ميزانية الدولة نظراً لتعرضها لعجز بنسبة كبيرة وصل إلى بلايين من الدولارات .
و في ظل هذه الأحداث طلبت تركيا الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة EEC بهدف الخروج من أزمتها الاقتصادية و المالية مع وجود الفرصة سانحة إمام تركيا و أوروبا لتوسيع الاستثمارات الأجنبية دون حدوث تغييرات جوهرية مع توفر الأيدي العاملة الرخيصة و اتاحة المجال إمام تجهيز الثابت للمواد الخام و النفط و إزالة العقبات و تقييدات الاستيراد و احتكار بنسبة أكثر للاقتصاد المحلي و القطاع الصناعي بشكل خاص إلا أنه تم تأجيل الموافقة على الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة لمجموعة من الأسباب من قبل دول السوق الأوروبية المشتركة .
عقد الثمانينات : ” مشروع تورغوت أوزال ” أصبح ” سليمان ديميريل ” رئيس الوزراء بتاريخ 12/11/1979 م ” حزب العدالة ” لحكومة اقليمية بدعم من قبل شركاؤه في الجبهة الوطنية ، و التخطيط لبرنامج اصلاح اقتصادي تركي يهدف إلى ايجاد حلول لمشاكل الحكومة الجديدة للأوضاع الاقتصادية ، و أعلن ” ديميريل ” خلال شهر يناير لسنة 1980 م عن برنامجه في الاستقرار الاقتصادي الذي قام بأعداده ” تورغوت أوزال ” و اجراء المشاورات مع صندوق النقد الدولي من قبل وكيل الوزارة في مكتب رئيس الوزراء ” ديميريل ” ، ” تورغوت أوزال ” ، و يعدّ برنامج جديداً فرض على تركيا التحصن وراءه من أجل المحافظة على أوضاعها الاقتصادية و يشمل مجموعة من البنود الأساسية منها ، ترسيخ تقييد نمو السيولة النقدية ، إلغاء تثبيت الأسعار ، الدعم الحكومي لمشاريع الدولة الاقتصادية و مراقبتها من قبل صندوق النقد الدولي .
تزامن بداية العمل ” مشروع تورغوت أوزال ” مع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية و لكن الصورة لم تكن واضحة نظراً لعديد من العقبات في المناخ السياسي و ازديدا درجة العنف و أصبحت الاجراءات الاقتصادية أكثر خطورة عند حدوث انقلاب بتاريخ 12/9/1980 م ، كان المشروع الاقتصادي التركي يحتل المرتبة الأول التي قد أعلن عنها الانقلابيون و أصبح ” تورغوت أوزال ” رائد مؤسس للسياسة الاقتصادية نظراً لمدى تمتعه بالعبقرية و الذكاء في التحديث و التنمية الاقتصادية في تركيا و يسعى إلى الوصول لمرحلة تنفيذ الاستقرار الاقتصادي و قد امر القادة من الجنرالات الانقلابيين العمال المضربين عن العمل بالعودة إليه تم الاعلان خلال شهر مارس لسنة 1981 م بالإعلان عن ضريبة الدخل بغرض أعانة أصحاب الدخول المنخفضة ، و زيادة مردودات الضريبة من المزارع الخاصة و المهن الحرة و المقاولات الصغرى و دعم أسعار المنتوجات و السلع الزراعية من أجل التخفيض من زيادة اسعار التجزئة .
و مع بداية سنة 1982 م بدأت تركيا تستعيد الاستقرار في الأسعار و نتج عنها مجموعة من الشروط العملية و المناسبة لدورة نمو جديدة من تراكم رأس المال حيث حقق الناتج المحلي بالقيم الحقيقية نمو يقدر بـــ 4.4 بالمئة و هي نسبة تقارب ما تحصل عليه عام 1981 م ، فيما كانت وتيرة النمو الفرد الواحد 2 بالمئة تقريبا .. و ارتفعت صادرات السلع من 22 بالمئة إلى 25 بالمئة بين عامي 1981 و 1982 . و كان التقدم مهما جداً ، فزادت أسعار الاستهلاك بنسبة 20.5 بالمئة على مدى عام واحد بين تشرين الثاني/نوفمبر 1981 و تشرين الثاني/نوفمبر 1982 ([17]) ، و ساهمت المؤسسات المالية الأجنبية و المحلية بفعالية في مد حكومة الانقلاب بقروض متناسبة مع تحقيق نجاحاتهم في الجبهة الاقتصادية الداخلية و انعكس برنامج الاستقرار الاقتصادي نتيجة انخفض نسبة التضخم بنسبة كبيرة على شخصية ” تورغوت أوزال ” إمام الجنرالات داخلياً و إمام مصادر الإقراض الخارجية ، و خلال سنة 1983 م تم اضافة مجموعة من البنود الجديدة على برنامج الاستقرار الاقتصادي حيث انحصرت في مجموعة من النقاط الأساسية ، و هي :
- تسهيل نظام تحويل العملة حيث أصبح الأتراك بمقدورهم فتح حسابات مصرفية بالعملات الأجنبية .
- انهاء الخطر المفروض على سفر المواطنين إلى الخارج و يشترط أن يكون لكل مسافر تركي مبلغ قدره 1000 دولار أو ما يعادله من العملات الأجنبية .
- تعهدت الحكومة بإنقاض قيمة التعريفة الجمركية و إنهاء الرقابة الكمية على الواردات .
- انهاء التسعير غير الواقعي لليرة التركية بهدف تشجيع الصادرات .
- اصدر ضمانات لرؤوس الأموال الأجنبية نظراً لمدى احتمالية تحويل أرباحها الاستثمارية من الداخل إلى الخارج .
- تحقيق المزيد من الحوافز بهدف تشجيع الاستثمارات الأجنبية .
- اتاحة المجال إمام العمليات النقدية للبلدان الاسلامية و الخدمات المالية الغربية .
و قد ساهمت هذه العوامل بشكل ملحوظ في الاستقرار الاقتصادي و خصوصاً من خلال انخفض نسبة التضخم و ارتفع نسبة الصادرات ، مما سبق يتضح أن تركيا حققت العديد من التغيرات الأساسية بعد سنة 1980 م ، و لاسيما بعد وصول ” حزب الوطن الأم ” إلى السلطة و بدأت مراحل اندماج تركيا بالاقتصاد الأوروبي و الاقتصاد الدولي بشكل فعلي ، و تعدّ التغيرات التاريخية الراديكالية في الاقتصادات التركية من العوامل التي شجعت تركيا على طلب الانضمام كعضو في الجماعة الأوروبية بتاريخ 14/4/1987 م بعد عقد معاهدة أنقرة سنة 1963 م التي وقعت بين تركيا و التجمع الاقتصادي الأوروبي بتاريخ 12/9/1963 م ، و تعتبر أساس العلاقات التركية – الأوروبية .
أما بالنسبة إلى أهم التغييرات الراديكالية في الاقتصادات التركية ، فهي على التوالي :
- بدأت تركيا في تحويل اقتصادها من سياسة الاحلال محل الواردات سنة 1980 م و تدخل الدولة إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي و الاقتصاد السوقي – التصديري حيث أصبحت تركيا من اسرع الدول النامية التي انتظمت اقتصادتها بعد تعرضها لأزمات و هزات اقتصادية .
- مدى الأهمية المستقبلية لمكانة تركيا الاستراتيجية و الاقتصادية و شروعها ببناء أكثر من 70 سداً و من أهمها سد ” أتاتورك ” مع شبكة من الطرق و غيرها من استثمارات البنية الأساسية و بدأ ذلك من خلال صندوق المشاركة العامة الذي تأسس بواسطة بيع الجمهور الإيرادات السنوية لبعض المشروعات كالسدود و جسر البوسفور و غيرها .
- تم تأسيس ” صندوق الصناعة الدفاعية ” بالموارد المالية و الذاتية حيث بدأ يتحقق مشروعات ذات أهمية من خلال مشاركة بعض الشركات الأجنبية و منتجاته كمشروع استراتيجي – قومي تركي انتاج العربات المصفحة و الطائرات .
- وضعت الحكومة المركزية قيود على تدخلها من الناحية الاقتصادية حيث اقتصر على وضع السياسات الاقتصادية الكلية و تحويل كافة الاستثمارات التابعة للقطاع الخاص عدا الاستثمارات الأساسية الاقتصادية و الاجتماعية و أصبحت الأولوية لبرنامج اطلق عليه ” برنامج تخصيص المشروعات الكبرى ” ذات الثقل التاريخي في الاقتصادات التركية .
- انتهج ” تورغوت أوزال ” سياسة للقطاع الخدمات تتطلب تحقيق بشكل أساسي للبلديات و الادارات المحلية من الموارد و إمكانات تنفيذ المشروعات العمرانية و لاسيما في العاصمة أنقرة و كل من استانبول و إزمير و تمكنت تركيا من تحرير تجارتها الخارجية بدرجة كبيرة بحيث تم إزالة كل العقبات البيروقراطية .
مع بداية سنة 1984 م بدأت الحكومة التركية انتهاجاً برنامجاً اقتصادياً من اجل تخفيض حدة معدل مع بداية سنة 1984 م بدأت الحكومة التركية انتهاجاً برنامجاً اقتصادياً من اجل تخفيض حدة معدل التضخم و تحسين الأداء الاقتصادي الخارجي من خلال نمو حجم الصادرات نظراً لتركيز الحكومة على مسألة التحولات الهيكلية بغرض تعزيز قوى السوق و تطوير الانفتاح على المستوى الخارجي مع التركيز على تنمية القطاع الخاص ، و ازداد معدل نمو إجمالي الناتج القومي التركي 6% للفترة الممتدة ” 1984 – 1986 م ” مسجلاً معدل عالياً على المستوى العالمي و تقلص معدل التضخم و تخفيض نسبة العجز في الميزانية يتضمن ذلك على سياسات السوق المفتوحة من خلال تطور الطلب الداخلي للمنتوجات و على نطاق واسع مع استمرارية زيادة نسبة الأنفاق الاستهلاكي حيث تزايد في القطاع العام و ازداد معدل الادخار العام مع ازدياده على المستوى القطاعي سرعة النمو في مجال الصناعة التصنيعية ، و رغم بقاء معدل النمو عالياً و تحسن الحسابات الخارجية حيث اخذ معدل النمو رغم بقائه عالياً بالتباطؤ من 18% سنة 1986 م إلى 6.8% سنة 1987 م نظراً لمدى التقلص الحاد في الطلب المحلي و التوظيفات المختلطة في القطاع العام التي سجلت نقصاً كبيراً بالمقابل استمر معدل الزيادة في القطاع الخاص من أجمالي الاستثمارات المختلطة و على نطاق واسع في مشاريع الاسكان من 41% عام 1986 م إلى 46% سنة 1987 م إلا أن احتياطي المؤشر الحقيقي كان سلبياً في القطاعين العام و الخاص على حد السواء و قد كان الأنفاق الاستهلاكي الذي تقلص سنة 1987 م بمثابة العامل و الدافع الأساسي وراء النمو الاقتصادي ، و خلال سنة 1987 م نلاحظ أن هناك زيادة كبيرة في الصادرات و الواردات حيث ازدادت العائدات السياحية و انعكست في توظيف الاستثمارات السياحية و انعكست في توظيف الاستثمارات السياحية حيث تركزت السياسات الاقتصادية التركية سنة 1987 م على مجالين هما :
- السياسة النقدية .
- سياسة القطاع العام .
بناء على ذلك الأساس احتل البنك المركزي وظيفته في قيادة السياسة النقدية و توظيفها من خلال التحكم في الاحتياطي الاجمالي للنظام المصرفي ، و أهم الانجازات التحديثية التركية أنه تم خلال فترة قصيرة امتداد نظم الكهرباء و شبكات الاتصالات الحديثة إلى كافة انحاء تركيا بما في ذلك القرى النائية في أعماق جبال الأناضول حيث اكتسبت المدن التركية طابعاً عصرياً و أوروبياً و بدأت خدمات السكان و غيرها من المرافق الأساسية في المدن و تم إقامة السدود الضخمة و مشروعات الري و الطرق الحديثة و الموانئ و المطارات و محطات الطاقة الكهربائية و نظام الاتصالات الحديثة و التصور الواسع النطاق في الأجهزة الاعلامية كالتلفزيون و الصحف التي تعمل على تغيير طريقة الحياة في تركيا بهدف الرفع من المستوى الفكري و الثقافي و الاجتماعي و مد الجسور على المستوى العالمي .
يقول ” تورغوت اوزال ” في خطابه عند الافتتاح الأسبوعي عمل تركيا و المجموعة الأوروبية بتاريخ 12/9/1988 م ، بفضل التغيرات الهيكلية في اقتصادنا و التغلب على الاختلال المزمن في ميزان المدفوعات أصبحنا قادرين اليوم على تحطيم الحلقة المفرغة التي كنا ندور في إسارها قبل عام 1980 م و التي كانت تتكرر كل عشر سنوات في شكل أزمة اقتصادية – قلاقل سياسية و اجتماعية – تدخل عسكري . و نجحنا في ضمان الاستقرار الاقتصادي و السياسي الذي كنا نتوق إليه الامر الذي ادى إلى زيادة القدرة الاقتراضية لتركيا وثقة الأوساط المالية الدولية بهذه القدرة بشكل لم يسبق له مثيل و تتمتع تركيا بأهمية كبيرة و واضحة ، نتيجة نمو صادراتها و نجاحها في التكيف السريع مع الجماعة الأوروبية بفضل التغييرات الهيكلية التي تحققت في اقتصادها بل أن بعض الدول غير الأوروبية ، مثل اليابان ، بدأت تتابع عن كثب التطورات الاقتصادية الجارية في تركيا ، فضلاً عن أن تركيا تملك سوقاً واسعة و يمكنها أن تشكل جسراً لأوروبا مع دول الشرق الأوسط التي ترتبط بها تركيا بعلاقات وثيقة ([18])، مع استمرارية أنشاء مشروع تنمية جنوب شرق الأناضول GAP و سوف يؤدي إلى مضاعفة الانتاج الزراعي ، و بدأ ” أوزال ” باحتواء مشروعه المستقبلي تدريب القوى العاملة على استيعاب و تنفيذ للتقنيات الحديثة مما يتطلب ضرورة الأخذ بنموذج جديد بهدف تطوير المعلومات و تبنى تقنيات جديدة على كافة المستويات ابتداء من التعليم الابتدائي الذي بدأ منذ سنة 1988 م بتنفيذ مشروع من أجل استخدام مليون حاسب آلي في المدارس الابتدائية و الثانوية و افتتاح قناة تلفزيونية جديدة بغرض تحقيق أهداف تعليمية و علمية و تأسيس شبكة حديثة للاتصالات السلكية و اللاسلكية في تركيا و سعى تركيا إلى إقامة شراكة مع الجماعة الأوروبية في ميدان التقانة الحديثة و المشروعات البحثية و التنموية .
ثانيا : العلاقات التركية – الأوروبية بعد الحرب العالمية الاولى :
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في أوروبا تعرضت و واجهت تركيا مرة اخرى تهديدات بشكل مباشر من الاتحاد السوفياتي حيث تم احتلال بلغاريا سنة 1949 م عدا الجبهة الغربية التركية و هددت العصابات الشيوعية بأخذ اليونان و احتلت القوات الروسية ايران و غادرتها سنة 1946 م ، و أعلنت روسيا السوفياتية بأن حدود اقليم قوقاسيا قد ضاعت في الأراضي التركية منذ سنة 1918 م و قد وصلت التحركات الروسية ذروتها عندما طلبت روسيا من تركيا 1946 م عقد معاهدة دولية بغرض تحقيق ضمان الدفاع عن البحر الأسود الذي تشترك مياهه الاقليمية بين الطرفين كما حظيت حكومة ” عصمت اينونو ” بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا برفض المقترح السوفياتي نظراً لأنه غير منسجم و متنسق و غير قابل للتلاعب بحقوق السيادة التركية و بالمقابل قامت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1947 م تحت واجهة ما يدعى بـــ ” ترومان – كنزين ” بدعم تركيا من الناحية الاقتصادية و العسكرية و استمر برنامج المساعدات الأمريكية من أجل دعم تركيا ادعاءات تطويرها خلال فترة زمنية طويلة مقابل ما انفق على تسميته ” الضغوطات ” التي تتعرض لها تركيا من قبل الاتحاد السوفياتي و قد وطدت تركيا تحالفاته الخارجية مع الدول الغربية و لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية ، و قد كان لها تأثير واسع الأبعاد على سياستها الخارجية و الداخلية و من ضمنها مشاريعها التنموية و خططها التحديثية و برامجها الثقافية و الاقتصادية و خلال خمسين سنة من حياة تلك الارتباطات و العلاقات التي لم تتغير خططها أو تتبدل في طبيعتها الاستراتيجية مع تعدد الحكومات و مدى تباين بعض خططها و مستوياتها و مبادئها السياسية التي عبرت عنها المرحلة التاريخية التي نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .
أن ” عصمت اينونو ” هو رفيق نضالات ” اتاتورك ” و سياساته و قد انتهج السياسة الكمالية ذاتها في مواصلة عمليات التحديثية السياسية و الاقتصادية خلال الحرب العالمية الثانية و ما بعدها و كان يميل إلى الحلول الوسطية و كان يؤيد في أساس عملياته التحديثية منها المحافظة على قوة النظام السياسي في الدولة و اقتصاداتها التي ترتبط بالنظام السياسي و قد واكب عهد ” اينونو ” أزمة الحرب العالمية الثانية و الضغوطات السياسية الصعبة و مؤثراتها المباشرة و غير المباشرة على الأوضاع الداخلية و قد تميزت تجربة ” اينونو ” التاريخية بالنجاح في اطار المحافظة على توازن تركيا على المستوى الدولي و اتباع سياسية تتسم بالحذر اتجاه ردود الفعل في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط و الأراضي الأوروبية الشرقية أو اتجاه الأحداث التي وقعت في العراق أو الأوضاع الايرانية و التزام بالحياد إمام العالم و حاول تفادياً الاثار المترتبة على الحروب و ابعد تركيا قدر الأمكان عن مداخلات الحرب ، مع الأخذ بالعلم أن الاخرون من حكام تركيا يعدّون اقل اهتمام بالنظام في سعيهم الحصول على أصوات الناخبين و هذا يوضح أن الفوضى السياسية في تركيا لم تنبثق من هيكل اجتماعي قديم نظراً لأنه كان يأخذ طريقه في التطور التدريجي على نحو ثابت في أساليبه الخاصة بل كانت تنبثق من محاولات السياسيين بهدف ارضاء الحاجات المادية المباشرة أو النزعات الروحية غير المباشرة للناخبين و للفئات العامة نظراً لم يكن هناك الاستعداد ذاته من اجل ارضاء التطلعات و الأهداف الحضارية سواء أكانت تحديثية عملية أو تغريبية صرفاً و قد أثبتت تجارب الانقلابات العسكرية التركية من الناحية التاريخية مع بداية كل عقد من العقود الثلاثة الستينيات و السبعينيات و الثمانينات بأن تركيا استمرت في المحافظة على ثوابتها و قيمها و مبادئها و تبعياتها السياسية و لاسيما في اطار علاقاتها مع الغرب ، و هي الدولة الوحيدة العضو في حلف الناتو في منطقة الشرق الأوسط و لعل هذا يوضح ابتعادها عن قضايا أساسية في منطقة الشرق الأوسط كالقضية الفلسطينية حيث ادى تحالفهما مع الغرب إلى بناء علاقات سياسية مع إسرائيل دون توافق مصالحها و أهدافها مع العرب في المستقبل إلا المواقف العربية كانت إلى جانب تركيا اتجاه بعض أزمات تركيا و منها ” الأزمة القبرصية ” مع ازدياد حجم مصالح و أهداف تركيا الاقتصادية على المستوى الاقليمي حيث ساهم العرب في بنائها و تطورها منذ منتصف عقد السبعينات إلى نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين ، و لعل هذا يفسر لنا تعدد و تباين الآراء كثيراً حول تفسير طبيعة العلاقات السياسية و الشؤون التركية سواء أكان بالنسبة للأتراك أو العرب و المسلمين أو الغربيين إلا هناك سؤال يطرح نفسه عن مسيرة التحديث التركي من الناحية السياسية و الاقتصادية بصرف النظر عن العلاقات و الارتباطات و التحالفات بين تركيا و الغرب بكل سلبياتها و ايجابياتها كما هناك مشكلات أساسية في تركيا سواء أكانت مشكلات تتمحور عن عدم نجاح السياسيين في عمليات تحديث الدولة و اصلاح هياكل المجتمع أو نتيجة للأخطاء الشخصية كالافتقار إلى الحكمة و النزهة و المعرفة و الذكاء و نكران الذات و الاستقلالية و الروح الصادقة كلها و المجسمة بترتيبات سياسية غير صحيحة حيث هناك متخصصين من الأتراك و الأجانب قد تمكنوا من ايجاد الحول المناسبة لتلك المشكلات بتفاصيل مذهلة و هي غائبة عن العقل السياسي العربي و عن المعرفة السياسية العربية و عن صانع القرار العربي و عن المراقبين و الباحثين و المهتمين إلى نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين رغم أن هناك شراكة تاريخية بين العرب و الأتراك تمتد منذ العصور الوسطى .
حقق الديمقراطيون انتصار خلال عقد الخمسينات و اتسمت السياسية الوطنية بإقامة علاقات صداقة و تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية و القوى الغربية و بالمقابل كانت هناك علاقات مضطربة مع الاتحاد السوفياتي و الكتلة الشيوعية و أفضل دليل على ذلك استجابة تركيا لنداء منظمة الأمم المتحدة بهدف ارسال القوات التركية إلى كوريا سنة 1950 م و كان بمثابة الاعلان على عضوية تركيا في حلف الناتو و أصبحت تركيا مع اليونان عضوين في الحلف و أصبح ميناء إزمير التركي قاعدة للقوى الغربية في جنوب شرقي أوروبا و قد تفاوضت تركيا خلال عقد الخمسينات بشأن حلف الدفاع العسكري مع دول الجوار و في العام ذاته الذي وقعت فيه تركيا على الحلف التركي اليوغسلافي اليوناني لسنة 1954 م برزت على مستوى الساحة الاقليمية معاهدة تركيا و باكستان التي اطلق عليها اسم ” شمالي تير ” Northern Tier كنظام للدفاع كميثاق اقليمي استراتيجي تمكن من تحقيق النجاح بأن يكون مفتاحاً لحلف دولي كبير اشتهر باسم ” حلف بغداد ” و مفتاحاً بغرض ترابط جديد انضمت إليه كل من بريطانيا و باكستان و إيران و فشلت الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تشجع بقوة على الانضمام إلى ذلك الحلف لكنها سرعان ما أصبحت عضواً في اللجنة العسكرية في منظمة الحلف .
بعد تمكن العثمانيون من التوغل إلى وسط أوروبا و اكتساب دواخلهم سمات أوروبية – آسيوية مشتركة امتدت لقرون عديدة و أصبحت سمات خصوصية في الشخصية العثمانية لم يتمتع بمثلها العرب في دواخلهم و يعدّ اندفاع تركيا المعاصرة نحو أوروبا بشكل مستمر حالة جديدة على النظام السياسي المعاصر لتركيا و أصبح الأتراك في مقدمة الشعوب الأسيوية الاسلامية التي خبرت حالات الشؤون السياسية و الدبلوماسية الأوروبية الحديثة ، و خلال عهد السلطان ” سليم الثالث ” 1789 – 1808 ” نظراً لان هناك استيعاب للعثمانيين في المنظومة الأوروبية رغم استمرارية العلاقة بين الطرفين إلا أنها يعدّ صداماً بين ثقافيتين سياسيتين متضاربتين و اجتماعيتين متعاكستين نظراً لان الأتراك ادراكوا كيفية التعامل مع أسلوب الأوروبيين سواء من خلال التعامل في اطار السلك الدبلوماسي أو من خلال العلاقات التاريخية الموغلة في القدم ، و ادى هذا إلى فهم تركيا للتكوينات الأوروبية بشكل منفصل نوعاً ما عن المنظومة الاسلامية المتفككة و شمل هذا الاستيعاب العلاقات الخارجية للدولة و العلاقات الداخلية و أعماقها و يتضح ذلك في حركة الاصلاحات العثمانية و ظاهرة التنظيمات الخيرية و قانون الامتيازات العثمانية للأوروبيين حيث كانت الأفكار و الأنظمة و المؤسسات الأوروبية تحل محل النموذج الذي كان يقيدي به بهدف اجراء التغييرات و التحولات أن سياسة ” أتاتورك الكمالية ” و ما ترتب عليها من سياسات تغريبية موالية من قبل تركيا للغرب لم تنشأ من فراغ تاريخي أو موضوعي بل منذ منتصف القرن التاسع عشر حيث اجرت الدولة العثمانية حالات ” تأورب ” منح الجنسية الأوروبية للمستويات السياسية و الاجتماعية و الصحافة و الدستور و غير ذلك ، و نجد هناك حالة قريبة من النموذج التركي و هو النموذج المصري خلال عهد ” محمد علي باشا ” الذي تمكن من تحقيق النجاح من خلال ترسيخ نظام سياسي عربي يرتكز على التأورب منفذاً له إلا أنه لم يوفق في تحقيق اجراءات مشروعه المبكر نظراً لان مصر لم تمتلك في دواخلها و عناصرها العلاقات التاريخية مع أوروبا مثل التي امتلاكها العثمانيون و هذه المفارقة التاريخية أصبحت ظاهرة واضحة غير منظورة بين العرب و الأتراك خلال القرن العشرين ، هذا يفسر مدة اختلاف القياسات التاريخية و البنى السياسية و المركبات الذهنية و الحالات السيكولوجية بين القومية العربية و القومية التركية و مدى تباين تجاربهما الفكرية و الثقافية و الأيديولوجية .
مما سبق يتضح أن العلاقات التركية – الأوروبية ازدادت رسوخاً و توطيد بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهدف تصبح تركيا أحد أبرز الدول النامية التي كرست كافة جهودها و مسيرتها من أجل تكون أحد أعضاء الأسرة الأوروبية سواء على مستوى العلاقات السياسية الخارجية أو على مستوى المنافع الاقتصادية المتبادلة ، و توضح الدراسات المعاصرة بعد تناولها العديد من الوثائق و المذكرات و المحاضر البرلمانية و المصادر الثانوية بأن تركيا زخرت على امتداد القرن العشرين بعلاقات سياسية خارجية و سعت تركيا الجديدة خلال عهد ” اتاتورك ” بعد انهيار الامبراطورية العثمانية التي ظلت لمدة ستة قرون أو أكثر و تحديد منذ 27/يوليو/1299 م إلى 19/10/1923 م إلى إقامة علاقات مع أعدائها الامر الذي ترتب عليها بروز تركيا جديدة ، بالمقابل فقد رأت انكلترا من الضروري تغير موقفها و ممارسة دورها نظراً لأنها يعرض أمن تركيا للخطر و بالمثل فإن على تركيا أبرز قوتها مما يعنى في الأجل القصير ضرورة انتصار تركيا في حرب التحرير و يقصد بها في الأجل الطويل ضرورة اكتساب تركيا لهيكل حديث و هذا النموذج وحده فقط هو الذي جعل لتركيا وضع قانوني تشريعي Statute تستطيع بموجبه كسب القبول في الغرب و من هذا المنطلق نجد أن السياسة التغريبية لتركيا انطلقت من هذا المنطلق التاريخي و شكلت مضامينها خصوصية للأتراك في التعامل بينهم كآسيويين ذات موروثاً تاريخياً و جغرافياً أوروبياً و بين الدول الأوروبية التي امتلكت على امتداد القرنين الثامن عشر و التاسع عشر تجارب تاريخية و جغرافية عن الأسيويين و كانت في مقدمة هذه الدول بريطانيا ، و أما فرنسا فقد كانت في مقدمة الدول الأوروبية التي تمكنت من خلال خبراتها و تجاربها التاريخية و الجغرافية حول الشؤون الأفارقة و تمثل حصيلة تجارب الانكليز و الفرنسيين و غيرهم و الأوروبيين تكويناً استعمارياً علما بأن الدول المستعمرة عانت كثيراً إلا أن الأتراك لم يتعرضوا إلى معاناة طويلة نظراً لتأسيسهم كيانهم السياسي بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ، و أن ” اتاتورك ” الذي أسس تركيا المعاصرة يرتبط بعلاقات وطيدة مع انكلترا و في آن واحد كان يؤمن ايماناً راسخاً بمبدأ الاستقلالية الذي ربطه بمقولته الشهيرة لكي تعيش في سلم و صداقة مع انكلترا ، فقد ترتب على تركيا اولاً أن تقاتل ([19]) ، و قد استمرت العلاقات السياسية التركية اتجاه الغرب لفترة طويلة التي أسس قواعده ” اتاتورك ” و قد رسخه الزعماء الأتراك الذين جاؤا بعد ” اتاتورك ” في التحولات التدريجية و تمكنت من المحافظة عليها المؤسسة العسكرية التركية نظراً لما أحدثته من تحولات خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية ، و ذلك استجابة للأهداف التي خططها الزعيم المؤسس ” اتاتورك ” بعد انبثاق الدولة الجديدة ، و نلاحظ أن الأيديولوجيا التركية التي اجتمع حولها السياسيون القوميون بمختلف اتجاهاتهم الوطنية و تياراتهم السياسية ذاتها بأن هناك اعتقاد راسخاً من قبل الجميع بأنه طالما استمرت تركيا تملك علاقات وطيدة مع الغرب سوف تبقي قوية و نتيجة وجود ذات المخاطر التي تهدد تركيا و الغرب على حد السواء فسوف تحافظ تركيا على هيكلها التغريبي و لن تهددها المصالح الغربية السياسية و الاقتصادية في الشرقين الأدنى و الأوسط اللذين تجمعهما جغرافيتها الاقليمية المتمفصلة أراضيها بين ” تراقيا ” الأوروبية و ” أناتوليا ” الأسيوية ، مما يدّلل على أن العقل السياسي التركي يتمتع بالقناعة الراسخة بأن الغرب سوف يواصل حاجته الاستراتيجية لتركيا و يسعى إلى إقامة علاقات متعاونة معها في مختلف المجالات ، و يقول ” اتاتورك ” فبدلاً من زيادة الضغوط لدى أعدائنا بملاحقتنا أهدافاً مثالية لن نقدر أبداً على تحقيقها و لم نحققها ، لنمتسك بأحكام العقل ، و لنعرف حدودنا .. . ( إن المقصود بــ ” حدودنا ” : الإمكانات و القدرات التي تفرض منطقاً للالتزام و التحرك في نطاق محدود على صعيد السياسة الخارجية أو الداخلية ) ([20]) .
ثالثاُ : العلاقات التركية – الشرق أوسطية :
توجد مجموعة من الظواهر التي عاشها العرب و الأتراك في تاريخيهم المعاصر توضح مجموعة من القيم و التفاعلات و المشاكل المشتركة في اطار ثلاث فترات تاريخية مركبة ، و هي :
- الفترة التأسيسية الوطنية – القومية بين الحربين العالميتين .
- الفترة الانقلابية تشمل العديد من التغيرات السياسية و الفكرية و العسكرية و الأيديولوجية خلال عقدي الخمسينيات و الستينيات .
- الفترة التنموية تتمحور حول مجموعة من التحولات الاجتماعية و الاقتصادية خلال عقدي السبعينيات و الثمانينيات .
أبرزت طبيعة العلاقات الفكرية و السياسية مدى تفاعل عاملين أساسيين استمرت لفترة طويلة على امتداد القرن العشرين و هما :
اولاً : تميز النظام التاريخي الشرق أوسطي العثماني بكونه نظام هشا رغم الاصلاحات الداخلية و قد كان واضحاً إمام النظام الدولي الاستعماري و خصوصاً الدول الأوروبية المجاورة للإمبراطورية العثمانية ، و تعرض كلاهما لفترات تاريخية مختلفة نظراً لان الأوروبيون مارسوا كل تهديداتهم و حركات امتداداتهم بعد مؤتمر فيينا سنة 1815 م إلى الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 م ، حيث كان استجابة كل من الطرفين التركي و العربي لتلك التحديات عكسية و سلبية رغم مقاومة بعضهم بأدوات غير قوية و أساليب قديمة الامر الذي ادى إلى اضاعة العديد من الفرص التاريخية سواء في الدفاع و الاستجابة في اطار اتاحة ما كان يستوجب أن يكون و اتاحة المجال لعوامل جديدة رغم كل التناقضات في انبثاق نظام تاريخي/اسلامي حديث باستطاعته الوقوف اتجاه الأوروبيون .
ثانياً : انبثق النظام التاريخي الاقليمي الشرق أوسطي الوطني/القومي لكل من العرب و الأتراك كأحد نتائج النظام الدولي الأوروبي ” الكولونيلي/الامبريالي الذي أفرزه مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 م نظراً لان نجحت و انتصرت نظراً لأنها تتمتع بسمات و مقومات كدولة أحادية في منطقة الشرق الأوسط و بالمقابل ركز العرب على تعددية كياناتهم السياسية في اطار الهيمنة الأوروبية ، و قد تباينت في حجومها و قوتها و استندت في مرجعياتها إلى موروثات تاريخية أو انتماءات عرقية أو رواسب قبلية أو تجمعات سياسية/علمانية و كلنها جميعا لم تتمتع بالقدرة على ممارسة أدوارها الموحدة داخلياً في الوقوف إمام تحديات العرب الجيواستراتيجية أو الأيديولوجية ، و استمر التأثير و التفاعل العربي و التركي طيلة قرون طويلة و هذا يفسر امتلاك العرب تاريخاً و ميراثاً مشتركاً مع الأتراك ، و شمل العديد من الأماني و الأقاليم حيث كانت معظم الأقاليم ذات تراث تاريخي مشترك مع العثمانيين و عندما انفصالاً العرب و الأتراك مع بداية الحرب العالمية الأولى ركز كل طرف منهما على تأسيس ذاته من الناحية السياسية و الاقليمية و برز بعد عقد مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 م منظومات قومية و وطنية و تكوينات سياسية و اقليمية و الأيديولوجية و الفكرية بناء على مجموعة من الأسس الوطنية الدستورية و ليس على أساس قومي دستوري موحد و تعدّ مصر من أولى البلدان العربية التي تمكنت أن تكون شخصيتها الوطنية الحديثة تحت عرش أسرة ” محمد على باشا ” و بالمقابل استمرت معظم بلدان المغرب العربي و شبه الجزيرة العربية تحت الهيمنة و التأثير و الحماية أما منطقة الهلال الخطيب العثمانية التي انهارت ممتلكاتها خلال سنوات الحرب العالمية الأولى من اجل تبرز الجمهورية التركية بكيانها السياسي المعاصر ، و تتمتع تركيا اليوم بطموحات و أهداف سياسية و اقليمية تتمحور حول زعامة منطقة الشرق الأوسط من الناحية الاقتصادية كما قال وزير الدولة التركي ” كامران اينان ” أنه مع انحلال أنظمة الكتل و الزعامات الكبرى نتيجة التطورات الحاصلة في العالم و أوروبا الشرقية ، سوف يثار موضوع أنظمة الزعامات الاقليمية و ستصبح تركيا زعيمة الشرق الأوسط في المستقبل ([21]) .
هناك توازناً دولياً في أوروبا قد يكون نتيجة انقسام العالم إلى معسكرين منذ حوالي نصف قرن و بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و برزت المنظومة الليبرالية و فرضت أرادتها على المستوى العالمي و لكن من المحتمل العودة إلى النظام الكلاسيكي في تطبيق سياسة ما قبل الحرب العالمية الأولى ، و على اثر ذلك سوف تزداد النزاعات الاقليمية و تتغير الموازين في منطقة البلقان و الشرق الوسط و بعض المناطق الأفريقية و من أكبر الاحتمالات بروز النزاعات القديمة التي كان العالم مسيطر عليها منذ فترة طويلة تسبق مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 م ، و عند انحلال أنظمة الكتل و الزعامات الكبرى سوف تنشأ نظام الزعامات الاقليمية و لاسيما في المناطق الحساسة على المستوى العالمي التي تكثر فيها المشاكل القومية و العرقية و الاقلياتية و الدينية و الطائفية و الاجتماعية و الأيديولوجية و يتوقع بروز قوى دولية متعددة مع عقد التسعينات التي سوف تفرض سيطرتها مع بداية القرن الحادي و العشرين و هي اليابان ، الصين في منطقة الشرق الاقصى ، المانيا في أوروبا ، أما في منطقة الشرق الأوسط فإن تركيا سوف تسعى إلى قيادة منطقة الشرق الأوسط نظراً لتفكك العربي و الصراع العربي – الصهيوني في كافة درجاتها مع استمرارية حالة ايران الأصولية الامر الذي ترتب عليها تراجع مكانتها الاقليمية و الدولية التي كانت عليها قبل أكثر من عقدي السبعينات و الثمانينات .
أهم الخطط و الأساليب و موروثات التي يمكن لتركيا استخدامها و استغلالها بهدف الوصول إلى تحقيق أهدافها المستقبلي ، و هي :
- أن المؤسسات السياسية و العسكرية التركية التي ترتكز على المبادئ الكمالية هي التي تحكم علاقاتها الخارجية مع الغرب و لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية .
- عوامل تاريخية موروثة عن انتمائها إلى المركزية العثمانية و يعدّ أرث يتميز بالهيمنة و السيطرة الاقليمية على أجزاء واسعة من منطقة الشرق الأوسط مع تجارتها الاقليمية التي ترتبط مع العرب و لاسيما في حلف بغداد و حلف السنتو و مدى الاهتمام خلال عقد التسعينات بزعامة حلف اسلامي مع الغرب .
- دوافع اقتصادية و تقانية و إروائية بهدف تطوير برامجها الزراعية و الاجتماعية .
تعدّ سنة 1923 م بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مرحلة حاسمة في تاريخ العرب و الأتراك و خصوصاً بعد انهيار الامبراطورية العثمانية و اندثارت ، و كانت منطقة الشرق الأوسط أمام مفترق الطرق نظراً لوجود عاملين أساسيين و هما :
- التدخلات الاستعمارية و الدولية الخارجية .
- مدى قدرة كل من العرب و الأتراك على تحقيق الانبعاث القومي/الوطني .
في اطار احتدام هذين العاملين و تصادمهما نشأ تاريخ الشرق الأوسط و نظامه الاقليمي في القرن العشرين من خلال تبلور تيارات و نشأت أحزاب و برزت اتجاهات و كاريزمات و تفاعل أو تصارع قوى متعددة اقليمية أو محلية اتجاه التحديات الاستعمارية و التدخلات الدولية .
انفصل العرب عن الأتراك بعد تمكن الأتراك تحقيق الانتصار القومي و تحقيق أهدافهم و تأسست دولتهم المستقلة بنظامها الجمهوري في اطار حدودها الجديدة بصورة بعيدة عن التدخلات الخارجية بقيادة زعيم ذات ريادته التأسيسية لتركيا المعاصرة ، و قد دفع العرب في تكوينهم المعاصر خلال حالتين تاريخيتين ، و هما :
- هيمنة الأتراك العثمانية .
- هيمنة أوروبا الاستعمارية الحديثة .
تصدى كل من العرب و الأتراك للعالم المعاصر منفصلين لكل منهما كياناتهم السياسية المتنوعة سواء أكانت ملكية أو الرئاسية أو السلطنية أو الإمامية أو المشيخية أو الشرافية أو الخديوية التي ضعفت معظمها تحت وطأة الاستعمار و تنوعت في اتجاهاتها السياسية و الأيديولوجية كالليبرالية و القومية و الاشتراكية و الشيوعية و الوهابية و الشعبية و القطرية و غير ذلك ، أما في تركيا فقد استقرت الأوضاع سواء في سياستها الخارجية و الداخلية و استمرت ” الكمالية ” هي الفلسفة السياسية و المرجعية التاريخية على امتداد عقود القرن العشرين .
يمكننا التمييز بين أربعة اتجاهات أساسية فكرية للعرب و الأتراك خلال القرن العشرين ، و هي :
- الاتجاه الليبرالي بتياراته الاصلاحية و الدستورية و الديمقراطية و العلمانية .
- الاتجاه القومي بتياراته الراديكالي بتياراته اليسارية و الاشتراكية و الماركسية و المتطرفة .
- الاتجاه الديني بتياراته الأصولية و السلفية و الصوفية و المتزمنة و المتطرفة .
يشترك الأتراك مع العرب في معظم تلك التيارات و النزعات بدرجة ما و توضح الاتجاهات المذكورة أنها مازالت تعمل متصارعة على مستوى منطقة الشرق الأوسط مع عطل آلية اليسار المتطرف و الماركسية في القيادة و السلطة و مدى ضعفها مؤثراً على المستويين الفكري و الممارسة النضالية على حساب مدى ازدياد قوة الاتجاه الديني و امتداده في معظم مجتمعات الشرق الأوسط ، و نلاحظ مدى رسوخاً في المناطق أو عوالم جغرافية كل تجاه ، أن كافة الاتجاهات الفكرية و السياسية كانت و مازالت متساوية في الزمان و المكان نظراً لأنها شكلت تطوراتها نسقاً تاريخياً على امتداد قرنين كاملين من التاريخ الحديث انتهاجاً ليبرالياً علمانياً تركيا و تطوراً قومياً تحررياً عربياً ، و أصولياً دينياً إيرانياً الذي انعكاس سلباً على الحياة و هكذا فإن الخيارين الأساسين للعرب و الأتراك سوف يبقيان في صراع ضد الأصوليين رغم كل المشاكل القومية و العرقية و الأقلياتية .
السؤال الذي يطرح ذاته : هل سوف تصبح تركيا زعيمة منطقة الشرق الوسط ؟ نحاول الأجابة على هذا السؤال من خلال توضيح أن تركيا تسعى إلى تحقيق هدفين استراتيجيين ، هما :
- العضوية التامة في المجموعة الأوروبية التي ادت إلى ازدياد مطالبة تركيا بها خلال عهد ” كنعان افرين ” و عهد ” تورغوت أوزال ” و مازالت متفاعلة إلى أن انضمت إلى الاتحاد الأوروبي بتاريخ 12/12/1999 م .
- أن مصالح و أهداف تركيا الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط متعددة أهمها السعى أن تصبح تركيا مركز لاقتصادات شعوب المنطقة في اطار استخدام المياه و الزراعات المتقدمة و الانتاجات الصناعية و الترانزيت و التجارة الدولية .
قام الأتراك بتقديم برنامجهم السياسي من خلال تطور ميراث أيديولوجيتهم و مدى تمسكها بثوابتها المعروفة في اطار التطورات الاقتصادية التي حصلت عليها تركيا ، و خلال عقد الخمسينات من القرن العشرين تطورت تركيا من دولة هامشية في اطار الهيمنة الأمريكية إلى دولة مزدهرة اقتصادياً و اجتماعيا في عقد الستينيات ، و ازدادت نمو من الناحية الاقتصادية و التنموية في عقد السبعينات ثم أصبحت أكثر نمو سواء في صناعاتها و برامجها الإروائية و الزراعية نظراً لبنائها السدود الكبرى في عقد الثمانينات بهدف تصبح سنترال منطقة الشرق الأوسط مع نهاية القرن العشرين ، و ينبغي على العرب ادراك أن مواريثنا السياسية و ثوابتنا القومية قد تفرقت نظراً لتغيرات الأيديولوجية و العسكرية و الأنظمة السياسية و دعم فاعلية التطبيقات الاقتصادية و تفكك البنية العربية نظراً لتشتت التضامن العربي إمام التحديات الامبريالية و الصهيونية و الاقليمية ، و هناك سياسات عربية جادة تمكنت من إقامة و بناء برامج أعمارية أو إروائية و انتاجية منذ عقد الخمسينات إلا أنها انتكست نظراً لمجموعة من الأسباب من أهمها القطرية و نزاعات أيديولوجية أو سياسية أو هامشية التي برزت مع بداية الحقبة النفطية العربية التي ذهبت معظم عوائدها هباء ، ناهيك عن أزمة العلاقات الخارجية العربية بين الشرق و الغرب .
السؤال الذي يطرح : هل سوف تصبح تركيا زعيمة منطقة الشرق الأوسط ؟ ، هناك العديد من المشاكل و الأزمات الأساسية التي تعاني منها تركيا و قد ازدادت بدرجة كثيرة خلال عقدي الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين و سوف تكون من أبرز المعوقات الأساسية التي سوف تعاني منها على مدى فترة طويلة و فيما يتعلق بموقع الغرب في تأجيج هذه المشاكل بهدف تحقيق مصالحهم و أهدافهم في منطقة الشرق الأوسط نذكر أهمها المشاكل العرقية و القومية و الدينية و الطائفية و الاقلياتية ، و هناك شعار في الكونغرس الأمريكي يقول إذا كنت غير قادر على النهوض بالعمل الخاص بك إذا تحرش بشأن الأخرين ([22]) ، و قد أصبحت فعالية هذا الشعار بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أكثر واضحاً ، أذن العرب و الأتراك يعاني كلاهما مشاكل عديدة و متنوعة و متباينة منها ما ازداد مؤخراً و لاسيما خلال عقدي الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين و رغم التعقيدات و المشاكل العربية الداخلية و الاقليمية و الدولية إلا أن تركيا تعاني من مشاكل داخلية مع مشاكل اخرى نتيجة ازدياد حدة النزعات الانفصالية و العرقية و الطائفية بشكل كبير التي ارتكزت على الأساليب العنيفة و الارهابية في الواقع و الحياة الاجتماعية و تتكون من قوميات و أقليات متعددة و أديان مختلفة و مذاهب و طوائف متنوعة أن الانقسامات الفكرية و المبدئية و السلوكية بينها جميعاً تزيد من اتسع فجوة الفوارق الإتنولوجية الامر الذي عكس المزيد من المخاطر على تكامل تركيا و استقرارها الذي يستخدم كآليات للإمبريالية في منطقة الشرق الأوسط ، أن هذه المشاكل في مجموعها لا يمكن مقارنته بحجم المشاكل الداخلية و الاقليمية و الدولية أمام العرب و في مقدمتهم القضية الفلسطينية و الصهيونية و أزمة العلاقات العربية – العربية ، و مشاكل دول الجوار و المجال الحيوي و مشكلة القوميات و الأقليات و الطوائف و الحدود و غير ذلك ، التي تتطلب جميعها التضامن العربي و الوحدة العربية في اطار العمل المشترك مما يستدعى تفعيل معاهدة الدفاع المشترك و التعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية بمدينة القاهرة بتاريخ 13/4/1950 م و إيجاد الحلول المناسبة للانعكاسات السلبية المتراكمة تاريخياً خلال القرن العشرين و ذلك بهدف انتهاج سياسات خيارات جديدة في القرن الحادي و العشرين .
يتمحور مستقبل العرب و الأتراك في ظل الخيارات المتاحة من خلال البدء بتأسيس تاريخ القرن الحادي و العشرين و عدم التفريق بين أبعاده و أوضاعه ، و يتضح ذلك من محورين ، هما :
اولاً : مدى زخم التجارب السياسية و الأيديولوجية و الانقلابية و القومية و الاشتراكية و ما تضمنت من نتائج أساسية على مستوى نظام الدولة أو مفاصل المجتمع أو أذهان و تفكير النُخَب حصيلة تاريخية تأسست تراكمت خلال القرن العشرين لا يمكن استبداله أو تغييره أو التغاضي عنها من قبل الفئات الأصولية أو العرقية أو الطائفية التي سوف تبحث عن حلول مناسبة للمشاكل و الأزمات الداخلية هذه الفئات ليس باستطاعتها أن تكون بديلاً حقيقياً أو مموها نظراً لعدم قدرتها عن تأسيس نظام جديد لا يمكن لخيارات المعاصرة أن تتغير نظراً لعواطف أو رغبات أو المشاكل الجماعية التي تتعارض مع الموروث السياسي و الفكري و هذا لا يتيح لنا بكيفية طرح المسألة الدينية أو الاقليمية أو العرقية أساساً باعتبارها خيار أو بديل نظراً لأنها رابطة معنوية و روحية لا نمتلك الصيغ و المناهج و الهياكل و الحلول بهدف أبرز وجودها سياسياً سواء أكان على المستوى العربي أو التركي بعد أن تشبعت بالمفاهيم العلمانية و التجارب السياسية و الأيديولوجية و القومية خلال فترة زمنية تزيد على مئة سنة .
ثانياً : مدى التأكيد على قياس الترابط بين المسائل الداخلية و المواقف الاقليمية و الأنظمة الدولية بالنسبة للعرب و الأتراك و الوعى بما تم تخطيطها من قبل القوى الدولية و الدوائر الامبريالية و الحركة الصهيونية لمختلف الأزمات و اثارة المشاكل و وضع العقبات إمام الحلول الايجابية و زيادة حدة المشاكل و الخلافات و التناحرات و البحث عن الوسائل من أجل أبعاد العرب عن الأتراك نظراً لان تركيا ترتبط بعلاقات مع إسرائيل ، و عقد الآمال و الطموحات على الأجيال العربية و التركية في المستقبل القريب التي سوف تعمل على تنمية منطقة الشرق الوسط و المنطقة العربية في مختلف المجالات نظراً لما تزخر بها هذه المنطقتين من تراث حضاري و امكانات ضرورية بهدف الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة الصناعية و سوف تجد هذه الأجيال معايير الأيديولوجيات متعددة حكمت الأقطار العربية و تركيا خلال عقود القرن العشرين و تكتشف حقائق غير ظاهرة تَحَتَّمَ عليها متطلبات جديدة من اجل تحقيق مصالح و أهداف مشتركة .
و الجدير بالقول أن هناك مجموعة من التحولات و الاخفاقات المحيطة بالعرب و الأتراك بصرف النظر على اختلاف درجة تأثيرها على كلاهما نظراً لما تنفرد به تركيا من خصوصيات و الروابط و العلاقات ، و أن الحالتين معقدتين و هما :
- التفكك العربي المعاصر .
- التجريد التركي المعاصر .
هذا يتطلب العديد من المتطلبات الفكرية و السياسية و أولها العقلانية و الديمقراطية و تحقيق المصالح و الأهداف المشتركة العليا و الدنيا بصورتها الأمية بهدف كبح جماح التأخر و التلاشي و توفير بيئة فكرية و سياسية جادة و حقيقية ، و تعدّ الخيارات الأفضل و المثالية في إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل الطرفين سواء أكانت مشاكلهما القومية و العرقية و الاقلياتية و الأصولية بشرط ممارسة الديمقراطية كخيار استراتيجي ، في اطار ضرورة ادراك أن الطرفين سوف يتعارضون إلى معاناة لفترة طويلة من مشاكل و أزمات و اختناقات نظراً لازدياد التوجهات الأصولية و الاقليمية و العرقية و الماضوية و الطائفية و في اطار التحديات الأجنبية و الصهيونية و التدخلات العسكرية الداخلية و الخارجية في شؤون الحكم و مدى تأثيرها على اتخاذ القرار ، و هذا يتطلب ضرورة وحدة العرب و تضامنهم بهدف مجابهة التحديات المستقبلية على مختلف المستويات و الأصعدة و لا بديل إمام الأتراك إلا العمل من اجل المحافظة على أهداف و مصالح منطقة الشرق الأوسط الاقليمية في التعاون المشترك بين تركيا و العرب على كافة المستويات و المجالات الأساسية .
رابعاً : مقارنة بين العرب و الأتراك :
أن المقارنة في التنمية الاقتصادية بين العرب و الأتراك تعدّ تجربة معاصرة في التنمية الاقتصادية ذات نموذجاً متميزاً من نماذج التنمية في اطار التحديث في دول العالم الثالث نظراً لأنها تأثرت حركتها بمجموعة من المحددات الهيكلية و الخصائص التي تميزت بها عن سائر التجارب التحديثية و حركات التنمية المعاصرة في منطقة الشرق الأوسط أولها التجارب التنموية العربية في القرن العشرين ، تميزت حركة التنمية الاقتصادية و الاجتماعية في العالم العربي و التركي خلال عقدي السبعينات و الثمانينات بمساعي جادة نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية لعملية التحديث في منطقة الشرق الأوسط مع مجموعة من الأزمات و المعوقات عند العرب و الأتراك نظراً لاستخدام كل منهما بشكل غير متكافئ أو متوازن أو متناسق مع مجموعة من الخطط أو البرامج الانمائية التي تنتهجها تركيا قومياً و تبنتها بعض الأقطار العربية على المستوى القطري ، و توضح المقارنة الخصائص الهيكلية لكل من الطرفين نظراً لوجود عامل أساسي فاصل بين العالم العربي و العالم التركي و هو ” النفط ” مع ضرورة محدودية الموارد البشرية الطبيعية المتاحة خارج دائرته .
ركز الأتراك على التنمية بمختلف أنماطها و بشكل متكامل في اطار التحديث من خلال التحكم في مسارها مجموعة كبيرة من المحددات Determinants التي تتوفر في مختلف القطاعات سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية , و التي تعتبر من الأسس الحقيقية ” الدولنة ” عند الأتراك و هو مفهوم يختلف بشكل كبير عن مفهوم كل من الاصلاحية Reformism عثمانياً و الانبعاث Renaissance عربياً و النمو Growth اشتراكياً و التصنيع Industrialization رأسمالياً ، و تعدّ المحددات ركائز أساسية في عملية التنمية Development الذي يحقق تكاملها صيغ مستحدثة في الهياكل و القوى و العناصر و المفاهيم و يصل المجتمع بعد عملياته هذه إلى درجة التحديث Modernization .
و بناء على ما سبق يمكننا المقارنة في بعض الجوانب الأساسية في التنمية الاقتصادية للعالم العربي و العالم التركي نظراً لوجود تباينات واسعة النطاق بين كلا منهما سواء في عمليات التنمية الاقتصادية أو النمو الاقتصادي التي تطورت خلال عقود القرن العشرين و من أبرز المشاكل هو التنوع و التباين في طبيعة النموذج العربي الذي يتميز بالطابع القطري و عدم اتساقه مع النموذج التركي الذي يتميز بوحدته و بنيته و تكامله ، نحاول المقارنة بين النموذج العربي و النموذج التركي في مجموعة من النقاط ، و هي :
اولاً : مدى تأثير المتغيرات السياسية للبلدان العربية و التجزئة على أساس الحدود السياسية التي فرضت برامج تنمية قطرية كحقيقية ثابتة نظراً لتجزئة الحدودية السياسية بين البلدان العربية منذ الحرب العالمية الأولى و غياب الصفة شبه القومية أو الاقليمية أو ” الكتلوية ” ناهيك عن عدم التمكن من إيجاد حلول مناسبة عربياً إلا بشكل هامشي الامر الذي انعكاس سلباً على الباحث العربي الذي يهدف إلى البحث عن كيفية تحقيق التكامل لعلميات التنمية الاقتصادية قومياً نظراً لكثرة التعقيدات و المشاكل التي ازدادت مع توالي سنوات القرن العشرين ، و بالمقابل فإن المشاكل و العقبات التي تتعرض لها تركيا أو غيرها من الدول المجاورة بهدف الوصول إلى حالة التكامل و التواصل من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية أقل تعقيداً حيث يتبين أن المشاكل و التعقيدات العربية ذات طابع فريد نظراً لازدياد ترسيخ القطرية و التجزئة علماً فقد تم التأكيد على المؤسسات القومية المستقلة من أجل تعبر من خلال دراساتها التنموية و المستقبلية عن رؤية تكاملية بغرض إيجاد حلول مناسبة لمشاكل الاقتصادية القويمة .
ثانياً : أن مقارنة التجربة التركية بالتجربة العربية فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية يتبين علاقة التجربة التركية المتكاملة أو شبه المتكاملة مع الغرب الرأسمالي في كيفية تحقيق تركيا للتنمية الاقتصادية منذ سنة 1923 م إلى انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بتاريخ 12/12/1999م و تمكنها من إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل و التحديات و الأزمات التي تعرضت لها و تطبيق مشروع ” أوزال ” و النتائج المترتبة على تطبيق المشروع إلى عقد التسعينات من القرن العشرين مقارنة بعلاقة التجارب العربية مع النظام الاقليمي و الدولي و النظام العربي القومي ايضا نظراً لكثرة التجارب الاقتصادية ذات التبعية للغرب الرأسمالي و وجود أكثر من تجربة اقتصادية عربية مستقلة و نلاحظ عدم وجود اطار للتكامل و التكافؤ بين الدول العربية النفطية و البلدان العربية ذات التجارب الاشتراكية في النمو و ليس في تطبيق سياسات التنمية الاقتصادية نجدها منيت جميعاً بالفشل .
في هذا السياق يمكننا المقارنة بين التجربة التركية و التجربة العربية في علاقتها مع السوق الأوروبية المشتركة ، تتسم العلاقات التركية مع العرب بالسيطرة و التبعية الاقتصادية و انعكاس ذلك سلباً على العلاقات التركية بمنطقة الشرق الأوسط إلا أن الأتراك يتمتعون بالقناعة الكاملة بتحديد نوعية العلاقات و تطويرها نظراً لعدم اعتبار القادة السياسيين أو النخب الفكرية بأن التبعية لا تؤدي إلى التخلف نظراً لان تركيا تهدف منذ سنوات إلى كسب العضوية في السوق الأوروبية المشتركة أو الجماعة الأوروبية ، يتضح أن أهداف تركيا تقترب من أهداف المغرب الاقصى من حيث التوجهات و الأهداف من خلال المقارنة بين النموذج التركي و النموذج المغربي حيث يتضح بأنها لا يمكن المقارنة بحجم التبعية نظراً لان المجموعة العربية نقسم إلى قسمين من حيث دول عربية نفطية تنتهج تطبيق سياسات تنموية اقتصادية مختلفة تتميز بالتبعية السياسية و أما فيما يتعلق بالدول العربية غير النفطية فهي ذات تبعية سياسية و اقتصادية و ترتبط بعلاقات تاريخية قديمة مع الغرب و هي تشابه التجربة التركية و الدول العربية النفطية قد أوجدت أشكال غير تقليدية من التبعية و يمكن مقارنتها بتركيا ايضا .
ثالثاً : أكدت البلدان العربية على مدى أهمية عامل النفط و عوائده حيث يعدّ ذات تأثير سلبي على التنمية الاقتصادية العربية نظراً لان تدفق الأموال النفطية العربية بصورة غير متوقعة للعجز العربي في تنفيذ مشاريع التنمية الانتاجية و تحقيق التنمية الاقتصادية و التكامل النهضوي العربي و مشاريع التحديث سواء أكان من خلال إقامة السوق العربية المشتركة أو التدخلات الحكومية أو السياسات الاعلامية و التربوية الخاطئة و انتشر تصور نظري عند الرأي العام و الخاص بأن أساسيات التنمية الاقتصادية تكمن في التمويل و عدم التخطيط و التنسيق و الأحصاء على عكس التجربة التركية في تحقيق التنمية الاقتصادية التي ارتكزت على أعداد الخطط و انتهج سياسة تنظيمية منذ سنة 1923 م بهدف أنشاء مجتمع انتاجي رغم مدى تبعيتها و اخفاقاتها مقارنة بمشاريع التنمية العربية الاقتصادية التي ادت إلى نتائج سلبية انعكست سلباً على أهداف و التطلعات الاستهلاكية و خصوصاً الاستهلاكيات المستوردة تزامن مع انهيار العمل الاجتماعي العربي المنتج و بالتالي يتضح حجم الفرق بين التنمية الاقتصادية العربية و التنمية الاقتصادية التركية و تعتبر من بين صيغ التوحيد الاقتصادي القومي العربي لا يمكننا اغفال انعكاس المشروع الصهيوني سلباً على الأمة العربية و العوائد المالية النفطية العربية التي ادت إلى تشويه الحياة المدنية و الحرفية و الاجتماعية العربية و رسخت من روح الاتكالية من خلال الاعتماد على العوائد النفطية و ليس على الذات و الاستهلاك بدل الانتاج و انعكاس العوائد النفطية على البلدان العربية غير النفطية و تجريدهم من أنماطهم التنموية و الإعمارية و التحديثية الاقتصادية التي كانت في طريق النمو و التطور خلال عقد الخمسينات من القرن العشرين و يتجلي ذلك بوضوح في العراق أو مصر أو سوريا أو تونس أو المغرب .
رابعاً : عدم التوازن بين التكامل الاقتصادي التركي و التكامل الاقتصادي العربي حيث يتضح بعد دراسة التنمية الاقتصادية التركية في مراحل تطورها على مدى سبعين سنة من القرن العشرين 1923 – 1993 و تعرضها للأزمات و المشاكل و التحديات حجم التكامل الذي تتمتع بها التجربة التركية مقارنة بعدم الاتساق و التنافر مع التنمية الاقتصادية العربية بأشكالها و أنماطها المتعددة رغم تعدد أشكال التعاون العربي الذي تحققت خلال خمسين سنة منذ أنشاء جامعة الدول العربية بتاريخ 22/3/1945 م ، و توضح العديد من الدراسات حول ما تحقق من تنمية عربية و ما طرأ من تبدلات اقتصادية و تحولات اجتماعية مغلقة خلال مرحلة الحقبة النفطية العربية و النتائج المترتبة عليها من تناقضات هيكلية و التنموية و التجارب الأيديولوجية و الأنماط الاستهلاكية و الاضطرابات السياسية و التشويهات الاجتماعية و المشاكل الحدودية و الاقليمية و الفراغات المؤسسية و التحديات الخارجية أصبحت جميعاً صيغ مضادة للتنمية العربية و كوابح للأهداف القومية نتيجة ترسيخ حدة التنافر القطري و تعميق الافتراقات في المجتمع العربي نظراً لاستمرارية حالة التجزئة السياسية الحدودية و التبعية نظراً لعدم الاهتمام و الأخذ نظراً لعدم الأخذ و الاهتمام بالآراء و الحلول التي طرحتها نخبة من ذوي الاختصاص العرب المهتمين بدراسة عملية تنمية الاقتصادية العربية من حيث التوجهات المستقبلية و كيفية تحسين الأدوات و المؤسسات و تطوير المواثيق و أحداث التخطيط القومي و الشامل ، كافة الدراسات توضح مدى قوة التضامن العربي الحقيقي و لاسيما منذ هزيمة سنة 1967 م و هي أعمق و أكبر من الدراسات للمشاريع التنموية الاقتصادية التركية إلا أن الاخفاقات و التحديات الداخلية و الخارجية المحيطة بالبلدان العربية هي أكبر و أضخم من المحيطة بتركيا حيث تعرضت معظم المشاريع العربية لهدم و التنافر و الاختراق و أن العديد من المشاريع التنموية الاستراتيجية و الاقتصادية التركية فيما يتعلق ببناء البنية التحتية في الأجل القصير و المستقبلي من الأمثلة أن العراق كانت أسبق من تركيا بعشرين سنة في بناء استراتيجية للري و بناء السدود من خلال مجلس الأعمار العراقي في عقد الخمسينات .
خامساً : مدى التباين المعايير في تقويم تجربة للتنمية الاقتصادية التركية عن تجارب التنمية الاقتصادية العربية ، حيث نلاحظ أن التطورات و الانجازات التي تمكنت تركيا من تحقيقه من حيث إشباع حاجاته الأساسية للأتراك سواء أكان على مستوى الاحصاءات البيئية و السكانية و الاجتماعية و الصحية و التربوية و التعليمية/الأكاديمية و الثقافية و الاعلامية و القضاء و الانتخابات السياسية و البلدية و الأمن الاجتماعي و الضمان الاجتماعي و العمل و الأجور ، و الاستهلاك و الزراعة و الانتاج و الطاقة و الصناعة التحويلية و الانشاءات البنائية و السكنية و النقل و المواصلات و السياحة و التجارة الخارجية و الأسعار و المصارف و التأمين و المالية و المحاسبة و الاحصائية الدولية و الاستثمارات و تدل العديد من الدراسات التي تتمحور حول كيفية اشباع الحاجات الأساسية لأبنائها و مواطنيها في البلدان العربية مازال منخفضاً مقارنة بما حققته تركيا في هذا الامر خلال عقدي الثمانينيات و التسعينات كما أن هناك العديد من الدراسات العربية و الأجنبية تدل على ضرورة أثبات ذلك على المستوى العربي بداية بالأمية المستشرية في الأقطار العربية و نسبة وفيات الأطفال ، و السعرات الحرارية للغذاء و الاستهلاك و انخفاض مستوى الزراعة العربية و انتاجيتها و ازدياد مشاكل السكن و اشكاليات النقل و التحديات المطروحة إمام قطاع السياحة و ضعف مستوى التربية و التعليم في المدارس و الجامعات العربية و انخفاض مستوى الدخل و انخفاض مستوى النمو و فشل التطبيقات الاشتراكية و انتشار حالة الفقر و الجوع و المرض و البطالة المقنعة و استيراد الغذاء و غير ذلك ، هذه الظواهر التي تشكل المعايير الأساسية في تقويم تجربة التنموية الاقتصادية العربية و التجربة التنموية الاقتصادية التركية توضح الفوارق و التباينات بينهما إلا أن تركيا تمكنت من بناء البنية الاقتصادية و المالية المتينة التي وصلت في بعض مجالاتها و قطاعاتها التحديثية و التنموية إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة رغم تعرضها لعديد من التحديات و العقبات الاقتصادية .
سادساً : المقارنة في المشاكل الاقتصادية بين العرب و الأتراك ، أن المشاكل التي تمخضت من بعض التطبيقات التنموية الاقتصادية سواء من التجربتين العربية و التركية حيث اثرت بشكل كبير في المجتمعين العربي و التركي نظراً لان البلدان العربية و تركيا جزء من دول العالم الثالث الذي تحكمه و تسيره أنماط محددة من القيم و الموروثات و الرواسب التاريخية و التقاليد الدينية و الاجتماعية كما أن هنالك الاختلاف و التباين الواسع بين الاقتصادات العربية و التركية نتيجة دخول العالمين العربي و التركي عصر الاستهلاك العالي دون اكتمل العديد من الشروط الواجب توفرها و التي تؤسسها و تؤطرها و تنتج عنها التنمية المرتفعة و أبرز الظواهر التي نتجت عن التطبيقات الاقتصادية المفاجئة و عكست آثارها على القيم و الروابط الاجتماعية هي التي يصعب تحديدها بين الطرفين و تتضح في الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن مما يترتب عليه أفراغ الريف من انتاجياته و ازدياد استيراد الغذاء و انعكاس اثارها على مجتمع المدن و اقتصاداتها سلباً مما ادى إلى مشاكل عديدة من أهمها تصاعد الفقر و ارتفاع نسب البطالة و الاغتراب و القصور في الخدمات و التربية و التعليم مع ازدياد نسبة الهجرة الخارجية من البلدان العربية و تركيا إلى بلدان أوروبية صناعية متقدمة من الأمثلة هناك فرنسا للعرب و المانيا للأتراك و تأثيراتها المجتمعية و السيكولوجية على المجتمعتين العربي و التركي نظراً لعدم تعادل أقيامها من نسب التحولات إلى الداخل و انعكاساتها السلبية على المجتمع و الحياة العائلية و الاعتبارية و الأخلاقية و الخلقية مع وجود مشاكل مشتركة من كلا المجتمعين العربي و التركي في سوء الادارة و البيروقراطية و ارتفاع نسبة البطالة ايضا .
سابعاً : تتمحور أهم المشاكل الزراعية و الإروائية بالنسبة للعرب و الأتراك حول أن السياسية الاقتصادية الزراعية و الإروائية التركية تهدف إلى توظيف معظم المتغيرات المحلية و الدولية ذات فعالية بغرض استخدام الموارد النادرة من أهمها المياه ، حيث توضح المعلومات أن اتجاهات استخدامها في تركيا في تزايد منذ عقد السبعينات من اجل تحقيق تجمع مناسب من المواد المروية إلى حجم الناتج الروائي الذي يتزايد نحو المستقبل و هناك العديد من التطبيقات لخطط و ممارسات استبدال التركيب المحصولي نحو محاصيل إروائية و التحول من الزراعة الديمية إلى الإروائية بهدف تطوير الأقاليم المتخلفة نسبياً ، كما أن التغيرات نحو تحسين معدل التبادل التجاري تتطلب زيادة الفائض التصديري من السلع الزراعية ، و هذا الامر سوف يضع السياسات الزراعية للبلدان العربية المجاورة لتركيا إمام اشكالية التصرف في مياه الأنهار المشتركة خلال عقد التسعينات من القرن العشرين و أن التطورات الاقتصادات الزراعية التركية و التكيف في الأداء الزراعي و الخدمي ادى إلى تحديث الزراعة التركية في اطار إعادة تخصيص الموارد الزراعية و بالتالي فإن الموارد الزراعية التي تعدّ قيود على الموارد الزراعية و النقدية سوف تؤدي إلى زيادة التساؤل عند العرب عن أوضاعهم المقلقة في القطاع الزراعي و الإرواء و الغذاء لاسيما بعد تنظيم استخدامها الامر الذي سوف يؤدي إلى انخفض سعر الندرة و من خلال متابعة رقمية مكثفة و مقارنة بين العرب و الأتراك يتبين أن الانتاج الزراعي العربي في حالة الركود و عجزه عن مجاراة النمو السريع في الطلب نظراً لاعتماد البلدان العربية على المصادر الخارجية من اجل سد الفجوة بين الانتاج و الطلب و تزداد الحالة خطورة إذا تم معرفة نسبة الانخفاض في نسبة الاكتفاء الذاتي من الحاجات الغذائية الأساسية و تسجل البلدان العربية الحالة الأكثر تدهوراً إذا تم مقارنته بتلك النسب الموجودة في أنحاء العالم مع ازدياد انخفاض المعدلات العامة للنمو ، و ازدياد تدهوراً الأحوال في الانتاجية العربية في معظم المحاصيل النباتية و لاسيما في الحبوب و القطن و السمسم و قصب السكر الامر الذي يندر بعدم نمو الانتاج مستقبلاً .
ثامناً : المقارنة القياسية الصناعية بين العالم العربي و العالم التركي حيث شكلت الأحداث السياسية و الانقلابات المتتالية في تركيا التي جرت خلال عقود الستينيات و السبعينات و الثمانينيات و المشاكل الاقتصادية التي تعرضت لها تأثير مباشر و غير مباشر على عملية التصنيع و التنمية الصناعية و خلال الفترة الممتدة بين السنوات 1963 – 1983 وضع أربع خطط تنموية شملت الفترات التالية : 1- 1963 – 1976 ، 2 – 1968 – 1972 ، 3- 1973 – 1977 ، 4- 1978 – 1983 ، و أثناء هذه المراحل و بصرف النظر عن تعرضها لعديد من العقبات و المشاكل خلال عمليات تنفيذها أكدت على أن النشاط الصناعي هو الدعامة الأساسية بشكل خاص للنهوض بالتنمية الاقتصادية مع ضرورة التأكيد على الاستمرار بتطبيق سياسة تعويض الاستيرادات من اجل تصبح تركيا مستقلة صناعياً و الاستمرار باتباع سياسة الحماية الصناعية و منح الحوافز و الاعفاءات الضريبية و غير ذلك من الحوافز و تمكنت تركيا من تحقيق النجاح في تطبيق سياسة تعويض الاستيرادات و منح الاهتمام بشكل خاص للقطاع الصناعي الامر الذي ساعداً على جعل القطاع الصناعي ذات أهمية متميزاً في الاقتصاد التركي بنسبة 28 بالمئة من الناتج القومي الاجمالي عام 1985 و بنسبة 17 بالمئة من المجموع العام ، اضافة إلى أن السلع الصناعية قد شكلت ما يربو على 75 بالمئة من قيمة الصادرات في السنة ذاتها ([23]) ، و قد ساهمت الصناعة التحويلية التركية مساهمة ذات فعالية في تكوين الدخل القومي و الناتج القومي حيث كانت نسبة مساهمتها أكثر 19.56 بالمئة بالأسعار الجارية عام 1970 . ازدادت هذه النسبة لتصل إلى 20.4 بالمئة سنة 1980 ، و ازدادت مرة أخرى لتصل إلى 23.84 بالمئة عام 1986 ([24]) ، أما على المستوى العربي نجد أن التدرج الصناعي في البلدان العربية لاسيما التي تطبق السياسات التنموية الصناعية من الناحية العلمية و المعرفية لتحقيق النمو الصناعي كتونس و المغرب و لبنان ، حيث تمكنت من تسجيل التقدم الملحوظ و النمو المطلوب في المعرفة الصناعية ، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى الدرجة التي وصلت لها تركيا رغم ديناميكية التنمية في الوطن العربي خلال عقدي الثمانينيات و التسعينات ، كما أن النتائج التي وصلت إليه الصناعة التركية و الصناعة العربية في مجال الصناعات الاستهلاكية المعمرة و غير المعمرة إلا أنهما لم يتمكنا من اجتياز المرحلة الأولى من تلك الاستراتيجية و من ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تتمحور حول إقامة قطاع صناعي ثقيل يقوم بانتاج السلع الرأسمالية و الوسيطة نظراً لارتكازهما على الأموال الخارجية في كيفية الحصول على مثل تلك السلع من اجل سد احتياجاتهما المحلية ، و هذا يفسر عدم تمكنهما من الوصول إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة و استمر كلاهما في اطار سلم البلدان النامية ، و كذلك رغم تطبيق سياسات احلال الواردات لم يتيح لهما أن تكونان أمتين صناعيتين حيث ظلت الصناعة في حاجة ماسة إلى العديد من المراحل من اجل تصل إلى المستوى المطلوب .
تاسعاً : مدى أهمية ممارسة التجارة و طبيعتها لكل من العرب و الأتراك حيث توضح التنمية الاقتصادية التركية التطور النوعي في التجارة الخارجية و مدى تأكيد السياسة التركية عليها منذ عهد التأسيس رغم تعرضها للأزمات و العقبات إلى عقد التسعينات من القرن العشرين نظراً لاكتساب تركيا سمات و خصائص لم تتوفر في الدول العربية الشرقية أوسيطة الامر الذي اتاح لها المجال للتقديم طلب العضوية في السوق الأوروبية المشتركة و الموافقة عليها و توقيع اتفاقية اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي بتاريخ 31/12/1995 م ، و الاعتراف رسمياً بتركيا كمرشح لعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي بتاريخ 12/12/1999 م ، أما على المستوى العربي نجد أن الدور النسبي للاقتصادات العربية كان و مازال محدود في مجمل العلاقات التجارية العالمية نظراً لان حجم التجارة الخارجية العربية الصادرات + المستوردات لا يشكل إلا نسبة بسيطة من مجموع التجارة الدولية نظراً لان البلدان العربية تتعامل من موقع ضعيف حتى في حالة كانت مجتمعة و ازداد خطر استيراد الأقطار العربية من السلع الاستهلاكية و منها المواد الغذائية و المعدات الانتاجية و البضائع الوسطية جميعا و خصوصاً بعدما تزايد تصدير النفط الخام و المواد الأولية الاخرى ، كما أن التركيب السلعي للتجارة الخارجية العربية بعد حصول الدول العربية على الاستقلال السياسي من الدول الأجنبية يؤكد على أن الوصول إلى مرحلة الاستقلال الاقتصادي العربي تزداد تراجعاً نظراً لازدياد درجة التبعية الاقتصادية نظراً لان أكثر من 91% من الصادرات العربية تتركز في النفط و الغاز أما التركيب السلعي للاستيراد يدّلل على أن المستوردات الاستهلاكية تتكون من أكثر من 48% من مجمل المستوردات و تشمل المواد الغذائية و المشروبات و الزيوت و السلع الانتاجية من مكائن و معدات و السلع الاستهلاكية الصناعية ، أن هذا التزايد الملحوظ و ليس التطور المتوازن في الاعتماد على الاستيراد و التصدير يوضح حجم المخاطر السياسية و الاقتصادية و ازدياد درجة تباعد المسافات الاقتصادية الفاصلة بين الأسواق العربية الامر الذي يؤدي إلى ازدياد درجة تفوق التباعد بين الأسواق العربية و الدول الأجنبية نظراً لأسباب سياسية و جغرافية و اقتصادية .
نصل إلى النتائج المتمخضة من المقارنة بين العالم العربي و العالم التركي التي يمكننا حصرها في مجموعة من النقاط الأساسية ، و هي على التوالي :
اولاً : الحصيلة الاقتصادية للعالم العربي و العالم التركي : أخذت بعض الأقطار العربية بقايا الاقتصاد العثماني و النتائج المترتبة عن ذلك سواء أكانت انحرافات أو تخلفات كالعراق و سوريا و لبنان و الأردن و تميزت بعض الأقطار العربية باقتصاداتها الذاتية الناتجة عن أنظمة حكم تتملك خصوصياتها كاليمن و تميزت أقطار عربية اخرى بما أخذتها من اقتصادات استعمارية مشوهة منحرفة كالجزائر و عدن و مصر و تونس و المغرب و السعودية بصرف النظر عن الازدواجية في طبيعة ما تمخض عن الأرث العثماني و الذاتية و الاستعمارية في البيئات العربية إلا أن هناك اختلاف بدرجة كبيرة سجل طبيعة خطط التنمية التركية و العربية نظراً لاتجاه تركيا في تنفيذ خططها التنموية إلى تكييف الرأسمالية من خلال الاستثمارات ، أما البيئات العربية التي أخذت عن الأرث العثماني فقد اتجهت إلى تطبيق خطط تنموية و تسعى إلى تطبيق الاشتراكية سواء أكان في مصر أو سوريا أو العراق .
ثانياً : التنمية العربية : رغم اندماج التنمية العربية في مسار واحد إلا أن بعضها كان معزولاً عن بعضها الاخر و يعتمد بشكل كلي على التعامل الفرادي مع اقتصادات الدول الصناعية المتقدمة و نتيجة استمرارية تطبيق التنمية العربية في اطار ظروف التجزئة القومية فقد أصبحت مهددة في مقوماتها من حيث عناصرها و عواملها غير المستقرة ، و يعدّ ذلك من أبرز المعضلات و المشكلات التي حاصرت التنمية العربية نظراً لان التصور الذاتي ناتج عن ارتباط التخلف بالتجزئة القطرية و نتج عن ذلك ازدياد درجة عدم التوازن بين البنى الاقتصادية العربية و المشاكل و العقبات المترتبة عن ذلك حيث أصبح كل قطر عربي يعاني بشكل منفرداً أو أكثر من المقومات الأساسية للتنمية الشاملة نظراً لافتقار الأقطار العربية لبعض أو كل أو احد هذه المقومات نذكر أهمها ، الأيدي العاملة ذات المهارات ، نقص في الموارد التمويلية ، عدم امتلاك الأراضي الزراعية ، شح المياه ، قلة الخبرات التنظيمية و الادارية .
ثالثاً : محاولات التنمية العربية : أن محاولات تحقيق التنمية العربية مرت بالعديد من الأطوار من حيث الصنف و النوع ، و مراحل تاريخية عديدة و متباينة من قطر لآخر من الأقطار العربية و هي مراحل لا تشابه المراحل التي مرت بها تركيا سواء من ناحية حجم المجهود الأنمائي أو من ناحية الممارسات و التطبيقات أو طبيعة دور الدولة الاقتصادية أو علاقة تركيا بالدول الاخرى ، مما يدل على أن تركيا سبقت الأقطار العربية في مجال بناء الخطط و تنفيذ البرامج الاقتصادية و السياسات التنموية الاقتصادية نظراً لان تركيا بدأت منذ سنة 1923 م أما بقية الأقطار العربية فقد بدأت بعد حصولها على الاستقلال السياسي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عدا العراق الذي بدأ منذ سنة 1927 م .
رابعاً : مدى غياب التخطيط الاقتصادي لأجل طويل : تتسم معظم القطار العربية بغياب التخطيط الاقتصادي لجل طويل نظراً لمدى حرص هذه الأقطار على عدم تبادل المعلومات التي تتعلق بكيفية توطيد الإرادة ، المقاصد ، النيات الانمائية و غير ذلك من المعلومات ذات العلاقة الامر الذي يفسح المجال إمام فرز حالات الاقتراب العربية من النموذج التركي حيث تميز النموذج التركي بالانفتاح الاقتصادي بعد سنة 1973 م إلا أننا نلاحظ مدى التشابه بين النموذج التركي و النموذج المغربي من خلال سياسة اتاحة المجال أما الاستثمارات الخارجية و أما أرباب الأعمال المحليين و مدى الارتباط بنظام اقتصادي ليبرالي مما يفسر كيفية ارتكز تركيا و المغرب في تحقيق أهدافهما و مصالحهما بالدول الأجنبية في ممارستهما سياسات الانفتاح الاقتصادي .
خلاصة القول : تتركز التنمية العربية على المنطلقات الأساسية و الصحيحة و تتيح المجال لإقامة البناء المؤسسي ذات التكوينات و العناصر الفعالة و يعتمد هذا البناء على معطيات الادراك المجتمعي و الارادة الاجتماعية المنشودة مع ما يتناسب من نوعية الدولة و النظام السياسي العربيين من حيث حالات الضعف و التناقضات و انتهاكات و الاختلالات و غياب بعض الشروط الأولية نظراً لأنها تعدّ الاطار المحدد لإرساء الأسس و المبادئ البناء و عناصر التكوين الضرورية بهدف ادراك متطلبات التغيير و توفر وسائله و تحقيق آلياته دون أبرز الحد الأدنى منها و أهم الشروط هما شرطان أسياسان حسبما يقول الدكتور الكواري :
- مدى ضعف الهيئات و المؤسسات الضرورية بهدف التأكيد وجود قدرة مجتمعية تعمل على حماية حقوق المواطن و الدفاع عن إمكانية ممارسته لحقوقه الضرورية الأساسية .
- مدى غياب القدرة المؤسسية التي تتيح المجال لمقارنة المنطلقات الفكرية للأفراد و الجماعات بغرض التمهيد الطريق لصيانة نظرة مجتمعية أصيلة ترتبط بالمكان و متفاعلة مع الزمان و تسفح المجال للمواطن و المجتمع و تعبئة قدراتهما و تشكل قاعدة انطلاق لطاقاتهما و تنميتهما و تمكن كلاهما من أدارة الصراع في المجتمع بهدف التقليل قدر الإمكان من الأزمات .
يعدّ موقع تركيا لأوروبا ذات أهمية جيواستراتيجية سياسية-اقتصادية و عسكرية و أمنية ايضا ، و ذات أهمية على المستوى الدولي و لاسيما لمنطقة الشرق الأوسط و قد تم التركيز على الثقافة السياسية من أجل فهم تاريخ الامبراطورية العثمانية ، و من خلال هذه المقدمة البسيطة على تركيا انتقلنا إلى التركيز بالتفصيل على الاصلاح الاقتصادي في تركيا قبل الحرب العالمية الأولى من خلال كتابة المؤرخ الجغرافي ” حاجي خليفة ” في رسالتها سنة 1653 م دستور العمل لاصلاح الخلل و انتهاج السلطان ” سليم الثالث “” 1789-1807 و هو الأب الروحي لجميع العمليات الاصلاحية العثمانية ثم عرض أهم المحاور للاصلاح الشامل أهمها نظرية التحديث ، التغيير ، السياسات ، التقاليد ، المظاهر ، ثم تم التركيز على المحور الأساسي في التحديث و اصلاح و بناء تركيا منذ عهد الامبراطورية العثمانية و تم تقسيم ذلك إلى محورين أساسيين :
المحور الأول : تناول كيفية البدء بتطبيق خطوات الاصلاح الشامل و خصوصاً الاصلاح الاقتصادي قبل الحرب العالمية الأولى و تم تقسيمها إلى ثلاثة محاور أساسية ، و هي :
- الاصلاح الاقتصادي قبل الحرب العالمية الاولى .
- العلاقات التركية-الأوروبية .
- أهم العقبات التحديث في تركيا العثمانية .
إما المحور الثاني ركز على اصلاح تركيا بعد الحرب العالمية الأولى و ينقسم إلى أربعة محاور أساسية ، و هي :
- الاصلاح الاقتصادي بعد الحرب العالمية الأولى .
- العلاقات التركية-الأوروبية .
- العلاقات التركية الشرق أوسيطة .
- مقارنة بين العرب و الأتراك .
من خلال ما تقدم ، يتضح أن تركيا تمكنت من تطبيق سياسات الاصلاح الشامل و البناء نظراً لأنها ركزت على التقيد بمجموعة من المحاور الأساسية ، و هي :
- منح المثقفين مكانتهم في المجتمع التركي و افسح لهم المجال لتطبيق برامج الاصلاح الشامل .
- التركيز على بناء الانسان التركي و تنميتها .
- التركيز على التنوير العقلي و المعرفي للمواطن التركي و هو ما اغفلت عليه الحكومات العربية و الشعوب العربية حيث لم تهتم إلى الان بأعداد برامج لتنمية العقل العربي و اليقظة العقلية العربية .
- الوعي التركي بمدى أهمية العلاقات الانسانية مع الاخر في المجتمعات الغربية و العربية .
- كيفية تحقيق الاستفادة الأمثل من الناحية السياسية و السياسية و الثقافية و العلمية و الاجتماعية و الاقتصادية من العقل الأوروبي ، و الانفتاح الايجابي في كافة المجالات على الغرب .
- مدى تحلى الحكومات التركية المتتالية بالإرادة السياسية و الاقتصادية التركية رغم كل التحديات و العقبات التي شكلت عائق إمام كل حكومة و قد تزامن ذلك مع الإرادة الشعبية التركية .
- تركيز و توفير الحاجات الانسانية الأساسية للمواطن التركي و الأسرة التركية و المجتمع التركي .
الانسان التركي الاسرة التركية المجتمع التركي
- منح أهل الاختصاص مكانتهم منذ بداية تنفيذ خطط الاصلاح الشامل في الدولة و المجتمع التركي .
- التقيد بالقانون في كافة المؤسسات و المجالات في الدولة التركية .
- التحولفي العلاقات التركية من العداء مع الغرب إلى إقامة علاقات سياسية و اقتصادية مع الدول الغربية و هذا يدّلل على مدى رجحة العقل التركي بأهمية الانسان في المجتمع التركي و على المستوى الدولي ، و التأكيد على بناء غدا أفضل .
- الاعتمادعلى الذات في بناء المجتمع و الدولة التركية .
و هو ما أغفلت عليه العديد من الحكومات و الشعوب العربية بل و الانسان العربي و الأسرة العربية في العديد من الأقطار العربية إلى يومنا هذا مما ادى إلى زيادة التخلف في مختلف المجالات و عدم التمكن من أحياء الحضارة الإنسانية العربية من خلال جهود بعض المثقفين و أهل الاختصاص العرب نظراً لكثرة التحديات التي تشكل عائق إمام تحركاتهم في المجتمعات العربية ، كما أن الحكومات العربية توجه العديد من التحديات و المشاكل عند تطبيق سياسات الاصلاح الشامل في كافة المجالات نظراً لعديد من الأسباب نذكر أهمها ، عدم الاهتمام بشريحة المثقفين في مجتمعاتهم العربية ، ، عدم الاكتراث لتنمية العقل العربية و اليقظة العربية و اعتبره شيء مستوحى من الحضارة الغربية و بأن الانسان العربي ينبغي أن يبقي عقله في سبات عميق ، عدم التركيز على ضرورة التحلي بالإرادة السياسية و الاقتصادية من قبل الحكومات و عدم أدراك مدى أهمية الارادة الشعبية و توفير أهم مرتكزاتها و هو توفير الحاجات الأساسية للإنسان العربي و الأسرة العربية و المجتمع العربي في كل قطر عربي ، عدم الاهتمام بالتقيد بالقانون في عمل المؤسسات و كافة الدوائر الحكومية مما ادى إلى انتشار الوساطة و الرشوة ، عدم معرفة كيفية تحقيق الاستفادة الأمثل من الغرب و التعامل الانساني مع الاخر في المجتمعات الغربية .
اعداد : الاستاذة فاطمة أحمد الثني
ماجستير علوم سياسية -جامعة طرابلس سنة 2019 م – دولة ليبيا
[1]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، ( بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، 1997 ) ، ص . 55 .
[2]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . ص ، 56 – 57 .
[3]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 71 .
[4]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 213 .
[5] المرجع السابق ، ص . 214 .
[6] المرجع السابق ، ص . 214 .
[7] – سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 221 .
[8] سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 223 .
[9] المرجع السابق ، ص . 224
[10]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 225 .
[11]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 230 .
[12] المرجع السابق ، ص . 230 .
[13] المرجع السابق ، ص . 231 .
[14]-المرجع السابق ، ص . 231 .
[15]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . ص . 232 – 233 .
[16]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 233 .
[17]– نبيل حيدري ، تركيا : دراسة في السياسة الخارجية منذ 1945 ( بيروت : صبرا للطباعة و النشر ، 1986 ) ، ص 97-98 .
[18]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص .240 .
[19]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 264 .
[20]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 266 .
[21]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 273 .
[22]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 344 .
[23]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 249 .
[24]– المرجع السابق ، ص ص . 249-250 .