الملياردير الأمريكي الهنغاري جورج سوروس (داعم الثورات الملونة) مستهدف بحملة قامت بها الحكومة المجرية. هل هذا جزء من “معاداة السامية”، أم أنه يشكل خطراً على القارة الأوروبية والعالم؟ تُعد “بروجيكت سنديكيت” التي يرعاها سوروس هي أكبر أعداء أوروبا الأكثر شهرة.
لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تم اتهام رئيس الوزراء الهنغاري “فيكتور أوربان” مرة أخرى بالقيام بحملة ضد الصور النمطية المعادية للسامية. كتب ستيفان لوينشتاين، الصحفي والمراسل في صحيفة “فرانكفورتر ألجماين تسايتونج” الألمانية اليومية:
“إن الحملة ضد سوروس الذي ينتمي لعائلة يهودية مجرية، تستخدم في المعاداة للسامية الكلاسيكية: قطب التمويل الذي يريد السيطرة على العالم والذي يقود عملائه مثل اللاعب”.
منذ أن كشف فيكتور أوربان دور سوروس خاصة في اللوبي المؤيد للهجرة في أوروبا وعلى وجه الخصوص في المجر، هاجمت شبكة إعلامية ليبرالية شاملة لعموم أوروبا قلعة أوربان. لا يمر يوم دون هجمات جديدة واتهامات وتهديدات ضد رئيس الوزراء الهنغاري.
تلقي الحملة الإعلامية الليبرالية المناهضة لأوربان الضوء على مشروع يموله سوروس والذي يعمل منذ عام 1995، مخفياً إلى حد ما بهدف تأطير المشهد السياسي في أوروبا ومناطق أخرى من العالم والتأثير عليها. يبدو اسمه أشبه بعنوان حلقة من مسلسل “Godfather” بدلاً من اسم منظمة غير حكومية ليبرالية: “بروجيكت سنديكيت”. تقع المنظمة في العاصمة التشيكية براغ. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، سرعان ما أصبحت دول أوروبا الشرقية مثل التشيك، وكذلك بولندا والمجر، مراكز لأجهزة المخابرات الغربية ومحطات الدعاية. ليس من قبيل المصادفة أن تكون أوساط الدعاية سيئة السمعة التي يديرها الكونغرس الأمريكي في براغ أيضاً.
التفاخر بقدرتها على التأثير
تلعب ” بروجيكت سنديكيت ” دور “سفينة حربية” ليبرالية غربية في تشكيل الرأي، وتعد ربما أقوى شبكة إعلامية في العالم. ولا تضع أي شيء زائف في وصفها الخاص:
“تقوم بروجيكت سنديكيت بإنتاج وتقديم محتوى أصلي عالي الجودة إلى جمهور عالمي. نحن نقدم مساهمات حصرية من قادة سياسيين بارزين وصانعي سياسات وعلماء وقادة أعمال ونشطاء مدنيين من جميع أنحاء العالم، ونوفر لوسائل الإعلام وقرائها تحليلات متعمقة. تشمل عضويتنا أكثر من 500 منفذ إعلامي، يتلقى أكثر من نصفها أخبارنا مجاناً أو بأسعار مدعومة في أكثر من 156 دولة”.
توزع هذه المنظمة غير الحكومية تعليقاتها باللغة الإنجليزية و13 لغة أخرى مثل العربية والصينية والتشيكية والهولندية والفرنسية والألمانية والهندية والإندونيسية والإيطالية والكازاخية والبرتغالية والروسية والإسبانية.
تترجم منشورات الأعضاء إلى 50 لغة إضافية. وتقول ” بروجيكت سنديكيت ” عن نفسها:
“نكرس موارد هائلة لترجمة تعليقاتنا إلى 13 لغة. يمكّن توفير هذه الترجمات مجاناً، المحررين في جميع أنحاء العالم من نشر تعليقاتنا في وقت واحد، مما يشجع النقاش على نطاق عالمي”.
هذا بالفعل وحده يجعل مشروع سوروس، المكرس لإيديولوجية ما يسمى بـ “المجتمع المفتوح” لكارل بوبر، أحد أقوى الأسلحة السياسية والأكثر نفوذاً في الحرب الإعلامية الأخيرة. يمكن لـ ” بروجيكت سنديكيت ” في أي وقت بدء حرب إعلامية إما لمهاجمة شخصيات أو هياكل أو أفكار معينة أو الدفاع عنها.
البنية التحتية للدعاية الممولة من الخارج
المعلومات الدقيقة حول كيف يمكن لهذه المنظمة الطموحة أن تقدم بسخاء موادها المتطورة مجانًا أو بأسعار مدعومة، لم تصبح رسمية بعد، لكنها نشرت قائمة من الداعمين الماليين. ليس من المستغرب أن يشمل ذلك مؤسسة جورج سوروس الرائدة، ولكن هناك أيضاً مساهمين مثل مؤسسة “بيل وميليندا غيتس” ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ومؤسسة ماستر كارد ومؤسسة المناخ الأوروبية ومؤسسة الصحافة الأوروبية مبادرة أخبار غوغل الرقمية. إنها بمعنى آخر تمثل مزيجاً من القوى السياسية والمالية العالمية.
إذن ما الذي تفعله ” بروجيكت سنديكيت ” بالضبط؟ في 4 آذار، قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نداءً في مقال بعنوان “تجديد أوروبا”. تم نشر هذا المقال في وقت واحد في عدد لا يحصى من وسائل الإعلام المتداولة على نطاق واسع في أوروبا كلها في نفس الوقت تقريباً.
قام كل من “دي فيلت” و “الغارديان” و “الباييس” و ” كوريري ديلا سيرا” بنشر نفس المقال في نفس اليوم. لم تكشف أي وسائل إعلام أوروبية بالضبط عن سبب نشر مقالة كهذه ولماذا تم نشرها بطريقة منظمة للغاية.
“تجديد أوروبا” يمثل تماماً الموضوع الأيديولوجي الرئيسي لسوروس و ” بروجيكت سنديكيت “. يقترح ماكرون من بين أمور أخرى، إنشاء جهاز استخبارات مركزي جديد في الاتحاد الأوروبي لقمع المعارضة الأوروبية. ويبدو ذلك في كلماته:
يعتمد النموذج الأوروبي على حرية الإنسان وتنوع الآراء والإبداع. أول حريتنا هي الحرية الديمقراطية: حرية اختيار قادتنا. أقترح إنشاء وكالة أوروبية لحماية الديمقراطيات، والتي ستوفر لكل دولة عضو خبراء أوروبيين لحماية عملياتهم الانتخابية من الهجمات الإلكترونية والتلاعب. وبنفس روح الاستقلال هذه، يجب علينا أيضاً حظر تمويل الأحزاب السياسية الأوروبية من قبل القوى الأجنبية. ويجب أن يكون لدينا قواعد أوروبية تحرم كل التحريض على الكراهية والعنف من الإنترنت، لأن احترام الفرد هو أساس حضارتنا الكريمة “.
لا يحتاج الأمر إلى تحليل عميق للغاية لهذه الكلمات لمعرفة ما يريده ماكرون وحلفاؤه في ” بروجيكت سنديكيت “: “وكالة أوروبية لحماية الديمقراطيات” سوف تخضع لسيطرة هياكل بروكسل لتشويه أي قوة معارضة متصاعدة باعتبارها “ممول من الخارج” وأي رأي معارض من خلال اعتباره ممثل “للكراهية والعنف من الإنترنت”.
حقيقة أن ماكرون يستخدم منظمة ” بروجيكت سنديكيت ” غير الحكومية الممولة جزئياً لنشر دعاية له ضد قوى معينة دليل على مدى جدية حظره لـ “تمويل الأحزاب السياسية الأوروبية من قبل القوى الأجنبية”.
المناهضون لأوروبا
لا يتمتع الرئيس الفرنسي فقط بميزة الاستفادة من الشبكة الإعلامية لـ ” بروجيكت سنديكيت “، بل أيضاً الاستفادة من قائمة المؤلفين الذين ينشرون مقالات الرأي المترجمة والتي تنتشر بسرعة فائقة في جميع أنحاء العالم.
يمكن للمرء أن يعتبر ” بروجيكت سنديكيت ” مجموعة من أشهر الكتاب والسياسيين والمثقفين ورجال الأعمال المشهورين في أوروبا.
يدعي “هاوسمان” أن هذا الهجوم العسكري ضد حكومة كاراكاس “قد يكون الطريقة الوحيدة لإنهاء مجاعة من صنع الإنسان تهدد ملايين الأرواح”. في وقت لاحق، قارن الوضع في فنزويلا بالوضع في أوكرانيا في أوائل الثلاثينيات، عندما انتشرت مجاعة يُزعم أنها نجمت عن حكم ستالين”. ولكن ليس أوروبا فقط تتعرض للهجوم من قبل ” بروجيكت سنديكيت ” الخاص بسوروس. ففي مقال نشر على نطاق واسع بقلم “ريكاردو هاوسمان”، وزير التخطيط السابق لفنزويلا وكبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية للبلدان الأمريكية، ابتداءً من كانون الثاني من هذا العام، يحلم المؤلف علنًا بالتدخل العسكري.
دفع التدخل الأمريكي
ليس من المستغرب أن تدعو ” بروجيكت سنديكيت ” إلى التدخل الأمريكي، لأن هذا هو بالضبط الموضوع السياسي لأمراء الحرب في “المجتمع المفتوح” المجتمعين حول جورج سوروس. لا عجب أنه في منتصف كانون الثاني من هذا العام، كان “أريه نيير”، مؤسس هيومن رايتس ووتش، يشير إلى رئيس البرازيل المنتخب حديثاً “جايير بولسونارو” ويطالب بأن تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في النهوض بحقوق الإنسان”.
لا يضيع نايير، الذي شغل منصب رئيس معهد المجتمع المفتوح لجورج سوروس من عام 1993 إلى عام 2012، أي وقت للتوجه إلى الهدف المطلوب في مقالته، التي قدمت كخطة معركة: بولسونارو ليس وحده. قادة الصين وروسيا والهند وتركيا والولايات المتحدة معادون إلى حد كبير لحقوق الإنسان، وكذلك العديد من نظرائهم في أماكن أخرى. وغالباً ما تواجه الحكومات التي ما زالت ملتزمة بحقوق الإنسان، ولا سيما ألمانيا، خصوماً سياسيين محليين تغذيهم القومية المعادية للأجانب. مما لا يثير الدهشة، أن هذا العداء يخلق العديد من الضحايا. محامو حقوق الإنسان الصينيون والصحفيون الأتراك يعانون من السجن. وأعدمت الشرطة البرازيلية دون محاكمة المجرمين الصغار.
قام جورج سوروس وشركاؤه مع ” بروجيكت سنديكيت “، باحتكار قوي ومؤثر لتسويق الرأي العالمي، وهو نوع من وسائل الإعلام العالمية دون أن يكون مؤسسة تجارية حقيقية. وليس من المستغرب أن يقوم قادة ” بروجيكت سنديكيت” بشرح مهمتهم النبيلة لجمهور عالمي واسع النطاق كالتالي: “جميع الناس، أينما كانوا يعيشون، ومهما كان دخلهم، وأياً كانت اللغة التي يستخدمونها، يستحقون الوصول المتساوي إلى مجموعة واسعة من آراء القادة والمفكرين في العالم حول القضايا والأحداث والقوى التي تشكل حياتهم”.
لن يتم السماح لقادة الدول مثل “فيكتور أوربان” بالدخول إلى هذه الشبكة أبداً، حيث أنهم يدركون خطر تغلغل آراء سوروس.