الرئيسية / أخبار / قراءة في المشهد المغاربي على وقع 2021

قراءة في المشهد المغاربي على وقع 2021

اسيا العتروس

موقفان على درجة من الاهمية صدرا لمفكرين من الوزن الثقيل، احدهما السياسي المخضرم والوزير الجزائري السابق محيي الدين عميمور العارف بتفاصيل وجزئيات ملف الصحراء الغربية والثاني للمفكر المغربي عبد السلام بنعيسى، من خلال مقالين حول الصحراء الغربية والعلاقات المستقبلية بين المغرب والجزائر. وقد لا نبالغ اذا اعتبرنا ان في مواقف كلا الرجلين لو تم التمعن فيها وتبنيها ما يمكن ان يحرك باتجاه خروج هذا الملف من عنق الزجاجة ولم لا بكسر الجليد بين الشقيقين اللدودين اللذين بدونهما لا وزن ولا موقع لدول المنطقة.. والاهم حسب الرجلين ابعاد تلك الاطراف المؤثرة في صنع القرار والتي لا تريد للتقارب بين المغرب والجزائر ان يحصل حتى لا تفقد امتيازاتها الكثيرة.

لا خلاف ان الحياة في منطقة الصحراء الغربية صعبة جدا بالنظر الى عدم توفر الماء وغياب مقومات الفلاحة والصناعة في هذه المنطقة التي سيكون من غير الممكن ان تضمن بقاءها وامتدادها بالاعتماد على امكانياتها الذاتية. ومن زارها يعرف جيدا ما يتوفر في الصحراء الغربية من فرص تكاد تكون معدومة للاستثمار او البناء… الصحراويون يعيشون على المساعدات التي تصلهم بشكل منتظم.

عودة تبون  الى الجزائر

بعثت عودة الرئيس الجزائري عبد القادر تبون الى الجزائر بعد غياب دام نحو شهرين بسبب رحلة العلاج في المانيا برسالة طمأنة الى الداخل الجزائري الذي لا يزال يعيش على وقع تداعيات غياب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وما ال اليه الامر من احتجاجات شعبية لإسقاط العهدة الخامسة، ولكن ايضا الى دول الجوار وتحديدا دول شمال افريقيا او دول الاتحاد المغاربي ان كان لهذه التسمية موقع في الواقع الجغرافي والديموغرافي والسياسي القائم مع عودة التوتر بشان قضية الصحراء الغربية ولكن ايضا مع اعلان ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب في نهاية عهدتها عن انضمام المغرب الى قاطرة التطبيع مع اسرائيل بعد كل من الامارات والبحرين والسودان التي التحقت بمصر والأردن..

الصحراء الغربية كيف يمكن اقتلاع القنبلة الموقوتة؟

ولاشك ان عودة الرئيس الجزائري في اخر ايام السنة الماضية الى بلاده وتوقيعه المرسوم الرئاسي للدستور المعدل الذي ظل عالقا بعد استفتاء 1 نوفمبر 2020 يعتبر مسألة مهمة للشأن الجزائري تحسبا لكل التطورات في حال حدوث فراغ على راس السلطة وهو ما سيجنب الجزائر الدخول في متاهات وسيناريوهات غير محسوبة لاسيما على خلفية التوترات الاخيرة  في الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، قبل شهر وتحديدا بعد إعلان الجبهة إنهاء وقف إطلاق النار المعمول به منذ العام 1991، رداً على عملية عسكرية مغربية في منطقة الكركرات العازلة لإعادة  حركة المرور إلى الطريق البرية الوحيدة مع موريتانيا،

ليتطور الامر الى حرب كلامية بين الطرفين.. الامر الذي دفع  المدير التنفيذي لمنظمة «هيومن راتس ووتش»، كينيث روث، الى اتهام المغرب بتطبيق نفس الأساليب التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في محاولة لتعزيز احتلاله للصحراء الغربية…

كما اكد روث على أن «إعلان ترامب مغربية الصحراء الغربية لا يغير وضع الصحراء الغربية كإقليم تحت الاستعمار»…وتحدث المفاجأة لاحقا بإعلان اتفاق التطبيع بين الرباط وتل أبيب..

وبعيدا عن العودة الى الجذور التاريخية لازمة الصحراء الغربية العالقة منذ اكثر من اربعة عقود فهي تبقى من مخلفات الاستعمار الاسباني وهي فوق كل ذلك اللغم الذي سيظل يهدد كل محاولة للتقارب بين المغرب والجزائر وبين بقية دول المنطقة.. وربما آن الأوان وبعد عودة ملف الصحراء الغربية الى سطح الاحداث، الى قراءة جديدة للمشهد، بحيث يسحب البساط امام كل المحاولات التي تسعى لصب الزيت على النار وإدخال المنطقة في صراع دموي هي في غنى عنه وسيؤدي حتما الى تفاقم الاوضاع في المنطقة وتحويل الانظار عن الازمة الليبية والتدخلات الاجنبية التي تحول دون حل هذا الملف الذي كلف ليبيا ودول المنطقة الكثير..

ندرك جيدا حساسية ملف الصحراء الغربية وما تفرضه هذه القضية من حسابات على دول الجوار لاسيما تونس التي ظلت على الحياد السلبي منذ بداية هذه الازمة اذ لا يمكن لتونس بأي حال من الاحوال ان تقبل لا بغضب الجزائر ولا بخسارة المغرب.. على ان مثل هذا الموقف لا يقدم ولا يؤخر فالمطلوب ليس اعلان العداء لأي طرف من الطرفين وهما يشكلان بالنسبة لتونس رافدين أساسيين.. فاستقرار المغرب من استقرار الجزائر وتونس والأمر ذاته ينسحب على المغرب بمعنى ان أي تأجيج للفتنة او اشعال للهيب سيمتد الى الجميع.. ولان لكل مشكلة لا بد من حل ولأنه لكل ازمة لا بد من نهاية فقد يكون من المهم في هذه المرحلة توخي خيارات مختلفة عما كان عليه الامر في السابق وربما يكون آن الأوان ليكون للمفكرين في المغرب والجزائر رأي في قضية الصحراء الغربية..

نقول هذا الكلام بعد مواكبة ما كتبه كل من الكاتب والمفكر محي الدين عميمور الوزير الجزائري السابق الذي حذر من تحويل الاختلاف إلى خلاف والخلاف إلى صراع والاستثمار في العداء المغربي الجزائري.

عميمور ذكر في مقال مطول على اعمدة «الراي اليوم» بان الامر كاد يصل الى الاسوأ قبل عقود لولا حكمة كل من الرئيس الجزائري هواري بومدين والعاهل المغربي الحسن الثاني اللذين حرصا على ألا يتجاوز الصراع الخط الأحمر…

عميمور الذي ترك السياسة منذ زمن طويل وامتهن الكتابة يعد من اكبر العارفين بملف الصحراء الغربية وهو يعود الى الاهتمام بهذه القضية الممنوعة تقريبا في الاعلام الجزائري على خلفية ما كتبه الأستاذ والمفكر المغربي عبد السلام بنعيسى الذي وصفه عميمور بأنه يمثل «التوجه الوطني للمثقف الواعي في المغرب العربي».

نقاط الالتقاء

وقد عبر الاستاذ عميمور بشجاعة عن نقاط الالتقاء الممكنة بين المغرب والجزائر واستحضار المحطات التاريخية الكبرى لدول المنطقة عندما كان الخطاب الوطني يتغنى بوحدة المغرب العربي، وخصوصا منذ أن تكونت حركة “نجم شمال إفريقيا” في فرنسا خلال العشرينات من القرن الماضي، وإقامة مكتب المغرب العربي في الأربعينات على أرض الكنانة بقيادة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، ومعه المغربي علال الفاسي والتونسي الحبيب بورقيبة والجزائري الشاذلي مكي، الذي خلفه كل من أحمد بن بله ومحمد خيضر وحسين آيت أحمد. فقد كانت قناعة شعوب المنطقة بوحدة المصير مسالة لا تقبل التشكيك..

دعم الجزائر للبوليزاريو انطلق في بداية السبعينات على أساس أنها حركة تحرر ضد الوجود الإسباني، واعتبر عميمور أن التدخلات الخارجية أفسدت كل شيء، وسوء التفاهم الكبير بين المغرب والجزائر نتج عن محاولة فرضِ أمرٍ واقع في المنطقة..

الاستاذ والمفكر المغربي بنعيسي يذهب من ناحيته الى ان هناك اطرافا في الجزائر كما في المغرب ترفض فكرة التغلب على الخلافات القائمة بين البلدين، هذه الأطراف تكرّسُ هذه الخلافات وتنفخ فيها، لأنها تستمد منها السلطة والثروة، وليس من مصلحتها تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية. وهي حقيقة لا نخالها تغيب عن السلطات الرسمية في المغرب والجزائر او في دول المنطقة وهذه الاطراف ذاتها التي تؤجج الصراعات العربية العربية وترفض ايضا هذا التكامل الممكن بينها..

اشار الاستاذ عميمور الى انه كان اقترح على سلطات بلاده، أن يلتقي الرئيس الجزائري بومدين بالملك المغربي على انفراد، وبعيدا عن الإعلام وعن المساعدين، وكنت في على خلفية اللقاء المغلق بين دوغول وأديناور، وكان من أهم عوامل نجاح الوحدة الأوربية. وقناعتنا ان هذا اللقاء ممكن بل يجب ان يكون بين الرئيس الجزائري تبون وبين العاهل المغربي محمد السادس وانه في حال توفر الارادة الصادقة فانه لا شيء يمكن ان يمنع اللقاء الذي قد يبدو بعيدا ومن المستحيلات ولكنه عمليا قريب ويحتاج الى بعض الشجاعة والجرأة لتغيير الواقع المغاربي المقيت وإعادة بناء المنطقة كما ينبغي.

 وإذا كان اللقاء بين محمد السادس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ممكنا على ارض المغرب فان اللقاء المغربي الجزائري اولى وأوكد وقناعتنا ان بقية دول المنطقة ستدعم هكذا خطوة لو توفرت الأرضية..

ويعتبر عبدالسلام بنعيسي أنه «حين يخرج الشعب المغربي في مظاهراته المليونية معربا عن مساندته للمقاومة في فلسطين، ولبنان، والعراق، وحين يرفض الحرب الكونية المشنونة على سوريا من جهات الدنيا الأربع، ويتعاطف مع الشعب اليمني في المحنة القاسية التي يتعرض لها على أيدي التحالف السعودي الأمريكي، فإن المغاربة، في الواقع، يسعون بذلك للمساهمة في إفشال المشاريع الصهيوأمريكية في المشرق العربي، لإدراكهم، بحدسهم السياسي التلقائي، أن نجاح تلك المشاريع الخبيثة هناك، سيعني انتقالها إلى منطقة المغرب العربي، وسيكون المغرب الأقصى واحدا من المتضررين من السياسة الامبريالية التي تهدف إلى بلقنة المنطقة وتفتيتها للسيطرة والإطباق عليها…وهنا مربط الفرس..

الاكيد ونحن نستشرف اولى صفحات السنة الجديدة 2021 ان الحقيقة الثابتة تكمن في ان المغرب في حاجة للجزائر والعكس صحيح وبقية الدول المغاربية في حاجة لبعضها البعض لإنهاء التدخلات الخارجية والانطلاق في بناء الحلم المغاربي المؤجل والاستثمار في كل الطاقات البشرية والإمكانيات الطبيعية المتاحة لدول المنطقة والتي تنثر صراعات وخلافات لا تنتهي..

الاكيد ايضا ان قرار التطبيع ستكون له تداعياته الخطيرة مع امتداد الوجود الاسرائيلي على الحدود فالتجربة ما انفكت تؤكد اننا ازاء كيان متعطش للتوسع لا يتردد في ابتلاع كل الحدود التي تعترضه وهو كيان لا يريد ان تكون له حدود بل يعتبر ان اسرائيل الكبرى الحلم الذي راود الصهاينة منذ البداية قابل للتحقيق ويمكن ان تتمدد من  المحيط الى الخليج والفضل في ذلك لم يعد لحروب اسرائيل وتفوقها العسكري ولكن لاتفاقيات السلام الوهمي التي تمنح هذا الكيان المحتل اكثر من المتوقع..

لا شك وان هناك في الجزائر كما في المغرب أطرافا ترفض فكرة التغلب على الخلافات القائمة بين البلدين، هذه الأطراف تكرّسُ هذه الخلافات وتنفخ فيها، لأنها تستمد منها السلطة والثروة، وهي اطراف لها اذناب ووجود في كل المواقع حيث تسود الصراعات والحروب بين الدول العربية.. ولذلك يصبح التطبيع مع اسرائيل افضل من التطبيع بين العرب او المغاربة.

كاتبة واعلامية تونسية