قال الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع إن عمليات القتل في مناطق الطائفة العلوية تهدد جهوده للمّ شمل البلاد، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه، في إيحاء بأن ما جرى لم يكن بتوجيه منه، وأن هناك تجاوزات، ما يدعو إلى التساؤل عما إذا كان الهجوم المروع قد تم بقرار مركزي من إدارة الشرع أم أنه تنفيذ لقرارات ميدانية متناقضة في ضوء تعدد المجموعات المسلحة واختلاف ارتباطاتها وصعوبة السيطرة عليها.
ويتزامن هذا التساؤل مع قوْل مراقبين إن الهدف من إثارة الاحتجاج العلوي عبر إيران وشبكاتها هو اختبار “براغماتية الشرع” المفترضة ومدى قدرته على الالتزام بالصورة الخارجية التي يصنعها لنفسه بشأن حماية الأقليات وتجاوز ثارات هيئة تحرير الشام الطائفية.
وقال الشرع “لا نقبل أن تكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب.”
ويرى المراقبون أن الشرع يحاول أن يتنصل من مسؤولية ما حصل من جرائم تحت مظلة قواته وإلقائها على عاتق مجهول ولو أدى الأمر إلى الإيحاء بأنه لا يسيطر على المجموعات التي تعمل تحت إمرته، وهو ما يتنافى مع الصورة التي تشكلت عنه حين كان قائدا مباشرا لهيئة تحرير الشام، وما اتسمت به عملياتها من دموية ليس فقط ضد قوات بشار الأسد، وإنما أيضا ضد جماعات حليفة تقف إلى جانبه في مواجهة الأسد، وضد قيادات من الهيئة خالفته الرأي في الزعامة أو في تقدير موقف عسكري أو سياسي.
ويتساءل هؤلاء عما إذا كان الشرع “أبومحمد الجولاني” الذي اتسمت صورته بالرعب والتخويف والقرارات الحاسمة، قد تحول فجأة إلى شخصية ضعيفة ومرنة وتتحمل التجاوزات من رفاق السلاح في حين أنه يسعى إلى تأكيد أحقيته في الحكم ويرسل إشارات طمأنة إلى الغرب والخليج.
ويرى الخبير في الشأن السوري جوشوا لانديس أن ما حدث “سيعرقل جهود” الشرع “في ترسيخ سلطته وإقناع المجتمع الدولي بأنه يسيطر على الأوضاع وقادر على ضبط المجموعات المسلحة التي يُفترض أن تكون تحت قيادته.”
ولا يتعلق الأمر بما إذا كان الشرع يسيطر سيطرة فعلية على الجماعات التي تحت مظلته أم لا؛ لأن السيطرة الفعلية تنتهي خيوطها بيد تركيا وجيشها ومخابراتها، ولكن أهمية الهجوم المروع يمكن أن تغطي على أي تقصير أو تجاوز، لأهمية هذا الهجوم في توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى خصوم حكمه.
وكان واضحا أن الشرع استدعى صورة هيئة تحرير الشام الحاملة لميراث تنظيم القاعدة وعنفه وجرائمه ليقول لمن تظاهروا ضده أو خططوا لتنفيذ تمرد لإسقاطه، من قوى داخلية وخارجية، بأنه ليس مرنا ولا ضعيفا ولا يتحمل اختبار القوة من أي جهة، وحين وجد أن تداعيات الهجوم ارتدت عليه عمل على النأي بنفسه والإيحاء بوجود تجاوزات وأن بعض المجموعات لم تتجاوز ميراث الكراهية ضد بشار الأسد والعلويين الذين ساندوه أو احتموا به.
لكن هذا الانفلات ستكون له نتائج سلبية على المدى المتوسط والبعيد، فهو من ناحية يظهر أن الجماعات المنضوية تحت مظلة الشرع لا تهتم ببناء الدولة ولا بالصورة الخارجية، ما يهمها هو الانتقام ورد العنف الذي تعرضت له تاريخيا على يد الأسد بعنف أشد ضد الأقليات التي كانت تعيش محتمية به. ولتحقيق الهدف هي على استعداد لتجاوز الشرع المطالب بأن يظهر التزامه بشعاراته القديمة القائمة على الانتقام والقصاص والتمكين للطائفة.
ومن ناحية أخرى يرفع الهجوم المروع منسوب الشك لدى الأقليات في خطاب الشرع ووعوده، وقد يدفع الأقليات غير المسلحة إلى تنظيم نفسها والاستعداد لجولات قادمة في وجود دولة غير محايدة.
ويرى لانديس أن “المعارضة العلوية (…) لا تزال مشتتة وتفتقر إلى قيادة موحدة،” لكن أعمال العنف الأخيرة قد تؤدي إلى “تصلّب الموقف” داخل هذه المجموعة.
وحتى إن سعى الشرع لإظهار أنه قوي ومناور ببعث رسائل التخويف واستثمارها سياسيا، فإن محاولة التمرد التي خاضها عسكريون من فلول الأسد جرته إلى مربع لم يكن يريد أن يتم اختباره فيه، وهو استعمال السلاح واستدعاء صورة تاريخه وانتمائه إلى تنظيم القاعدة.
ويُعتقد أن إيران، التي حركت شبكاتها في سوريا، نجحت في جر هيئة تحرير الشام إلى مواجهة تعقيدات الصراع الطائفي والعرقي بدلا من مواجهة الهيئة بشكل معلن، وهي تعرف أن خيار الرد الوحيد لدى مسلحي الجولاني هو استعمال القوة.
وما يفيد الشرع في هذه الأزمة المعقدة أن التعليقات الغربية شديدة اللهجة لم تبلغ -إلى حد الآن- اتهامه أو اتهام المقربين منه، ما يتيح للغرب فرصة لملمة الأمر، ويترك للرئيس السوري الانتقالي أيضا فرصة لملمته داخليا عبر تشكيل لجنة واستقبال شيوخ العلويين وأقارب الضحايا وإظهار التعاطف والتعهد بمعاقبة من “خرقوا” أوامره.
وحثت الولايات المتحدة السلطات السورية على محاسبة “الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين” الذين قتلوا الناس في سوريا، وقالت إنها تقف إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا.
ورفضت إيران الاثنين اتهامها بالضلوع في أعمال العنف في المنطقة الساحلية غرب سوريا، وذلك بعد أن ألمحت تقارير صحفية إلى دور لطهران في اشتباكات هي الأعنف في البلاد منذ الإطاحة بحليفها بشار الأسد.
وشددت إيران على عدم وجود “مبرر” لأعمال العنف التي شهدتها مناطق الساحل السوري في الأيام الماضية، وأسفرت بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل أكثر من ألف شخص بينهم مئات من أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في مؤتمر صحفي إن “هذا الاتهام سخيف ومرفوض بالكامل، ونعتقد أن توجيه أصابع الاتهام إلى إيران وأصدقاء إيران هو أمر خاطئ… ومضلل مئة في المئة.”
وكانت تقارير صحفية في وسائل إعلام في المنطقة تحدثت عن دور لإيران ومجموعات حليفة لها في أعمال العنف التي نشبت الخميس. وفي خطاب الأحد لمّح الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إلى ضلوع “جهات خارجية” في العنف، دون تسميتها.