د. شهاب المكاحله
في الأيام القليلة الماضية، عشنا وعاش الأردنيون حالة من الترقب اللامتناهي وكأنهم أمام شاشات عرض كبيرة بل أمام مسرح مفتوح “في انتظار جودو” ضريبة الدخل وغيرها من القوانين التي تمس حياة المواطن الأردني بكل ما فيها.
عندما كنا صغاراً، كنا معجبين بالمسلسل التلفزيوني السوري الكوميدي الهادف ”صح النوم”، وكان جُل ما يُضحكني شخصية نهاد قلعي (حسني البرزان) حين كان يقول: ”إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فيجب أن نعرف ماذا في البرازيل”. كنا نضحك لأننا لا نعرف ما هي إيطاليا ولا حتى البرازيل. واليوم نضحك لسبب آخر: ما العلاقة بين المواطن الأردني ومديونية الأردن؟ وما العلاقة بما يجري حالياً من نشاط سياسي لبعض أفراد من العائلة المالكة إعلامياً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وما يجري داخلياً، واقليمياً ودولياً؟
من هنا ومن العاصمة واشنطن ومن خلال مراقبة حثيثة لما يجري من خلف كواليس المشهد السياسي الأردني، مع إشاعات بين الحين والآخر لمشروع جديد لقانون الانتخاب قد يتيح تغييراً من نوع ما في ماهية المجلس النيابي القادم للعام 2020 مع ترجيح العودة إلى قانون العام 1989 مع تعديلات بسيطة وتقليص عدد النواب إلى 80، يبدو الوضع سرابياَ وملبد بالغيوم التي لا بد أن تنقشع لأننا أمام مؤامرة كبيرة على الأردن.
إن ما يحدث حالياً في الأردن أكثر من مجرد قانون انتخاب. فهناك قانون ضريبة الدخل، وقانون للانتخاب في ظل نشاط ملكي في الولايات المتحدة مصحوباً بدخول الأميرين حمزة وعلي لتغيير نهج التعاطي مع الأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلاد والتي أعطت الأميرين زخماً إعلامياً في الفترة الماضية.
لكن ما يجري في الأردن حقيقة ليس اقتصادياً فقط بل سياسي بامتياز. وإذا إردنا أن نعرف ما يجري في عمًان لا بد لنا من معرفة ما يجري في واشنطن وتل أبيب. المشهد سريالي وغير واضح المعالم في الأردن لكنه واضح هنا في واشنطن وتل أبيب من خلال لقاءات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في الولايات المتحدة. وتصريحاته في اسرائيل. فهو يرى أن الأردن جزء من فلسطين وحسب وصفه فإن شرق نهر الأردن هو شرق الوطن القومي اليهودي ولا يعني أن توقيع اتفاق سلام مع الأردن كفيل بحماية الدولة الأردنية لأنه باختصار يعتبر أن الدول العربية هل التي تحمي حدود إسرائيل وليس العكس.
يرى نتنياهو أن ما يجري في الأردن حالياً من مناوشات سياسية يعود إلى أمرين: الأول هو أن معظم سكان الأردن هم من الفلسطينيين ممن لم يُعطوْا حقوقهم المشروعة، والثاني أنه على الفلسطينيين على الأرض الأردنية إقامة وطن بديل لهم في الأردن وليس في فلسطين وعدم التفكير في محاولة العودة اليها. كل ذلك هو لُب الضغط الاسرائيلي على البيت الابيض الذي بدوره لا يستطيع ان يرفض لإسرائيل طلباً. ولتحقيق ما تريده تل أبيب، مُهِدَ لها الجو العام من ربيع عربي وغيره وغطاء إعلامي كبير وتمويل ودعم لوجستي للمجموعات الإرهابية التي تطلق على نفسها بالمعارضة.
يتحدث نتنياهو عن أهمية الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 أمام الأمم المتحدة ويقول من وراء الكواليس إن العلاقة بين الأردن وإسرائيل يكتنفها الغموض. وحسب ما يراه نتنياهو، فإن لا وزن لمصالح الأردن بل لمصالح إسرائيل على العكس مما كان يتم التصريح به عند توقيع اتفاقية وادي عربة في العام 1994 إذ كان حينها الاعتقاد السائد أن أمن الأردن من أمن اسرائيل واليوم ما عاد هذا الأمر هو السائد بل إن أمن إسرائيل هو الأساس ولا أهمية لأمن جيرانها أو من يحكم هناك.
يبدو أن على الاردن انتهاج سياسة جديدة في التعاطي مع تل أبيب التي بدورها تؤثر على سياسة واشنطن الشرق أوسطية. وطالما أن الأردن ضعيف داخلياً لكثرة المتآمرين عليه وإقليماً لكثرة المتربصين به ودولياً بسبب التجاذبات الدولية، فإن المرجعية لا يمكن إلا أن تكون من الشعب الحريص على وطنه وأمنه ومبادئه العليا. وذلك يتطلب أن تتنازل الحكومة للشعب وليس العكس وأن تستمع لما يريده المواطن لا المسؤول الذي يرحل بتذكرة ذهاب فقط إن حدث مكروه للمملكة تاركاً هم الدفاع عن حدودها لابناء الحراثين والفلاحين وأبناء البادية ممن ضاقت الأرض بهم.