أرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات العملاقة إبراهام لينكولن إلى مياه الخليج وقاذفات بي 52 الاستراتيجية الحاملة لصواريخ كروز بعيدة المدى والقادرة على حمل وإطلاق قنابل ذرية الى قواعدها في منطقة الشرق الأوسط، وادّعت أنها فعلت ذلك نتيجة معلومات حصلت عليها عن نيّة ايران القيام بعمليات هجومية ضد القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة، وإن ارسال حاملة الطائرات والقاذفات الهدف منه رفع مستوى الردع الأمريكي ومنع أي مواجهة بين الطرفين، وإبلاغ إيران ” رسالة واضحة وجليّة ” مفادها ان واشنطن ” ستردّ على أي هجوم إيراني ” بقوة لا هوادة فيها “، كما قال مستشار الأمن القومي جون بولتون.
لكن المبعوث الأمريكي الخاص المعني بشؤون إيران، برايان هوك قال في مؤتمر صحفي عقده يوم الأربعاء 6- 5 – 2019 ان ” الولايات المتحدة لا تريد حربا مع إيران لكنها مستعدة لحماية مصالحها في المنطقة ” وقال ترامب يوم الخميس 9- 5- 2019 إنه لا يستبعد حدوث مواجهة عسكرية مع إيران، ولكنه ادّعى بأنه منفتح للحوار وكذب بالقول انه يريد الخير لإيران ” أريدهم أن يكونوا أقوياء ورائعين. وأن يكون اقتصادهم رائعا” وأضاف ” يمكننا التوصل لاتفاق عادل” فمن يصدقه؟
ترامب يواجه مشاكل داخليّة قد تؤدي إلى عزله من الرئاسة، وفقد مصداقيته في الداخل الأمريكي والخارج، ويتصرف مع إيران والعرب والمسلمين كرجل عصابات، وافتعل هذه الأزمة للهروب من التحقيقات والمضايقات التي يتعرض لها، ولتوجيه اهتمام الراي العام والاعلام الأمريكي والعالمي نحو التصعيد مع إيران، ولزيادة الضغط عليها لإرغامها على العودة إلى طاولة المفاوضات وقبول اتفاق نووي جديد يستثمره في حل مشاكله الداخلية، ويساعده في إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية في عام 2020، ويرضي به حليفه نتنياهو واليهود الأمريكيين ويحصل على أصواتهم ودعمهم المالي لحملته الانتخابية الرئاسية القادمة. فهل ستستجيب طهران للضغوط وتوافق على مفاوضات لتعديل الاتفاق النووي وفق شروط أمريكا وإسرائيل؟ ردود فعل إيران حتى الآن تؤكد بأنها لن تغيّر موقفها وستستمر في التحدي!
والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه هو هل سيؤدي هذا التصعيد إلى تفكّك الجبهة الداخلية الإيرانية وسقوط النظام؟ النظام الإيراني صمد في وجه المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية والعربية منذ قيام الثورة عام 1979 حتى الآن؛ ولهذا فإنه من المتوقع ان هذه الهجمة الجديدة لن تحقق أهدافها، بل إنها ستساعد الشعب الإيراني على تجاوز خلافاته وتحمل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها، وتوحده ضد أمريكا وإسرائيل وبعض الدول العربية المتآمرة معهما؛ وإن رهان أمريكا وإسرائيل ومن لف لفيفهما من الأنظمة العربية على انفجار داخلي إيراني يؤدي إلى تغيير النظام ليس في مكانه، وأن إيران ستجد في هذا الصراع الجديد المفروض عليها فرصة لتقوية الجناح الأكثر تشددا وعداء للولايات المتحدة وإسرائيل وبعض العرب، وتزداد إصرارا على تطوير صناعاتها ومشروعها النووي.
هذا التصعيد أضاف مزيدا من الاحتقان والتوتر والقلق في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من الحروب والدمار والانقسامات؛ وعلى الرغم من تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن أمريكا لا تريد حربا مع إيران، إلا أن قادة الولايات المتحدة وإسرائيل ومن لفّل لفيفهما من القادة العرب الذين يقرعون طبول الحرب لإسقاط النظام الإيراني وتغيير منطقة الشرق الأوسط، قد يرتكبون حماقة تاريخية ويهاجمون إيران، ويشعلون بذلك حربا تفتح أبواب جهنم في المنطقة، وتكون استحقاقاتها كارثية على إسرائيل والمصالح الأمريكية والأنظمة العربية المتحالفة معهما.
د. كاظم ناصر