تساءل الكاتب هايدن سكيمت من معهد ريسبونسيبل ستيت كرافت الأمريكي عن مصير الشرق الأوسط في حال انسحب الرئيس الأمريكي جو بايدن منه عسكريا.
ويقول في تحليله إنه في حين بدا كبار المسؤولين الأمريكيين حريصين خلال الشهر الماضي على طمأنة الشركاء التقليديين في الخليج العربي بشأن التزام واشنطن بأمن الخليج بعد الانسحاب من أفغانستان، فقد تصاعد الجدل حول السياسة المستقبلية للولايات المتحدة وما إذا كان ينبغي لواشنطن أن تبدأ فك الارتباط العسكري بالمنطقة. وإلى أن تصدر إدارة الرئيس “جو بايدن” مراجعة حول “وضعية القوة الأمريكية في العالم”، تظل نوايا الولايات المتحدة غامضة.
ويضيف الكاتب أنه في أواخر سبتمبر/أيلول، أرسل “بايدن” مستشاره للأمن القومي “جيك سوليفان” لإجراء محادثات مع الشركاء الخليجيين الرئيسيين. وفي هذه الأثناء، استضاف وزير الخارجية “أنتوني بلينكن” مائدة مستديرة من أعضاء مجلس التعاون الخليجي في نيويورك خلال الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبينما أكد “بلينكن” لضيوفه أن الإدارة الأمريكية ما تزال “ملتزمة بعلاقات مستدامة وطويلة الأمد مع جميع شركائها في مجلس التعاون الخليجي”، فقد تم تلخيص رد الفعل في السؤال الذي قيل إن وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان” طرحه، حين قال: “ما هي الخطة؟”.
ويضيف الكاتب في تحليله أنه في حين يتعلق سؤال الأمير “فيصل” على وجه التحديد بمستقبل السياسة الأمريكية تجاه إيران خاصة إذا انهارت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، فإن غياب أجندة أمريكية واضحة تجاه الخليج هو أحد الأسئلة الكبيرة التي تلوح في الأفق في دوائر السياسة الخارجية في واشنطن.
ومع التكهنات حول مستقبل السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ظهر نقاش أكبر في واشنطن يحرض على الدعوة لاستمرار الانتشار العسكري الأمريكي في العالم.
وينقل الكاتب عن “ريتشارد هاس”، الدبلوماسي الأمريكي السابق ورئيس مجلس العلاقات الخارجية، قوله: “يجب أن تكون نقطة البداية هي الاعتراف الواضح بأن السياسة الخارجية تبدأ من الداخل لكن لا يمكن أن تنتهي عند هذا الحد. وفي غياب تفوق عالمي أمريكي، ستكون النتيجة هي عالم أقل حرية وأكثر عنفا وأقل استعدادا أو قدرة على مواجهة التحديات المشتركة”.
لكن العديد من الخبراء يعارضون وجهة النظر هذه، حيث يتبنون إنهاء حروب أمريكا إلى الأبد واتباع استراتيجية دبلوماسية أكثر صرامة. وفي الواقع، أدت بداية الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط إلى اعتقاد الكثيرين أن ذلك يخلق فرصا أفضل للقنوات الدبلوماسية بين القادة الإقليميين.
وقالت “تريتا بارسي” من معهد “كوينسي”: “لقد أطلق انسحاب بايدن الوشيك من المنطقة العنان لإمكانات غير مستغلة للاعبين في الشرق الأوسط لحل مشاكلهم بأنفسهم ومحاولة بناء الهياكل اللازمة لضمان منطقة أكثر سلاما واستقرارا”. وبالفعل، فإن إصدارا موجزا من معهد “كوينسي” كتبه الراحل “مارك بيري” يرفض الفكرة القائلة بأن توسيع عقيدة الأممية الأمريكية يحمي المصالح الأمريكية في المنطقة.
ومن الناحية الواقعية، كان الوجود الأمريكي في المنطقة بشكل عام مزعزعا للاستقرار، ومن خلال الانسحاب، يمكن فتح الباب أمام القادة الإقليميين للانخراط دبلوماسيا. وتزعم هذه المدرسة الفكرية أيضا أنه لا يوجد تهديد حقيقي من انسحاب الولايات المتحدة سوى أن ذلك يؤذي مشاعر القادة المقاتلين فقط.
ويتابع الكاتب: بعيدا عن الحجج الداعية إلى البقاء أو المغادرة، فإن الكثيرين في واشنطن يتجادلون الآن حول إمكانية استمرار “محور” الولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى المحيطين الهندي والهادئ. وقال “بلال صعب”، وهو مسؤول سابق في البنتاغون وزميل أول في معهد الشرق الأوسط: “هناك عدم يقين بشأن أفضل استراتيجية وأدوات تنفيذها، لكن هناك اتجاها واحدا لا لبس فيه هو ضرورة تحرك الموارد العسكرية الأمريكية من الشرق الأوسط إلى منطقة الهند والمحيط الهادئ”.
وسوف تعتمد كيفية ظهور هذا المحور على مراجعة “وضعية القوة الأمريكية في العالم” التي من المقرر أن تصدرها إدارة “بايدن” في الأشهر المقبلة. وفي حين أن المراجعة قد تُظهر تغييرا في موقف القوة العسكرية الأمريكية، فإن السؤال الأكبر المتعلق بالالتزام طويل الأجل تجاه الخليج في مجالات مثل التعاون متعدد الأطراف مع الشركاء ودعم أساطيل الحلفاء الخليجيين وتأمين ممر آمن للتجارة، لا يزال غير واضح.
وأعرب مستشار رئيس الإمارات للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” عن إحباطه فيما يتعلق بالتزام الولايات المتحدة تجاه الخليج. وقال: “سنرى في الفترة المقبلة ما يحدث بالفعل فيما يتعلق بالبصمة الأمريكية في المنطقة. ولا أعتقد أننا نعرف حتى الآن، لكن أفغانستان كانت اختبارا بالتأكيد. ولكي أكون صادقا، فهي اختبار مقلق للغاية”.
وتطرح تصريحات “قرقاش” سؤالا خطيرا عن الدور الذي تلعبه دول الخليج في الوقت الذي تعيد فيه واشنطن التفكير في الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. كما تشير هذه التصريحات إلى حالة القلق لدى قادة الخليج مع استمرار الزخم لإنهاء التدخل العسكري الأمريكي في الخارج.
ويختم الكاتب: في نهاية المطاف، مهما كانت حالة عدم اليقين في دوائر السياسة الخارجية، فإن الولايات المتحدة على مفترق طرق. وحان الوقت لإدارة “بايدن” لإعادة التفكير في وجودها العسكري في المنطقة. ويتلخص النقاش حول ما إذا كانت واشنطن تريد مواصلة تفوقها العسكري في الشرق الأوسط أو الانخراط في سياسة تقوم على ضبط النفس واتباع استراتيجية دبلوماسية أكثر صرامة تجاه المنطقة والعالم.