عمر الرداد
رغم أن عقد قمتين متزامنتين، بقيادة روسيا في سوتشي وبحضور الرئيسين الإيراني والتركي، لمناقشة القضية السورية ومستقبلها، وفي وارسو بدعوة من الولايات المتحدة لمناقشة سبل الضغط على إيران ومواجهتها، تعيد إلى الأذهان، أجواء وسياقات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا ظاهريا، إلا أن الحقائق على الأرض،لا تؤيد هذه المقاربة، وتعكس تحليلات رغائبية خاصة في الشرق الأوسط، بعودة روسيا لتكون ندا للولايات المتحدة في المنطقة، في ظل انحيازات أمريكية معلنة إلى جانب إسرائيل.
لا شك أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي “الرجل المريض “عام 1990،حينما تفردت أمريكا بقيادة العالم واحتلت العراق وقبله أفغانستان،بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001،لكنها أصبحت قطبا دوليا “منافسا ” للولايات المتحدة، دون أن تكون “ندا” لها،إلى أجانب أقطاب دولية أخرى ،على رأسها الصين، وتحديدا في القضايا المرتبطة بالشرق الأوسط، بعد تدخلها العسكري في سوريا في عام 2015، ونجاحها بالانفتاح على الشرق الأوسط في علاقات اقتصادية وعسكرية مع : ايران ،تركيا مصر،السعودية، والسودان،”بعضها محسوب استراتيجيا على امريكا” ومؤخرا الانفتاح على القضية الفلسطينية، بعقد اجتماع للفصائل الفلسطينية في موسكو،تحت عنوان مواجهة “صفقة القرن” وهو ما لم تستطع اية دولة “عربية او أجنبية “ان تنجزه.
المقاربات التي تقوم على أن سياسات ومواقف روسيا تتناقض كليا مع المواقف الأمريكية،يعوزها التوقف مليا عند تلك السياسات،في ظل التفهم الروسي والنجاح بالتحالف مع جناح في الإدارة الأمريكية يمثله البيت الأبيض والرئيس ترامب، فيما هناك جناح آخر يمثله الديمقراطيون ومعهم بعض أوساط الجمهوريين، يركز على جعل العلاقة بين ترامب وروسيا عنوانا يتم التعامل معه في إطار “الخيانة” واستمرار إثارة قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية،بوصفها القضية الأبرز التي يمكن إن تطيح بترامب.
لعل الثابت كقاسم مشترك بين روسيا وأمريكا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، هو ضمان امن إسرائيل من أية تهديدات خارجية ،وخاصة التي تمثلها إيران،وهو ما أكدت عليه قمة هلسنكي في أواخر العام الماضي بين الرئيسين “ترامب وبوتين”.
من هنا فان عقد روسيا مؤتمرا للفصائل الفلسطينية في موسكو بما فيها فتح وحماس ،بالتزامن مع مؤتمر وارسو، الذي شهد تطبيعا من أوساط عربية”رسمية “مع إسرائيل، لا يتناقض مع الإستراتيجية الأمريكية، التي تتطلع لموقف فلسطيني موحد يتعاطى مع عملية السلام، خاصة وان مؤتمر موسكو أكد على الدولة الفلسطينية بحدود عام 1967،وهو مالا يتعارض مع المواقف الأمريكية “المعلنة على الأقل” ويعني أن الخلافات تنحصر في تفاصيل حول ماهية الدولة الفلسطينية، وحدودها ووضع القدس.
إما بخصوص الموقف من سوريا فان مجمل مخرجات مؤتمر سوتشي غير بعيدة عن تطلعات أمريكا،فمسالة بقاء الأسد في مرحلة انتقالية على الأقل، أصبحت محسومة بتوافق أمريكي روسي،في إطار تعهدات روسية بإعادة”ضبط إيقاع الرئيس الأسد” فيما تتوافق أمريكا مع التوجهات الروسية لضبط “تقلبات “الرئيس اردوغان تجاه القضية السورية بثلاث محطات وهي: مواقفه تجاه أكراد روسيا وتحويلها ضمن الفهم الأمريكي للأكراد بكونهم حلفاء شكلوا رأس الحربة في مواجهة الإرهاب،الدستور السوري الجديد لسوريا،والذي لن يخرج عن المقترح الذي تم الإعلان عنه عام 2014″الفدرالية”، والتخلي التركي عن دعم القاعدة”هيئة تحرير الشام”،ورفض المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا في الشمال السوري ،وهو ما تحقق او في طريقه للتحقق.
ورغم التباين في الموقفين الروسي والأمريكي تجاه إيران،ضمن تكتيكات متباينة لموسكو وواشنطن، إلا أن المتفق عليه بين الجانبين إخراج القوات الإيرانية من سوريا، في ظل رؤية مشتركة ل” موسكو وواشنطن” تجاه مستقبل سوريا، وهو ما يفسر “التواطؤ” الروسي الذي لم يعد موضع شكوك،تجاه الضربات الإسرائيلية المتكررة، وتؤكده الاحتجاجات والشكوك الإيرانية المعلنة تجاه المواقف الروسية، بما فيها استمرار السيطرة الروسية على منظومة صواريخ “اس 300 السورية” إضافة للاحتكاكات بين الروس وإيران في سوريا، في مناطق حلب وحماة ودمشق وإحباط التوجهات الإيرانية للهجوم على ادلب، وفي مناطق الجنوب السوري.
وفي أفغانستان فانه ورغم التنافس الأمريكي الروسي،الا ان جهود الجانبين بإدارة الملف الأفغاني، تتم تحت عنوان “تطويع” حركة طالبان للمشاركة بإنتاج أفغانستان جديدة، بما يحقق المتطلبات الإستراتيجية للجانبين، خاصة بالنسبة لروسيا، وحساباتها الأمنية في ظل علاقات جماعات إرهابية في الجمهوريات الإسلامية “السوفيتية” واشتباكها مع المشهد الأفغاني.
وبالخلاصة، فانه لا يمكن التعامل مع المبالغات التي تزعم أن روسيا،التي تحول فيها الحزب الشيوعي الروسي إلى حزب معارض ل “بوتين”، بوصفها الاتحاد السوفيتي السابق،وإدراك ان توافقها مع إدارة “ترامب” أعمق وأوسع مما يظن كثيرون في المنطقة، وان ما يظهر على السطح من خلافات او تناقضات بين موسكو وواشنطن، هي تناقضات بالفعل موجودة مع جناح في الإدارة الأمريكية، يعاند الرئيس ترامب،تعزز بفوز الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، وهو ما يخشى معه من قرارات”صادمة” لترامب، إذا ما تعرض لضغوط شديدة داخليا، قد تدفع به لشن هجوم مفاجئ على إيران،لخلط الأوراق، بالتزامن مع نجاحات في العلاقة مع كوريا الشمالية والصين