د. شهاب المكاحله
يوضح استخدام الدبلوماسية الرقمية قوة وسائل الإعلام الإلكترونية من قبل وزارات الخارجية في الرسائل الدبلوماسية. وهذه الظاهرة ليست جديدة بمعنى أن الإذاعة كانت هي الرائدة في إيصال المعلومة إلى الغير. أما اليوم، فتتدفق المعلومات من المرسل إلى المتلقي على الفور مع قدرات الدبلوماسيين في التحدث إلى كل من هو على علاقة بهم اجتماعياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فلم يعد هناك مونولوج في الدبلوماسية الأجنبية يقوده فرد بعينه أو وزير خارجية.
ففي دراسة أعدها مركز جيوستراتيجيك ميديا، تبين أن ثورة الإنترنت قد أثرت على جميع جوانب الحياة ، بما في ذلك العلاقات الدولية. كما تحولت هذه الثورة إلى دبلوماسية بل كأداة من أدوات السياسة الخارجية لأنها تركز على استخدام وسائل الإعلام الرقمية في مجال الدبلوماسية. اليوم الدبلوماسية الرقمية باتت على مستويين: الأول ينبع من وزارة الخارجية ومن السفارات الموجودة حول العالم والثاني من خلال تفاعل المنظمات والأفراد من خلال العمل على هذين المستويين.
ويمكن للدول تشكيل “رسائلها السياسية الخارجية كما يمكن للسفارات إرسال رسائل للجمهور المحلي باستغلال عناصر تاريخية وثقافية وقيمية وغيرها، مما يسهل قبول سياساتها الخارجية ورسم الصورة المُحببة التي يهدفون إلى زرعها بين أفراد من المجتمعات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، تحدث الثورة الدبلوماسية في العصر الرقمي من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) التي غيَرت الطريقة التي يتواصل بها الناس وآلية تبادل المعلومات، والمشاهد السياسية والاجتماعية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم. فالمنصات الالكترونية والتطبيقات باتت اليوم في كل مكان.
وتُعد الولايات المتحدة رائدة في الدبلوماسية الرقمية التي بدأت فيها في عام 2002، ثم تبعتها دول أخرى. فلدى وزارة الخارجية البريطانية مكتب للدبلوماسية الرقمية للقيام بأنشطة الدبلوماسية الإلكترونية. كما نشطت السويد في الترويج للدبلوماسية الرقمية، وخاصة من خلال استراتيجية التواصل عبر الإنترنت لوزير خارجيتها. وبالمقارنة، ضاعفت العديد من الدول من أنشطتها البلوماسية الرقمية في السنوات العشر الماضية إذ أشارت فرنسا في عام 2008 إلى أن قوتها الناعمة تعتمد على التقنيات الرقمية ، بينما تستخدم إدارات الشؤون الخارجية البولندية واليابانية مجموعة كبيرة من شبكات التواصل الاجتماعي. علاوة على ذلك ، تحولت ألمانيا إلى منصات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل الحصول على رأي جماعي وأفكار جديدة من الجمهور للحصول لتحسين أداء السياسة الخارجية للعام 2014. وأخيراً ، تستخدم روسيا بشكل كبير الدبلوماسية الرقمية. فقبل بضع سنوات، تفوقت روسيا على ألمانيا كأكبر سوق إنترنت في أوروبا بأكثر من عشرات ملايين مستخدم للانترنت شهرياً مع نمو متسارع.
وبالعودة إلى الولايات المتحدة، تستخدم وزارة الخارجية الأميركية الدبلوماسية الرقمية لنشر رسالة أميركا. ووفقاً لموقع وزارة الخارجية نفسه ، فإن العمل التقليدي للدبلوماسية – والتفاعلات بين ممثلي الدول ذات السيادة – يظل جوهر عمل أميركا. في عالم اليوم المترابط ، يلعب الأفراد والمنظمات – وليس فقط الدول – دوراً أكبر في الشؤون الدولية. إذ تربط الشبكة العالمية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أكثر من نصف سكان العالم من خلال الهواتف المحمولة.
ويمكن رؤية دبلوماسية الولايات المتحدة الرقمية في جميع أنحاء العالم عبر التطبيقات الالكترونية ومنصات التفاعل الاجتماعي. وفي المكسيك ، تعمل واشنطن مع الحكومة المكسيكية ، وشركة الاتصالات المكسيكية، والمنظمات المكسيكية غير الحكومية لإنشاء نظام خدمة الرسائل القصيرة (SMS) الذي يمكن للمواطنين من خلاله الإبلاغ عن الجرائم دون الكشف عن هويتهم وبالتالي تجنب تعريض حياة المواطنين الذين يتعاونون مع السلطات للخطر. وفي باكستان، راعت وزارة الخارجية الأميركية إنشاء شبكة متنقلة تضم حوالي 450,000 مستخدم ، وتعمل بالكامل عبر الرسائل القصيرة ، حيث أن معظم الباكستانيين ليس لديهم هواتف ذكية. وفي هايتي، ساعدت الإدارة على بناء نظام لضحايا الزلزال لطلب المساعدة عبر الرسائل النصية. ثم تُرجمت الرسائل النصية القصيرة من لغة الكريول إلى الإنجليزية وتم إرسالها إلى عمال الإغاثة في غضون دقائق. وتوضح هذه الأمثلة قوة الدبلوماسية الرقمية.
الديبلوماسية الرقمية عادة ما تكون مفهومة كشكل من أشكال الدبلوماسية العامة. ويشمل استخدام التكنولوجيات الرقمية ومنصات الشبكات الاجتماعية مثل Twitter و Facebook و Weibo من قبل الدول للدخول في اتصال مع الجمهور الأجنبي عادة بطريقة غير مُكلفة. فعلى الرغم من أن الأسلوب التقليدي للدبلوماسية ، أي التفاعلات بين ممثلي الدول ذات السيادة ، يبقى أمراً حاسماً، في عالم اليوم المترابط، إلا أن الأفراد والمنظمات يلعبون دوراً أكبر في الشؤون الدولية من الدول نفسها. وهذا ما يفسره قيام الثورات البرتقالية وغيرها في العالم.