د. شهاب المكاحله– واشنطن
يبدو أننا أمام حرب الطاقة في العالم. فبعد ان كانت الحدود البحريه بين الدول المطله على منطقه شرق البحر المتوسط ليست على مستوى الاهمية في الماضي القريب إلا أنها أصبحت هي الاهم نظرا لاكتشافات الغاز والنفط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وهو ما جعل تركيا ترفض ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص وبين إسرائيل ولبنان وسوريا. فحقل الغاز الكبير موجود في المياه السورية. وهذا سر من أسرار الحرب الدائرة في سوريا: حرب الغاز والنفط. إن حرب الغاز الطبيعي تشتعل في دول البحر المتوسط وفي العالم على الرغم من المكاسب الكبيرة التي يتم تحقيقها للجميع إلا أن صراعا عسكريا قد ينشب في أية لحظة إذا لم تتمكن دول مثل قبرص واليونان وتركيا من التوصل إلى حل قريبا.
واليوم بات من المؤكد أن من يتحكم بموارد الطاقة المستقبلية يتحكم بالسياسة والاقتصاد الدوليين. فثورة الغاز الزيتي في الولايات المتحدة الأميركية أذهلت وفاجأت الجميع، كان ذلك ملخص مؤتمر عُقد مؤخرا في واشنطن. فالدولة التي كانت قلقة ومنزعجة من اعتمادها على الوقود الأحفوري في الشرق الأوسط توشك الآن على الاكتفاء الذاتي في مجال الغاز الطبيعي والنفط. ليس هذا فحسب بل إن وكالة الطاقة الدولية قد أعلنت أنها تتوقع أن تصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم بحلول عام 2020، متجاوزة المملكة العربية السعودية وروسيا. ولكن لماذا حدث هذا؟
يمكن القول بأن مؤشرات الأسعار لعبت دورا هاما في ذلك. فأسعار النفط التي ظلت مرتفعة لأكثر من عقد دفعت المنقبين إلى البحث بجدية أكثر عن مصادر وقود غير تقليدية: النفط والغاز الذي يوجد في الأعماق تحت البحر، المطمور في الصخور الزيتية أو العالق في الرمال الزيتية الهائلة في كندا. وعليه، فقد طوروا تكنولوجيا متقدمة لاستخراج هذه الكنوز وتوجت بنجاح باهر فأصبح شمال أمريكا الآن متخماً بالغاز. نتج عن ذلك هبوط الأسعار الذي دفع بدوره الشركات المتخصصة في عمليات الاستخراج المتقدمة للتنقيب عن الزيت الصخري بدلا من ذلك.
فوفقا لوكالة الطاقة الدولية، يمكن للولايات المتحدة أن تحقق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2035. في الوقت ذاته يرى المحللون أن بإمكانها تحقيق ذلك الحلم أقرب من ذلك العام. ويُشار إلى أن كندا لديها إمكانات هائلة أيضا. إضافة إلى الرمال الزيتية، هناك تقرير يشير إلى أنه لدى مقاطعة ألبيرتا لوحدها احتياطات من الغاز والزيت الصخري ما يعادل أميركا. هذا الازدهار في مصادر الطاقة له فوائد ضخمة: فالغاز الرخيص يولد كهرباء رخيصة، ما يسهم في تعزيز الصناعة الأميركية لاسيما القطاعات التي تستهلك مستويات عالية من الطاقة مثل صناعات الألومنيوم والحديد والزجاج. كما أن الغاز منخفض الثمن يدعم شركات البتروكيماويات التي تستخدمه في صناعة مواد مفيدة مثل البلاستيك. علاوة على هذا، فإن الولايات المتحدة تستهلك 19 مليون برميل يوميا من النفط، حيث يكلف سعر البرميل المستورد نحو 109 دولار.
تبلغ كلفة تصدير الغاز الروسي الى اوروبا 2-3 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية بينما تبلغ كلفة تصدير الغاز الاميركي المسال الى اوروبا 5-6 دولار لكل مليون وحدة حرارية. لذلك فإن الكفة تميل لصالح روسيا التي لو باعت غازها الى اوروبا بحوالي 3-4 دولار لكل مليون وحدة حرارية فانها سوف تقضي على صناعة الغاز الاميركي المسال. فلو قامت روسيا ببيع انتاجها من الغاز إلى أوروبا بمقدار 160 بليون متر مكعب بسعر 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية فإنها أي روسيا ستحصل على 28 بليون دولار بالمقابل كإيرادات. أما إذا قامت أميركا بتصدير 60 بليون متر مكعب من الغاز المسال إلى اوروبا فإن ذلك يعني خسارة روسيا ما يقدر بـ 10-11 بليون دولار.
يبدو ان موقف روسيا من الغاز الاميركي وموقف واشنطن من موسكو من النفط الروسي هما مفتاحا الصراع على الشرق الأوسط الذي سيستمر لسنوات. فالتوجه اليوم نحو استخدام الغاز مع اغلاق الاوروبيين لمفاعلات الطاقة النووية يعني أن من يسيطر على منابع الغاز هو من يتحكم بالعالم للقرن القادم.
كيفية استغلال الثروة المفاجئة بحكمة
لا شك أن توفير مصادر طاقة متجددة رخيصة يُعتمد عليها بحيث يمكن الاستغناء عن الوقود الاحفوري تماما هو أمر سيستغرق سنوات عدة. ومن ثم، يمكن اعتبار الوقود الاحفوري والانبعاثات الناتجة عنه شران لا مفر منهما. وبدلاً من محاولة تحجيم انتاج النفط والغاز، ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تتركهما يتدفقان، ولكن يتعين عليها في الوقت ذاته أن ترغم المستهلكين على دفع التكاليف الكاملة لهذا الوقود- بما في ذلك التكاليف البيئية- مع مواصلة السعى لتوسيع تطوير البدائل الأخرى. وينبغي على إدارة أوباما أن توافق على مشروع أنابيب كيستون “keystone XL pipeline” الذي يهدف لنقل النفط الخام من كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية. رغم ما سبق، لا تزال سياسة الطاقة الأمريكية غير منطقية فيما يتعلق بالسعر الذي يعكس التكلفة الحقيقية للطاقة. فالضرائب الضئيلة المفروضة على البنزين لا تأخذ في الاعتبار الآثار الضارة للتلوث. لذا، ينبغي فرض ضريبة أعلى بغية جعل الطاقة القذرة أكثر تكلفة ومن ثم كبح الطلب عليها. ختاما، يخلص التقرير إلى أن أضخم وفرة في الطاقة الجديدة ستحدث حقاً إذا دفع المستخدمون التكلفة الحقيقية لاستهلاك النفط والغاز.