مايا التلاوي
عندما قررَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحابَ من سورية ادعت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون أن لا علمَ لها بالقرار وهذا التصريح كان فيه شيء من الرفض العلني بدفعٍ اسرائيلي لأنها كانت تتخوف من مواجهة مخاطر إعلان القدس عاصمة أبدية لها هذا مادفعها إلى الإبقاء على مئات الجنود وعندها وصفنا ماحدث بأن أمريكا قررت أن تُقيم مطاعم ماكدونالذ في الشمال السوري لما فيه القرار من سخافة البقاء .
لقد حولَ الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض إلى منشأة اقتصادية وقامَ بضمه إلى سلسلة المنشأت الاقتصادية والتجارية التي يملكها ودفع بأفراد عائلته إلى الاستحواذ على مناصب هامة في الإدارة الأمريكية إذ قام بتعيين صهره جاريد كوشنير كبير مستشاري البيت الأبيض بعدما أعربت بعض المؤسسات في الإدارة الأمريكية عن امتعاضها من سلوكه وقد دفع وزير خارجيته ريكس تيلرسون إلى تقديم استقالته عندما اتهمه بالخلط بين سياسة واشنطن الخارجية ومصالحه الشخصية .
وقد بلغَ التطرفُ درجة الهزل عندما صرحَ دونالد ترامب ترشيح ابنته إيفانكا لرئاسة البنك الدولي لأنها كما يقول تُجيد التعامل مع الأرقام .
لنعود بذاكرتنا إلى السابق قليلاً
عندما قررت اسرائيل ضم الجولان السوري المُحتل إلى سيادتها في قرارٍ سافرٍ وعدواني والاستيلاء على ماتبقى من عروبة بعض العرب والمسلمين في القدس الشريف معراج الرسول الكريم أولى القبلتين وثالث الحرمين ، دفعت بالأمواج العاتية تجاه البيت الأبيض وقامت بالضغط على الرئيس الأمريكي في قضية التواطؤ مع روسيا في الانتخابات الرئاسية وبدأت الإدارة الأمريكية تُهدد بدفعه إلى الاستقالة في حال ثَبُتَ عليه ماذُكر ، لكن عندما جرت الرياحُ كما تشتهي سُفنِ بنيامين نتنياهو أصدر المحقق روبرت مولر تقرير براءة ترامب من الاتهامات التي وُجِهت إليه وكأنما كنا أمام مشهد التعامل بسياسة العصا والجزرة لرئيس أكبر دولة في العالم .
تُوقع أمريكا على اتفاقات دولية حساسة للأمن العالمي فينسحبُ منها ترامب وكأنه رئيس دولةً غيرَ ملتزمةً في اتفاقاتها وقد وصل المجتمع الدولي إلى نقطة حرجة جداً كانت أشعلت فتيل حربٍ عالميةٍ ثالثةٍ مع روسيا عندما انسحب من معاهدة الصواريخ قصيرة المدى وبالتوقيع نفسه يتجاوز ترامب نظام العلاقات الدولية عندما مَنحَ أرضاً عربيةً لها أصحابها ولها سيادتها لكيانٍ غاصبٍ مُحتل .
وفي الحديثِ عن العداء الأمريكي العلني لإيران والتشدد في العقوبات الاقتصادية عليها مع عدم الاكتراث لآلاف المواطنين المنكوبين منعَ وصول المساعدات الإنسانية إليها بعدما ضربت أراضيها موجة سيول جارفة قتلت العشرات وشردت المئات .
وفي آخر ماجرى منذُ أسابيع قرر فرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ على سورية ومنع كل الدول المُحيطة بها من تقديم المساعدة إليها أو فتح أراضيها أو موانئها أو قنواتها المائية لعبور ناقلات النفط من دول أخرى وأمرَ التجار والصناعيين في الأردن بعدم التعامل مع التجار السوريين وهدد باتخاذ اجراءات صارمة في حال تم خرق القرار
وهنا أود الإشارة إلى درجة الهزل من تعامل رؤساء الدول العربية الذين يسبحونَ على محيط من الغاز والنفط ودمشق تُعاني من أزمة خانقة فرضها عليها أعدائها وشارك في تنفيذها العرب والمستعربين ، بالإضافة إلى قيام القوات الأمريكية بتحركات مُريبة على الحدود العراقية السورية وكأنها تُريد قطع آخر حبال النجاة للشعب السوري الذي وقفَ وقفة رجل واحد و توحدَ في الأزمة وبادرَ إلى التعامل مع مايجري بصبر وحكمة وواجهَ كل المؤامرات التي تُحاك والتي هدفها ضرب الاستقرار في البلاد ومن أثبت أنه قادر على تحمل أبشع الحروب العسكرية التي حدثت في التاريخ ، لن يضعفه قرار بعض الصبية في البيت الأبيض ويُثنينا عن استقلالية قرارنا .
بالنهاية يُدرك الحليف قبل العدو صعود الكاكيستوقراطية الأمريكية وتفسير الكاكيستوقراطية أسهل بكثير من لفظها عندما تكون إدارة دونالد ترامب الشاهدُ عليها وتعني أن تكون السلطة في يد الأسوء .
كاتبة وباحثة سياسية