فاطمة الثني
تحظى تركيا باهتمام كبير من قبل الدول الغربية سواء كان من الناحية الاستراتيجية أو السياسية أو الاقتصادية نظراً لأنها تتمتع بمجموعة من الخصائص الأساسية و من أهمها الموقع الجغرافي في منطقة الشرق الأوسط حيث تطل على الحدود الأوروبية اولاً ، و موقعها الجغرافي الدولي حيث تربط منطقة قلب آسيا بأوروبا الشرقية و تمتد على جزء محدود من أوروبا الشرقية يطلق عليها ” تراقيا ” ثانياً ، و توجد بها مدينة استانبول التي تطل على أوروبا و تتمتع نتيجة موقعها الجغرافي ببعض المميزات التي لعبت و مازالت تلعب دوراً كبيراً في العلاقات الدولية كمضائق البرفسور و الدردنيل الذي يربط مياه البحر الأسود بمياه البحر المتوسط عبر بحر مرمرة ، و تفصل الجانب الأوروبي في جنوبها الشرقي على الجانب الآسيوي في غربها ، أن تركيا تنقسم إلى قسمين : القسم الأول في آسيا الغربية و يحده البحر الأسود و أرميينا السوفاتية شمالاً ، و المضائق و بحر مرمرة و بحر إيجه غرباً ، و سوريا و البحر المتوسط و العراق جنوباً و إيران شرقاً ، أما القسم الثاني يقع في أوروبا و تحده من جهة اليابسة أراضي اليونان و بلغاريا و من الغرب بحر إيجه و مرمرة و الأسود ، و قد اعتقد الغرب بإن تركيا في ظل أوضاعها السياسية المضطربة و غير المستقرة بأنها سوف يتعرض أمنه و استقراره و ازدهاره للخطر كما أن الفوائد الايجابية التي سوف يتم الحصول عليها من انتماء شعب كبير لأراضي واسعة تتمتع بالخيرات و متنوعة من حيث التضاريس و الموارد لاسيما أن تركيا تعدّ دولة زراعية تحظى بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية مع ارتفاع نسبة العاملين في القطاع الزراعي و تتمتع بالثروة الحيوانية ايضا ، تركز الاهتمام بتركيا من قبل السياسيين و المراقبين و الدوليين و الخبراء الاستراتيجيين نظراً لأنهم يعتبرون تركيا مثالاً لمشكلات تتصف بالعمومية بشكل أكثر مثلما التي تواكب دولة قومية جديدة يمثلها نظام برلماني في اطار امتلاكها جذور تاريخية عميقة و تقاليد سياسية متنوعة قديمة ، مما يدّلل بأنها كان على القائمين عليها توحيد ” مشروعهم النهضوي المعاصر ” ضمن اطار التحديث السياسي بين التقاليد التاريخية من ناحية و عمليات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية المتوجهة بكلياتها نحو الغرب من ناحية ثانية من خلال دعم نظام سياسي ديمقراطي حديث .
من خلال ما تقدم يمكننا طرح اشكالية الدراسة ، و هي :
لماذا و كيف استطاعت تركيا تطبيق سياسات الاصلاح الشامل و إقامة دولة القانون و المؤسسات بينما ظلت بعض الأقطار العربية متعثرة و البعض الاخر كما هي ، و بعض الأقطار تمكنت من تطبيق سياسات الاصلاح الشامل إلا أنها لم تصل إلى مستوى ” جمهورية نركيا ” ؟
و نشير إلى أن كافة المؤرخين المحدثين يستطيعون تحليل القيم و التقاليد و الرواسب و النظم التاريخية التي امتلكها الأتراك خلال قرون عديدة و يستطيعون بالتنسيق و التخطيط مع علماء الاجتماع أن يتدارسوا المجتمع التركي المعاصر من حيث أسباب نموه السريع خصوصاً للسكان و مدى تأثيراته البالغة في المدن و قياس حجم التخلف الذي ازدادت
حدتها في الأرياف ، أما بالنسبة إلى الاقتصاديون يمكنهم دراسة و تحليل الفعاليات الاقتصادية و المواضيع الأساسية التي تشغل تفكير أعداد كبيرة من الناس و تشكل حيزاً كبيراً من اهتماماتهم المعيشية و حجم انتاجياتهم الزراعية و الصناعية بمعزل عن الدعم الخارجي أو نظم الحكومات التركية المتتالية اتجاه الحياة الاقتصادية ، و بناء على ما سبق فإن دراسة التحديث التركي يهدف بشكل أساسي إلى ضرورة فهم عميق لأوضاع الظروف المحيطة بــ ” تركيا المعاصرة ” من خلال تحليل و دراسة المزيد من المعلومات و تفكيك العديد من النظم و تقديم أهم النتائج و الاستنتاجات ، و العمل على توضيح مدى أهمية عوامل أساسية و محددة عن حاضر منطقة الشرق الأوسط و رسم الرؤى المعرفية عن مستقبله و تعدّ تركيا من أبرز النماذج التاريخية المعاصرة في ” التحديث ” و لعل هذا يفسر لنا اهتمام العديد من المتخصصين في الشؤون التاريخية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بدراسة و تحليل الظروف البيئة المحيطة بـ ” تركيا ” و عوالمها ، و اليوم نحن في العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين في حاجة ماسة لدراسة التاريخ التركي و معرفة نتائج الدراسات و الأبحاث الحديثة و المعاصرة لمعلومات و وقائع و نظم و أفكار و عن مراحل معينة و جوانب ذات أهمية و مرتكزات أساسية بهدف الوصول إلى مفاهيم موثوقة و آراء و استنتاجات صحيحة نظراً لان كافة الأقطار العربية تنتهج سياسيات تطبيق الاصلاح الشامل في جميع المجالات في ظل التطورات و المتغيرات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و الأمنية و العسكرية على المستويين العربي و الدولي المحيطة بكل قطر عربي على حدة و بالتجمعات العربية شبه الاقليمية و هذا يتطلب فهم و دراسة تاريخنا و حاضرنا من أجل معرفة كيفية بناء مستقبلنا و مواجهة الحقائق و إيجاد الحلول المناسبة لسلبيات نظراً لان عدم مواجهة الواقع و العمل على اصلاحه قد يؤدي إلى انهيار الأنسان المواطن العربي و إعادة احتلال الأقطار العربية ، و نوضح بأن هناك عامل أساسي في عدم فهم راسخ و أساسي للشؤون التركية الحديثة و المعاصرة الناتجة من الخلافات و الاختلافات و التباينات في المعلومات التاريخية من قبل الأوروبيين و أن أسس هذه الحالات تكمن في طبيعة العلاقات التاريخية و كيفية انعكاساتها على مصالح القرن العشرين مما ادى إلى انعكاسات سلبية على تاريخ منطقة الشرق الوسط ، أما على المستوى العربي نلاحظ مدى النقص في المعلومات و يتم تعويض ذلك النقص الواضح بالآراء و الأفكار و المواقف المضادة التي لا تؤدي إلى الوصول إلى حقائق ايجابية و لا تسعى إلى تكوين مستقبل مشترك كما انتهجوا العرب في كتاباتهم التاريخية و الفكرية و السياسية الحديثة المأثور الأوروبي من الكتابات و الترجمات و أسسوا رؤيتهم الفكرية و السياسية و التاريخية عن منطقة الشرق الأوسط من خلال المنظور الأوروبي الذي يستند بصفة مستمرة على قاعدة أوروبية- غربية و ليس شرق أوسيطة متأصلة أو عربية/اسلامية صادقة الامر الذي ادى إلى انحياز العرب و فكرهم المعاصر و رؤيتهم المجزأة و مواقفهم المضطربة خلف الأوروبيين من أجل نقل جميع توجهات النظر المتحيزة و غير المؤكدة أو الموثوقة عن الأتراك و بالمقابل فعل الأتراك ذات الامر في بناء مواقفهم و رؤاهم المضادة اتجاه العرب و تواريخهم و مشاكلهم و شؤونهم المعاصرة .
أما فيما يتعلق بالثقافة السياسية العربية من حيث التفكير و الواقع و الخطاب نجد أنها تحيط بالثقافة السياسية العربية الغموض في التفكير و الازدواجية في المواقف و حالة التمعن و الزيادة في الخطاب و ينبثق بشكل كلي من فوضى التجزئة السياسية في الواقع العربي و هو واقع بعيد في قراراته و ممارسته و اتجاهاته و تياراته عن الفكر السياسي الذي استخدمه العرب في سياقات متباينة في اطار مجموعة من المبادئ و المواريث التي نشاؤا عليها خلال القرن العشرين ، حيث كانت صياغاتهم المعبرة عن واقعهم و التحديات يشوبها الابتعاد عن الواقع الحقيقي و مليئة بالتناقضات مما ادت أو نتج عنها العديد من السلبيات و التحديات بل أنهم وجدوا أنفسهم كأحد أبرز الأرجحيات المسببة لذلك في خضم مجموعة من المفاهيم الجديدة التي لم تفرزها تواريخهم الحديثة على امتداد القرن الثامن عشر و التاسع عشر حيث شملت مجموعة من المفردات و التعابير و المصطلحات و قد استخدامها الأتراك و الشعوب الأسيوية و الأفريقية في القرن العشرين مما ادى إلى اختلاف تفاسير العرب و الأتراك لها في اطار السياقات التاريخية و السياسية و هي كانت و مازالت مستعصية على الفهم و التطبيق معنا ، و نجد أن الثقافة السياسية العربية المعاصرة نشأت في اطار تفكيري قطري طوباوي أو خيالي أو سلطوي غير متجانس و متنسق يضع واقعاً سياسياً غير مرتب و يتسم بالاضطراب و التشتيت و التناقض و متناحراً ، و ينتج منه خطاب سياسي يسوده التهويل و الأسقاط أو الجمع بينهما و يتضح في كافة الاحيان أن معظمه الذي يمثله السلطويات عبر وسائل الأعلام المختلفة من الصحف و الاذاعات إلى جانب المؤتمرات الرسمية و كتب الأيديولوجيات التي تتضمن لغة أنشائية و مبالغة دون الوصول إلى النتائج المطلوبة .
و قد ازدادت البحوث و الدراسات حول العثمنة خلال القرن العشرين و باللغات الأساسية حيث تبلورت مجموعة من المفاهيم بحيث أصبحت أكثر اتساقاً عما كانت عليه تفاسيرها عند اجيال القرن الثامن عشر و التاسع عشر و عندما يجد القارئ العديد من النتائج و الأحكام يشملها هذا العمل فإن هناك العديد من المعطيات الموضوعية و المعلوماتية و الجداول الرقمية قد برزت تلك النتائج و الأحكام ، يمكن أن يجدها في أعمال كل من سبقواً دكتور ” سيار الجميل ” في معالجاتهم و تحليلاتهم من أهمهم خليل إنالجيك ، ستانفورد شو ، كمال كارﭙات ، كارل براون ، رودريك ديفيسون ، دنكوارت روستو ، ولترف . ويكر ، هرشلاغ ، شارل عيساوي ، بيرابير أوغلو ، سمير أمين ، و غيرهم .
قد رسخت الدولة العثمانية ” العثمنة ” كظاهرة تاريخية خلال عهد التنظيمات و تزامنت معها تجارب تحديثية لدول و مجتمعات اخرى من أبرزها اليابان و روسيا و مصر ، و قد أوجد ” روستو ” مقارنة بين هذه التجارب بهدف يستخلص مجموعة من النتائج التي هي جزءاً من ظاهرة العثمنة ، أن العثمنة الاصلاحية في مشروع التنظيمات لم تستطع التطور و أحداث تغييرات أساسية على مستوى البنى الاجتماعية أو تحديث الثقافة و التفكير و الذهنيات مع الاخفاق و عدم تحقيق النجاح في تحديث الاقتصادات العثمانية ، حيث أن الاصلاحات العثمانية و من بينها عهد التنظيمات لم تتمكن من تحقيق النجاح خلال القرن كامل الذي يمتد 1808 – 1908 سواء على مستوى تشكيلات الدولة السياسية و على مستوى التغيير الجذري للعلاقات الانتاجية القديمة و ارجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب ، و هي :
- أن العثمنة الاصلاحية و مشروع التنظيمات لم تحظى بأرضية مؤاتية من أجل أحداث التحولات و التغييرات من خلال فوقيتها و مركزيتها و لم تنشأ من الناحية الاجتماعية و الفكرية بل انبثقت من خلال قرارات سياسية و إدارية أو تنفيذات بيروقراطية بحثة الامر الذي انعكس سلباً على الدولة و المجتمع حيث لم يجد كلاهما أية فرصة جدلية من أجل التفاعل و التغيير التاريخي سواء أكان في البيئات الأناضولية أو العربية .
- عدم اغفال دور السياسات الأوروبية الانكليزية و الفرنسية و الروسية و تدخلاتها في الشؤون العثمانية لاسيما السياسات التي كانت تتمتع بمجالات عمل و اختراق وفرتها الامتيازات العثمانية و يعدّ ذلك من أبرز العوامل في افشال مشروع التنظيمات و خطط العثمنة الاصلاحية و عدم امكانية التوصل إلى نتائج و بعض تطبيقاتها التحديثية وصولاً إلى اغراق الدولة العثمانية بالمديونية الخارجية خلال عهد السلطان ” عبد الحميد ” 1876 – 1909 و دور كل السياسات بإغراق كل من مصر الخديوي و تونس الحسينية بالديون الامر الذي اسفر عن استعمار معظم الأقطار العربية .
- الحرب الاقتصادية – التجارية ضد المصنوعات المحلية و الوطنية من خلال اغراق الأسواق العثمانية بالبضائع و السلع و دور الشركات الأجنبية و من أهمها شركة الهند الشرقية و الرساميل الأجنبية و المعاهدات الجمركية التي فرضت على الدولة العثمانية حيث ادت إلى خلل كبيراً بين رسوم الصادرات و الواردات و كانت السبب الأساسي في تدمير الصناعات و الحرف المحلية و خصوصاً المدن العربية التي لم تحظى بفرص تاريخية و تحديثية حقيقية للتطور سواء قبل الحقبة الاستعمارية أو بعده و قد تمتعت المدن التركية بالتقدم و العمران و التنوع الاقتصادي مقارنة بالمدن العربية الكبرى و الصغرى التي ازدادت درجة تعقيداتها و كبرت تشوهاتها و اندثارة اقتصاداتها .
- تعثرت التجارب الاصلاحية العثمانية نتيجة استمرارية ممارسة التقاليد و الرواسب المتوارثة عند فئات عريضة من رجالات الدولة الذين اقاموا العداء للنخبة المثقفة و المصلحين الذين نادوا بــ ” الدستور ” و بضرورة اجراء تحولات كبيرة في البينة السياسية للدولة في ظل النظام العثماني و تحقيق مبدأ اللامركزية العثمانية في الأقاليم و لكن تعرض هؤلاء للاضطهاد و النفي لاسيما في عهد السلطان ” عبد الحميد الثاني ” الذي شهد تناقضات قوية و كان يستوجب أن تكون هناك مرحلة انتقالية نحو التحول البطيء من ” الاطلاقية ” إلى ” الدستورية ” بهدف المحافظة على منجزات التنظيمات مع الأخذ بالعلم أن فرص التحديث قد توفرت خلال عهد ” عبد الحميد الثاني ” الذي كان وراء تأسيس مرافق و تشكيلات و مؤسسات جديدة سواء أكانت عسكرية أو مدنية في ذات الوقت و انتشرت الطرقية الطوفية و آثارها النفسية و الاجتماعية و انتشرت الأفكار التي لا تتفق مع روح العصر آنذاك .
- ظهور المشروع الصهيوني في مؤتمر بال بــ ” سويسرا ” سنة 1897 م حيث بدأ العمل المنظم ضد المشروع النهضوي العربي و ضد الدولة العثمانية تجسيداً و تآمرياً و اقتصادياً و سياسياً بهدف تأسيس كيان سياسي – صهيوني لليهود في فلسطين و هو مشروع مضاد لتطورات العثمنة الاصلاحية و آمال و الأهداف النهضوية العربية و تمكن من تحقيق النجاح في كبح و تكريس التجزئة و الوقوف ضد التوحد القومي – العربي و مشاريع الوحدة العربية ، و قد انتشرت الماسونية بشكل واسع خلال القرن التاسع عشر و بلغت أعلى درجات قوتها في عهد ” عبد الحميد الثاني ” و كان هناك العديد من المفكرين و المثقفين العرب و الأتراك قد انتظموا في دروبها و مساربها دون معرفة حقيقية بأهدافها و خططها و مشاريعها الخطيرة و الهدامة و يعدّ رفض السلطان ” عبد الحميد الثاني ” للصهيونية انعكاس سلباً على السلطان بدرجة كبيرة و لكن نجحت ” اسرائيل ” بتأسيس كيان إسرائيلي خلال فترة خمسين سنة 1897 – 1947 و نجحت بفرض وجود الكيان الاسرائيلي على مدى خمسين سنة أخرى 1947 – 1997 بهدف استقبل تاريخاً جديداً .
اصطدم التطور بالتفكير الحديث و الشعور المضاد من اجل تفوق الغير حيث بدأ التجاوز مع مرحلة المؤرخ الجغرافي ” حاجي خليفة ” حيث كتابة في رسالتها سنة 1653 م دستور العمل لاصلاح الخلل بهدف اتخاذ ” الاصلاح ” بالنسبة له مفهوم عثمانياً و يعنى به : حركة الاتصال بين العثمانيين و أوروبا خلال القرن الثامن عشر و بنسق جديد يشمل كافة الميادين من أهمها الأعمال و الادارة و الجيش مع بداية القرن التاسع عشر حيث سوف يتحول مفهوم الاصلاح إلى برنامج سياسي ذات فعالية في الحياة العثمانية المركزية خلال عهد ” سليم الثالث ” ” 1789 – 1807 ” الذي يتأثر بالأحداث الفرنسية و يعدّ الأب الروحي لجميع العمليات الاصلاحية العثمانية باتجاه الغرب الأوروبي و تم مواصلة المشروع الاصلاحي من بعده ” محمود الثاني ” 1808 – 1839 ، و تميز بالجرأة في كيفية تنفيذ قرارته من خلال استئصال الانكشارية كبيئة قروسطية مضادة للاصلاحية ، و قد بلغت الفترة الزمنية قرن من الزمان 1808 – 1908 فجوة تاريخية من التناقضات الاصلاحية العربية – العثمانية نظراً لأنها تلاحقت خلالها أفكار الفئات الجديدة و كان مقدراً لها أن تلعب دورها الاصلاحي قبل التاريخ المذكور بقترة طويلة و لكن نتيجة وجود مجموعة من التضادات الإرثية و الرواسب التاريخية ، أن خطي شريف كولخانه لسنة 1839 م حيث اشتمل على العديد من المثل العليا التي يتضمنها الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان و المواطن في الدولة الحديثة لعام 1789 ، و يرجع الفضل في ذلك إلى المصلح الشهير ” رشيد باشا ” و قد اعتمد عليه ” محمود الثاني ” الذي انتهج ممارسة سياسة اصلاحية كبرى أصبحت قاعدة لتنظيمات Tanzimat التي أصدر ” عبد المجيد الأول ” 1839 – 1861 و قد حاول ” عبد المجيد الأول ” أن يضفي نزعة دينية شكلية في خطي شريف ” همايون ” لسنة 1856 م ، و لكن الاصلاحية العثمانية سوف تبتعد تدريجياً عن استنارة ” سليم الثالث ” من أجل تصبح سلفية خلال عهد ” عبد الحميد الثاني ” 1876 – 1909 الذي شارك المصلحين أفكارهم و أهدافهم بإقرار الدستور العثماني مع بداية عهده ، و لكن سرعان ما تراجع و امر بضرورة إلغائه للدستور مما ادى إلى الاصطدام بالأحرار و كان أولهم المصلح العثماني الشهير ” مدحت باشا ” بغرض إزالة المكتسبات العثمانية التي ساهمت فيها الاصلاحية خلال عهد ” عبد العزيز ” 1861 – 1876 و بعد ذلك انتصر ” الشيخ ” الروحي على ” الجنين ” الزمني و خلال الفترة الزمنية المعقدة من التحولات التاريخية على المستوى العالمي ، أن الاصلاحية العثمانية كانت تهدف أساساً إلى تقوية الدولة إزاء تحديات الدول الأوروبية الاستعمارية … فقد اتجهت سياسة الاصلاح إلى نقض العادات و إبدالها بقوانين متعددة و مفصلة .. و قد حدثت تطورات عديدة إثر تطبيق تلك ” الاصلاحية ” في البنية الاجتماعية ، و في شخصية الفرد و تفكيره ، و العائلة و ممارساتها ، و الادارة و علاقاته .. إن أصل هذه التطورات هو سياسة الدولة الاصلاحية ، و أصل السياسة الإصلاحية الخطر الأجنبي المتمثّل في الضغط الأوروبي على البلاد الاسلامية ، برأي ” عبد الله العروي ” ([1]) ، أن مشروع ” الاصلاحية العثمانية ” يعدّ بمثابة تغيير جزئي غير مكتمل نتيجة سلطويات متنوعة و تمثلته النخبة من المصلحين المثقفين المستنيرين الذين عاشوا في أوروبا و تأثروا بتطور آلياتها ، مما ادى إلى وجود تناقضات شديدة في المجتمع العثماني دون الوصول إلى التمييز و إحداث القطيعة التاريخية حيث ظل يعاني لفترة طويلة من الصراع الداخلي بين القديم و الحديث و بين الملاكين و المزارعين ، و بين المستنرين و رجال الدين ، و بين المشايخ و الأفندية ، و بين المركزية و الولايات و بين المشروطية و الحكم المطلق ..الخ ، و يقصد به ” اصلاحية مركبة ” و قد تمكن العرب و الأتراك من تحقيق النجاح من خلال الاطاحة بالنظام القديم انتصاراً للمفاهيم الدستورية و القومية و ليس الاصلاحية أو التحديثية و ذلك على أثر حدثين تاريخيين بارزين :
- ثورة تركيا الفتاة لسنة 1908 م .
- الثورة العربية الكبرى لسنة 1916 م .
و قد تم القضاء على جميع الأجهزة القديمة دون القضاء على المنظومات الفكرية و الذهنية المركبة التي خلفتها الأزمان العثمانية كترسبات في حياة اللاوعي الجماعي ذات الفاعلية ، السؤال الذي يطرح نفسه كيف ذلك ؟ ، ساهمت كافة التبدلات و العوامل الخارجية من خلال مؤثراتها غير المباشرة و صداماتها المباشرة في البنى الفكرية حيث برزت نماذج جديدة في التغيرات الاجتماعية و خصوصاً في المجتمع العربي حيث قامت بدور مناظر لذاك الذي أداه السياق الدنيوي في أوروبا و عند ذاك المشروع النهضوي العربي الذي لم يخل من الازدواجية و التركيبية لمرجعيتين ازدادت حدة التناقض بينهما يوم بعد الآخر ، مرجعية اصلاحية دينية – سلفية تدعو للرجوع إلى اتباع السلف الصالح قبل ظهور الخلاف و مرجعية اصلاحية قومية – أوروبية تدعو لضرورة اتباع النهج الغربي قبل المرحلة الاستعمارية سوف نلاحظ أن التغيير الاجتماعي بدأ قبل أكثر من قرن و نصف قرن و في هذا يقول المؤرخ ” مجيد خدروي ” قد عجز عن الدخول حتى الآن ، دخولاً عميقاً في البلاد العربية أو على إحداث تبدّل متناسق ، و قد تنوعت المقترحات و الأساليب الاصلاحية من خلال تنوع روّادها و رجالاتها رغم اتفاق الجميع على ضرورة الاصلاح ، إلا أن وجهات النظر التي طرحها كانت على طرفي النقيض ، و هي :
- البعض دعا إلى ضرورة التخلي بشكل تام عن الماضي و التراث و تبنّي كافة الأفكار و المثل العليا الغربية .
- نادى بضرورة العمل على إعادة تشكيل النظام التقليدي في الاسلام .
يقول دكتور ” سيار الجميل ” بأن هناك العديد من المذاهب حاولت التوفيق بينها مرة و حاولت التلفيق مرة أخرى بين الطرفين في اطار استخدام ” التوفيقية ” و الاعتماد على المرجعيتين الأوروبية و الاسلامية و لكن الجدل بين النقائض ادى إلى نزاعات جدالية و خصومات فكرية و معارك أدبية و صراعات أيديولوجية و غير ذلك بين مختلف المدارس و الاتجاهات و القوى و الأحزاب و الخ ، مما ساعد على اثارة هزات اجتماعية بعيدة الأثر في بنية المجتمع العربي مقارنة بالمجتمعات الاخرى التي عاشت العديد من التجارب الاصلاحية المشتركة معه أو متزامنة له ، و قد ميز ” عبد المجيد خدروي ” بين ثلاث مراحل تتابعت منذ بدء الجدلية الاصلاحية العربية في هذا الصدد يمكننا ذكر المراحل ، و هي :
المرحلة الأولى : تمتد من أواخر القرن الثامن عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر و تتميز بجدلية البحث المتصلب عما هو التقليدي الصرف و ما هو الأجنبي الصرف و تميزت الجدلية بمؤثراتها البالغة لاسيما فيما سوف يلحق بالمجتمع من صدمات و اهتزازات خلال القرن العشرين .
المرحلة الثانية : امتدت خلال الفترة بين الحربين العظميين فقد ترسخت خلالها جدلية البناء المؤسس من اجل اقتباس مبادئ الغرب و أفكاره دون دراسة أو بحث أو تحليل و دون العمل على تحقيق أدنى درجة من التوفيقية مع الإرث الاسلامي و المجتمع و قد برز خلالها العشرات من المستنيرين العرب .
المرحلة الثالثة : تبدأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حيث ترسخت خلالها جدلية الدمج بين الغربي و الاسلامي في اطار أسلوب توفيقي تلفيقي بين المفاهيم المتباينة و ظهرت بعض الأنماط من الاصلاحيات الراديكالية و التي لحق بتجاربها الفشل .
أن ” ألبرت حوراني ” يرى أن الفكر العربي اعتماد في بنائه القومي على مصدرين أساسين هما :
1- العلمانية الليبرالية الانكليزية و الفرنسية التي يمثلها العديد من المفكرين و تم قبولها من قبل رجال أمثال البستاني و أحمد لطفى السيد و الوطنيين المصريين و هي علمانية حيث نجد أن الدين و المجتمع يزدهران بعد فصل السلطة الدينية عن الحياة المدنية و القياسات الزمنية .
2- الاصلاحية الاسلامية التي تم تأسيسها من قبل عالم ديني مصري ” محمد عبده ” و هو أحد تلاميذ عالم ديني ” جمال الدين الأفغاني ” و المفكر الاسلامي ” رشيد رضا ” أحد تلاميذ ” محمد عبده ” ، و تأسست الاصلاحية الاسلامية من خلال ” جمال الدين الأفغاني ” و فكرة الكومنولث الاسلامي التي تؤكد على حقيقة الاسلام و كماله و تفرده .
أن الاصلاحية تهدف إلى بعث ما هو مهمل في التراث الاسلامي و يتأثر البعث بأوروبا الامر ادى إلى إعادة تفسير مفاهيم اسلامية و جعلها مساوية لمبادئ و الأسس الأساسية في الفكر الأوروبي الحديث حيث اقترن و ارتبط التيار الاصلاحي العربي بكيفية اعتماد الأصول الاسلامية و دخل في صراع مع الاتجاه الليبرالي – العربي الذى ارتكز بدوره على الأصول و المبادئ الأوروبية رغم مدى اختلاف الدرجة التوفيقية لكل منهما الامر الذي اسفر عن اتهام الاصلاحية بالرجعية و الماضوية و التخلف في آن الوقت و قد اتهمت الليبرالية و كافة أساليبها بالعمالة للاستعمار و التغريب و التنكر للقيم و الدين مما نتج عنه عجز و أخفاق التوفيقيات العربية عن أداء مهامها و انجاز عملياتها و نقلت التيارات الاصلاحية الاسلام من مجاله المعياري المقدس إلى مجاله الدنيوي السياسي و الاجتماعي و صراع كل منهما مع المستنيرين من المصلحين العقلانيين في خضم القرن العشرين مما اتاح المجال إلى الانتقال من الحالة الديني من صور السلفية التوفيقية و السلفوية المحدثة إلى حالة الأصولية المتزمتة الجامدة و الماضوية الجامدة و كخصم قوى للتكوينات الوطنية و مدّ للمشروع العقلاني و القومي في سيرورة التوحد و التقدم .
سوف نحاول التركيز على بعض المحاور الأساسية في تطبيق سياسات الاصلاح الشامل ، و هي على التوالي :
اولاً : نظرية التحديث : عبر مصطلح التحديث Modernization لدى المؤرخين الاجتماعيين ، عن مجموعة من التغيّرات المعقدة جداً ، التي أثرت في أحوال مجتمعات عديدة معينة بطرق متفاوتة في بناء أولويات و قيم و أساليب و خصائص و ممارسات ([2]) ، و قد تم استخدام مصطلح التحديث في العديد من النقاشات بعض و المفكرين العرب حيث عبّر عنه بشكل أساسي أو جانبي لسياسات وطنية قوموية أو علمانوية مضئية أو معتمة تراجعية في التغيير حيث ظلت شكلياتها لا تتيح في كافة الأحوال بالتعبير عن حاجات و متطلبات المجتمعات النامية و يتمحور مضامين هذه السياسات على صورة مغايرة لأصول و مبادئ حركة التحديث التي تنطلق عن المركزية الأوروبية في التقدم المعاصر و الثقافة الحديثة و في معظم الاحيان دمجت الثقافة العربية بين مصطلحي ” الاصلاحية ” و ” التحديث ” دون تحديد واضح و محدد لمفاهيم كليهما أو أحدهما بالنسبة للآخر على أقل تقدير .
يتصف التحديث في أصوله و مبادئه الأوروبية بخصائص اتصفت بها عملياته ، و هي : لتمايز ، التعبئة ، العلمنة ، و تم اعتبر هذه المعايير الثلاثة هي المعبرة بدقة و فعالية عن أفكار و عقلنة و عقائديات و تطبيقات و مشاكل و ادوار و عناصر و علاقات و مبادرات و مخططات و مساهمات و تجارب و مهارات و غيرها تعمل جميعها بطموح و أهداف تسعى إلى أحداث المزيد من التغيرات في البنى المختلفة لأي مجتمع ثم ممارسة في نطاقه الزمكاني عمليات التحديث بإنماط مختلفة ، و قد أكدت نظرية ” التحديث ” على مجموعة من القيم التقليدية في جميع المنظومات الاجتماعية التي تشكل عقبة كأداء في طريق تنمية المجتمعات المتخلفة ، و أن الخروج من المأزق يتطلب ضرورة تغيير الثقافات التقليدية و الأساليب القديمة في المنظومات و البنى و المؤسسات و الأجهزة و الجماعيات و الذهنيات و التفكير الفردي و الوعي الجماعي من خلال تبنى قيم التحديث أي بمعنى صريح تبنى القيم الحديثة و كيفية اعتمادها في النظرية و التطبيق و سوف تتمثل ظاهرة ” الاحتكاك الثقافي ” بالنماذج التي ينتجها العالم المتقدم المنحنى الأساسي للتحديث باعتبارها خلاصة واضحة في التنمية و الخروج على آلية القياس التاريخي التقليدية التي تحافظ على التخلف بكل أبعاده و تجسيده في المجتمع و تجمده في الذهن اللاواعي و الممارسات العشوائية ، سوف نجد أن نظرية التحديث سوف تتيح المجال لمراحل النمو في الانتاجية بعد الانطلاق من التقليدية المتوارثة إلى الاستهلاكية الوفيرة وانتاجية أدوات الانتاج في كافة الميادين أن أفكار روستو ” W.Rostow ” في المحاكاة و لينبشتاين Leibneestein في نظرية الحلقات المفرغة و غيرهما أكدت على ضرورة المحاكاة الثقافية و التقانية و تؤكد على أن أي ربط مجتمع متخلف بالنسق الرأسمالي بهدف بناء المؤسسات و الأجهزة معينة سوف يتم من خلال استيراد رأس المال و الوسائل و الأدوات التقانية الحديثة بغرض الوصول إلى مرحلة الاعتماد على الذات ثم يتم الأعداد للتفكير في بناء مرحلة جديدة من التحديث .
يتمحور مصطلح التحديث حول شيوع عملية التغيير الاجتماعي من اجل اكتساب صفات المجتمعات المتطورة و الحديثة في مجتمعات غير متطورة من خلال اتباع العديد من الوسائط و وسائل اتصالات مختلفة عما كانت سائدة ، أما في المرحلة الاستعمارية فإن المستعمر يحدد و يخطط صورة و مستقبل المستعمر ، و كان أن استخدام مصطلح التغريب Westernization كثيراً بين الحربين العالميتين و الذي عجز مفهومه عن ملاحقة سرعة التغيرات الاجتماعية و مدى اتساعها و كان أن ظهرت الحاجة الضرورية و القسرية إلى مفهوم أكثر شمولية كــ ” التحديث ” بكافة مناهجه و فلسفته حيث اتاح المجال لفهم التشابهات و الانجازات في غربي أوروبا و أمريكا الشمالية و اليابان و الاتحاد السوفياتي و اتاح المجال لرؤية التطلعات و الأهداف في المجتمعات النامية بغرض اكتساب التطورات بصرف النظر عن قومياتها و مواقعها و تقاليدها ، و قد تم اعتبر الاقتصادات محور الانطلاقة الجوهرية حيث كلما تحقق
المجتمعات انجازات اقتصادية سوف تكون مستعدة من اجل التخطيط في هذا المجال ، كما أن التطورات الاقتصادية تؤدي إلى عمليات في التغيير الاجتماعي حسب تحليل و . أ . لويس ” W . A . Lewis ” نظراً لان التحديث يخلق بيئة اجتماعية جديدة بحيث يرتفع من خلالها انتاج كل فرد بصورة ذات فعالية و أن من ينتج أو يستهلك سوف يفهم و يدرك الأساليب و القوانين المستحدثة و عندما يدركها بعمق تتيح الاستمرارية في تحسين أدواته و وسائله و عناصره و نشرها داخل مجتمعه حسب رأي ” لاسويل H . D . Lasswell ” أن التحول الفردي هو سلوك موجّه في التحول الاجتماعي ، بُعَيْد تحديد كل التقاليد و القيم و الممارسات الاجتماعية ، يبلورها من خلال ما يحتاج إليه في استحداث مرافقة : القوة و الاحترام و الاستقامة و التصنع و السعادة و المهارة و الاستنارة .. أن تفاعلات هذه كلها بتزايد و تواصل بواسطة العوامل الاقتصادية و غيرها ، ستتيح اتخاذ خطوات أكثر ارتقاء لاستيعاب ” التحديث ” كما يراه هــ . سبيير Han Speier ([3]) ، أن مقياس التحديث فقد اختلف علماء الاجتماع في فرضياتهم و نظرياتهم و لكن الثابت بينهم أن القرار الاقتصادي في مقياس الاستثمار و حصة المصدر ينبغي أن تخرج عنها العوامل غير الاقتصادية كنمو السكان و مستويات التحضر و التركيب الأسري و سوسيولوجية الشباب و التربية و الأعلام و الثقافة أما القيم العملية للتحديث يمكننا حصرها بالمقاييس التالية :
- مدى درجة الاعتماد على الذات في الاقتصاد على أقل تقدير و تحديد نمو جيد من اجل زيادة كل من درجة الانتاج و الاستهلاك بانتظام .
- دراسة أساليب المشاركة الجماهيرية في السياسة أو على أقل تقدير التمثيل الديمقراطي في كيفية معرفة و اختيار السياسات المختلفة .
- العمل على نشر الثقافة و تعميمها دون ابتذالها و أهدارها مع ضرورة الاحتفاظ بمكانتها و صلاحية أساليبها و حقولها و مجالاتها .
- العمل على تحريك الدواخل الاجتماعية بهدف ممارسة الحرية الشخصية و بناء التنظيمات الاجتماعية و احترام المؤسسات التربوية و العلمية و تحقيق الاستفادة الأمثل من التكنوقراط و العناصر الأكاديمية العليا .
- الحث على ضرورة التحول المنسجم مع العصرنة و أساليبها الحديثة من خلال كبح جماح الغائيات و الغيبيات و الماضويات المهيمنة و التحرر بهدف المشاركة الفعالة في النظام الاجتماعي بشكل جديد و متحرك ، أنه النضال عند كانتريل Cantril و تلبية الحاجات عند ماكليلاند D.C.W.Clelland ، و ازدياد الحاجة عند ريسمان D.Riesman ، و الاتجاه الاخر عند ليرنر D.Lerner .
ثانياً : نظرية التغيير : نجد أن العالم منشغل في أجراء عمليات جديدة نحو التغيير الاجتماعي من خلال التخطيط السياسي حيث تهدف الدول الحديثة و المتطورة لتقديم صور عنها و عن مستقبلياتها للعالم و نادراً ما سوف تكون السياسات واضحة المعالم
نظراً لان التطبيقات اللاحقة عليها في العالم غير الحديث و المتطور عادة متضادة في الأهداف و الغايات و الأغراض و متعارضة في الخطط و الأساليب و تتطلب عمليات التحديث أن يتم ضبط المنطق السياسي و الخطاب النهضوي و التخطيط الفعال من أجل اختزال الزمن بحيث تجد المجتمعات المتخلفة – النامية و الأقل تطوراً ذاتها قد تمكنت من تحقيقه خلال سنوات من التحديث الذكي ما تمكنت من بناءه المجتمعات المتطورة خلال قرون من المصادفات و التجارب و الخبرات و الاكتشافات ، و من أبرز التحديات التي تشكل عقبة و تحدي إمام العلماء في كيفية تفسير عمليات التغيير و فهم طبيعة الجهود الجديدة البالغة التعقيد و التفسير لاسيما لا توجد صيغ ثابتة من أجل انتقال المؤسسات حسب رأي ” ليرنر ” ممكنة فقط في اطار تحول الأفراد و أساليب حياتهم و تفكيرهم و تعدّ عمليات معقدة ، و قد أطلق عليها ” أودن ” ” W.H.Auden ” ” تغيير القلب ” ، كما أن كافة الأفكار التي تعدّ ذات أهمية و المتباينة التي طرحها على التوالي كل من : كارل ماركس ” Karl Marx ” ، و ماكس فيبر ” Max Weber ” ثم روستو ” W.Rostow ” و ليبست ” ” M . Lipset ” بهدف مفهوم شامل للتحديث ، و يعدّ اليوم محل جدل و ناقش عند المتخصصين أما نقدها فلم يضعف من سلامتها كمفاهيم ذات فوائد و قد كانت النتيجة كما تدّلل الخطط و الأحداث معا ، بأن التطور الاقتصادي هو الهدف من اجل بناء مجتمع متطور نظراً لأنه المحرك الأساسي و ليس الوحيد للتحديث و أن الوصول إلى مرحلة الاعتماد على الذات سوف يؤدي إلى ترتيب تنظيمي لموارد المجتمع خصوصاً الموارد البشرية نظراً لأنه سوف يتم التحكم الفعال في المهارات و القيم السكانية باتجاه العمل و هكذا سوف تنجح عملية التغيير باتجاه التحديث و يستطيع المجتمع التعامل بفعالية مع الآلات و الوسائل المعاصرة برأي ميليكان و بلاكمرBlackmer Millikan & الامر الذي سوف يؤثر في نهوض المدخولات رأس الانتاج و التصنيع المدني و ايراداته القومية ” الدخل ” الامر الذي يؤدي إلى حدوث انعكاسات ايجابية و على درجة عالية في الدواخل الاجتماعية و يتم تصنيف المتغيرات الثقافية التي تغير بدورها مقياس التعلم و حجمه و تبعا لذلك تتغير القدرة باتجاه الديمقراطية عند علماء السياسة و تقاطع المتغيرات الشخصية باتجاه السلوك عند علماء النفس و التميز باتجاه الصيغ المعصرنة عند علماء الإنسانية و بناء النظم باتجاه التعجيل في التاريخيات عند فلاسفة التاريخ ، مما يدّلل على أن التعجيل و السرعة في هذا الزمن يعدّان عنصران أساسيين في البناء المعرفي – التاريخي من اجل صالح التغيرات الاجتماعية و الفهرسي و الحسابي و الموسوعي و الانسكلوبيدي و النقدي ، و في هذا يقول ” لاسويل ” إن النظرة لبناء الحياة المستقبلية في دول العالم يحتّم تأسيس الحاضر عن طريق تغيّرات النظم الاجتماعية ([4]) ، مع العمل على تخطيط الجاذبية لكافة المجتمعات للاستهلاكيات نظراً لأنهم يطالبون بدرجة عالية من الرفاهية و الرحلات و تهدئة الأعصاب و العناية بالصحة و الجمال و النظافة بشكل موازي مع التحدي الواعي للآمال و التطلع للتقدم التاريخي .
ثالثاً : السياسات : تتمتع المجتمعات الحديثة و المتطورة بقدرة اكبر على استيعاب و فهم الحاجات و التغيرات عنها في المجتمعات النامية و المتخلفة ، أن الانفجار و الازدحام السكاني و اتساع العواصم على سبيل المثال يثير القلق الامر الذي يتطلب ضرورة العمل للسيطرة على التوازن الحركي لأي مجتمع ، أن عمق التجارب رسخت بشكل كبير علوم الديموغرافيا و الايكولوجيا المتقلبة بحيث تمكنت المجتمعات الحديثة التخلص من تحديات المستقبلية السافرة التي تواجهها اليوم في عصرنا هذا المجتمعات غير المتطورة و بالمقابل استجدت أمام المجتمعات الحديثة مشاكل من نوع آخر من أهمها التلوث ، انتشار أحياء الفقراء حول المدن ، و قد بدأ العمل على حسمها و أنهاء كافة المشاكل بهدف القضاء على كل آثارها و التناقضات المترتبة عليها ، أن أخفاقات المؤسسات و السياسات التحديثوية في المجتمعات المتخلفة ، تعدّ فرصة ظاهرة و مناسبة من اجل إعادة النظر و دراسة النظريات و الآراء في أساليب تغير المجتمع إلى مرحلة التكيف السريع و الحاسم و من أهم الاستنتاجات المترتبة في الأنتروبولوجيا الاجتماعية هي تقليد المجتمعات بعضها لبعضها الآخر منذ القرن التاسع عشر و قد عجزت المؤسسات النموذجية عن تحقيق التغيرات السريعة و تتيح الديناميكية المجتمع من كسر الدوائر الرديئة و الذهنيات السكولاستيكية نحو بناء دوائر الاعتماد على الذات و دمج القابليات التكيفية أما فيما يتعلق بالفعالية فهي الديناميكية الأولية و ينبغي أن يكون الناس جاهزين مختارين و قادرين على التحول من مكان إلى المكان الذي يستحق قابلياتهم هذه ، و هي نظرة ” شرام ” ” Schramm ” في التحول أنها دعوة صريحة و واضحة من الغرب المتقدم المتطور إلى ما نسميه نحن في ثقافتنا العربية بــ ” هجرة الأدمغة ” ، أما ” ليرنر ” يضيف بأن الشخصية تعدّ عامل مساعد في كيفية التفاعل بين الفعاليات الطبيعية و الاجتماعية و بأن الانتشار غير الكافي لهذه الفعاليات سوف يحدّ من التعاطف النفسي معها ، الامر الذي سوف يؤدي إلى شل و تجميد البرامج الهادفة إلى التحديث و التطور مما يفسر عنها اصابة العمليات التحديثية بالشلل و تخيب أهداف و آمال النخبة في التوازن و تبعا لذلك تترتب عليها أعباء اضافية تلقى على عاتق المجتمعات التقليدية في وقتنا الحاضر و هو ما تم ملاحظتها في العديد من المجتمعات حيث تمكن الفوضويات في استخداماتها على سبيل المثال مصادر الطاقة أو مصادر التعليم و ينتج عنه عدم الوعي لدى النخبة و الضعف في المؤسسات و الأجهزة و الخلل في الوظائف و الأعمال و الخدمات ، و تعدّ المجتمعات الانتقالية التي لم يكن باستطاعتها دمج الديناميكيات المتطلبة للاعتماد على النفس ” النامي ” تميل أن تكون أفقر و أقل امناً و استقراراً و تزداد مشاكلها و خلافاتها رغم كل التطلعات و الآمال و التوقعات العريضة أو للمساهمات الواقفية في المساعدة العالمية أن الانتاج الفائض يعدّ ضروري بهدف الاستثمار الاقتصادي الذي تم معرفته مؤخراً و هو عدم ضرورة تكاليف الاستثمار الاقتصادي الخارجي بهدف دورات محرك التمدن ، و في معظم الاحيان يكون غير كاف للمساعدة في استمرارية دوراته حسب تقدير ” شانون ” ” L . W . Shannon ” .
رابعاً : التقاليد : يعدّ التحول في التقاليد للمجتمعات المقدمة و الأقل تقدماً من النادر حدوثه دون حدوث فوضى و الشقاق و أن العامل الأساسي في التمدن الاجتماعي
يشترط أن يكون نظامياً و في حاجة ماسة إلى القدرة على التكيف و تعتبر تلك القدرة من أكثر الصفات تميزاً في المجتمعات التي تمدنت بشكل فعلي و تمكنت من التطور بشكل أسرع من المجتمعات الانتقالية التي تتخذ من الفوائد المالية المستحصلة من الانتاج كوسيلة لاستمرارها ، و أن مثل هذه الركائز تقلل الصعوبات و التحديات و تبعث الأمل في بعض المجتمعات الانتقالية نظراً لان تلك المجتمعات لن تتعرض لآفاق التحديث دون تطوير القدرات الطبيعية بهدف الانتاج و خلق أدوات الانتاج ، و ترتكز المجتمعات الحديثة على المصادر البشرية والمشاركة الاجتماعية في كافة الأنشطة و الفعاليات و بصورة مستمرة و متفاعلة في جميع الحقول و الاختصاصات من اجل ابقاء حالة النمو في المرافق و المؤسسات كافة بصورة متينة و تضمن تكييفها في عمليات الانتاج المتكافئ و المتبادل و حسب رأي ” شانون ” .
و يعدّ من أهم درجة في الاكتفاء الذاتي و التفاعل بين الأفراد و المؤسسات في المجتمع الحديث هو الرأي العام نظراً لأنه حصيلة التفاعل المتميز الذي يؤسس المجتمعات التقليدية حسب رأي ” سبيير ” ، و أن تحولات الرأي العام في الغرب الحديث يتمثل بالتطور التاريخي الذي يمتد من القرن الثامن عشر و من خلال النمو و التنوير في الرأي العام حيث تطورت العمليات الاجتماعية التي تميزت بأساليبها و قدراتها .
خامساً : المظاهر : ترجع المظاهر السياسية إلى مجموعة متكاملة من المتغيرات الثقافية و البنيوية في الأنظمة التحديثية لكل المجتمعات و يشمل النظام السياسي تلك المؤسسية و المعتقدات التي ترتكز عليها السلطة السياسية في ملاحقة و الوصول إلى الأهداف المجتمعة و تشتمل البنية السياسية على أقرار و وضع مخططات ترابطية للأدوار السياسية و عمليات الثقافة السياسية المعقدة و المواقف الأيديولوجية الموزعة . أن عمليات التحديث التامة تنطلق من تغيير كافة المؤسسات و انتاج النفوذ و توسيع المعرفة و السيطرة على البيئة كما يرى بعض المنظرين و يرجع التحديث السياسي إلى تلك العمليات التي تفرق بين البنية السياسية و علمانية الثقافة السياسية التي تعزز من مقدرة و كفاءة و مدى فعالية الأداء للنظام الاجتماعي – السياسي من الوجهة التاريخية أي من منظور تطوري و بالتالي فإن التحديث السياسي – التاريخي يعود إلى مجموعة من التغيرات الكلية في البنية السياسية و الثقافية من حيث الخواص التي أثرت بشكل أساسي في العمليات التحويلية الكبرى في التحديث من الناحية العالمية و التجارية و التصنيعية و الحركات الاجتماعية المتسارعة و مواد ركامية و انتاج معرفي و مستويات معيشة و انتشار الثقافة و التعليم و الفنون و الآداب و وسائل الدعاية و الاعلام و الصحة العامة و الرأي العام و الرأي الحر و المشاركة الجماهيرية و غير ذلك ، التي بدأت في غربي أوروبا منذ القرن السادس عشر اولاً و انتشرت بشكل غير متكامل على المستوى العالمي ، أما الرموز السياسية للتحديث ترجع إلى كيفية تغيير الأنظمة التقليدية قبل التحضرّ و بعده نظراً لان النظام الحديث يعمل على زيادة قابلية الساسة و المجتمع السياسي للتطوير و كيفية التغلب على المشاكل و التكيف المستمر و التحول البنيوي بهدف بلوغ الأهداف الاجتماعية الجديدة أذن فإن التحديث السياسي هو مجموعة صفات مفردة يتم تسليط الضوء عليها و تشتمل على مفاهيم القدرة أو القابلية ، أن الجهود التحديثية تعكس مجموعة من المفاهيم العاملة في سياق التحضرّ و التي تقلل من التأكيد على الرواسب و السلبيات و أن طرائقها النموذجية ظاهرية أم ضمنية ، تتساوق في مجال كسب الخواص التحديثية و التواصل مع الأنظمة المستحدثة و الأصيلة في آن واحد معاً ([5]) ، أما بالنسبة إلى أهم خصائص التحديث السياسي و تطورات فكرة الدولة الحديثة يمكننا حصرها في ثلاثة أساسيات ، و هي :
- التفاضل في السيطرة التجريبية التي تتجه نحو التحول التاريخي للمجتمع الحديث .
- العمل على تحقيق المساواة في النظام المركزي و الضرورات الأخلاقية التي تقوم بفرضها المثل العليا المؤثرة في كافة مظاهر الحياة الحديثة .
- البحث على أفضل الوسائل للقدرة على تكييف الازدياد المحدود و الابداع الممكن المحسوس من قبل الانسان لإيجاد الحلول المناسبة لبيئته و واقعه و مجتمعه و علاقاته بكافة الأطراف و المضامين .
و قد اكتساب التحديث السياسي التقدم بنسبة أكثر في بحث النوعية الجديدة و تعزيز القدرة السياسية و يتضح ذلك في محورين أساسيين هما :
- مدى تأثير المؤسسات في اطار التمييز و التفاضل و المشاركة و التوزيع المناسب في كيفية استجابته لمتطلبات الحياة السياسية .
- مدى المرونة المستمرة بغرض نشر و بلوغ الأهداف الجديدة التي تحددها عملية التمايز و روح المساواة و نمو القدرة السياسية .
و قد جرى التحديث حسبما الجغرافيا السياسية في الاتحاد السوفياتي و البر الصيني و اليابان و تركيا و المكسيك ، و أن مؤتمر التحديث السياسي لسنة 1964 م و التفوق المسبق للعامل السياسي في التحديث ادى إلى توسيع المفاهيم العملية لبعضهم و في آن واحد ادت إلى الانشقاقات لدى بعضهم الاخر ، و هناك العديد من الأمثلة في التغيرات الواقعية التي حدثت في الجغرافيا السياسية التي آثرت بدورها في الجغرافية الاقتصادية و الاجتماعية و بالعكس و هناك بعض الدول اقترحت نماذج توحيد حقيقية لثلاثة معايير ، و هي :
- حكم الهيمنة .
- قيادة قوة التحديث .
- التغيرات في الاقتصاد و الاجتماع ” توحيد المجتمع ” .
و تم تشخيص سبعة نماذج متماثلة في التحديث السياسي المبكر كما جرى في بريطانيا و فرنسا ثم الولايات المتحدة الأمريكية و كندا و استراليا و نيوزيلنده و متفرعات و المستعمرات التابعة لبريطانيا و فرنسا و لاسيما في العالم الجديد ، أما بالنسبة إلى
المجتمعات التي دخلت في اطار التحديث بدون التوجه خارج سياسة التدخّل و تحت وطأة تأثير التحديث المبكر ، و هي : روسيا ، اليابان ، الصين ، تركيا ، أفغانستان ، اثيوبيا ، تايلاند ، كأشكال من آثار الاستعمار الاقليمية المختلفة حسب التكيّف للتأسيس الاستعماري كشرط للتحديث و هناك بعض من المجتمعات التي تعدّ من الصعوبة تكييفها لمثل ذلك التأسيس و نتيجة لأسباب متعددة منها الهند و بلاد المغرب العربي ، و هناك بعض المجتمعات الاخرى التي خضعت للدكتاتوريات كما هو عليه الحال في تركيا و المكسيك و دول شرق أوروبا و دول الشرق الأوسط و دول أمريكا اللاتينية و قد خضعت اسبانيا و البرتغال لحكم الفرد ، و الجدير بالقول أن تجارب التحديث قد اختلفت من مكان إلى آخر على المستوى العالمي و قد ارتبط بالبعد التاريخي للتحديث و نظام عمله و العناصر التي تفترضها عملياته و منها التوقيت و المنافسة و مسؤولية الدولة و الفرد تجاه أحدهما للآخر ، و القيادة و الأزمة ، و التماثل و الشرعية و المشاركة و التوحيد و الفهم العميق للآخر ، أما الوطن العربي نلاحظ أن تطوره السياسي المعاصر يمكننا تفسيره على سبيل المثال في مجموعة من القواعد و الأسس المختلطة و مألوفة في التاريخ الأوروبي و التاريخ الاسلامي حيث انشغل العرب أنفسهم خلال قرن كامل بــ ” الاصلاحيات ” المتنوعة و ينبغي العمل على التحدي و العصرنة اليوم .
بناء على ما سبق سوف نحاول التركيز على مجموعة محاور أساسية في اصلاح و بناء تركيا .
المحور الأول : تركيا قبل الحرب العالمية الأولى : ينقسم إلى ثلاثة محاور أساسية ، و هي :
- الاصلاح الاقتصادي قبل الحرب العالمية الأولى .
- العلاقات التركية – الأوروبية .
- أهم العقبات التحديث في تركيا العثمانية .
اولاً : الاصلاح الاقتصادي قبل الحرب العالمية الأولى : بلغت الامبراطورية العثمانية أوج قوتها العسكرية و ثرائها الاقتصادي و مدى اتساعها الجغرافي خلال القرن السادس عشر و مع بداية سنة 1683 م بدأت تواجه الدولة العثمانية العديد من المشاكل المتنوعة في درجاته على كافة الأصعدة نتيجة فشلها في حصارها الثاني لـــ مدينة فيينا عاصمة الهابسبورك النمساوية حيث تراكمت تناقضاتها و تعقيداتها خلال القرنين الثامن عشر و التاسع عشر و اتسمت هذه المرحلة بأنها أخطر مرحلة من التكوين الرأسمالي المركزي الأوروبي على المستوى العالمي و نظراً لازدياد التبعيات العثمانية للاقتصادات الأوروبية فقد ادت إلى ضعف مركزية الدولة و تفكك قسماتها الاجتماعية القومية و الملل الامر الذي أسفر عنها فقدان جماعي لأبرز الأقاليم من الأمثلة : هنغاريا و اليونان و ترانسلفانيا و بوكوفينيا و كريميا ” القرم ” و سواحل البحر الأسود ، و تحت وطأة الحركات القومية التي لم تستطع الدولة العثمانية تجييرها و العمل بها من أجل تحقيق أهدافها و مستقبلها حيث ادت إلى تحديات قوية في معظم جوانبها صربيا و مصر و الجزائر ، اناضوليا الشرقية حيث كانت هناك التمردات و الحروب التي ادت إلى تقليص مجال الاستغلال و النهب
الرسمي المنظم من قبل الزعماء و الأغوات و الولاة و لكن ادت إلى ازدياد نفقات الدولة على التسلح و الجيوش الامر الذي اسفر عنه أحداث انقباضاً اقتصادياً بدرجة كبيرة و ازدياد تفاقم أزمات في الاقتصادات العثمانية .
أن الوعي العثماني بمسألة تحديث اقتصادات الدولة و المجتمع تبلور متأخرا مقارنة بدول قديمة و مجتمعات متنوعة اخرى وقفت في مواجهة التقدم الرأسمالي الذي رسختها دول أوروبا الغربية و الخطط المنبثقة من الدول الحديثة و المتقدمة في البناء و التقنية و الثورة الصناعية ، و في حالة تطبيق الدولة العثمانية بعض الخطط الاصلاحية فإنها كانت تهدف بشكل أساسي إلى المحافظة على كيانها السياسي من الأخطار الخارجية و على نظامها الاداري خوف من التفكك و قد كان العثمانيون مجبرين على تنفيذ هذه الخطط بهدف الحيلولة دون الانهيار الذي لحق بكيانات الدول القديمة في أوروبا و خصوصاً بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 م ، كما أكد عدد من المؤرخين أن الأتراك أظهروا استعداداً بشكل كبير من اجل تحقيق الاستفادة الأمثل من الاختراعات الأوروبية في ميدان استخدام الأسلحة الحديثة و العلوم العسكرية ، و يعدّ ذلك سبباً محورياً و أساسياً في الانفاق و تذبذب أداء اقتصادات الدولة دون العمل على تطوير خطط الدولة و برامجها الاصلاحية و الانتقال إلى عمليات تحديث المجتمع و عناصره الاقتصادية و تجديد العلاقات الانتاجية بغرض اجراء تحولات جديدة و هو ما لم يحدث .
أما بالنسبة إلى خطط السلطان محمود الثاني 1808 – 1839 م في تحقيق مركزية ادارية – بيروقراطية بصورة متزايدة تطلب بعض الاجراءات و التغيرات الضرورية في تركيب الحكومة المركزية في ” استانبول ” بهدف تشويه الهياكل القديمة شبه المقدسة و التي انتشر في خضمها نمط من السلطة التقليدية المتوارثة للجيش و الفئات الدينية و من ثم العمل على الرفع من شأن أسلوب البيروقراطية التوسعية في كل من القصر و حكومة الباب العالي و من خلال نظام الأفندية الذي يؤلفه المدراء و الكتاب و الموظفين الجدد الذين استخداموا الطربوش رمزاً لفئتهم و مكانتهم الاجتماعية و تمييزاً عن الجماعات القديمة من أصحاب العمائم .
أن سياسات التحديث التي قام باتبعها ” السلطان سليم الثالث ” 1789 – 1808 م قد قامت بإفراغ المجلس الامبراطوري القديم من محتواه عند انتزع الباب العالي مركزية الحياة العثمانية الحاكمة و ذلك استجابة إلى الحاجات التي كانت تتطلبها الدولة و فعالياتها الادارية رغم انكفاء سياسات ” سليم الثالث ” ، و لكن ” محمود الثاني ” استمر في تطبيق العملية و خصوصاً في اطار تقسيمه الوظائف للحكومة المركزية إلى أقسام وزارات و من ابرز عمل استراتيجي في الحياة الاصلاحية العثمانية قد شمل فصل الوظائف التشريعية عن الوظائف التنفيذية الامر الذي ادى إلى أنشاء بعمليته صراعاً حاداً بهدف السلطة بين القصر و الباب العالي ” الصدارة/الوزارة ” و استمر ذلك إلى القرن العشرين .
منحت الدولة اهتمام إلى العديد من القطاعات نذكر اولها : الجيش و خزينته : قامت الدولة بجمع كل أموال الحكومة من اجل تجهيز نفقاته المتزايدة في الوزارة حيث تم تسميتها آنذاك بــ وزارة المالية التي تولت واجبات أموال الامبراطورية القديمة و الأموال التابعة لدار ضرب العملة و ظلت خزينة السلطان : هيئة مالية مستقلة و لكنها استندت على أموال الوزارة الجديدة ” وزارة المالية ” ، و تم خارج نطاق حكومة الباب العالي أنشاء ” وزارة الأموال الموقوفة ” الدينية عدا أموال المدن المقدسة حيث تم توحيد و جمع الأموال الوقفية و مؤسساتها في وزارة واحدة و جعل لها خزينة ثابتة ذات أهمية بالغة بدرجة أكبر في نظام الدولة و عقائدية المجتمع .
ثانيا : الاقتصاد : لم يتم الاهتمام بالشؤون الاقتصادية في بداية الامر نظراً لأنها تدخل في مفاصل أية وزارة جديدة و لاسيما منذ أن حولت شؤون التجارة الخارجية إلى وزارة الخارجية و لكن تم تحويل مجلس الزراعة و التجارة في سنة 1838 م إلى مجلس الأعمال المحلية الذي أخذ على عاتقه القيام بمناقشة الاقتراحات و برامج جديدة كتنمية الزراعة و الصناعة و التجارة المحلية و الأعمال المحلية كالأصناف و المهن ، و بعد مرور سنة تقريباً تم تحويله إلى وزارة مستقلة في وزارة التجارة التي أصبحت لها مجالس متفرقة في اطار هياكل إلى وزارة مستقلة في وزارة التجارة التي أصبحت لها مجالس متفرقة في اطار هياكل جديدة تهتم بالشؤون الاقتصادية للدولة و قد رافق تلك العمليات العديدة مجموعة من الاجراءات المتنوعة .
ثالثا : الاتصالات : تمحور تحديث الاتصالات حول أنشاء أول نظام بريدي و نظام الجوازات السفر و الموانئ و الأنظمة البلدية و النظام الإحصائي للضرائب و السكان و الموظفين مما ساعد مباشرة بالاصلاحات الاقليمية بعد الانحلال الاقتصادي الذي عاشته الأقاليم العثمانية و بدء تطبيق القوانين الجديدة ببطء و دخلت الدولة بعد ذلك في أزمات و معضلات مالية و سياسية و اجتماعية و دبلوماسية ، و يتضح للمؤرخ الاجتماعي أن السكان كانوا أقل تحمساً للتغيير و التعاون نظراً لمدى حجم التخلف و اللاوعي و كانت التحولات تمر ببطء و صعوبة من خلال الوحدات الاجتماعية ترافقها تعقيدات كثيرة .
رابعاً : نظام ضرائب : نشأ نظام ضرائبي مدني في اطار أوروبي جديد في الدولة بهدف تمويل الاصلاحات أن النظام الضرائبي القديم متوارث على مبادئ و أسس و ممارسة مالية تقليدية ، أن سياسة الاصلاح الضريبي خلال عهد التنظيمات قد تم ادخل بعض الاصلاحات لتحل محل نموذج الضرائب و جمعها من خلال الضريبة المفروضة على الفلاحين و ملاك الخمس و الهدف الأساسي هو العمل على استبدال المسؤوليات الضريبية بنمط ضرائبي موحد بهدف يظل على اتصال مع الدخل و إلغاء الإعفاءات السابقة التي يتساوى الجميع بدفعها للدولة التي برزت إمام المجتمع من اجل تغير أرديتها القديمة التي عرفتها طيلة خمسة قرون و كدولة قديمة اقطاعية عسكرية قامت باستخدام ” الضرائب ” كأحدى أبرز المصادر الأساسية في بناء مختلف مؤسساتها المدنية و العسكرية ، و قد أخذت التنظيمات المدنية من ناحية الضرائب أهدافها الحقيقي منذ عهد السلطان ” محمود الثاني ” عندما قام بفرض عدد من الضرائب المدنية على الجيش الجديد سنة 1826 م و قام بإلغاء ضرائب السوق في المدن و معظم الضرائب في الأرياف و تشكل قراراته ركيزة قوية للاصلاحات و التنظيمات التي تم اقررها من بعده لاسيما ما جاء به ” خطي شريف كولخانه ” الذي أذاعه ” عبد المجيد الأول ” سنة 1876 حيث ورد في مادته التاسعة إن العثمانيين متساوون جميعاً أمام القانون ، و إن توزيع الضرائب بين جميع التبعة بحسب اقتدار كل منها وفقاً لنظامها المخصوص ([6]) ، و من أهم المهام الأساسية للوزارة العثمانية تضم تطوير الضرائب و تحسين الجباية و زيادة واردات الدولة من اجل سد الاتفاقات المتصاعدة و قد تم البدء بإجراء مسوحات عامة للأراضي الزراعية بهدف اتاحة المجال للدولة من إعادة تقييم الضرائب و ألغت الدولة الضرائب الشرعية على الأرض و الزراعة بغرض يحل محلها ضريبة العشر و ضريبة التمتع ” ويركو ” منذ سنة 1839 م ، و قد تعرضت الدولة لصعوبات و تحديات في فرض ضرائب جديدة حيث حدت الامتيازات الأوروبية من مقدرتها على تعديل الرسوم الجمركية سنة 1841 م ، و قد ضمت إليها بعد عشرين سنة مهام تحصيل ضرائب الكحول و التبغ و الخشب و النشوق و نظمت جميعها تحت اسم ” أمانة الرسوم ” و تم فصلها عن وزارة المالية و قد عارض رجال الدين المسلمين ” الضرائب العرفية ” و تم اعتبرها بدعاً ، و لم يتقبلوا فكرة ضرائب المكس و الكحول و الخنازير و المراعي و غيرها باعتبارها ضرائب تم ادخلها ممثلو الأمة ، و دعوا السلطان و الحكومة من اجل اتخاذها التدابير السلطانية و الادارية التي فيها المصلحة العامة ، و من أبرز مصادر الدخل العثماني التي تم تنفيذها خلال عهد التنظيمات ، و هي :
- الضريبة التي يتم فرضها على المعاملات الحكومية لاستخدامها لأغراض تجارية برسم طابع مقابل ختم الأوراق الرسمية .
- الختم العادي الذي تفرضه دار صك العملة على الذهب و الفضة بموجب قيمة البضائع المعينة و بمعدل يتراوح بين 1 – 40 أي بارة واحدة من كل قرش باعتبار أن القرش يساوي 40 بارة .
- ضريبة المصنوعات المحلية التي يتم إلغاؤها برفقة ضرائب اخرى سنة 1839 م .
- رسوم على صكوك الراتب و وضع رسم جديد بدلها ” ضريبة يتم فرضها على الصكوك و الكمبيالات ” .
- طباعة الخزينة العثمانية بتاريخ 22/5/1845 م أوراق رسمية تحتوى على مساحات فارغة بيضاء ” Blank ” مزخرفة برسوم مختومة ذات قيم مختلفة كان يتم استخدامها للوثائق التجارية و القانونية و العقود عدا الأحكام القضائية و الآراء الصادرة من قبل المؤسسات الدينية علما بأن الوثائق كانت تباع من قبل موظفي المالية المحليين و الذين كانوا يستقرون في المقاطعات و المدن من اجل مساعدة عملية جمع الضرائب السنوية .
أن مصدر كافة مصادر الدخل الأساسية الاخرى للخزينة خلال عهد التنظيمات من رواتب و مخلفات العصور التقليدية و الكلاسيكية الوسطية بأنماط مختلفة و متوارثة عن نظم اقتصادية لدول قديمة لمجتمعات زائلة ، لم تكن تفرض الرسوم الجمركية على البضائع الموردة إلى الامبراطورية و المصدرة منها و تفرض على البضائع التي كانت تنتقل من مكان إلى آخر داخل أقاليم الامبراطورية و هناك أربعة رسوم جمركية و هي :
- ضريبة الاستيراد ” السلع المستوردة ” .
- ضريبة التصدير ” السلع المصدّرة ” .
- ضريبة المصدّر و يتم فرضها على البضائع المعنية المستهلكة محلياً كالأسماك و التبوغ .
- ضريبة المرور ” الترانزيت على البضائع العثمانية و الأجنبية المتحركة داخل الامبراطورية ” .
أما بالنسبة عصر التنظيمات العثمانية ” القوانين العثمانية الجديدة ” فأن أبرز ما جرى خلال القرن التاسع عشر من أساليب و عمليات اصلاحية لا يتعدى بعض الخطط الاستراتيجية و منذ سنة 1822 م حيث تم تطبيق سلسلة من العمليات ذات الفعالية من الناحية السياسية و ليس من الناحية الاقتصادية ، و من أهمها :
- تنصيب قادة مخلصين من أجل أهداف الاصلاح .
- القضاء على العناصر البيروقراطية .
- التوعية بمدى أهمية الاصلاحات في حياة الدولة .
كان على رأس هذه الاصلاحات برنامج اصلاحي للجيش العثماني يتمثل بالقضاء على أخطر مؤسسة رجعية قديمة في كل من المجتمع و الدولة ، و في العاصمة استانبول قام السلطان ” محمود الثاني ” 1808 – 1839 م باتخاذ مجموعة من الاجراءات الأساسية من أجل دعم نظام المركزية الادارية العثمانية ، و أنشأ وزارات عديدة منها المالية و الأوقاف و الحربية و الداخلية و الخارجية ، و تأسس مجلس الوزراء الذين تم تسميتهم بالوكلاء على غرار التنظيمات الدستورية الأوروبية ، أن عصر التنظيمات العثمانية هو عبارة على مجموعات من القوانين و النظم بدأت الدولة اصداراتها لها منذ سنة 1839 و لم ينته العمل بها إلى عهد السلطان ” عبد الحميد الثاني ” ” 1876 – 1909 ” و يرجع الفضل في تأسيس مشروع ” التنظيمات الخيرية ” بكل تفصيلاته و بنوده إلى عدد من الخبراء و المستشارين ، و في هذا الاطار يمكن التطرق لإيجاد الحلول المناسبة لبعض القضايا الاقتصادية التي شملتها أبرز القوانين العثمانية الجديدة ، و منها :
اولاً : ” خطي شريف كولخانه ” : صدر سنة 1839 م كلائحة قانونية في الاصلاح الأساسي للدولة قام باعدادئه الوزير المصلح التركي ” مصطفى رشيد باشا ” 1800 – 1858 م ، خلال عهد السلطان ” محمود الثاني ” ، و لكن تم نشرها في قصر كولخانه السلطان ” عبد المجيد الأول ” 1839 – 1861 م مع بداية ايام عهده و شملت اثني عشر بنداً مختلفاً في الاصلاح كان من أبرزها في الحياة الاقتصادية خصوصاً ما يتعلق بــ القضاء على نظام الالتزام العثماني القديم الذي خرّب العلاقات بين الدولة و الرعية و هناك بند آخر القرعة العسكرية دون أحداث أي خلل في مسألتين أساسيتين هما :
- الزراعة .
- التجارة .
مع ضرورة القضاء على الرشوة و الفساد في أجهزة الدولة التي سادها الخلل و الضعف نظراً لقلة الرواتب و انعدامها ، و قد رافقت تطبيقات هذه البنود مجموعة من اجراءات العملية في تنظيم المناصب و الوظائف و الرواتب و عمليات الصرف مع بداية سنة 1840 م و كان لذلك ردود فعل في الأوساط الأوروبية حيث أيدتها بريطانيا و فرنسا نظراً لأنها عملت على ادخال جزء من النظم الأوروبية إلى حياة الدولة العثمانية و لكن العمل توقف فجأة مع بداية سنة 1841 م حيث تم عزل الوزير ” مصطفى رشيد باشا ” مهندس عملية التنظيمات فعادت الدولة إلى ممارسة نظام الالتزام القديم و يبدأ من جديد تطبيق القوانين الجديدة خلال عام 1846 م حتى تولى السلطان ” عبد العزيز ” عرش الدولة سنة 1861 م .
ثانياً : مرسوم ” خطي شريف همايون ” : صدر بتاريخ 18/2/1856 م بعد نهاية حرب القرم 1854 – 1858 حيث أكدت بنوده المتنوعة على الحقوق الطائفية و العمل بمبدأ المساواة بين الملل و الرعايا و هناك مسائل اقتصادية أساسية تشتمل عليها منها التأكيد على ضرورة الانخراط في الوظائف و تحقيق الاستفادة الأمثل من الخدمات و إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل الاجتماعية المعقدة سببها العمل المتواتر في المواريث و الوقفيات القديمة من خلال أنشاء محاكم مختلطة و مدنية و جنائية و العمل بمبدأ المساواة بين جميع الرعايا في الحقوق و الواجبات حيث اخضاع الجميع لأول مرة في التاريخ الاسلامي لقرار الدولة في أداء الخدمة العسكرية ، و نشير بأن القانون اتاح للأجانب التملك حسب الأنظمة و التعليمات البلدية المرعية إلا أن هذا القانون منع موظفي الدولة من العمل بالتزام الضرائب بعد ابطال نظام الالتزام القديم و بدأ العمل بالتقيد بالتسجيل المصروفات و الإيرادات بكل قدة و ضبط في قيود و دفاتر و مستمسكات و ضبطيات خاصة من اجل مراعاة شؤون ميزانية الدولة و قد اختتم البند الحادي عشر و الأخير من القانون بوعد من السلطان بإجراء اصلاحات شاملة و أساسية في حقول المالية و المواصلات و الزراعة و التجارة و الخدمات و من أهم و أبرز النتائج الواضحة التي أفرزتها تطبيقات ” خطي شريف همايون ” ازدياد حجم الامتيازات و الحقوق للأقليات و الطوائف في الداخل ، و تثبيت أسس التدخلات الأوروبية الخارجية في الشؤون الداخلية لاسيما في الأقاليم العثمانية – الأوروبية و الأناضولية و العربية ، و الجدير بالقول أن التنظيمات الاصلاحية الجديدة التي وجدت خلال حرب القرم رافقتها صعوبات و مشاكل مالية تسببت من الحرب ذاتها الامر الذي ادى بالحكومة إلى التخلي على معظم المشاريع العلمية و اتاح المجال للحكومة بإدارة و تطبيق القوانين في الدوائر الحكومية و استعادة قوتها فيها و قد استمرت المجالس ظاهرياً بإداء عملها و لكن العضوية ظلت محددة بأقرار الحكومة و بعض القادة العسكريين أن النظام الجديد منح اهتمام بالكفاءة و الفعالية بدرجة أكثر من القديم و رغم ذلك مازال غير قادر على تجهيز رأس المال الكافي من أجل توسيع فعالية مركز الحكومة و الجيش في الامبراطورية و مع ذلك فإن ” فرامين الاصلاحات ” سنة 1856 م منحت دوافع و أهداف جديدة لضبط العمليات الاصلاحية .
ثالثاً : قانون الأراضي : صدر قانون الأراضي بهدف الفصل بين ما لأصحاب تملك الأراضي و ما للدولة من حقوق فيها حيث جاء في 32 مادة استمدت نصوصها من الشريعة و التقاليد من ناحية و من القوانين الوضعية الأوروبية الألمانية و الفرنسية و الانكليزية من ناحية ثانية ، و يعدّ هذا القانون بمثابة بداية لعمل تشريعي ضخم قامت به الدولة من أجل أرساء قواعد الاقطاع التي تجاوزتها تشريعات أوروبا الصناعية بعد المرحلة التاريخية الماركنتيلية بغرض سعى الدولة العثمانية إلى المحافظة على كيانها السياسي و تأمين أحكامها كدولة اقطاعية قديمة ، أن دراسة المواد و النصوص التي شملت بنود قانون الأراضي لسنة 1858 م من أجل استنتاج أن العمليات الاصلاحية العثمانية التوفيقية بين الشرعية و الوضعية لم تحشمها المشاكل الاقتصادية التي عاشتها الدولة و لم تخلص المجتمع من المعضلات المزمنة التي عاشت لفترة طويلة ، أن القانون الجديد للأراضي قد خلق لذاته تناقضات كبيرة ترتب عليها العديد من المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية الخطيرة و المزمنة على مدى أكثر من مائة سنة في تركيا و كافة أرجاء الأقاليم الشاسعة التي خرجت عن نطاقها خلال فترة الحرب العالمية الأولى و برزت على المستوى العالمي بمجتمعاتها الحية تكوينات دولية و منها العديد من الأقطار العربية كما أن قانون الأراضي العثماني كان يعدّ قانوناً إصلاحياً للدولة بجملة فصوله و بنوده و لم يكن قانوناً تحديثياً للمجتمع حتى في حده الأدنى من تشريعاته .
رابعاً : قانون الطابو : أن بروز العديد من المشاكل المعقدة التي تتعلق بأراضي الميري و تحديدها على أسس أصح و أقوم من القانون السابق ادى إلى اصدر الدولة بتاريخ 13/1/1859 م قانون الطابو الذي يتضمن 33 مادة رفقة ملحقين للتعليمات أنشئ بموجبها نظام قانوني لسجل الحجج و العقود المتخصصة بالأراضي و حوزة تفويض الأراضي الزراعية الأميرية ببدل إلى الأشخاص المتصرفين بها مع المحافظة على ابقاء الرقبة لــ ” بيت المال ” و من أجل اثبات ذلك الحق تصوَّر أمانة ” الدفتر خاقاني ” سندأ يسمى ” السند الخافاني ” تذكر فيها حدود الأرض حسب الموقع و يتضح بعد دراسة هذا القانون أنه استند على شروط التفريغ و قيمة الرسم و كيفية اتمام عملية التوزيع و تنظيمها و كتابة السندات ” سندات الطابو ” الرسمية الخاصة بها و عملية حفظها مع ضرورة تأكيده على تفويض أو بيع الأراضي غير الخاضعة أو المفرغة لأحد بالمزايدة العلنية قد حددها النص القانوني الأتي إذا أراد أحد أن يفرغ من أراضيه لأخر ، فينبغي أن يأخذ علماً و خبراً مختوماً بأختام أمام مختاري حارته أو قريته ، مبيناً أن المتفرغ متصرف حقيقة بتلك الأرض مع صحة مقدار المبلغ الذي يتفرغ به ، و بيان القضاء و القرية الداخلة بها و حدودها و تخومها ، و مقدار دونماتها ، ثم يحضر المتفرغ له أو وكلاؤهما الشرعيان إلى محل المدينة ليؤخذ العلم و الخبر . إقراراً ثم يحفظ بعد أن يختم و يوقعون خرج الفراغ ([7])، ثم يتم حفظها مضبطة في المقر الذي حصل فيه الفراغ مع إرسال نسخة منه إلى الدفتر خانة للمنطقة .
و قد تم سريان فعالية هذا القانون الدرس لأحكامه على جميع الأراضي العثمانية و في كافة القسمات الاقليمية للدولة منذ سنة 1859 م إلى يومنا هذا ، و رغم كل التجديدات التي حملتها الأنظمة و التعليمات و قوانين التسوية و الاصلاح الزراعي في تركيا و الدول التي انبثقت عن الدولة العثمانية و لكن مرجعيتها و روحها في لنص و المضمون و الشكل و المحددات إنما يكمنان في ” قانون الطابو ” المؤسس ، و قد تم استغلال تطبيقات هذا القانون الجديد استغلال دون فائدة إذ حدثي تجاوزات و خروقات واسعة له من قبل المتنفذين و المتسلطين و الموظفين الكبار في الأراضي الشاسعة من أجل العديد من المنتفعين و ارباب المصالح العليا الذين امتلكوا فجأة ” سندات طابو ” لآلاف مؤلفة من الهكتارات للأراضي الزراعية و لحقت بهم اضرار نتيجة لذلك آلاف الفلاحين و المزارعين و كان قانون الطابو قانون تنظيم و تحديد الملكيات و يتميز بالدقة في أحكامه و في فكرته و أهدافه نظراً لحاجة المجتمع إليه و بالمقابل فهو لم يسهم اسهاماً حقيقياً في أية عملية تحديثية للاقتصادات العثمانية مثلما تم في تجارب الأمم الاخرى .
خامساً : الصناعة في تركيا – العثمانية : بدأت الصناعة التقليدية مرحلة الانحطاط الشديد نتيجة اعتماد الدولة العثمانية على مجموعة من الاقتصادات الأوروبية حيث بدأت الرساميل الأوروبية بالتوسع على حساب الأسواق و البيئات في المناطق المستعمرة و شبه المستعمرة و أصبحت تعمل بصورة متزايدة من أجل اكمال سلسلة من الشروط التي تضمنتها الامتيازات الأجنبية في الدولة العثمانية مما ادى إلى أحداث هزات اقتصادية في التجارة الدولية و انقلبت موازين القوى هذه التجارة بين الشرق و الغرب من الأمثلة كانت انكلترا تعتمد في استيراداتها سابقاً على الأنسجة من الشرق و أصبحت في القرن التاسع عشر مصدرة لأجود الأنواع و أفخرها حيث أن قيمة صادرات الأنسجة القطنية من انكلترا إلى تركيا فقط 10834 باونداً استرليناً عام 1828 م ، ارتفعت إلى 39920 باونداً استرلينا ً 1829 م ، ثم إلى 95355 باونداً عام 1830 م ، و إلى 105615 باونداً استرليناً عام 1831 م ، أي بزيادة قدرها عشرة أضعاف في أربعة أعوام فقط ([8]) ، ازداد توسع أوروبا في الاقتصادات العثمانية بشكل كبير حتى بعد معاهدة التجارة الانكليزية – التركية سنة 1838 م على أثر توسع العمليات في الامتيازات خارج الاقليم و لكافة التجار الأجانب ، و قد تم إلغاء تعريفة الحماية للدولة و للاحتكاريين و على المستوى الاخر بينما كانت الدولة العثمانية قد تزودت بجميع استيرادات الأنسجة القطنية الانكليزية خلال سنة 1825 م بحجم 3.533 كغم من القطن ، فقد هبطت هذه الكمية بشكل حاد عام 1855 م إلى درجة أنها شكلت جزءاً بسيطاً فقط من هذه الاستيرادات لتبلغ 506 كغم ([9]) ، و توالت صادرات انكلترا إلى تركيا العثمانية الامر الذي ادى إلى تدمير صناعة الأنسجة في تركيا العثمانية بناء على تقرير أصدرته لجنة تطوير الصناعة سنة 1868 م ، السؤال الذي يطرح إلى أي حد وصل التصنيع العثماني ؟ ، أن العثمانيون الأتراك لا يزالون قادرين على تطوير صناعاتهم القديمة التي يملكونها و معظمهم صناعات حرفية اندثارت بعد أن تعرضت للمنافسة الأجنبية و الحدود التي تم فرضها من
قبل نقابات الأصناف الحرفية و حلقات الوسطاء ، و قد كان النظام الاقتصادي العثماني الاصلاحي الجديد يسعى من أجل إيجاد مصانع جديدة خارج المراكز الصناعية القديمة بشكل بعيداً عن مدى تأثير الروح و المضامين النقابية في العمل و الخدمات ، و قد تم بناء العديد من المصانع التركية على نفقة الحكومة خلال عهد السلطان ” محمود الثاني ” بغرض تحقيق أهداف عسكرية بحثة و في عهد السلطان ” عبد المجيد الأول ” استوردت الحكومة التقنيات و المكائن الحديثة من أوروبا الغربية و لاسيما مصانع الملابس و الأقمشة و أغطية الرأس و الأحزمة و الزجاج و غير ذلك ، و لكنها فشلت في الأهداف المدنية نظراً لأنها عملت لتسد احتياجات الجيش و تم أنشاء مصانع خاصة من قبل بعض أصحاب رؤوس الأموال العثمانيين و الأوروبيين في أجزاء مختلفة من الامبراطورية بهدف المساهمة في النمو الاقتصادي خلال المرحلة التاريخية الشاقة من حياة الدولة العثمانية و من أهم أسباب انهيار الصناعة العثمانية قيام الرأسمالية الأجنبية باستغلال المواد الخام و المعادن العثمانية و بشكل أساسي من كافة أنحاء الأناضول و اتاحة الدولة لمالكي الأراضي استغلالها و تطويرها على حسابهم و ترك الأراضي الخاصة بالدولة التي احتاجت إلى الرساميل الضرورية و الخبرات المتنوعة حيث تم الاستعانة بالشركات و الاستثمارات و من أهم المعادن التركية المستغلة لصالح أوروبا : الفحم الحجري و الرصاص و الفضة و النحاس و المنغنيز … الخ ، و قد تم شحن معظم الانتاج إلى الدول الأوروبية المصنعة من أجل تغذية صناعاتها بدل تطوير الصناعات الخفيفة و الثقيلة في تركيا و من أبرز خطايا الدولة العثمانية تجييرها انتاج موادها الخام من اجل صالح احتياجات الاقتصاد العالمي الذي كانت أوروبا مسيطرة عليه و لعل هذا يوضح كيفية تعثر مرحلي في تطور البرجوازية الصناعية و تأخير عمليات الانتاج و التطور و استمرار تركيا أحدى الدول الرأسمالية ذات تبعية و اختلفت عن الروس و اليابان و غيرهم من الذين ترسخت لديهم ” استقلالية ” في الرأسمالية المركزية مما جعلهم ذات تأثير في اقتصادات أوروبا خلال القرن العشرين .
و بناء على ما سبق نحاول التركيز على التحديث في تركيا ، يعدّ مصطلح التحديث Modernization لدى المؤرخين الاجتماعيين مجموعة من التغيرات المعقدة جداً التي تؤثر في حالة مجتمع ما ، من أهم مجتمعات معنية ، بطريقة متفاوتة في بناء أوليات و قيم و أساليب و خصائص و ممارسات ([10]) ، و قد تم استخدام هذا المصطلح في العديد من النقاشات من قبل بعض المؤرخين و المفكرين العرب نظراً لأنه يعبر بالأساس عن سياسات غير واضحة و منهكة في التغيير و لكن شكلياتها لا تتيح المجال في كافة الأحوال من التعبير عن حاجات المجتمعات النامية و متطلباتها ، أن مفاهيم هذه السياسات تعدّ صورة لأصول حركة التحديث المنطلقة من المركزية الأوروبية التحضر المعاصر و الثقافة التحديثة ، أن ” التحديث ” في أصوله الأوروبية ، ذو خصائص تتصف بها عملياته في التمايز و التعبئة و العلمنة ([11]) ، و تعتبر هذه المعايير الثلاثة هي المعبرة بصورة دقيقة و ذات فعالية عن أفكار و عقائديات و تطبيقات و ممارسات و مشاكل و أدوار و عناصر و عقلنة وعلاقات و مبادرات و مخططات و مساهمات و تجارب و مهارات و غير ذلك و جميعها تعمل بطموح و مصداقية من أجل أحداث المزيد من التغيرات في البنى المختلفة لكل المجتمعات التي تم ممارسة في نطاقه الزمكاني عمليات التحديث بمختلف الوسائل ، مما سبق يتضح أن التحديث هو نظرية Modernization Theory ، تؤكد على أن القيم التقليدية في أية منظومة اجتماعية هي عقبة كأداء في تنمية المجتمعات المختلفة .. و أن الخروج من هذا المأزق ، يتطلب تغيير الثقافات التقليدية الأساليب القديمة المختلفة في المنظومات ، البنى ، المؤسسات ، الأجهزة ، الجماعات ، الذهنيات ، التفكير الفردي ([12]) ، و ذلك من خلال تبني قيم التحديث المعلن عن طبيعة عملياته و خصائصه المذكورة أي بمعنى أقد تبنى القيم الحديثة و كيفية ارتكزها في النظرية و التطبيق و في هذا الصد يقول ” أحمد حجازي ” في ما قالته من الخطأ أن نتصوّر تخلف المنطقة العربية على أنه تخلف البناء الداخلي لهذه المنطقة ، أو بسبب عدم قدرة هذه المجتمعات إدخال أو استيراد ميكانيزمات التحديث التي خبرتها المجتمعات الغربية ([13]) ، أن ظاهرة ” الاحتكاك الثقافي ” سوف تمثل بالنماذج التي يقوم بإنتاجها العالم المتقدم المثلي و المنحنى الأساسي للتحديث كخلاصة أساسية و واضحة للتنمية و الخروج عن آلية القياس التاريخي التقليدية التي تحافظ على بقاء و استمرارية التخلف بكل أبعاده و أنماطه و تجسده في المجتمع و ترسخه في الذهن اللاواعي و الممارسة من ناحية ، و أن نظرية التحديث تسعى جاهدة إلى إعادة انتاج التجربة الغربية بصرف النظر عن نوعها النهضوي و التقاني في العالم الثالث من ناحية ثانية ، و هنا يبرز دور رجال الاقتصاد و المفكرين التشخيصيين و المؤرخين الاجتماعيين بهدف يؤكدوا وجوب محاكاة العالم المتقدم في تغيير أنماط الاقتصادات التقليدية بهدف أفسح المجال للمجتمعات المتخلفة اللحاق بركب الدول المتقدمة و اتاحة المجال للمراحل النمو في الانتاجية بعد الانطلاق من التقليدية المتوارثة إلى الاستهلاكية الوفيرة
و إنتاجية أدوات الانتاج في جميع الميادين ، و قد أكد ” روستو ” ” Rostow ” و نظرية الحلقات المفرغة لــ ليبنشتاين ” Leibnestein ” و غيرهما على ضرورة المحاكاة الثقافية و التقانية أي بمعنى آخر ربط أي مجتمع متخلف بالنسق الرأسمالي بهدف بناء المؤسسات و الأجهزة من خلال استيراد رأس المال و الوسائل و الأدوات التقانية الحديثة و الاعتماد على المساعدات الأجنبية و القروض و ما يلحق بها من تغييرات هيكلية في دواخل أي مجتمع من مجتمعات العالم الثالث من أجل الوصول إلى مرحلة الاعتماد على الذات ثم يتم الأعداد للتفكير في مرحلة جديدة ، و يمكننا دراسة مؤشرات التحديث في تركيا المعاصرة من خلال المحاور التالية :
- الفصل بين استعمالات مصطلحي ” الاصلاحية ” و ” التحديث ” من خلال القيام بمناقشة تصور العمل التنظيمي لكافة مضامينهما تاريخياً .
- تحديد ما يتم تشخيص التناقضات في اطار ما أفرزته التجارب الاصلاحية العثمانية تجاه المجتمع التركي أي بمعنى تأسيس أرضية عثمانية اصلاحية تحركت فرقها عمليات التحديث التي تم أجرائها لمدة خمسين سنة و أكثر و تعدّ عمليات متحركة على أرضية عمرها استمرت حوالي قرن من الزمن .
- بصرف النظر عن التقليدية و التأويلية التي تخفي التناقضات سوف نقوم بتحديد تجربة ” التحديث ” التركية و تقييمها و مناقشتها و نقدها في نطاقها الزمكاني و ما أفرزته من مؤشرات لحقت و أصابت بيئة المجتمع التركي في كل جوانبه و مركزها .
- البحث عن أجابات التي واجهت أفكار و أسئلة و معلومات أي بمعنى اخر تقديم استنتاجات معرفية تفيد جميعها ثقافتنا العربية المعاصرة في المعرفة و التطبيقات ، و يمكن حصر جميع الاجابات لأفكار كثيرة جميعها مختزلاً في سؤال واحد يقول هل فازت تركيا و نجحت في أغناء المعايير الثلاثة التي طرحتها أعلاه ، أي : التمايز و التعبئة و العلمنة ، و طبيعة مهامها التاريخية في ” التحديث ” ، كأول ظاهرة عملية في النظرية و التطبيق ليس في تاريخ تركيا ، بل في تواريخ أمم أخرى ؟ ([14]) .
يقول دكتور ” سيار الجميل ” يمكن معرفة بعض الأساسيات العملية المختزلة عن مؤثرات التحديث في المجتمع التركي المعاصر و ترتكز على مصادر ذات أهمية و جديدة و تحليل معلومات و أفكار متعددة و متنوعة من خلال المنهج الإبستمولوجي المقارن ، و هذا يدفعنا إلى توضيح البيئة الاجتماعية في الدولة العثمانية .
” الحياة الاجتماعية في الدولة العثمانية ” : أن بنية المجتمع التركي المعاصر ارتبطت بالتطورات التاريخية التي جرت في عالم الأناضول خلال حقبة التاريخ الحديث بداية من فتح القسطنطينية بقيادة السلطان ” محمد الفاتح ” لسنة 1453 م ، و بعد عمليات التركيز
العثماني على أوروبا خلال الفترات القروسطية المتأخرة حيث كانت الامبراطورية العثمانية قد شملت على ثلاثة عوالم جغرافية كبرى ، و هي :
- الأناضول . 2- شرقي أوروبا . 3- الوطن العربي .
أن تركيا المعاصرة في الأنثروبولوجيا و سوسيولوجيا ترجع في تكوينها إلى المرجعية الاثنية و القومية التي جسدها الأناضول Anatolia التي أفادها عرقياً في ترسيخ الوازع الاثني و النزعة الوطنية المعاصرة الذي كان يشكل أرضية استقبال و انتاج للعنصر التركي و انبثق العثمانيون مشكلين أرضية لتحركاتهم التاريخية العديدة سواء من خلال التركيز على العالم الأوروبي أو في الانتشار الامبراطوري لأراضي شاسعة ، مما سبق يتضح أن الأرضية و الاثنية هي بمثابة سند جغرافي و تاريخي شرعي في تكوين البنية الاجتماعية المعاصرة لتركيا التي انبثقت في كيانها السياسي المعاصر عن انهيار الامبراطورية الام ذات الشرعية التاريخية كدولة قديمة عاشت لأكثر من ستة قرون و التي انهارت نظراً لعدم مقاومة أدواتها و وسائلها و أجهزتها القديمة التي احتفظت بها منذ العصور الوسطى المتأخرة ، أن كل من عالم شرقي أوروبا و الوطن العربي يعدّان المرجعية الأساسية في تكوين الامبراطورية العثمانية خلال فترات العصر الحديث نظراً لأنها تمثلت مرجعية شرقي أوروبا بالأنظمة البيروقراطية المتوارثة و أحوالها في الممالك الأوروبية القديمة ، و تمكنت الدولة العثمانية من تحقيق الاستفادة الأمثل منها لاسيما عند الهابسبورك في النمسا و هنغاريا و الامارات الايطالية و البلقانية و اليونان و قبرص و المملكة البولندية ، أما في الوطن العربي فقد تمثلت مرجعيته بالنسبة للأتراك العثمانيين في الميراث الديني – الاسلامي الذي تضمن تاريخه زخام من التواريخ و الشرعيات كالخلافة و الشرع و المذهبية ثم الأنظمة السلالية و الدينية و المملوكية و الدويلانية و غيرها ، و نظرية دار السلام ، و عندما تم فتح القسطنطينية سنة 1453 م كان المجتمع التركي قد انتقل من حياة البداوة إلى الاستقرار منذ فترة بعيدة من خلال السياسات السلطانية القوية لكل من ” بايزيد الأول ” ” 1389 – 1402 ” ، و ” مراد الثاني ” ” 1421 – 1451 ” لاسيما بعد انتقال التركيز العثماني عبر أوروبا من مرحلة المواجهة إلى مرحلة الانتصار ، و لكن بعدما ترسخت السلطة العثمانية في الجانب الغربي من الدردنيل و اتخذت استانبول عاصمة للدولة ، و دخلت الدولة ذاتها بعد استقرارها خلال عهد ” سليمان القانوني ” ” 1520 – 1566 ” خلال النصف الأول من القرن السادس عشر حالة الانتقال في الاقتصادات بظهور ظواهر جديدة في اطار التغييرات الأساسية و التي شملت كل من علاقات الانتاج و وسائل الانتاج ، و قد تميزت القرون الثلاثة و هي السابع عشر و الثامن عشر و التاسع عشر بالركود الاقتصادي و الاجتماعي العثماني الذي ادى إلى أضعف عسكريات الدولة العثمانية التي تميزت بالنزوع الحربي المتواصل على مدى القرون الثلاثة السابقة الرابع عشر و الخامس عشر و السادس عشر حيث نحدد نماذج توطن الانكشارية في الأقاليم و اندماجهم مع السكان الأصليين و بروز حكومات لامركزية في الولايات العثمانية ، و قد انتقل العديد من الأتراك ” الاناضول ” إلى عالم شرقي أوروبا و الوطن العربي ، مع الأخذ بالعلم بأنهم كان يدفع باستمرار بأعداد كبيرة منهم نحو أنحاء الامبراطورية و قد كان الأناضوليون يستقرون في الأماكن الجديدة و يندمجون مع واقعها و مجتمعاتها و بالمقابل
لم يتقبل أو يستقبل الأناضول ذاته أو يتقبل وجود عناصر غير تركية فيه حتى أن كانت متعثمنة من الناحية العقائدية أو السياسية أو العسكرية حيث ظل الأناضول يعدّ حالة خاصة حتى في اطار تعامل السلطات العثمانية معه و لكن بدرجة أقل من سياسة تركيا الفتاة و مغالاة الاتحاديين مع بداية القرن العشرين ، و يعتبر النظام الاداري العثماني كفيل بوجود الأدوات المستغلة بوسائلها المختلفة حيث انقسم المجتمع إلى انقسامات متعددة و أن أبرز طبقة استمرت مصالحها خلال فترة طويلة هي ” السراتية ” التي يشكلها سراة المجتمع من الناحية الحضارية و الريفية ، أن السراتية ( الأعيان ) طبقة عثمانية مندمجة مع الدولة ، متخذة من قوانينها و أعرافها و أساليب سياسية و اقتصادية متنوعة في القمع الاداري و الظلم الاجتماعي ، و خصوصاً في نظام ” اللالتزام ” كقوى مستغلة في هيئة النظام الاقطاعي العثماني المتوارث ([15]) ، و تكمن جذور البنية الاجتماعية في تركيا من خلال الاطار التاريخي الذي اتضح في حالة التخضرم بين القرن التاسع عشر و العشرين و العناصر المتنوعة المتراكمة عن الماضي العثماني حيث بدأت تصطدم بالحديث المستجد سواء كان في المدينة و الريف و قد ظهرت التناقضات الحديثة نتيجة تطبيقات الاصلاحية المدينة العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر سواء أكان بين القديم و الحديث أو بين الملاكين و المزارعين أو بين المستنيرين و رجال الدين أو بين الانكشارية و النظام العسكري المستحدث أو بين السلطة المركزية و الولايات أو بين المشايخ و الأفندية أو بين المشروطية و الحكم المطلق و غير ذلك ، و قد ساهم بفعالية بإنشاء تطورات لم تعرفها الحياة العثمانية من قبل و كانت الغلبة للعينات التي رسختها الفئات البرجوازية ضد مراكز القوى للعهد القديم متمثلة بانقلاب ” تركيا الفتاة ” الشهير سنة 1908 م ، و انفتح عهد تاريخي جديد في الحياة الاجتماعية من خلال تنفيذ الخطط السياسية و الاقتصادية في الساحة التركية الذي بدأ ينسحب من العهد القديم تدريجيا بكل عناصره على الرغم من المؤثرات في دواخلها كترسبات و مخلفات ، و قد تم ذلك خلال قرنين من الزمن حيث كان هناك العديد من التطورات التي حدثت في تركيا و يمكننا تحديد الفوارق الإبستمولوجية لكل من عمليات ” الاصلاحية ” أو ” التحديث ” على الرغم من عناصر مشتركة تمكنت من لعب دورها في كافة المجالات سواء أكان في الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر أو في دولة تركيا المعاصرة ” الجمهورية التركية ” خلال القرن العشرين ، أن جميع المبادئ و الخطط الاصلاحية المدنية و العسكرية جميعاً تم ممارستها من قبل العثمانيين خلال قرن كامل من أجل المحافظة على كيان الدولة من الناحية السياسية و الادارية و الاقتصادية التعليمية و العسكرية مع اقرار عناصر ” تحديث ” لكافة الأجهزة القديمة و بناء و إقامة مؤسسات جديدة ، مع الأخذ بالعلم أن عمليات ” التحديث ” جرت خلال نصف قرن منبثقة من قبل المصلحين الأتراك الذين تمكنوا من الاطاحة بالنظام القديم و القضاء على أجهزته جميعاً دون القضاء على المنظومات الفكرية و التاريخية التي خلفها نظراً لان ترسبات في ” اللاوعي الجماعي ” و قد استطاعوا تحقيق و تأسيس مبادئ جديدة في السياسية و الاقتصاد و المجتمع أي بمعنى اخر تحقيقهم لقيم اعتبارية حديثة و ترسيخها في المجتمع التركي الذي تمكن من تحقيق أمانيه الوطنية و لكن لم يتمكن من تحقيق الطموحات و الأهداف العريضة في التحديث نظراً لسببين أساسيين ، هما :
- مدى الضعف في اجراءات و الخطط الكفيلة بإنشاء الخصوصيات الأساسية للتحديث و هي : التمايز و التعبوية و العلمنة .
- المشاكل التي أفرزتها تجربة التحديث و الاصطدام مع واقع الانتماءات المختلفة في أوروبا و هو واقع ” جيو – تاريخي ” ينتمى في تفكيره و مؤثراته و رواسبه و عقليته و ذهنيته إلى الفترة الزمنية التاريخية العثمانية و المساحة الجغرافية – الاناضولية .
تعدّ تركيا البلد الشرقي الوحيد الذي منح اهتمامه بالغرب لفترة طويلة و قد تبلور في النصر و الهزيمة من خلال التركيز العثماني على أوروبا حيث عاشت حياة تاريخية متأزمة و متصارعة مع أوروبا الشرقية منذ عهد ” مراد الأول ” ” 1360 – 1389 ” و قد تمكنت تركيا العثمانية من الوصول إلى فيينا عاصمة الهابسبورك النمساوية لمرتين بعد وصول جيوشها القوية إلى وسط أوروبا علما بأن هناك فترة تاريخية تقدر بحوالي 150 سنة بالضبط بين فشل الحصار العثماني الثاني لــ فيينا سنة 1683 م و أنشاء تنظيمات Tanzimat بــ ” خطي شريف كولخانه ” خلال عهد السلطان ” عبد المجيد الأول ” سنة 1839 م ، كانت الدولة تعيش حالة الانهيار واسع النطاق .
” مصطفى كمال أتاتورك ” : نشأت الجمهورية التركية مع بروز قائد ” مصطفى كمال أتاتورك ” عند بداية القرن العشرين شهدت تركيا تطورات بالغة التعقيد من أهمها ، أسس الاتحاديين و حكمهم الذي تميز بأخطائه الواضحة و قد رافق ذلك بروز مبادئ لفلسفة تركيا الحديثة عند فئة من المستنيرين الأتراك و من بينهم كاتب مثل ” نامق كمال ” ، و فيلسوف مثل ” ضيا كوك الب ” و غيرهما من الذين رسخوا العقائدية التركية الوطنية و أسسوا قواعد مركزة في المجتمع التركي المعاصر من خلال أساليب متعددة منها تبسيط اللغة العثمانية من أجل تأخذ أبعاداً شعبية واسعة النطاق كما هو الحال في التركية المعاصرة ، و هناك العديد من الاصلاحات التي اجريت قبل مجيء ” أتاتورك ” و هذه الاصلاحات هي التي العمل به منذ الفترة العثمانية المخضرمة خلال القرن التاسع عشر و القرن العشرين و قد كانت هناك العديد من الاشكاليات التي حلت قبل وصول ” أتاتورك ” مكانته الريادية في كل من السياسة و المجتمع التركيين ، كما أن مصلحي عديدين قد جاؤا للسلطة من خلال انقلاب سنة 1908 م إلا أن سبل و طرق التنمية التي قاموا باتبعها كانت ضئيلة نظراً لكثرة الحروب البلقانية مع وجود عوامل اخرى ، و قد تمكنت تركيا من إيجاد فرصتها فجأة في خضم الحرب العالمية الأولى من اجل تخرج ذاتها مع بداية عقد العشرينات من القرن العشرين بهدف التحديث هناك حقيقية معرفية يستوجب إدراكه قبل التطرق إلى تجربة ” أتاتورك ” نظراً لان كلا من الاصلاحية العثمانية و الاصلاحية الكمالية ” التحديث ” قد تم ممارستها خلال فترة زمنية تصل إلى قرنين في التاريخ الحديث بمعزل عن الأدوات و الوسائل الأساسية التي تم أتباعها في أوروبا منذ بداية عصر النهضة الأوروبية و قد تضاربت نتائجها رغم اختلاف الواقع التركي عن الواقع الأوروبي و قد كان لمؤثراتها المتنوعة و المتعددة بالغة
التعقيد ، لاسيما في المواضيع العديدة التي تناولتها مشاريع التحديث التركي ، و أهمها : الادارة ، الجيش ، المركزية ، المبادئ السياسية ، التعليم الوظيفي ، التصنيع ، الزراعة ، المواصلات ، الثقافة ، و غيرها ، و أن بناء المؤسسات و الهياكل المختلفة في مجتمع جديد تم ممارستها في أماكن بمعزل عن أماكن اخرى و أن بناء من هذا النوع سوف لن ينجح بمعزل عن تغيير الذهنية الجماعية من مركبة إلى متحركة متسقة مع روح العصر أي بمعنى أقد تم التركيز على بناء الأنسان و مؤهلاته .
و من ابرز الرواد ” الكاريزما ” في التاريخ المعاصر الذين ساهموا بدرجات متفاوتة في مجتمعاتهم المعاصرة كل حسب أيديولوجيته في السياسة الوطنية – القومية و التحديث هما ، ” مصطفى كمال أتاتورك ” مؤسس كيان تركيا المعاصرة ، و ” فيصل الأول ” مؤسس كيان العراق المعاصر ، و ” الحبيب بورقيبة ” مؤسس تونس المعاصرة بعد القضاء على الأسرة الحسينية ، و ” جمال عبد الناصر ” مؤسس مصر المعاصرة بعد قضائه على سلالة ” محمد على ” التي حكمت مصر لمدة 150 سنة في الظل العثماني و هؤلاء الرواد الأربعة المسلمين ورثوا انهيار الدولة و اندثارها في الدواخل التي كانت تحت وصاية الامبراطورية العثمانية خلال قرون من التاريخ الحديث ، و يعدّ ” مصطفى كمال أتاتورك ” جنرالاً عثمانياً برز في بيئة متنوعة من الناحية الحضرية و السكانية على ساحل الأدرياتيك سنة 1881 م و بعد انتصره على ” غاليبولي ” ضد جيوش حلفاء 1915 – 1916 م بدأ ” مصطفى كمال اتاتورك ” يخطط لبرامج اصلاحية سياسية بعد دراسة و تفكير نظراً لان الحرب شكلت منعطفاً كبيراً في أفكاره السياسية و بروز عقائديته العثمانية على أساس وطني و ليس على أساس ديني ، و عندما تم ارسله من قبل السلطان إلى الأناضول سنة 1919 م بهدف فعل شيئا ما اتجاه الجيوش التركية المنهارة و تم مواجهة الجيوش المتحالفة التي كانت قد احتلت أجزاء من البلاد و ضد الحكومة استانبول العثمانية و هو في الاناضول و قام برفع راية الاستقلال الوطني من أجل الوصول إلى الانتصار التاريخي في أواخر سنة 1922 و بدأ باعلان الجمهورية التركية لأول مرة بعد الأحداث الدراماتيكية التي عاشتها الدولة خلال سنواتها الأخيرة اولاً و جاء الاعلان من قبل ” مصطفى كمال أتاتورك ” بعد أكثر من ستة قرون من حياة الامبراطورية العثمانية ثانياً ، و قد شكلت ثقافة ” اتاتورك ” الأوروبية الميراث الثقافي الذي تم انجاز العديد من التحولات في تاريخ الوطنية التركية و الاسلام الحديث كما أوضح ” أرنولد هولتنكر ” و بدأ ” اتاتورك ” التنظيم السياسي من اجل الدفاع عن الجماعات اليمينية التي أصبحت بعد ذلك عناصر لحزب الشعب الجمهوري التي نظمت المجتمع التركي على المستوى الاقليمي في مؤتمرات شهيرة لكل من ” سيواس و أرضروم ” في سنة 1919 م التي كونت ما يسمى بــ ” التحالف الوطني ” و تبوأ ” اتاتورك ” رئاسة الجمهورية كـــ ” أبا للاتراك ” و اتجاه بــ تركيا نحو غرب أوروبا المتقدم و اتباع التمدن الجديد ، و اعتبر ” اتاتورك ” أن من أبرز ذلك التمدن ما يتعلق بــ التصرفات القيم الجديدة التي أخذت نماذجها عن تفكير الأوروبيين ، التقويم الغربي ، الحروف اللاتينية ، تغيرت الألقاب التفخيمية القديمة مثل باشا ، بيك ، أفندي – جلبي ، هانم ، و صدر قرار بتبديلها و إلغاء بعضها و ظهرت ألفاظ مثل مستر ، مس ، مسز ، بايان ، أو العمل باللقب العائلي فقط ، الموديلات ، الأزياء و أشكالها ، القبعة أو الرداء الأوروبي بدلاً من
الرداء التركي ، و أن الرداء أو الطربوش التركي عاش لمدة قرون بالضبط و كان ” محمود الثاني ” قد أقره و هو من المعجبين بالثقافة الأوروبية كبديل عن العمامة التركية و تغيير نمط الكتابة سنة 1928 م من الألفباتية العربية إلى الحروف اللاتينية و كذلك قام بالقطيعة التاريخية التي تم ممارستها مع الماضي الاسلامي و التركي حيث وضع نهاية شبه كاملة لطبقة قديمة كانت ذات تأثير في المجتمع العثماني و هي طبقة العلماء ” Ulama ” و دورها في السياسة و الدولة معا ، مما يوضح أن ” اتاتورك ” قضى على المدارس الدينية و المحاكم الشرعية ” القضائية ” كجهازين ذات صلة بالاسلام العثماني و تم احلال المدارس المدنية بدل عن المدارس الدينية و المحاكم المدنية بدل عن الشرعية ، و قد كان يستوجب وجود بدائل جديدة تخضع لقوانين العصر تحل محل الأجهزة القديمة المتوارثة و خلال فترة ما بين الحربين العظميين تواصلت تجربة ” اتاتورك ” في الوطنية التركية و التحديث الأوروبي رغم أن تلك الممارسات الفكرية صعبة و جديدة في آن واحد ، و القيام بنشرها في العديد من الأماكن من جمهورية تركيا الجديدة ” بيئة الاناضول ” مع استمرارية التنبه اتجاه الحلفاء و لاسيما في الأوساط الشعبية و الريفية المتشبعة بالتاريخ الاسلامي .
أن أهم ما يميز اجراءات ” اتاتورك ” السياسية تأسيسه لحزب الشعب الجمهوري بتاريخ 20/يوليو/1923 م حيث وضع منهاجاً سياسياً لحزبه و نظامه الداخلي ارتكز على أربعة أركان و هي : الجمهورية ، المليّة ، الشعبية ، العلمانية ، و قد نشرها ” اتاتورك ” في اطار أعمال المؤتمر الأول لحزبه بتاريخ 15/10/1927 م ، و اضاف ركنان آخران خلال المؤتمر الثاني الذي انعقد خلال سنة 1931 م ، و هما : الدولتية و الانقلابية ، و تم اعتبر هذه الاركان دعائم للدستور التركي لسنة 1937 م حيث أصبحت أساس نظام الدولة كما جاء في النص أن تركيا جمهورية ، ملية شعبية ، دولية ، علمانية ، انقلابية ([16]) ، و هدف ” اتاتورك ” إلى عزل تركيا عن المجموعة العربية و الاسلامية قول و فعل و نظرية و تطبيق ، رغم السمعة العالية التي تحظى به تركيا في العديد من المجتمعات الاسلامية و من المجتمع العربي و فئاته المثقفة و المستنيرة الذين انبهاروا بأقواله و أخباره ، و قال ” اتاتورك ” في أحد الأيام مخاطبا المجلس الوطني الكبير أليس من اجل الخلافة و الاسلام و رجال الدين قاتل القرويون الأتراك ، و ماتوا طوال خمسة قرون ؟ لقد آن الأوان أن تنظر تركيا إلى مصالحها ، و تتجاهل الهنود و العرب ، و تنفذ نفسها من تزعم الدول الاسلامية ([17]) ، و عندما تولى ” اتاتورك ” رئاسة أول حكومة جمهورية حديثة و انتهج سياسة العمل على حماية المجتمع و الدولة التركيين من القيود التي قامت بفرضها التقاليد القديمة و الأعراف الجامدة و هكذا يتضح أن تجربة ” اتاتورك ” هي تجربة جديدة مع بداية القرن العشرين على غرار حالة ” محمد على ” بمصر في بداية القرن التاسع عشر رغم الاختلاف في الوسائل و الأدوات التي سلكها و انتهجها كل واحد منهما في الحركات الاصلاحية و التحديثية .
أن مشروع التحديث سوف يكون بمثابة المؤتمر الفعلي و الأساسي في المجتمع من خلال ممارسة عمليات أكثر دقة و مسؤولية و خطورة و هي عمليات ” التعبئة ” و يقصد بالتحديث هو تجديد الأجهزة ، و خلق المؤسسات ، و تطوير البدائل من أجل توحيد الاندماج الوطني .. القومي ، ليس فقط في المساحات الاقتصادية و السياسية فحسب ، بل في الميادين الثقافية و المجالات الفكرية أيضاً ([18]) ، و تعدّ التعبئة في التحديث التركي واحدة من أهم النتائج الأساسية في إعادة هندسة البؤرة الأفقية حسب تعبير ” ولترف ويكر Walterf . Weiker ” من أجل أعداد كبيرة من الناس و تمثل هذه الهندسة التطوير الثقافي و تربية الأذهان لأولئك الذين أصبحوا بعد ذلك من المشاركين من الناحية العملية و الفكرية في حياة المجتمع التركيب ككل و على رأسهم الممثلون السياسيون و التكنوقراط الاقتصاديون .
أن من أهم الوسائل التعبوية و أساليبها الأساسية في عملية ” تأميم ” ثقافة المجتمع و الهدف في بناء ذهنية جديدة ترتكز على أساس التوازي مع أوروبا ، و هي : الثقافة و القيم الغربية و نظام التعليم و من أجل توحيد المجهودات المعتمدة أو المبذولة التي تم تقديمها من قبل قادة المجتمع التركي كفيلة بنشر المعرفة و الثقافة الجديدة و زيادة مقدار الوسائط و الأدوات و عناصر الحركة بالنسبة للتنمية العامة ، و تعدّ التعبوية الثقافية و القيمية و التربوية و التعليمية من أبرز المجالات التي يمكن أن تخدم قطاعات التنمية العامة في كافة مجالاته المتنوعة سواء أكان في البيروقراطية أو الزراعة أو الصناعة أو التجارة و غير ذلك ، و هذا يدفعنا إلى توضيح البيئة الاجتماعية في الدولة العثمانية .
و يعدّ ميدان التربية و التعليم من أبرز المجالات الحيوية و الأساسية في عملية التحديث في تركيا و من مجموعة ضوابطه نظام خاص به يرسخ دوافع و أهداف التجديد على أسس غربية مدنية ، و يعتبر التعليم العلماني جزءاً من عملية تعبوية تمكنت من خلالها الكوادر ذات الأهداف و التطلعات إلى بناء حركة العصرنة من خلال تدعيم نفوذها و مكانتها الاجتماعية و وقوتها العملية كما أن حقل التعليم يعدّ وسيلة أساسية و ذات أهمية من اجل أحداث تغييرات اجتماعية واسعة النطاق و منذ تأسيس النظام الجمهوري في تركيا عرفت الأطراف المناطق غير المدنية من القرى و الأرياف تقدماً ملموساً من حيث التعليم إلا أن الحالة تتطلب المزيد من المجهودات على مستوى المساهمة الحقيقية في التنمية و الريف و في آن واحد كسب التعليم مكانته في اسهام كوادر ذات وزن ثقيل في التنمية السياسية التي تمثلها الحياة الحزبية و منطلق الشارع السياسي و العقائديات المتنوعة على أساس أن الأدوات التعليمية التي ساهمت في بناء تشكيلات متنوعة من الكوادر كانت العلمانية تتفق و منطق العصر و تطرحه الأدبيات التركية المعاصرة ، و قد اقر العديد من الدارسين بأن التعبوية العلمانية في النظرية و التطبيق أصبحت المركب الضروري للتنمية السياسية في تركيا و ذلك من خلال تحدديها للسياسات التي برزت على المسرح السياسي منذ أكثر من خمسين سنة ، أما بالنسبة للمرأة التركية فقد تحققت فرص حقيقية من أجل تطورها و تحررها منذ العقود الطويلة و ما صدر
في حقها من قرارات و قوانين كانت تعدّ الأسبق من نوعه و حجمه في كافة بلدان العامل الاسلامي و قد برزت مطالبات متفرقة من اجل تحرير المرأة التركية خلال القرن التاسع عشر و لكن هناك تغيراً لم يصيب إلا النسوة اللواتي ينتمين إلى الطبقة الأرستقراطية و لكن نتيجة زيادة المطالبات نوعاً ما بعد ثورة تركيا الفتاة سنة 1908 و لم تصبح هذه المطالبات مقترحات صريحة إلا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى و خلال الكفاح في حرب الاستقلال ظهرت العديد من العوامل المتعددة التي منحت الحركات النسوية الحرة زخما و مكانة و قوة ، و منها :
- مشاركة المرأة في التظاهرات السياسية و بعض الفعاليات العسكرية البطولية .
- مشاركتهن في الثقافة و القيادة النسوية و من أبرزهن ” خالدة أديب ” التي أصبحت مصدر إلهام لجيل المحاربين في الأيام القادمة و أصبحت شهرتها في كل من المجتمعين التركي و العربي مع بداية القرن العشرين .
أعلن ” اتاتورك ” منذ البداية أنه من المؤيدين حيث منح المرأة المزيد من المساواة و تم نشر القوانين التشريعية الجديدة نظراً لمبادرة ” اتاتورك ” ذاته حيث منح حق المرأة حقوقها السياسية بدء بحق التصويت في المجالس البلدية خلال سنة 1930 م و الانتخابات الوطنية في سنة 1934 من أجل يصبح عددهن سبع عشرة امرأة عضوات في الدورة الخامسة لمجلس النواب سنة 1935 م ، و ترافقت عمليات تعليم المرأة التركية و تطويرها من الناحية الثقافية و الاجتماعية و السياسية بالتوازي مع ظهور التشريعات القانونية بهدف تحريرها منذ بداية عهد الجمهورية ، و اليوم نشاهد في شوارع تركيا النساء اللواتي يمثلن في مجموعاتهن ثلاثة أجيال :
- الأقدم في مظهر المرأة الريفية التقليدية .
- المرأة التي تلبس الجاكيت الطويل و حجاب الرائى .
- الزي الأوروبي كمثال للحداثة و التغريب .
و قد تلازمت كل من التنمية السياسية و الاقتصادية التركية في برامج التحديث حيث بدأ ” اتاتورك ” مشروعه الاستراتيجي خلال القرن العشرين سواء من حيث التأسيسات الارتكازية التي جرت قبل الحرب العالمية الثانية أو ما تم من ترتيبات و انجازات بعدها و بشكل اختلفت فيها تراكيب البنية الاجتماعية و العلاقات الاقتصادية بشكل كبير ، و قد تمكن ” اتاتورك ” من أنجز و تحقيق حالة السلم لبلاده في اطار الحدود المعترف بها دولياً لــ ” تركيا ” و تحقيقه الأمن و الاستقرار للأمة التركية و تحقيقه عدد من المكاسب القومية و الحقوق السياسية الحديثة ضمن الاجراءات التي اتخذت في الدول المعاصرة و نظراً لان الدولة هي الوسيط في ذلك التقدم إلى درجة ما و تتولى مسؤولية حياة المواطنين و خصوصاً عندما قامت شركة أهلية تركية بمسؤولية حياة المواطنين و لاسيما عندما قامت شركة أهلية تركية بمسؤولية تقنية المواد الصيدلية و الطبية الأجنبية و ترجمة تلك التقنية إلى عدد من التجهيزات و التوزيعات واسعة الأنطقة للمواد الطبية الحديثة و قد ازداد عدد السكان خلال ربع قرن 1950 – 1975 إلى حوالي الضعف أي : من 21 مليون نسمة إلى 40 مليوناً ([19]) ، و تبعا لذلك ازداد عدد السكان في المدن بسرعة ملحوظة و تصورات وسائل الاتصالات و المواصلات من خلال بدأ الأمريكيين لبرنامج تعبيد الطرق التركية بعد الحرب العالمية الثانية و يعدّ هذا المشروع هو البوابة لتقريب المسافات الشاسعة و التباعدات بين المدينة و الريف و بين غرب البلاد و شرقها ، كما أن نمو الاتصالات و وسائلها ادى إلى ازدياد واسع في هجرة العمال بأعداد كبيرة إلى المدن و خاصة إلى المانيا الغربية و الدول الأوروبية و لاسيما خلال الفترة بين 1961 – 1973 م ، و مدى تأثير ذلك ثقافياً على فئات اجتماعية تركية متنوعة من خلال التقدم المعيشي و نشأة أعراف ثقافية و اجتماعية جديدة ، و قد اتجهت السياسية التحديثية التركية بعد الحرب العالمية الثانية إلى توطيد الحكم البرلماني الحر الذي أسست أصوله عن التجارب الليبرالية الأوروبية أثناء العمل على تحقيق ظروف مادية أفضل للناخبين و تمكن من تحقيق حالة من التوازن بين في المدخلات و المخرجات بما يتناسب مع وجود ” الكاريزما الريادية ” التي كانت تأخذ باستقرار النظام السياسي التركي و تكوين دولة اقليمية قوية في منطقة الشرق الأوسط أي أنه أحرز حالة من التوازن في المدخلات و المخرجات بما يتلاءم و جود الكاريزما الريادية التي كانت تؤمن قبل كل شيء باستقرار النظام السياسي التركي و تكوين دولة اقليمية قوية في منطقة الشرق الأوسط ([20]) ، مما سبق يتضح أن تركيا المعاصرة ارتبطت بالغرب بصرف النظر عن التباين السبل و اختلاف الأساليب و تبدلت الحكومات و تعددت الأحزاب .
و قد كان القادة السياسيون الأتراك البارزون نذكر من أهمهما ” عدنان مندريس ” حيث طالب بالاصلاحات الديمقراطية و ضمان الحريات السياسية في الصحافة و هو أحد النواب في المجلس الوطني التركي الكبير خلال صيف لسنة 1945 م ، و ” سليمان ديميريل ” و ” بولند أجاويد ” يكافحون من اجل الوصول إلى السلطة السياسية سواء من خلال ديماغوجية المحتوى أو ماكيافلية الأساليب أو بنتهامية الأهداف و هم بسعيهم فقد ابتعدوا في سياساتهم عن المحافظة على طبيعة النظام مما ادى إلى حدوث انفصام مؤثر بين السياسية و المجتمع التركيين و اختلاطت الأمور إمام القوى الرجعية القديمة و القوى الدينية الأصولية و قوى العنف العرقي و المذهبي بهدف تلعب دورها المحوري على مستوى الساحة السياسية و في خضم البيئات المحلية البعيدة أو في أعماق الأطراف المزدحمة و القريبة من العاصمة المركزية ، و نلاحظ أن مؤسسات الدولة و أجهزتها أخذت في الضعف مقارنة بما كانت عليه سابقاً ، أما بالنسبة إلى الاقتصاد التركي فهو يتصف بحالة من الفوضي و الانشطار و حدوث التجاوزات الامر الذي أثر تأثيراً كبيراً على طبيعة الهندسة الاجتماعية خلال تلك الفترة ، و أصبح هذا الامر موضوع نقاش حاد من قبل مختلف القوى السياسية حيث كان المفكرون الأصوليون و الكتاب التقليديون يطالبون به بحماس متزايد و لكن الهندسة الاجتماعية لم تدخل حيز التطبيق نظراً لعدم وجود اهتماماً من قبل الأوساط الشعبية و الريفية و المحلية ، و في اطار خضم التحديات السياسية التركية و استمرارية تفاعلاتها القوية و اشتراكاتها المتباينة و تراكم مشكلاتها
حيث نجد أن الحكمة الناشئة من التجربة التاريخية الطويلة في أدارة الدولة و قيادة المجتمع من مختلف النواحي قد عملت على ايقاف الاندفاع الواسع النطاق بالضغط على العوامل الأساسية للانطلاق نحو بناء المدنية ” التركية ” الفاضلة التي كان يسعى إلى إقامتها ” المؤسسون الكماليون ” أو التي كان يتطلع إلى تحقيقه رجالات ” الجيل الماضي ” و إذا كان هو رأي نقاد مواقف السياسة التركية و عناصرها مما سبق يتضح بأن هناك تطورات أساسية في البنية السياسية للأتراك مقارنة بما هو عليه الحال في دول اخرى من العالم الثالث و ما أصبحت عليه تركيا خلال السنوات الأخيرة سواء على مستوى العلاقات الخارجية على المستويين الاقليمي و الدولي أو على مستوى المصالح و الأهداف الاقتصادية .
تحظى الشؤون الاقتصادية باهتمام بدرجة أكثر من الشؤون الخارجية خلال النظام الديمقراطي حيث كان هناك اختلافات حقيقية بشأن السياسة الاقتصادية بين الحزبين الكبيرين نظراً لان حزب الشعب الجمهوري انتهج سياسة تدخل الحكومة في مختلف الهياكل و القطاعات الاقتصادية Etatisme و في المقابل اعلان الحزب الديمقراطي عن سياسة الاسترخاء من خلال سيطرة الحكومة حيث كانت هناك العديد من الفرص من اجل التمهيد لخطوة الأولى الخاصة و مدى التركيز على حالة التطور الزراعي و خلال النصف الأول من العقد الديمقراطي 1951 – 1955 بدأ الاقتصاد التركي ينمو بشكل سريع و أحدث ازدهاراً واضحاً و العامل المساعد على ذلك مدى تمتع بظروف مناخية مناسبة حيث حصاد القطاع الزراعي على محاصيل كثيرة من الحبوب و لم تكن هنالك في كافة الأحوال نتائج ما تم الاعلان من سياسات اتبعها الديمقراطيون أصحاب الخطوة الخاصة و بالتالي استمر النظام الجديد في سياسته حيث بدأت الزيادات واضحة في الانفاق الحكومي على النمو الاقتصادي في مجال الصناعة مثلما كان الحال في قطاع الزراعة و كانت ميزانية البلاد على استعداد للتعرض لعجز سنوي و انتشار الحالة السلبية في ميزان التجارة حيث حصلت زيادة في الاستيرادات بنسبة أكثر من الصادرات ، و كما كانت المساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية تتماشي جنباً إلى جنب مع كمية المساعدات العسكرية الأمريكية التي وجدت فيه الحكومة واحدة من أكبر الدعائم التي أسسها النظام السياسي التركي ، إلا أن الانتقادات الشديدة قد اشارت إلى أن عملية التطور قد حققت فوائد حقيقية إلا أنها كلفت تركيا كثيراً و انتشرت الصناعات الجديدة في مناطق معينة نظراً لمجموعة من الأسباب السياسية و الاستراتيجية دون أن تتبنى على أساس المواقع الجغرافية و مدى أهميتها بالنسبة للمنظومة الاقتصادية و أخذت تركيا في استخدام المكننة الزراعية حيث قاموا باستيراد أعداد كبيرة من التراكتورات و الحاصدات و الجرارات الزراعية حيث لم يستخدمها الفلاحين و لعل هذا يوضح كيفية أن صيانة المكننة الزراعية أصبحت من المشاكل الحقيقية ، و ادت الأوضاع الاقتصادية إلى تضخم الأسعار ، و هذه الأوضاع أصبحت خلال عقد الخمسينات أكثر خطورة نظراً لعجز المالي الكبير و الفجوة الكبيرة التي حدثت في التجارة و مع بداية سنة 1957 م و تم أدراك حقيقة الأزمة الاقتصادية مع الاعتراف بأن الاستقرار الزراعي يعدّ ثمنا لأصوات الفلاحين التي منحت للديمقراطيين في الانتخابات ، و تعتبر القروض الأجنبية لتركيا قد ادت إلى اطمئنان في الأوضاع الاقتصادية لسنة 1958 م إلا أن ذلك لم ينفع إمام
الضعف العام الذي ادى إلى اضطرابات عمالية في الدمن الكبرى و اضطرابات الفلاحين في الريف و انتشارت حالة الاستياء في صفوف الطلبة و صغار ضباط الجيش و كافة الأوساط تطالب بتحسين الأوضاع المعاشية و الاجتماعية و السياسية .
تعرضت الدولة التركية المعاصرة بعد تأسيسها من قبل ” اتاتورك ” لمجموعة من المشاكل الاقتصادية التي ازدادت خلال العهد الأخير للامبراطورية العثمانية التي تدهورت بشكل سريعاً رغم امتلاكها المصادر النفطية الكبرى و المصادر الطبيعية و يعود ذلك إلى توسع المصالح الألمانية في الأراضي العثمانية مع نهاية القرن التاسع عشر بشكل حيوي و فعال مما ادى إلى اكتساب المانيا المكانة المرقومة في الاقتصادات العثمانية من خلال الامتيازات التي منحت لها بهدف تشييد سكك الحديد و تفوق التجارة العثمانية – الألمانية الامر الذي أفسح المجال مع نهاية القرن التاسع عشر من قبل المانيا إلى كسر الاحتكارات الفرنسية و البريطانية على التمويل و التجارة العثمانية ، و تزامن بدأ الرأسمال الألماني بتعزيز مواقفه في تركيا خلال العقد الأول من القرن العشرين مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الاقتصاد العالمي على نطاق واسع و خصوصاً توسيع مصالحها و أهدافها المشتركة في منطقة الشرق الأوسط و على أثر ذلك بدأ التأثير الأمريكي في الاقتصاد التركي من خلال زيادة سريعة في حجم التجارة بين البلدين و نتج على التوسع التجاري زيادة حجم الاستثمارات في التفريعات الأساسية للاقتصاد التركي بعد الحرب العالمية الأولى مع حصولها على امتيازات جديدة بغرض تشييد السكك الحديدية التي نتج عنها تطور صناعة النفط في الأقاليم الأسيوية من تركيا ، إلا أنه استمر مستوى تطور القوى المنتجة منخفضاً في القطاع الصناعي بدرجة أكثر في القطاع الزراعة ثم تعرضت لفترة كساد حتى مجيء القوى الكمالية من أجل يبدأ تاريخ ” اقتصادي جديد لتركيا ” .
في الجزء الثاني من الدراسة سوف نركز على العلاقات التركية – الأوروبية ، و أهم العقبات التحديث في تركيا العثمانية .
قراءة علمية تاريخية : الاستاذة فاطمة أحمد الثني ماجستير علوم سياسية -جامعة طرابلس سنة 2019 م – دولة ليبيا
[1]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، ( بيروت :
مركز دراسات الوحدة العربية ، 1997 ) ، ص . 38 .
[2] سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص ص . 42-43 .
[3] سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 44 .
[4] – سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 47 .
[5] – سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 50 .
[6]— سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 60 .
[7]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 67 .
[8]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . ص . 73 – 74
[9]– المرجع السابق ، ص . 74 .
[10]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 133 .
[11]-المرجع السابق ، ص . 133 .
[12]-المرجع السابق ، ص . 134 .
[13]– احمد مجدي حجازي ، ” المثقف العربي و الالتزام الايديولوجي : دراسة في أزمة المجتمع العربي ” ، المستقبل العربي ، السنة 8 ، العدد 81 ( تشرين الثاني/نوفمبر 1985 ) ، ص 12-13 .
[14]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 134 .
[15]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 138 .
[16]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 147 .
[17]– المرجع السابق ، ص . 148 .
[18]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 150 .
[19]– سيار الجميل ، العرب و الأتراك الإنبعاث و التحديث من العثمنة الى العلمنة ، مرجع سبق ذكره ، ص . 187 .
[20]– المرجع السابق ، ص . ص . ص . 187 – 188 .