عمر الردّاد
للوهلة الأولي تبدو خطوة موسكو باستعادة رفات جندي إسرائيلي مدفون في سوريا وإعادتها الى إسرائيل وتسليمها الى رئيس الحكومة الإسرائيلية ، بما في ذلك ما أثير حولها من ملابسات حول معرفة واطلاع او عدم معرفة السلطات السورية بالعملية التي نفذها الروس على الأرض السورية، قضية عادية ولا تستحق التوقف عندها كثيرا، بوصفها قضية هامشية مقارنة مع الملفات المعقدة والمتشابكة، التي تواجه الملف السوري ومستقبل القضية السورية.
لكن القراءة المتأنية للعملية التي نفذها روسيا تفضي لتأكيد جملة من الحقائق حول المواقف الروسية مما يجري في سوريا، ومقارباتها للحل في سوريا، بما في ذلك الموقف من مستقبل سوريا والوجود والانتشار والتغلغل الإيراني والتركي في سوريا، والتصورات الروسية لمستقبل العلاقة بين سوريا الجديدة، وإسرائيل، والدور الذي يمكن ان تلعبه موسكو في ذلك.
ففي تفاصيل العملية، تشير تسريبات الى أن القوات الخاصة الروسية نفذت العملية بشكل منفرد، في النصف الثاني من مارس الماضي، بعد ضرب طوق حول مسرح العملية بإبعاد قوات تابعة للجيش السوري وقوات إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله عن موقع العملية، وقد أجاب الرئيس الروسي على اتهامات تم نشرها وبكثافة في أوساط إعلامية ” ممانعة” بان تنظيمات إرهابية تمكنت من سرقة رفات الجندي الإسرائيلي بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” حينما تقدم بالشكر للرئيس بشار الأسد والقيادة السورية على تعاونها في استعادة رفات الجندي.
العملية بمجملها وتفاصيلها وأبعادها، تشير الى ان موسكو وواشنطن قد تختلفان في قضايا كثيرة، الا إنهما يتفقان على تامين مصالح إسرائيل ومتطلبات أمنها، ولا يمكن للمتابع تجاوز ان هذا الاتفاق بين الجانبين وصل الى درجة التنافس لخدمة متطلبات إسرائيل، وتحديدا دعم نتنياهو الذي من المقرر ان يخوض انتخابات عامة في إسرائيل بعد أيام، ولسان حال بوتين في استعادة رفات الجندي الإسرائيلي، والاجواء الاحتفالية التي شهدتها موسكو باستقبال نتنياهو على هامش تسليمه رفات الجندي، انه يقول: اذا قدم الرئيس الأمريكي هدية لنتنياهو بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فاني لست اقل من ترامب وهذه هديتي لنتنياهو.
مضامين العملية ودلالاتها بالنسبة لروسيا ترتبط باتجاهين، الأول: تأكيد موسكو علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل، وخاصة التعامل بايجابية مع المخاوف والهواجس الاسرائيلية تجاه تطورات المشهد السوري،ومستقبل سوريا، بما في ذلك التنسيق الأمني والعسكري الواسع بين تل ابيب وموسكو ، والسماح لإسرائيل بتوجيه ضربات نوعية ضد القوات الإيرانية في سوريا والثاني: توجيه رسالة لإيران وحزب الله، وأوساط موالية لهما في القيادة السورية “سياسية،وأمنية وعسكرية” بان موسكو هي وحدها صاحبة القرار في دمشق، وان إرادتها هي التي يجب تنفذ، خاصة وان هذه العملية الروسية تأتي بعد صدامات مسلحة في قطاعات عسكرية سورية موالية لطهران وأخرى موالية لموسكو قبل أشهر قليلة، ومبالغة دمشق في توسيع آفاق علاقاتها مع طهران ،بما في ذلك الاتفاقات الاقتصادية التي تم توقيعها بين الجانبين، وما يتردد حول حصص إيران الواسعة في عمليات إعادة اعمار سوريا،والزيارة التي قام بها الرئيس الأسد الى طهران مؤخرا، والمؤكد أنها لم تكن ضمن تنسيق بين الأسد وموسكو.
قضية تسليم رفات الجندي الإسرائيلي لتل ابيب، محطة ضمن محطات كثيرة وعميقة في تعاون موسكو مع تل ابيب من جهة ومع إدارة البيت الأبيض من جهة أخرى،تطرح تساؤلات حول مستقبل هذا التعاون،خاصة مع اقتراب موعد الإعلان عن صفقة القرن، وتؤشر لمواقف موسكو المستقبلية، ليس على مستوى مضامين الصفقة في الشق المتعلق بالقضايا على المسار الفلسطيني، بل دورها في مستقبل العلاقة السورية الإسرائيلية،فهل سيقدم بوتين المظلة للرئيس الأسد للتقدم خطوات باتجاه إسرائيل، وانجاز معاهدة سلام معها، بإيجاد صيغة توافقية تضمن خروج تل ابيب ودمشق منتصرتين في قضية الجولان، باستعادة وديعة “رابين- حافظ الأسد”،مقابل دعم دولي بتثبيت شرعية الرئيس بشار الأسد؟
كاتب اردني